الاثنين، 27 أكتوبر 2014

تابع شرح القواعد المثلى الفصل الثاني قاعدة 5،6،7

تابع قواعد في صفات الله عز وجل
القاعدة الخامسة
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.

 * الشرح *

قد يقول قائلٌ: هذا التقسيم لأهل العلم إنه لم يَرد به نصٌ ، فما بالنا نُقسم هذا التقسيم؟!

وهذا إيرادٌ قوي جداً،ويجاب عنه بأن يُقال : لما وقع الخلاف بين أهل الكلام بين مايثبتونه من الصفات وبين ما لا يثبتونه ؛ احتاج أهل السُنة المُتبعون للسلف أن يُقسِّموا هذا التقسيم من أجل تحقيق المناط ومايرد فيه الخلاف ومالايرد.ثم هم يقولون:إذا كانت الصفة لازمة لاتنفك عن الله-عزوجل-فهي صفة ذاتية.كالحياة,والعلم, والقدرة,والسمع,والبصر,والعِزة ، والحِكمة ؛وماأشبه ذلك ،فهذه كلها صفات ذاتية ، وسُميت بذلك للزومها للذات ، ثم قسموها إلى:معنوية وخبرية: فماكان نظيرُمُسماه أبعاضاً لنا سموه: خبرية ، وماكان دالاً على معنىً سَمَّوْهُ :معنوية، فالسمع مثلاً صفة ذاتية معنوية ، واليد صفة ذاتية خبرية، لايقولون:" معنوية" لأنهم لو قالوا "معنوية" عادوا إلى تأويل الأشعرية وشَبيههم .
والذي جعلهم لايقولون "بعضية" كما نقول : يدنا بعضٌ منا أو جزءٌ منا .قالوا:لأننا لايجوز لنا أن نُطلق كلمة "بعض" أو "جزء" على الله-عزوجل- فتحاشواهذا بقولهم : صفات ذاتية خبرية.



وقالوا" خبرية" لأنها مُتلقاة ٌمن الخبر، فإن عقولنا لاتدلنا على أن لله تعالى يداً بها يأخذ ويقبض ويبسُطُ، ولا تدلُّنا على ذلك، لكن علمناه بمجرد الخبر ، لأن الصفات الذاتية مثل الحياة والعلم والقدرة؛ قد دل عليها العقل ، لكن اليد والعين والوجه لم يدل عليها العقل.

فبعد إثبات الساق لله ؛ لايستطيع العقل أن يتدخل وثبت لله ركبة مثلاً ،لأن العقل ليس له تدخل في هذا ولا يمكن أن نقول به


فيجب أن نقتصرفي هذه المسائل على ماجاء به الخبر ونُسميها خبرية؛ ولا نسميها "جزئية" أو"بعضية" لوجوب تحاشي هذا التعبيرفي جانب الله-عزوجل- .
*المتن*

والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"
سورة يس، الآية: 82 وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجزعن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانـه - لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة ، كما يشير إليه قوله تعالى :"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشـَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" سورة الإنسان، الآية: 30.
* الشرح *

القسم الثاني :"الكلام" عند أهل السُنة والجماعة صفة فعلية باعتبار آحاده ، وصفة ذاتية باعتبار أصله.

فباعتبار أن الله لم يزل ولايزال مُتكلماً، كما أنه لم يزل ولايزالُ خالِقاً ،فعَّالاً لما يُريدُ، بهذا الاعتباريكون صفة ذاتية.

وباعتبار آحاده يكون صفة فعلية.فمثلاً إذا أراد الله أن يخلق شيئاً قال:"كُن فَيَكُون".فهنا إرادتان: إرادة سابقة وإرادة مقارنة. والقول إنما يكون بعد الإرادة المقارنة للفعل.فإذا أراد أن يكون الشيء قال له:"كُن"فبمجرد أن يقول ذلك فإذا بالشيء يكون على وفق ما أراد ؛ولهذا جاءت الفاء"فيكون".أماالإرادة السابقة بأنه سيفعل فهذه سابقة مايقع بعدها قول.لكن الإرادة المقارنة هي التي يقع بعدها القول.فالقول إذن بعد الإرادة.القول: "كن" بعد الإرادة وهذا يدل على حدوث هذه الكلمة ولا لأ؟ نعم يدل على حدوثها وأنها صارت عند إرادة الفعل. كذلك القرآن الكريم فيه آيات واضحة تدل على أن اللهَ تكلم بها بعد وقوع الفعل بعد وقوع المتحدَّث عنه . "وإذ غدوتَ من أهلك تُبوئ المؤمنين مقاعد للقتال" إذ غدوت الغدو سابق على هذا القول ولا لاحق؟ سابق"وإذ غدوت تُبوئ".

"قد سَمِعَ اللهُ قولَ التى تُجادلك في زوجها" فالمسموع سابق ولا لأ؟ سابق.إذن فهذاالقول صادر بعده وعلى هذا فقِس.

فكلام الله-عزوجل-باعتبارآحاده صفة فعلية وباعتبار أصله وأنه صفة الله-عزوجل-لم يزل ولايزال مُتصفاً به :صفة ذاتية: هذا هو تقسيم أهل السُنة والجماعة في تقسيم كلام الله.


أما الأشاعرة والماتريدية ومن على شاكلتهم ، والكُلاَّبية ونحوهم، فقالوا:إن الكلام صفة ذاتية فقط ،لأنهم يجعلون الكلام هوالمعنى القائم بالنفس ، وأن هذا المسموع شيءٌ مخلوق.خلقه الله تعالى ليُعبرعما في نفسه؛ فكان الكلام على مذهبهم صفة ذاتية.

ولكن ما ذكره السلف هو الحق المُطابق للمعنى اللغوي والعقلي، وأن الله-عزوجل- يتكلم-سبحانه وتعالى- متى شاء وبما شاء وكيف شاء، فلهذا نقول:إنه صفة ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار آخر.

فإذا قالوا:كون الكلام صفة ذاتية وفعلية فهذا جمع بين الضدين؟ قلنا:مادامت الجهة مُنفكة فلا تناقض، فالسجود مثلا قد يكون شركا وقد يكون طاعة ،وذلك باعتبارين، فإن كان لله كان طاعة وإن كان لغير الله كان شركاً.
انتهت القاعدة الخامسة
****************
تابع قواعد في صفات الله عز وجل 
القاعدة السادسة:
يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل. والثاني: التكييف.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.

أما السمع: فمنه قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11. وقوله: "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ".سورة النحل، الآية: 17. وقوله: "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً"سورة مريم، الآية: 65.. وقوله: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.
الشرح
فقوله تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11 – كلمة" شيء " هنا نكرة في سياق النفي ؛ فتعم كل شيء ، أيُّ ليس هناك شيءٍ أبدًا مُمَاثِلاً للهِ.

وقد وقع في "الكاف" جدلٌ كبيرٌ بين العلماء ، لأن وجودها مع"مثل"مشكلة؛ إذ كلٌ منهما يدلُ على التشبيه أو التمثيل؛ فلو قلتَ: "ليس مثل مِثلِهِ شيئًا"؛ معناه: أنك أثبتَ المثلَ ونفيتَ المُماثلة عن هذا المِثل، وهذا تناقض؛ لأنك إذا نفيت المماثلة عن المِثل لم تُثبت وجود المثل ، وهذا يقتضي التناقض الظاهر.
ولهذا اختلف العلماء في هذه الكاف .

فمنهم مَنْ قال:إن الكاف زائدة وتقدير الكلام:"ليس مثلهُ شيء" .
.ومنهم مَنْ قال:إن "مِثل" هي الزائدة ، فتقدير الكلام هو:"ليس كهو شيءٌ"؛ فالزائد إحدى هاتين الكلمتين ،ولاشك أن القول بزيادة "الكاف" ؛أولى من القول بزيادة "المِثل"؛ لأن زيادة الحروف في اللغة العربية كثيرة، لكن زيادة الأسماء قليل جداً؛ فضلاً عن كونه موجوداً أصلاً .

ومنهم مَنْ قال:إن"مِثل"هنا بمعنى "ذات"؛ فتقدير الكلام ؛ ليس كذاته شيء . وهذا أيضاً ليس بصواب ؛ لأن المِثل لايُمكن أن يُقالأنه يُرادُ به الذات، فذاتُ الشيءِ ليست هو مثل الشيء.
ومنهم مَنْ قال:إن المِثل بمعنى الصفة، وذلك كقوله تعالى:"إنما مثلُ الحياةِ الدنيا كماءٍ أنزلناهُ" يونس 24 . أي صفتها وحالها ، وكما في قوله:"وله المثلُ الأعلى" الروم 27 - أي الوصف الأكمل. وقالوا:إن "المِثـْلَ" و"المَثـَلَ" يرجعان إلى معنى واحدٍ ، كـ"الشِّبْهِ" و"الشَّبَهِ"؛ فيكون المراد بـ"المِثـْلِِ" هنا على رأي هؤلاء؛ الصفة ؛أي ليست كصفته شيءٌ، .فمِثـْلُ بمعنى :مَثـَل ، والمَثـُلُ بمعنى الصفة.

ومنهم مَنْ يقول:إن المِثل هنا على بابها ، فمعناها كما يتبادر إلى الذهن، و"الكاف" هنا زائدة للتوكيد، فهو نفس المعنى الأول ،.فإن العرب قد تُطلق مثل هذه العبارة وتريد ذاتَ الشيءِ، كما يقولون: "مِثلكَ لايُهزمُ" ؛ المراد : أنتَ لا تُهزم، لكن أضافوا ذلك إلى المِثل لأنه إذا كان مثلُك لايُهزم فأنتَ من باب أولى.فإذا كان مِثلُ اللهِ ليس له مِثل فالله تعالى من باب أولى.

والذي يظهر لي : أن هذا من باب التوكيد، كأنه عز وجل كرر الكلمة مرتين لتكرار نفي المماثلة.أما قوله تعالى:"أفَمَن يَخْلُقُ كَمَنْ لَّا يَخْلُقُ" النحل 17 . فالأمرُ فيها واضحٌ، فإنه يوبخهم ولذلك قال:"أفَلَا تَذَكَّرُونَ" يوبخهم. وذلك مثل قوله تعالى "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمًِّيا" مريم 65 . والسَّمي معناه الكُفء والنظير؛ والاستفهام للنفي. ومثاله أيضًا قوله تعالى "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.أيضاً ظاهر في نفي المكافأة.

  
  المتن
وأما العقل فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبياناً في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص  يجعله ناقصاً.
الشرح
 

تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصاً، بل إن المُقارنة بينهما تُوجب النقص كما قيل:

ألم تر أن السيف ينقصُ قَدرُهُ.. إذا قيل إن السيفَ أمضى من العصا.

 أي لو قلت :" عندي سيف عظيم جداً من أحسن السيوف ، وهو أمضى من العصا"، فلن يعد الناس قولك هذا شيئًا ، لأنه لامقارنة بينهما من الأصل .



هذا ليس بشيءٍ لأن العصا ما يمضى إلا إذا ضربت به شيئاً ليناً يتفرط ، لكن لو ضربت به شيئاً لايتفرط ولو كان ليناً مامضى به لوتضرب كورة لينة هل يُمزقها؟ لايمزقها لكن السيف لو تضرب به خشبة مزقها. المهم أن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصاً.  

  المتن 
 الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات،لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" الشورى 11

الشرح


الواقع أن التعبير بالتمثيل أولى لوجهين: 
 أحدهما : أن هذا تعبير القرآن. 

الثاني : أن نفي التشبيه على سبيل الإطلاق غيرُسديدٍ ، لأنه ما من شيئين موجودين إلا وبينهما تشابهٍ من حيثُ الجملة ،  فالوجود للخالق وللمخلوق اشتركا في أصل الوجود وإن اختلفا في حقيقتة،  فوجود الخالق واجبٌ لازمٌ,أزليٌّ,أبدِيٌّ ووجود المخلوق جائزٌ,ممكنٌ,قابلٌ للعدم كماهو ظاهر. 

السمع للخالق والمخلوق بينهما اشتراك في أصل المعنى؛ لكن هذا يختلف عن هذا،هذا من جهة

ومن جهة ثانية : أن بعض الناس يجعل إثبات الصفات تشبيهاً. فإذا قلنا:"من غير تشبيهٍ " أوْهَمَ مَنْ لايدري أننا نُريد" من غير إثباتٍ" ؛ لأن بعض الناس يجعل كُلَّ مُثبَتٍ مُشَبِّهاً.فإذا قلنا:"من غيرتشبيهٍ" ظن الظان الذي لايدري عن معنى ما نُريد أن المراد:" من غير إثباتٍ الصفة " ؛لأنه لم يدرس في الكتب التي عنده إلا أن إثباتَ الصفاتِ تشبيهٌ،  ولهذا يُسمَّوْن المُثبِتة :المشبِهة.
فمن ثم صار التعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفي التشبيه لهذين الوجهين:   1-موافقة القرآن.2-أن نفي التشبيه على الإطلاق لايصلح إذ مامن شيئين موجودين إلا وبينهما اشتراكٌ في أصل الشيء وهذا الاشتراك نوعٌ من التشابه لكنه ليس مماثلة.المماثلة تقتضي المساواة من كل الوجوه والمشابهة تقتضي المساواة في أكثر الصفات.           

  المتن 

وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً" طه 110


الشرح  

وإذا كنا لانُحيطُ به علماً ؛ فكيف يُمكن أن نُكيِّف صفاته؟؛ لا يمكن أن نُكيِّف صفاته إلا إذا أحطنا  به علماً؛ وإلا كنا كاذبين وقائلين بغير الحق.                      

  المتن 

وقوله: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" الإسراء 36. ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له،أو بالخبر الصادق عنه،وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.



الشرح  


هذه القاعدة مهمة جدًا ،وهي : أن الشيء لاتُعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بأحد ثلاثة أشياء:
أولاً : العلم بكيفية ذاته.
ثانيًا : العلم بنظيره المساوي له. 
ثالثًا:  بإخبارالصادق عنه.
 وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله تعالى.   
 فمثلا : إذا قلنا  بأن لله سمعا ، فإننا لا نستطيع  أن تُكيف هذا السمع؛ لأنك لاتستطيع أن تعرف كيفية ذات الله فكذلك كيفية  سمعه.
 وليس لله تعالى نظير حتى تعرف سمع الله بمعرفة سمع نظيره،ولم يخبرنا الرسول-صلى الله عليه وسلم-بذلك بكيفية سماعه ، فتوقف علمنا بكيفية هذه الصفة وغيرها من الصفات عند مجرد إثباتها .

مثال آخر : " ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"  الفرقان 59 ؛ لايمكن أن نعرف كيفية الاستواء، لأننا لم نعرف كيفية ذات الله ، وليس هناك نظير استوى على شيء مثل العرش حتى نعرف كيفية استوائه عز وجل  ، ولم يخبرنا الله عز وجل بكيفية استوائه على العرش ، ولهذا قال بعض العلماء : 

إذا قال لك الجهمي كيف استوى الله على العرش ؟فقل له:إنَّ اللهَ أخبرنا أنه استوى على العرش ؛ ولم يخبرنا كيف استوى.
وقال بعضهم :إذا قال لك كيف استوى؟ فقل له:كيف هوَ بذاته؟ فسيقول:لاأعرف كيفية ذاته.فقل له:إذن لانعرف كيفية صفاته؛ لأن الكلامَ في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات.
  المتن 

وأيضاً فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟
إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك.
وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.

الشرح  

صحيح هذا إيرادٌ مُفحمٌ.نقول 
 أولاً: أيُّ كيفية تُقدرها لصفاتِ الله، فالله أعظمُ وأجلُّ مما قدرت . فمثلا أي كيفية تُقدرها لاستواء الله على العرش، فاستواء الله في حقيقته أعظم وأجل مما قدرت، فلا يمكن لذهنك أن يفرض استواءً كاملاً استواءً كاملاً على أكمل مايكون من الاستواء إلا والله أعظم من ذلك. وكذلك نقول في صفة الوجه وصفة اليد وما أشبهها.  
ثانيًا : أيُّ كيفية تُحددها في صفات الله فأنتَ كاذبٌ فيها قطعاً ؛ لأنه ليس عندك علمٌ بهذا إطلاقاً ، لأن الله تعالى ماأخبرنا عن كيفية تلك الصفات ، فأيُّ كيفية نقدرها نكون فيها كاذبين.
فمثلاً: "صفة ُالكلام"؛ فإنا نعلم أن الله - سبحانه وتعالى- يتكلم ونعلم المُتَكلَّمَ به ، ولكن كيف يتكلم الله؟ اللهُ أعلمُ.كيف صوته بالكلام؟ اللهُ أعلمُ. مانعرف. الآن مثلا الطيور تنطق والإنسانُ ينطق؛ هل النُطق سواءٌ؟ ماهو سواءٌ
" عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ " النمل 16 . ماكل أحدٍ يعرف منطق الطير ،بل إنك أنت العربي تتكلم والعجمي يتكلم هل كيفية أدائك للحروف ككيفية أدائه للحروف؟ أبداً. وأعني بالعُجم هنا مَنْ ليس بعربي وأما العُجم معروفون فعُجم فارس الآن حروفهم حروف عربية لكن تختلف في الترتيب.
                                  

  المتن 

وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان، أو تقديراً باللسان، أو تحريراً بالبنان.
ولهذا لما سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى:"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5 كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول". وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"فصلت 36

الشرح  

هذا الكلام من مالكٍ-رحمه الله و شيخه ربيعة؛ ميزانٌ لجميع الصفات، فإذا قال قائلٌ مثلاً:إن اللهَ-سبحانه وتعالى- ينزل إلى السماء الدنيا،  كيف ينزل؟ فنقول: 
 النزولُ غيرُ مجهول، والكيفُ غيرُمعقول، والإيمانُ به واجبٌ ،والسؤالُ عنهُ بدعة.
وإذا تأملنا قولَه:"الكيفُ غيرُ معقولٍ"فإنه يدل على إثبات كيفية لكنها غير معقولة،  وليس كما قال بعضهم:إنه يدل على أنه نفيُ  الكيفية كلها ،لأن نفي الكيفية كلها نفيٌ للوجود ، إذ ما مِن موجود إلا وله كيفية، وعلى هذا فيكون معنى كلام مالكٍ رحمه الله وغيرهِ من السلف في نفي الكيفية ؛ المراد به نفي التكييف لا أصل الكيفية.                               
 انتهت القاعدة السادسة من قواعد الصفات
*****************************
*القاعدة السابعة* من قواعد الصفات
المتن
صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها.
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث" "انظر القاعدة الخامسة في الأسماء).
  الشرح
    لما أحالنا على هذه القاعدة في الأسماء؛لأجل أن نعرف الأدلة على أن الصفات توقيفية.المقصود من هذه الاحالة بيان أدلة كون الصفات توقيفية ، لأن الصفات كالأسماء توقيفية.وقد سبق لنا ذكر الأدلة السمعية والعقلية على ذلك ، فلايجوز أن نُثبت لله إلا ماأثبته لنفسه منها.     
 المتن

ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول:التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوها.
   الشرح


فالعزة كقوله تعالى :"فإنَّ العِزة َللهِ جميعاً". 
 والقوة كقوله تعالى :"إنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوة".

والرحمة كقوله تعالى :"وربُكُ الغفورُ ذو الرحمةِ".

والبطش: كقوله تعالى :"إنَّ بطشَ ربِكَ لشديدٌ".  
 والوجه: كقوله تعالى :"ويبقى وجهُ ربِكَ ذو الجلالِ والإكرام"

 واليدين: كقوله تعالى :"بل يداهُ مَبْسُوطتان".ونحو ذلك.                 
 المتن

الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك (انظر القاعدة الثالثة في الأسماء).
  الشرح
 فقد قال في القاعدة الثالثة في الأسماء : " إذا  دلت على وصفٍ متعدٍّ تضمنت ثلاثة أمور". فقد أحالنا على ذلك ليُعْرف ماذا يتضمن الاسم من الصفات.                                 
  المتن
الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها - على الترتيب - قوله تعالى: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" سورة طه، الآية: 5. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". الحديث. وقول الله تعالى: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً".سورة الفجر، الآية: 22. وقوله: "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"سورة السجدة، الآية: 22.
  الشرح


فمن صفات الله تعالى الاستواء على العرش ،ويؤخذ هذا من قوله تعالى :" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" سورة طه، الآية: 5

 فنأخذ من "استوى" الاستواء.

لو قال قائلٌ أنتَ قلتَ:إنَّ من صفات الله "النزولَ إلى السماء الدنيا"؛ فأتِ بنصٍ بهذا اللفظ"النزول إلى السماء الدنيا" إيش تقول؟ أقول:مافيه بهذا اللفظ لكن فيه فعل يدل على هذاالمعنى وهو"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"

"يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا ، حين يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ ، فيقول : مَن يدعوني فأَستجيبَ له ، من يسألُني فأُعطِيَه ، من يستغفرُني فأغفرُ له"

الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:  7494
خلاصة حكم المحدث:صحيح

  

وكذلك "المجئ" من صفات الله تعالى ، ولكن ليس هناك نص فيه لفظ المجيء، بل النص موجود فيه الفعل الدال عليه ، وهو في قوله تعالى"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً" سورة الفجر، الآية: 22.
 الفعل بهذا اللفظ "وجاء ربُكَ" دالٌ على المجئ.

أما قوله تعالى : " إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"   سورة السجدة، الآية: 22. ، لو قلنا إن من صفات الله تعالى الانتقام من المجرمين ؛ فليس هناك نص فيه كلمة "الانتقام"؛ ولكن نقول  إن قوله:" مُنْتَقِمُونَ " وصفٌ دالٌ على الصفة التي تضمنها.
إذًا فطرق إثبات الصفة لله ثلاثة: 
 الأول: التصريح بالصفة، وهذا واضح ؛ كالقوة والعزة والرحمة والمغفرة مثل قوله تعالى :"وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ".الرعد 1
الثاني: أنَّ ماتضمنه الاسم من الصفات كالغفور-مثلاً-  متضمنٌ للمغفرة ،والسميعُ متضمنٌ للسمع، والبصيرُ متضمنٌ للبصر. وهكذا. 
 الثالث : التصريح بفعل أو وصفٍ دالٍ عليها مثل الاستواء.
فلو قيل : أين الدليل الذي فيه كلمة "الاستواء"؟
قلنا : قوله تعالى :" ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" الرعد 2 ؛ فهذا فعل ، والفعل مشتق من المصدر الذي هو الاستواء ، وكذلك نقول في المجيء.