الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

فقه الخلاف وأنواعه

 

فقه الخلاف وأنواعه


المطلب الأول : فقه الخلاف

قبل البدء في دراسة " الفقه " ، لابد من تعلم فقه الخلاف ، لأن الفقه به خلافات كثيرة .
فكيف نواجه هذا الخلاف دون أن تحدث الفُرْقَة والتشاحن
نتذكر مقولة للشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ ، ومفادها :
" إذا اختلفنا بمقتضى الدليل فقد اتفقنا " .
أي اتفقنا على منهج استقاء المعلومة ، أما اختلافنا في المسألة فهذا حدث مع أفضل القرون ، مع الصحابة الكرام
" ولْنَعْلم أن عقل كل عالم ليس حُجَّة على عقل الآخر . ولا حرج إذا اتبعت ما تظن أنه الهدي ولو خالفت غيرك .
ولنمثل لذلك بحديث ابن عمر :
* عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يوم الأحزاب :
" لا يصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيهم .
وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يُرَدْ مِنَّا ذلك . فذُكِرَ ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فلم يُعَنِّف واحدًا منهم . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 30 ) ـ باب : مرجع النبي من ... / حديث رقم : 4119 / ص : 471 .
وحاصل ما وقع في القصة :
أن بعض الصحابة : حملوا النهي على حقيقته ، ولم يبالوا بخروج الوقت ، ترجيحًا للنهي الثاني ـ وهو : " لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة " ـ على النهي الأول ـ وهو :
النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها وخاصة صلاة العصر .

عن أبي المليح قال : كنا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غَيْمٍ فقال : بكَّروا بصلاة العصر فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " . صحيح البخاري . متون / ( 9 ) ـ كتاب : مواقيت الصلاة / ( 15 ) ـ باب : من ترك العصر / حديث رقم : 553 / ص : 69 .
واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق :
* عن جابر بن عبد الله " أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جاء يومَ الخندق بعد ما غربتِ الشمسُ يسبُّ كفار قريش ، وقال : يا رسول الله ، ما كدت أن أصلِّيَ حتى كادتِ الشمسُ أن تغربَ . قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : والله ما صليتها . فنزلنا مع النبىِ بُطْحَانَ ، فتوضأنا لها ، فصلى العصرَ بعد ما غربت الشمس ، ثم : صلى بعدها المغربَ " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 29 ) ـ باب : غزوة الخندق / حديث رقم : 4112 / ص : 468 .

فجوزوا أن يكون ذلك عامّا في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع .
والبعض الآخر : حملوا النهي على غير الحقيقة ، وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة .
وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأن الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يعنف أحدًا من الطائفتين ، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ... / ص : 473 / بتصرف .

فائدة مستخلصة مما سبق :
ــــــــــ
الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، لم يُعَنِّف أحد الفريقين ، لأن كل فريق أخلص ، وفعل الذي يظن أن فيه الاتباع والامتثال لأمر الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
فالعمدة في الأمر هو الامتثال لما يُظَن أنه الهدي ، وأنه الاتباع .
* فمن صلى " العصر " في بني قريظة ، رغم خروج الوقت لاعتقاده أن هذا مَقْصد النبي من قوله لى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تصلين العصر إلا في بني قريظة " لأن هذا ظاهر النص . فهو مأجور .
ومن صلى " العصر " في وقته وقبل الوصول إلى بني قريظة لاعتقاده أن هذا هو الاتباع " للنص العام "... إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا " .سورة النساء / آية : 103 .
وفهم أمر الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تصلين العصر إلا في بني قريظة " ـ فهِمَ هذا ـ على أنه كناية عن الإسراع إلى بني قريظة وفَتْحَهَا حتى يدركوا صلاة العصر لوقتها في بني قريظة . فهو مأجور .
* هذا مأجور ، وذاك مأجور ، لأن كُلاًّ منهما امتثل لما يظن فيه الاتباع . فاتبع ما تَرَجَّحَ
عنده أنه الحق .
ـ أما إذا صلى أحدهم مع الفريق الأول : وهم الذين قالوا " لا نصلي حتى نأتيهم " ،
إذا صلى العصر معهم في بني قريظة بعد خروج الوقت ، وكان يعتقد أن الاتباع في الصلاة لوقتها ، ورغم هذا تابعهم وصلى معهم . فهذا آثم ، رغم اتفاقهما في الفعل .
ـ وأما إذا صلى أحدهم مع الفريق الثاني " وهم الذين قالوا : " بل نصلي ، ولم يُرَدْ منَّا ذلك " ، إذا صلى العصر معهم على وقته وقبل الوصول إلى بني قريظة ، وكان يعتقد أن الاتباع في الصلاة ببني قريظة حتى لو خرج الوقت ، ورغم هذا تابعهم وصلى معهم العصر لوقته وقبل الوصول إلى بني قريظة . فهذا آثم ، رغم اتفاقهمافي الفعل .

* * * * *


ومضة
ما سبق هو الاختلاف في المسائل الفقهية .
ولكن قد يكون هناك خلاف في وجهات النظر ـ وليست خلافات فقهية بين العلماء . ويترتب على هذه الخلافات في وجهات النظر فُرْقَة وهجر وتجريح ، وهذا خلاف ما حض عليه الإسلام ، فالإسلام يدعو إلى : التضامن ، والتماسك ، والتعاون .
مثاله :
قد نختلف في موقف يترتب على فعله طاعة ، فإذا كانت هذه الطاعة نافلة والإمام يمنع هذا لما يراه من مفاسد تترتب على هذا الفعل وأن الأولى والاتباع ترك هذا الفعل الذي هو في نفسه نافلة وعمل مستحب ولكن المصلحة كما يراها الإمام ترك المستحب هذا تَعبُّدًا .
تطبيقًا للقاعدة الفقهية :
فَإِنْ تَزَاحَمْ عَدَدُ المَصَالِحِ* يُقدَّمُ الأَعلى مِنَ المَصَالِحِ
وَضِدُّهُ تَزَاحُمُ المَفَاسِدِ * يُرتَكَبُ الأَدْنَى مِنَ المَفَاسِدِ
فعلى المأموم التطاوع للإمام وعدم الخلاف وعدم الفُرقة .
وهذه كانت وصية الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري عندما بعثهما لليمن للدعوة ، فقال لهما " تطاوعا ولا تختلفا " .
قال البخاري في صحيحه : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بُرْدةَ عن أبيه عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن قال " يسِّرا ولا تُعسرَا وبشرَا ولا تنفِّرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " .صحيح البخاري . متون / ( 56 ) ـ كتاب : الجهاد والسِّيَرِ / ( 164 ) ـ باب : ما يُكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه / حديث رقم : 3038 / ص : 356 .


المطلب الثاني

 

موقف طالب العلم من اختلاف العلماء

إن طالب العلم ينبغي ألا يَضِيق بالخلاف ذرعا ، بل إن كثيرًا من الخلاف بين أهل العلم في القديم والحديث لا محيد عنه ولا مفر ، وهو أمر من طبيعة اختلاف البشر واجتهاداتهم وتباين آرائهم وأنظارهم ، ولكن على الطالب أن ينتبه لأمور :
قَلَّ أن تجد مسألة فقهية بل وغير فقهية ؛ حاشا " مسائل العقيدة الأساسية " إلا وتجد فيها اختلافًا ، وقَلَّ أن تجد حديثًا ؛ حاشا ما في " الصحيحين " ؛ إلا وتجد خلافا في الحكم عليه .
الخلاف في الترجيح بين الأقوال في المسائل أو في الحكم على الأحاديث ليس علىدرجة واحدة ، فمنه الخلاف القوي الذي تكاد تتقابل فيه الأدلة ـ قوة ـ .
ومنه الخلاف الضعيف الذي فيه قول ظاهر القوة وما عداه دون ذلك ـ أي رأي راجح وآخر مرجوح ـ ، ومنه ما بين هذا وذاك .
وعليه فترجيح مجتهد لقول ما في مسألة أو حكم على حديث لا يعني اطِّراح القول المقابل له حتى لا يُنظر إليه ألْبَتَّة ، أو يَظُنّ الطالبُ أن الحكمَ في المسألةِ أو على الحديث قد فُرِغَ منه ، لا سيما في ما كان الخلاف فيه قويًّا ، ما لم يكن ذلك القول المطَّرح ظاهر الضعف .
ـ وتَعْجب ممن يقولون لا نقلد أحد المذاهب ، لكنهم في الحقيقة يقعون في تقليد آخرين من سابقين أومعاصرين .
فالعبرة بالاتباع وليس بالتقليد ، والعبرة باتباع الدليل بمعنى أن تأخذ بهذا القول لأن دليله أو تعليله أقوى من دليل أو تعليل الآخر فيما يتبين لك ، لا لأن فلانا قال به فحسب . وهذا بالنسبة لطالب العلم أما العامي (1) له في هذا بيان آخر .
( 1 ) بالنسبة للعامي الذي لا يستطيع الدراسة والترجيح ... ، فله أن يبحث ويسأل عن أحد العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فيقلده ويرجع إليه فيما يعرض له من مسائل شرعية .
ـ والعجب من البعض أنهم إذا وجدوا فتوى تخالف ما اعتادوه في بلدهم بناءً على فتوى علمائهم ، إذا رأوا ذلك طاروا به كل مَطْير وكأنهم ظفروا بما لم يظفر به السابقون ، ولم يعلموا أن الاجتهاد لا يُعَارض بمثله ، فعلامَ يعارضون فتوى فلان بفتوى فلان ؟ !
ربما لو قلتَ له إن ما تخالفه هو فتوى فلان من الصحابة ، أو جُل الصحابة ، لتعجب لأنه كان يظن أن ما ظفر به من الفتوى قاطعٌ قولَ كل خطيب .
ـ والأمر أيسر من ذلك بكثير ، فهذا أدَّاه اجتهاده إلى كذا ، وهذا أدَّاه اجتهاده إلى كذا ، وكلهم يعلم أن المسألة ليست مقطوعًا بها ، ولا مُجْمَعًا عليها ، ولو اجتمعا في مجلس لم ينكر أحدهما على الآخر ولم يعنِّفه ، ولكن الخَطْب غالبًا ما يأتي من النَّقَلَة والرواة والأتباع
ـ وإذا كان هذا في الترجيح في المسائل ، فمثله يقال في الحكم على الأحاديث ، والاختلاف فيها ، فإنك قد تجد مَنْ إذا ظفر بمن يضعف حديثًا قد اشتهر عند الناس العمل به ، لتصحيح بعض علمائهم له من السابقين والمعاصرين ممن شهد له الناس بالمعرفة في هذا الفن ، إذا ظفر بذلك ظن أن تصحيحه غير معتبر ألْبتة ، وراح يحذر الناس منه وكأنه حديث موضوع اتفق العلماء على تركه ، فهو وإن ضعفه فلان ـ من أهل هذا العلم ـ فقد صححه فلان أيضًا ممن هو من أهل هذا الشأن وربما يكون له سلف أيضًا في تصحيحه .
ـ وعى طالب العلم أن يكون صدره متسعًا لهذا وذاك ، وإذا ضَعَّفَ الحديث متبعًا قول فلان ، فلا ينبغي أن يكون على وجه الاستهانة بمن صححه أو عدم الاعتبار له ، ولا ينبغي أيضًا أن يحمل الناس على ذلك .
ـ ورحم الله " الإمام مالكا " لما صَنَّفَ الموطأ فأراد المنصور أن يحمل الأمصار على العمل به ، فأبى ذلك " الإمام مالك " .
فقد روى ابن عساكر أن أبا جعفر المنصور سأل الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أن يحمل الناس على كتابه الموطأ ، فقال " الإمام مالك " له :
لا تفعل هذا ، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث وروايات ، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم ، وإنَّ ردَّهم عما اعتقدوا شديد ، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم .التوحيد / جمادى الأولى 1425 / ص : 71 / بتصرف .
" الأثر " من كتاب : فقه الخلاف بين المسلمين / ص : 28 .
قال الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ص : 64 / تحت موضوع شبهات والرد عليها :
أحسن ما وقعت عليه من الرواية ، ما ذكره الحافظ ابن كثير في " شرح اختصار علوم الحديث " ص : 42 ، وهو أن الإمام مالك قال : أي قال للمنصور عندما أراد أن يحمل الناس على كتاب الموطأ ـ فأبى الإمام مالك وقال ـ : إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها . ا . هـ . بتصرف .
ـ ولا ينبغي أن تؤدي هذه المسائل ـ الخلافية ـ إلى التدابر والتباغض والولاء والبراء .
قال الذهبي في " سِير أعلام النُّبَلاء : 14 / 376  " ـ بعد ذِكْر مسألةٍ يرى فيها أن أحد الأئمة الأعلام قد أخطأ في اجتهاده ـ :
" ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحة إيمانه ، وتوخِّيه لاتباع الحق ـ أهدرناه وبدَّعْناه ، لَقَلَّ مَن يَسْلَم من الأئمة معنا ، رحم الله الجميع بمنه وكرمه " .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 242 .
وورد بنفس المرجع :
ومهما يكن من أمر ؛ فإنه لا ينبغي أن نختلف ، أو نتفرق ، أو نُوالي ، أو نعادي في هذه المسائل ـ الخلافية ـ .
وليس لأحدٍ أن يُلزم الآخر برأيه ، والمهم ألاَّ يتبع المرء هواه ، فما دام قد اعتد على أقوال العلماء ، مع بذل الأسباب في معرفة الحق والصواب ، والتجرّد من الهوى والتعصب ، فقد سدَّد وقارب ونجا بإذن الله تعالى .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 318 / بتصرف .

فائدة :
ينبغي عند الخلاف أن يكون معتقدي كما قال العلماء :
رأيي هو الصواب ويحتمل الخطأ . ورأي غيري هو الخطأ ويحتمل الصواب .

* * * * *

المطلب الثالث : أنواع الخلاف

يمكن أن نقسم الخلاف الواقع بين المسلمين إلى اختلاف التنوع واختلاف التضاد .
النوع الأول : اختلاف التنوع :
وهو ما لايكون فيه أحد الأقوال مناقضًا للأقوال الأخرى ، بل كل الأقوال صحيحة . وهذا مثل : وجوه القراءات ، وأنواع التشهدات (1) والأذكار .
( 1 ) انظر أنواعًا من صيغ التشهد في : صفة صلاة النبي ... / للألباني / تحت عنوان : صيغ التشهد / ص : 161 .
فمن قرأ مثلاً في الفاتحة " مالك يوم الدين " وهو يعلم صحة من قرأ : " ملك يوم الدين " ، فلا يكون هذا مناقضًا لهذا ، فالكل يعلم أن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف ومن يقرأ في التشهد بتشهد ابن مسعود لا يرى مانعًا من تشهد ابن عباس ـ رضي اللهعنهما ـ ، أو تشهد عمر ـ رضي الله عنه ـ .
ومن هذا الباب : الواجب المخير مثل " كفارة اليمين " :
قال تعالى " لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهَ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ ... "سورة المائدة / آية : 89 .
فأي واحد من الثلاثة فعل ، من الإطعام أو الكسوة أو العتق ، أجزأه وهو يفعل واحدًا منها مع اعتقاده أن غيره من الثلاثة صحيح ، أما الصيام فلا يجوز الانتقال إليه إلا إذا عدمت الثلاثة .
ومن هذا الباب : تنوع الأعمال الصالحة (2) .
( 2 ) مثال تنوع الأعمال الصالحة يُرجع إلى :
صحيح البخاري . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الصوم / ( 4 ) ـ باب : الريان للصائمين / حديث رقم : 1897 / ص : 214 .
وخلاصة القول في اختلاف التنوع أنه من مقتضيات الرحمة ومظاهرها ، وأنه لابد من استثماره لتحقيق التكامل بين المسلمين والترابط .
· النوع الثاني : اختلاف التضاد :
وهو أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويُحكم بخطئه أو بطلانه ، وهو يكون في الشيء الواحد ، يقول البعض بحرمته والبعض بحله .
وهذا النوع من الخلاف ينقسم إلى نوعين :
النوع الأول : خلاف سائغ غير مذموم .
النوع الثاني : خلاف غير سائغ مذموم .
أولاً : النوع الأول : الخلاف السائغ غير المذموم :
ـ تعريفه :
وهو الخلاف الذي لا يخالف نصًا ، من كتاب ، أو سنة صحيحة ، أو إجماعًا ، أو قياسا جليًا ومعنى " النص " هنا ، ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا لا اجتهاد في فهمه على وجوه متعددة ، وليس مجرد وجود حديث أو أحاديث في الباب ـ فقد توجد ـ لكن تكون دلالاتها مُحْتَمَلَة ، ووجوه الجمع مختلفة ، والتصحيح والتضعيف محل نظر . فلا يكون في المسألة نص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" والصواب الذي عليه الأئمة ، أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيه دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه " .فقه الخلاف .بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي.. / ص : 26 .
* أسباب هذا الخلاف السائغ :
1ـ من هذه الأسْبَاب أن الشرع لم ينصب دليلاً قاطعًا على كل المسائل ، بل جعل دليلاً ظنيًا يحتاج لبحث واجتهاد ونظر ، يقوم به من حَصَّلَ مقومات الاجتهاد والنظر .
2 ـ ومنها أن أفهام العباد مختلفة متفاوتة ، قد فضل الله بعضهم على بعض فيها ، فما يدركه هذا لا يفهمه هذا ، وما يراه الواحد قد يغيب عن الآخرين ، وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْمًا ... " (1) . سورة الأنبياء / آية : 79 .
فخص سليمان بالتفهيم .
( 1 ) وذلك عندما حكم سليمان بين المرأتين ، وجعل الطفل للصغرى .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " بينما امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما .
فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنكِ أنتِ .
وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنكِ .
فتحاكمتا إلى داود . فقضى به للكبرى . فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام
فأخبرتاه .فقال : ائتوني بالسكين أشقُّه بينكما . فقالت الصغرى : لا ، يرحمك الله ! هو ابنها . فقضى به للصغرى " .قال : قال أبو هريرة : والله ! إن سمعتُ بالسكين قط إلا يومئذٍ . ما كنا نقولُ إلا المُدْيَةَ . صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 10 ) ـ باب :بيان اختلاف المجتهدين / حديث رقم : 1720 / ص : 448 .
3 ـ ومنها أن قدرة العباد على البحث والاجتهاد مختلفة أيضًا ، فما يقدر عليه البعض يعجز عنه البعض ، وكلٌّ مكلف بما يقدر عليه .
قال تعالى "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ... " . سورة البقرة / آية : 286 .
4ـ ومنها اختلاف طريقة التعلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة ، وقد فطر الله العباد على التأثر بما تعلموه أولاً .
مثلاً : هناك بعض البلاد تدرس الفقه على مذهب الإمام أحمد أي على المذهب الحنبلي ، فنجد كل العلماء في هذا القطر متأثرون إلى حد كبير بهذا المذهب ، ويظهر هذا في
كتبهم ، واجتهادهم .
ـ ومعرفة هذه الأسباب ضرورة في إدراك التعامل الصحيح مع هذا الاختلاف . فإذا علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن إزالتها ، عرفنا أن الاجتهاد في معرفة الصحيح من مسائل الاختلاف ، وما يرجحه البعض من أهل العلم فيها بما وصل إلى فهمه وعلمه من أدلة ، وبحسب قدرته على النظر والبحث والاجتهاد ، لن يلغي اجتهاد غيره ، ولن  يُخْرِج المسألة عن كَوْنِهَا من مسائل الاجتهاد ، وبالتالي لا تضيق الصدور بوجود هذا ـ الاختلاف ـ بين أهل العلم ، خاصة بين أهل السنة وأتْبَاع السلف ، كما يحدث لدى
كثير ممن تعوَّد السؤال عن الراجح من الأقوال ، وظن أن كل مسألة فيها قول راجح مطلقا ، ولم يتفطن أنه راجح عند فلان ، ومرجوح عند غيره ، ولاشك أن السؤال عن الراجح من الأقوال والأدلة أمر محمودمن طالبالعلم ، ودليل على ورعه وعدم حرصه على تعدد الأقوال لينتقي بشهوته أطيبها وأقربها إلى رغبته كما يفعل ـ البعض ـ ، ولكن لابد من تعميق فقه مسائل الاختلاف السائغ ، حتى لا تدخل عنده في قضية البغض في الله ، والمعاداة في الله رغم اتفاق السلف على خلاف ظنه .
فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 27 / بتصرف .
*وليكن الحوار الهادئ الذي نلتزم فيه بما أدبنا به العلماء ، وكما نعرفه من طرقهم في البحث والمناظرة والرد الرفيق على المُخَالف ، ليكن هذا الحوار هو الأسلوب الذي ينتهجه المسلمون في خلافاتهم حـول المسائل التي يسوغ فيها الاختلاف والاجتهاد ، وليبذل كل منا جهده في معرفة الحق والعمل به ، وليعذر الآخرين داعيًا للجميع بالهداية والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه والقبول عنده سبحانه . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي. / ص : 38 .
* ثمرة معرفة أسباب الخلاف السائغ :
عند معرفة أسباب الخلاف وأنه لا سبيل لإزالتها يجعلنا لا نحاول السير في طريق يتمناه البعض لقلة فهمه لهذه المسائل ، ولقراءته لواحد من أهل العلم ، أو تلقيه منه دون غيره ، ألا وهو محاولة توحيد الأمة في كل المسائل على قولٍ واحدٍ ، وقد يتعمق هذا لدى بعض المبتدئين من طلاب العلم حين يَجد كثيرًا من العلماء خاصة المعاصرين ينتصر لقول
مُضَعفًا ما سواه ، بل ربما لا يشير إلى الخلاف أصلاً فضلاً عن الإشارة إلى درجته ، وهل هو سائغ أم غير سائغ ، ولاشك أن هذا مسلك ما سلكه أحدٌ من أئمة العلم ، بل المشهور عنهم رده على مَنْ طلبه منهم .
روى ابنُ عساكر أن أبا جعفر المنصور سأل الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أن يحمل الناس على كتابِهِ " الموطأ " . فقال له " الإمام مالك " لا تفعل هذا ، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروايات ، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم ، وإن ردَّهم عما اعتقدوا شديد ، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلدٍ منهم لأنفسهم .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 28 .
* أمثلة للاختلاف السائغ :
1 ـ في الأمور الاعتقادية والعلمية :
يندر في أصول الأمور الاعتقادية والعلمية هذا النوع من الخلاف ، بل أصولها الكبرى من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر والقدر ، كلها إما من المعلوم من الدين بالضرورة ، أو المُجْمَع عليه بين أهل العلم .
والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة : ما انتشر بين المسلمين حتى علمه الخاص والعام والعالم والجاهل .
وأما المجمع عليه بين أهل العلم : فهو الذي يعرف العلماء الإجماع فيه ، وإن لم يكن منتشرًا بين عوام المسلمين .
لكن توجد في بعض تفاصيل ذلك (1) بعض الاختلافات السائغة أشار إليها العلماء ، كما ذكر ابن تيمية ، من ذلك : الخلاف في رؤية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ربه .
( 1 ) " ذلك " : أي في بعض تفاصيل الأمور الاعتقادية والعلمية .
ومنها الخلاف في تسمية أفعال الرب حوادث مع الإجماع على أنها ليست مخلوقة ، وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين عند من أجاز ذلك كالإمام البخاري وابن تيمية وابن القيم ـ رحمهم الله ـ .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 29 .
2 ـ في الأمور العلمية والفقهية :
وهي أكثر من أن تحصى .
مثاله : الاختلاف في كثير من أمور الوضوء والصلاة ، كوجوب المضمضة والاستنشاق أم استحبابهما ، ووجوب الترتيب في الوضوء أم استحبابه ، ووضع اليمنى على اليسرى على الصدر بعد ـ القيام ـ من الركوع أم إرسالهما ، والنزول على الركبتين أم على اليدين ... . فقه الخلاف ... / ص : 32 .
تنبيه هام :
ـــــ
ليس معنى أن الخلاف في المسألة خلاف سائغ ، أنه يجوز لكل واحد أن ينتقي بالتشهي أيًّا من القولين دون اجتهاد .
قال أبو عمر بن عبد البَر في جامع بيان العلم وفضله / ص : 360 .
" أجمع العلماء ـ على ـ أنه لا يجوز تتبع رخص العلماء ، فضلاً عن الزلات والسقطات " . ا . هـ .
فالواجب على الإنسان على حسب مرتبته في العلم الآتي :
1ـ " العالم المجتهد " يلزمه البحث والاجتهاد ، وجمع الأدلة ، والنظر في الراجح منها ، فما ترجح عنده قال به وعمل به وأفتى .
وما أحراه في المسائل التي تعم بها البلوى أن يشير إلى الخلاف فيها مع بيان ما يراه صوابًا .
2ـ " طالب العلم المميِّز القادر على الترجيح " : عليه أن يعمل بما ظهر له دليله من أقوال العلماء .
3ـ " العامي - العامي : مشتقة من العمى . المقلد العاجز عن معرفة الراجح بنفسه " : عليه أن يستفتي الأوثق الأعلم من أهل العلم عده ، ويسأله عن الراجح ، فيعمل به في نفسه ، ويجوز نقله لغيره من غير إلزام لهم به ، ومن غير إنكار على من خالفه بأيٍّ من درجات الإنكار . أما ما يفعله كثير من أهل زماننا في مسائل الخلاف السائغ أو غير السائغ ، بأخذ ما يشتهي ، بل يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم ، ويفتي البعضُ بجواز التلفيق بين المذاهب ، لا بحسب الأدلة والاجتهاد ، بل بمجرد موافقته ما يظنونه مصلحة أو تيسيرًا على الناس ، أو أن الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يُخَيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، فهذا من الخطأ العظيم المخالف للإجماع القديم كما نقله " أبو عُمَر بن عبد البر " ، فإنما اختيار الأيسر هو في الأمور الاختيارية .
أما ما كان فيه إثم وحلال وحرام وواجب ومندوب ، فلابد من الترجيح والاجتهاد علىحسب درجة كل واحد كما سبق بيانه ، وهذا في الخلاف السائغ ، فما بالك في الخلاف غير السائغ كما يأتي تفصيله إن شاء الله . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 34 .

هل الخلاف رحمة :


قال غير واحد من العلماء أن الخلاف رحمة ، وقد ذكروا فيه حديثًا عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ" اختلاف أمتي رحمة " (2) .
وهو لا يصح سندًا ولا متنًا ، بل هو منكر ضعيف ، وإنما هو كلام بعض العلماء ، وليس معنى ذلك عندهم أن الاختلاف نفسه رحمة ، بل الكتاب والسنة يذمان الاختلاف .
( 2 ) قال عنه الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي / تحت عنوان شبهات وجوابها / ص : 59 : لم أقف له ـ أي الحديث ـ على سند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع . ا . هـ .
قال تعالى " ... وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ... " .سورة هود / آية : 118 ، 119 .

* عن العرباض بن سارية ، قال : وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومًا بعد صلاة الغداة موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإنْ عبدٌ حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرًا ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ " . سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب :ماجاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح .
وقال ابن مسعود : " الخلاف شر " .
* قال أبو داود : حدثنا مُسَدَّد ، أن أبا معاوية وحفص بن غِيَاثٍ حدَّثاهم- حدَّثاه (1)
ـ وحديث أبي معاوية أتم ـ عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : صلى عثمان بمنى أربعًا ، فقال عبد الله (2) : صليتُ مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ركعتين ، ومع أي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ـ زاد عن حفص : ومع عثمان صدرًا من إمارته ، ثم أتمها ـ زاد مِنْ هاهنا عن أبي معاوية : ثم تفرقت بكم الطرق ، فلوَدِدتُ أنَّ لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين . قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قُرةَ عن أشياخه أن عبد الله - أي عبد الله بن مسعود .-صلى أربعا ، قال : فقيل له : عِبتَ على عثمان ثم صليت أربعًا ؟ ! قال : الخلاف شر . "سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ أول كتاب المناسك / ( 76 ) ـ باب : الصلاة بمنى / حديث رقم : 1960 / ص 341 / صحيح .
* وعن الزهري ، قال : أن عثمان َ بنَ عفانَ أتمَّ الصلاةَ بمنىً من أجل الأعراب ، لأنهم
كثُرُوا عامَئِذٍ ، فصلى بالناس أربعًا ليعلمهم أن الصلاة أربع ٌ . المصدر السابق / حديث رقم : 1964 / ص : 342 / حسن .
ورد في عون المعبود / ج : 5 / كتاب المناسك / ( 76 ) باب : الصلاة بمنى/ ص : 306 : وحديث أبي معاوية أتم ---> هذه مقولة أبي داود .
عن الأعمش  ---> أي يروي أبو معاوية وحفص عن الأعمش .
 زاد  ---> أي مُسَدّد .
 من ها هنا  ---> أي من قوله الآتي " ثم تفرقت " إلى آخره .
 ثم تفرقت بكم الطرق  ---> أي اختلفتم ، فمنكم من يُقْصِر ، ومنكم من لا يُقْصِر .
 فلوددت  ---> أي فلتمنيت ، غرضه ووددت أن عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وصاحباه يفعلونه .
وفيه كراهة مخالفة ما كانوا عليه . كذا في عمدة القارئ .
وقال الحافظ في فتح الباري : قال الداوادي : خشي ابن مسعود أن لا يجزي الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهية لخلافه ، وأخبر بما يعتقده . ا . هـ .
فالخلاف شر ، ولكن مقصود هؤلاء العلماء الذين قالوا الاختلاف رحمة .
فليس المقصود أن الاختلاف نفسه رحمة أو أنه مطلوب شرعًا كما يظن من لا يفهم كلام أهل العلم ، وإنما المعنى أن أصحاب هذا الاختلاف لا يعذبون طالما بذلوا وسْعَهم في معرفة الحق ، كل حسب علمه وقدرته ، والحق فيه واحد لا يتعدد . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 36 / بتصرف .
* فعن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" . صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم إذاأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .
وكما دل عليه القرآن الكريم بالثناء على داود وسليمان مع تصويب سليمان ـ عليهما السلام ـ قال تعالى " ... فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْمًا ... ". سورة الأنبياء / آية : 79 .

ثانيًا : النوع الثاني : الخلاف غير السائغ المذموم :

تعريفه :
هو ما خالف نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي لا يُخْتلف فيه .
* أسباب الخلاف غير السائغ المذموم :
1ـ البغي والتنافس على الدنيا ورئاستها .
التنافس على الدنيا سبب البغي ، والبغي سبب الاختلاف والفُرْقة :
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ... فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُبسطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكُم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم " .صحيح البخاري . متون / ( 58 ) ـ كتاب : الجزية / ( 1 ) ـ باب : الجزية و ... / حديث رقم : 3158 / ص : 372 .
وتأمل في التاريخ كيف كان قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ظلمًا وبغيًا ومنافسة ممن قتلوه على رياسة أرادوهاوليسوا لها أهلاً ، وما جرَّه ذلك على الأمة من الفتنة التي لم تُصِب الذين ظلموا خاصة ، بل عمت الصالحين وغيرهم .
العلاج :
ــــ
ولا علاج لذلك إلا بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى والتنافس على الآخرة كما أمرنا الله تعالى :
" لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ " .سورة الصافات / آية : 61 .
وقال تعالى " خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ " . سورة المطففين / آية : 26 .
فالتنافس على الآخرة لا يجلب حسدًا ولا حقدًا ولا ضغائن ولا بغيا ، وإنما يثمر حبًّا صادقًا وتآلفًا وإخاءً .
ومن أعظم وأهم أسباب العلاج أن نعلم حرمة المسلم وحرمة البغي والاستطالة عليه أيًّا من كان ، فنتعامل بشرع الله مع من عاملنا به ومع من لم يعاملنا ، فما عاقبتَ مَنْ لم يتق الله فيك بمثل أن تتقي الله فيه .
والحذر واجب في تناول أحوال المخالفين من الوقوع في الغيبة باسم النصيحة ، ومِن تَلَمُّس العثرات والفرح بالسقطات تحت شعار بيان الحق ، ومن خديعة الشيطان بالتنافس على المنازل والرياسات الدنيوية تحت شعار الحرص على الأمر بالمعروف .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 47 / بتصرف .
2ـ الجهل ونقص العلم وظهور البدع واختلاف المناهج .
من أعظم أسباب الخلاف المذموم انتشار الجهل ونقص العلم .
ولقد كان أول شرك وقع على ظهر الأرض بسبب نقص العلم بموت العلماء ، فبدأت البدع في الظهور .
* فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ ، أمَّا وَدٌّ كانت لِكَلْبٍ بدومةِ الجندل ، وأما سُوَاعٌ كانت لهُذَيْلٍ ، وأما يغوثُ فكانت لِمُرَادٍ ثم لبني غُطَيْفٍ بالجرفِ عند سبأٍ (1) ، وأما يعوقُ فكانت لِهَمْدَانَ ، وأما نَسْرٌ فكانت لِحِمْيَرَ لآل ذي الكَلاع أسماءُ رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ ، فلما هلكوا أوحَى الشيطان إلى قومهم أن انصِبُوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلِسون أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تُعبدْ حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلمُ عُبدَتْ . صحيح البخاري . متون / ( 65 ) كتاب : تفسير القرآن / ( 71  سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 596 .
( 1 ) بالجرف عند سبأٍ ---> وردت هكذا في فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 65 ) كتاب التفسير / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 535 .وهذا هو الصواب . والخطأ ما ورد بطبعة دار ابن الهيثم ،وهو ( بالجوف عند سبإٍ  .
تعقيب :
ــ
إن من السهل على من يختلس درهمًا أن يسرق آلاف الدراهم ، فإن في السرقة تعديًّا لحدود الله ، وذلك شأن المبتدع تهون عليه كبار البدع ـ وربما الشرك بالله ـ إذ مبدأ التنكّب عن السنة والرضا بالبدعة ؛ سبيل إلى قبول كل ضلال وزيغ ، كما وقع الشرك في قوم نوح ، من اتخاذ أصنام لبعض الرجال الصالحين بعد موتهم ، وزين لهم الشيطان ذلك ليذكُروهم ويقتدوا بأعمالهم الطيبة ، ثم أوحى لمن بعدَهم أن يعبدوهم من دون الله سبحانه موهمًا إياهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك من قبل .
وصية مودِّع / العوايشة / ص : 45 .
العلاج :
الانتصار للسنة ومحاربة البدعة وقمعها ، ولن يتحقق ذلك إلا بنشر العلم بالكتاب والسنة
على نهج أهل السنة والسلف رضوان الله عليهم .
وإليك قاعدة نبوية ذهبية في مواجهة الخلاف :
* فعن العرباض بن سارية ، قال : وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟
قال " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإنْ عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ " .سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ... / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح .
تأمل كيف قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
" عَضوا عليها بالنواجذ " فإن السنة سوف تحارب ويحاول أهل البدع نزعها من المتمسكين بها ، والواجب في علاج هذه الفُرْقَة شدة التمسك بالسنة ، والحذر من البدع .
وهذه هي القاعدة النبوية الذهبية في مواجهة الاختلاف ، وهي عقيدة أهل السنة في التمسك بالسنة على طريقة السلف رضوان الله عليهم .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 49 / بتصرف .
3ـ ظهور رؤوس الضلال الدعاة على أبواب جهنم .
وهم الذين يدعون إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة .
* قال ابن ماجه في سننه : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال :حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني بُسْرُ بن عُبيد الله ، قال : حدثني أبو إدريس الخولاني ؛ أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يكون دعاة على أبواب جهنمَ من أجابهم إليها قذفوه فيها " ، قلتُ : يا رسول الله !صِفهم لنا . قال : " هم قوم من جِلْدَتِنَا ، يتكلمون بألسنتنا " . قلتُ : فما تأمُرُني إن أدركني ذلك ؟ . قال " فالزم جماعة المسلمين وإمامَهُم ، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، فاعتزل تلك الفِرَقَ كلَّهـ ، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يدركَك الموتُ وأنت كذلك " .سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 36 ) ـ كتاب : الفتن / ( 13 ) ـ باب : العُزْلَة / حديث رقم : 3979 / ص : 657 / صحيح .

العلاج :
ـ نشر العلم والمنهج الصحيح ، للتمييز بين الحق والباطل

4ـ التعصب المذموم للأسماء والأشخاص وضعف الولاء على الكتاب والسنة .
كثير من المسلمين اليوم يتعصب لعالم معين أو بلد معين ... ينصر على ذلك ، ويغضب على ذلك ، يتغاضى عن المخالفات التي تصدر من هذا العالم أو من هذا البلد .
وقد حذرنا الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من دعوى الجاهلية ـ أي التحزب والتعصب لفئة مسلمة دون أخرى بالباطل ـ ، لما تنادى المهاجرين يا للمهاجرين ، وتنادى الأنصار يا للأنصار ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ما بال دعوى الجاهلية . دعوها فإنها منتنة " .
..... قال : سَمِعَ عمرٌو جابرَ بنَ عبدِ الله يقول :
كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في غَزَاة . فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار . فقال الأنصاريُّ : يا للأنصار ! وقال المهاجريُّ : يا للمهاجرين ! .فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ما بالُ دعوى الجاهلية ؟ " . قالوا : يا رسول اللهِ ! كسَعَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار . فقال " دَعُوهَا . فإنها مُنْتِنَةٌ ... " . الحديث . صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب : البر والصلة والآداب / ( 16 ) ـ باب : نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا / حديث رقم : 63 ـ ( 2584 ) / ص : 659 .
مع أن المهاجرين والأنصار من أشرف الأسماء ، وهي من الأسماء التي سماها الله في كتابه ، وسماهم بها الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في سنته ، ومع ذلك حين صارت شعارًا ينتصر الناس له دون تبين المُحِق مِنَ المُبْطَِل ، صارت جاهلية .
وهذا للأسف كثير بين الناس اليوم ، يتعصب الناس لجماعة معينة أو لعالِم معين ، أو لبلد معين ، ينصر على ذلك ، ويغضب على ذلك ، يتغاضى عن المخالفات التي تصدر من جماعته أو طائفته ، ويعظم ما يصدر من غيرهم .
ولاشك أن هذه الأمراض تؤثر على القلب وإخلاصه ونصيحته لله وكتابه ولرسوله وللمؤمنين ، وتفتح باب الفتن .
والانتساب إلى أسماء معينة كالانتساب إلى بلد أو عالم أو طائفة ليس بمحرم في الشرع ، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما لحظ بداية ظهور دعوى الجاهلية بين المهاجرين والأنصار لم يعالجه بتحريم الانتساب إلى هـذه الأسماء ، بل بتحذيرهم من حقيقة دعوى الجاهلية ، وهي الانتصار للأسماء دون معرفة الحق .
وهذه هي التربية الواجبة التي يجب أن يتربى عليها المسلمون ، ولا يزال العلماء ينتسبون إلى بلادهم .
كالمدني ، والمصري ، والخراساني ، والنووي ، والعسقلاني ، وإلى مذاهب أئمتهم : كالشافعي ، والمالكي ، ... .
ولم ينكر العلماء التسمية ، ولم يحرموها حتى بعد ظهور العصبية ، بل تُحارب العصبية دون تحريم ما أحله الله .
العلاج :
ــــ
تعميق الولاء على الكتاب والسنة ، ويتحقق ذلك بقبول الحق والمعاونة عليه ممن جاء
به وعلمه كائنًا من كان ، فالرجال يُعْرَفون بالحق ، ولا يُعْرَف الحق بالرجال .فقه الخلاف فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي... / ص : 59 .
* أمثلة للاختلاف غير السائغ :
أولاً : الخلاف غير السائغ في الأمور الاعتقادية :
ـ غلاة النفي والتعطيل في أسماء الله وصفاته وغيرهم ، المكذبين لصريح القرآن كمن يقول : لم يكلم ـ الله ـ موسى تكليمًا نفيًا لصفة الكلام ، ويقول يد الله أي قدرته خلافًا للحق ، ولم يتخذ ـ سبحانه ـ إبراهيم خليلاً .
ـ غلاة القدرية الأوائل نفاة العلم الإلهي ، الذين يقولون أن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع .
ـ من يعتقدون أن الشريعة الإسلامية غير صالحة ، إما مطلقًا ، أو يعتقدون أنها غير صالحة لهذا الزمان ويُفَضَّل عليها شرائع البشر الوضعية ، أو يساويها بها ، أو يجوزها ، أو يلزم الكافة بها ويحرم عليهم شرع الله تعالى.

ثانيًا : الخلاف غير السائغ في المسائل العملية :

ـ منه القول بجواز المعازف وسماعها ، رغم الأدلة القاطعة على عدم الجواز .
قال البخاري في صحيحه تعليقًا بصيغة الجزم :
وقال هشام بنُ عَمارٍ : حدثنا صَدَقَةُ بنُ خالدٍ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ ، قال : حدثنا عطيةُ بنُ قيسٍ الكِلاَبيُّ ، قال : حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ غَنْمٍ الأشعريُّ ، قال : حدثني أبو عامرٍ ـ أو أبو مالكٍ ـ الأشعريُّ ، والله م ا كَذَبَنِي سمع النبي ـ صلى الله عليه وعلىآله وسلم ـ يقول " ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ والحريرَ والخمرَ والمعازِفَ ، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جنبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عليهم بسارحةٍ لهم يأتيهم ـ يعني الفقير ـ لحاجةٍ فيقولون : ارجع إلينا غدًا فيبيتهم الله ، ويَضَعُ العَلَمَ ، ويمسَخُ آرين قردة وخنازيرَ إلى يوم القيامة " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / 74 ـ كتاب الأشربة / 6 ـ باب ما جاء فيمن يستحلُّ الخمرَ ويسميه بغير اسمه / حديث رقم : 5590 / ص : 53 .
وورد في فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / ... / ص : 54 :
* قال ابن الصلاح في " علوم الحديث " 
" ... الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلاً " قال هشام بن عمار " وساقه بإسناده ، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابًا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف ، وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح ، ... " .
* وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق بصيغة الجزم يكون صحيحًا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه ، لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولاً إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال .ا . هـ .
ـ من هذا النوع من الخلاف القول بجواز ربا الفضل وأن المحرَّم هو ربا النسيئة فقط وقد استفاضت الأحاديث بتحريمه .
* ربا النسيئة :
هو بيع الجنس الواحد ببعضه ، أو بجنس آخر مع زيادة في الكيل أو الوزن في نظير تأخير القبض . خاص بالزمن  صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 .
النسيئة : يعني التأخير .
الشرح الممتِع ... / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 .
* ربا الفضل :
هو بيع جنس بمثله مع زيادة أحد المثلين . خاص بالكمّ 
صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 / بتصرف .
* فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : " لا تبيعوا الذهبَ بالذهب إلا مِثلاً بِمثلٍ . ولا تُشِفُّوا (1) بعضها على بعض . ولا تبيعوا الوَرِقَ (2) بالورق إلا مِثلاً بمثلٍ . ولا تُشِفُّوا بعضها على بعضٍ] . ولا تبيعوا منها غائبًا بناجِزٍ[ (3) " (4) .صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 14 ) ـ باب : الربا / حديث رقم : 1584 / ص : 404 .
( 1 ) لا تُشِفُّوا : أي لا تفضلوا ويطلق أيضًا على النقصان فهو من الأضداد .
( 2 ) الورق : الفضة .
( 3 ) ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز : الغائب المؤجل . الناجز : الحاضر .
وفي رواية عند مسلم أيضًا ـ في الحديث الذي يليه ـ " ... ولا تبيعوا شيئًا غائبًا منه بناجز إلا يدًا بيد " .صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 11 / كتاب : البيوع / ( 14 ) ـ باب : الربا / ص : 14 .
هذا الحديث ينهى عن الربا بنوعيه : الفضل ، والنسيئة .
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام / ج : 2 / ص : 309 .
( 4 ) ما بين المعكوفتين [....] ---> ربا نسيئة .
فائدة :
كل شيئين يجري بينهما ربا الفضل فبينهما ربا نسيئة ولا عكس .
الشرح الممتع على زاد المستقنع / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 .
ـ ومنه أي من هذا النوع من الخلاف ـ القول بجواز نكاح المتعة ، وهو قول ابن عباس ، ويُروى رجوعه عنه .
وقد ثبت النهي عنه ـ أي النهي عن نكاح المتعة ـ في الصحيحين ، ونسخ جوازه عام
الفتح ، وأجمع أهل السنة ـ على نسخه وعدم جوازه ـ ولم يخالف فيه إلا الشيعة والروافض . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي...ص : 78 / بتصرف يسير .
* نكاح المتعة :
هو النكاح إلى أجلٍ معين ، وهو من التمتع بالشيء ـ أي ـ الانتفاع به .
وقد كان رخَّص فيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيامًا ، ثم نهى عنه .
* عن الربيع بن سَبْرةَ أن أباه غزا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتْح مكةَ قال : فأقمنا بها خمس عشرة ـ ( ثلاثين بين ليلة ويوم ) ـ ، فأذِنَ لنا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في متعة النساء ، ... ، فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " . صحيح مسلم . متون / دار ابن الهيثم / ( 16  ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة / حديث رقم : 20 ـ ( 1406 ) / ص : 344 .
ـ ... ، قال حدثني الرَّبِيعُ بنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ عن أبيه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن المتعة .
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة . ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخذه " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة .... / حديث رقم : 28 ـ ( 1406 ) / ص : 345 .
وجاء في " السيل الجرار " 2 / 268 :
" ثم قد أجمع المسلمون على التحريم ، ولم يبق على الجواز إلا الرافضة ، وليسوا ممن يُحتاج إلى دفع أقوالهم ، ولا هم ممن يقدح في الإجماع ، فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين .
قال ابن المنذر :
جاء عن الأوائل الرخصة فيها ـ يعني المتعة ـ ، ولا أعلم اليوم أحدًا يجيزها إلا بعض الرافضة .
وقال القاضي عياض :
أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض ... " . ا . هـ .
الموسوعة الفقهية الميسرة ... / ج : 5 / ص : 49 .
ـ ومنه القول بكراهية صيام الستة أيام من شوال وهذه أقوال مخالفة لنصوص السنة الصحيحة .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من صام رمضانَ وأتبعه سِتًّا من شوال ، كان كصيام الدهرِ " . صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 39 ) ـ باب : استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعًا لرمضان / حديث رقم : 204 ـ ( 1164 ) / ص : 280 .
ـ ومنه القول بجواز الاحتفال بالموالد والأعياد البدعية ، والمشاركة فيها بزعم الاختلاط بالناس لدعوتهم ، دون إنكار ، والمشاركة في البدع بزعم أن البدع الإضافية (1) محل اجتهاد فيسوغ فعلها . ونسوا قاعدة فقهية هامة وهي : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي/ ص : 75: 77 / بتصرف .
( 1 ) البدعة الإضافية هي التي لها شائبتان :
إحداهما : لها من الأدلة متعلق ، فلا تكون من تلك الجهة بدعة .
والأخرى : ليس لها متعلق ، إلا مثل ما للبدعة الحقيقية .
علم .أصول البدع ... / علي حسن عبد الحميد / ص : 148 .