الخميس، 29 أكتوبر 2020

تأملات في سورة البقرة (1)

 تأملات في سورة البقرة (1)


بسم الله، رب يسِّر يا كريم..

هذه مجموعة تأملات وتدبرات، يسَّر الله كتابتها في قالب تغريداتٍ قبل ثلاثة أعوام، مِن مَعين سورة البقرة "من الآية 1 إلى الآية 211"، سائلاً الله أن ينفَع بها كاتبها وقارئها.

 

1- في صدر سورة البقرة:

أول صفات المتقين إيمانهم بالغيب - وهي المحكُّ وبيت القصيد - البشَر يؤمنون بالمُعايَنات، ويتفاوتون في الغيبيَّات.


2- ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 5].

ذكَر أنهم "على"، وهي تُفيد الاستعلاء؛ دليل استقرارهم على الهدى وثَباتهم عليه.


3- مِن الأعمال التي تؤدي إلى الثبات على الهداية: الأعمال الأربعة في صدر سنام القرآن، قال بعدها: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى ﴾ [البقرة: 5].


4- من لم يُرد الحقَّ حُرِمه، تأمَّل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: 6]... فبعدما كفَروه حُرموا هدايته.


5- نزَل قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: 6]... كما ذكَر جمعٌ من المفسرين: في قومٍ أحياءَ، سُلبوا الهداية من أصلها، فكيف بمن أُعطي؟! أوَليس سلْبُه أهون؟!


6- ختمُ الرسائل إغلاقها، وختمُ القلوب صمُّها، فلا والج ولا خارج، يا إلهي: شمع باب البيت وقطعت الطرق!

إنها نقمة الله، ربَّنا فأعِذنا.


7- ﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ [البقرة: 7].

على حرف استعلاء، فكأنما علَت الغشاوة أبصارهم؛ فلذلك - والله أعلم - أتى بـ"على"تارة أخرى.


8- ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [البقرة: 10]:

ذِكره للظرف (في) دلالة استقرار المرض في أفئدتهم، وتمكُّنه منها، فلم يعبِّر بالوصف وإنما أتي بالظرف.


9- مِن أشد العقوبات أن يُحرَم العبد نور الله الذي يميز بين الإصلاح والإفساد، بين الخير والشَّر، بين العقل والسَّفَه، ثم يخذل فيعمه في طغيانه يحسب حقًّا.


10- البيع والشراء قائمٌ على أمرين: الرِّبح وحفظ رأس المال، وكلاهما تُحرَمه إذا اشتريتَ الدنيا بالأخرى؛ ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16]، فضاع رأسُ مالهم!


11- أسهَب الإمام ابن القيم رحمه الله موفَّقًا في تلطيفِ وإيضاح المثَل الناريِّ والمائي (الآيات ١٧ - ٢٠ البقرة)، فليُراجعه مَن أراد، خاصة مَن يبحث عن رقَّة قلبه.


12- أول نداء في القرآن: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، تعبَّدَك ربُّك بألطفِ أسلوب، فالتزم المطلوب.


13- الغاية العظمى، والوصيَّة الكبرى: التعبُّد والتقوى، وكلاهما قرينُ الآخر؛ تأمل: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾، و﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]...


14- لا يذلُّ المرء إلا لقادرٍ أو رازق؛ لذا - والله أعلم - أتى بعد الأمر بالعبادة قولُه: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: 22]... الآية، فتأمَّل!


15- ما خُلقت الأرض مَبسوطة، ولا السماءُ مرفوعة، ولا أُنزل وأُخرج الرزق إلا لك يا ابنَ آدم؛ ((فلا تَنشغِل بما خَلَقتُ لك عما خَلقتُك له))!


16- قوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23] دليلُ بشريَّته صلى الله عليه وسلم؛ فكلُّكم بشَر، وهذا كلامٌ لا يُضارعه البشر.


17- ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 24]، النار تَضطرِم في وَقودها أشدَّ مِن اضطرامها فيما سواه، وقد جُعِلَ مستحقُّوها وَقودًا لها؛ ليَصطلوا بها أيَّما اصطِلاء!


18- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 25]، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223]، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37] أوامرُ إلهيَّة، وسننٌ محمدية، يُغفَل عنها كثيرًا، ولله دَرُّ: ((بشِّروا ولا تنفِّروا))، فبَشِّر إخوتَك.


19- غالبًا يشوق الرجل إلى المرأة كنعيمٍ في الجنة، وليس العكس، ولعلَّ العلة - والله أعلم - أنَّ عادة العرب تشويقُ الرجال دون المرأة، ولحياءِ المرأة مِن مثل هذا.


20- الكل يَنتسِب إلى الحق، ومع ذا فالحقُّ حق؛ لأنَّ الحق لا يتبعه إلا أهل قوله وعمله واعتقاده، يا لله! واحد بحدين؛ ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 26].


21- مَن تفكَّر في حياته وموته وبعثه بعينِ قلبه، وطالَع ذاك بكامل بصيرته طالبًا الحق، حُفظ يقينًا مِن الكفر والرِّدة والانتكاسة عن الصراط؛ ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 28]...


22- ذكَر الله إنزالَ آدم إلى الأرض قبل خلقِه، ومِن ثَم إسكانه الجنة؛ دلالة على عظيم حكمة الله ومحبَّته لآدم؛ إذ قُدِّم بين يديه، حتى إذا عَصى ذُكِر أنَّه خليفة في الأرض.


23- فُطرت الخلائق على إنكار المنكر والأمر بالمعروف؛ ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30]، وعلى عبودية الله وتعظيمه؛ ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30].


24- لا يَنقص من القَدْر قولُ: ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا ﴾ [البقرة: 32]، وإنما يَنقص منه تركُه حين الجهل؛ ملائكة العليم قالته وأردفته بقولها: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32].


25- الاعتراف بالفضل لصاحب الفضل، والعلمِ لصاحب العلم، والحكمةِ لصاحب الحكمة - خلقٌ ملائكي؛ ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32].


26- تركُ الأمر أعظمُ مِن اقتراف النهي، تأمَّل: أكل آدم من الشجرة، وترك إبليس السجدة!


27- من سنن الله: أن المحرَّم يسيرٌ جدًّا بجانب المباح، ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ [البقرة: 35]؛ الجنة: البستان كثيرُ الشجر ملتفُّه.


28- الأصل بقاء الإنسان على عدالته، حتى يَنزع بيدَيه ثوب العدالة، أو يلوِّثَه، تأمل: ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35].


29- تختلف درجات العداء ومراتب الأعداء؛ فعداء آدم لإبليس ليس كعدائه لحواء، فتفطَّن لهذه: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [البقرة: 36].


30- يا لرحمته! يُخطئ في حقِّه بعلمه، وتحت قدرته، فيَهدي المخطئ للتوبة ويُعينه عليها، ثم يكرمه أخرى بالتوبة نفسِها، تفكر: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37].


31- ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]: يَبين للمتدبر من هذه الجملة: أن التوبة والرحمة مِن عوائد الله وفضله، فسبحانه قادر على الأخذ، مقدِّم للإرجاء.


32- ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ﴾ [البقرة: 38]؛ ذكره لـ﴿ جَمِيعًا ﴾ وضمير الجمع في ﴿ يَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ مع أن المكلَّفين اثنان - دلالةٌ على كثرة الذَّراري بعدَهما.


33- ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ﴾ [البقرة: 38]؛ نسَب الهدى لنفسه سبحانه ولم يُطلِقه؛ ليخلِّص عباده من رقِّ الذلة لغيره؛ فالحمد لله.


34- ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، مَن اهتدى بهدى الحقِّ - جلَّ ذِكره - أمِن من خوفٍ من الماضي، وحزنٍ في المستقبل.


35- المهتدي بهدى الحق سبحانه لا خوفٌ عليه من أذى الضالين، ولا يَحزُنه كلام المبطلين؛ ناصره قول أحكم الحاكمين: ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].


36- "يا بني إسرائيل" ناداهم بجَدِّهم النبي العابد؛ ليَلفت - والله أعلم - قلوبَهم إلى دينهم العتيق، وليستميل أفئدتهم إلى الحقِّ بثناءٍ لا يُطغي عن اتباع الحق.


37- أهل السبق في جل الأشياء يأخذون بالدفَّة، فيَمخَرون بباقي الركب بسبب أسبيقيَّتِهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41]، وقال: ﴿ أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 51].


38- عالِم السوء يَشوب الحقَّ بالباطل ويَلبِسه به، أو يَكتمه بالكليَّة؛ ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].


39- مزج الحق بالباطل يُصيره باطلاً، وهو وكتمانه سواء، جُمِعَا بـ"الواو" دلالة المساواة: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ﴾ [البقرة: 42].


40- أمرٌ بالإيمان، ثم الصلاة، فالزكاة؛ تطهير الروح يَليه تطهير البدن، فالمال؛ ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ ﴾ [البقرة: 41] تُعقب بـ: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].


فكُن طاهرًا!


41- أتت في سياق المدح والثناء"وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ"البقرة: 43]، أتَت بعد الأمر بالصلاة، مشيرةً - والله أعلم - إلى فضل شهود صلاة الجماعة، فطوبى لصاحب الجماعة!


42- ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43] أمرَ سبحانه بها، ولم يُفصِّل في القرآن كيفيتها عدا صلاة الخوف؛ دلالةً على وجوب الأخذ بالسنَّة والاهتداء بها، فالحمد لله.


43- من أعظم السَّفَه تركُ فعل الخير والبرِّ بعد العلم به! تأمل: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].


الألوكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق