الخميس، 5 يونيو 2025

معالم سورة آل عمران

معالم سورة آل عمران

نذكر على سبيل الإجمال ما اشتملت عليه من توجيهات سامية، وآداب عالية، وأحكام جليلة، وتشريعات قويمة.
إنك عند ما تفتح كتاب الله-تبارك وتعالى- وتطالع سورة آل عمران تراها في مفتتحها تثبت أن المستحق للعبادة إنما هو الله وحده، وتقيم البراهين الساطعة على ذلك.
الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ.
ثم بعد أن أثنت على أصحاب العقول السليمة لقوة إيمانهم، وشدة إخلاصهم وكثرة تضرعهم إلى خالقهم- سبحانه - وبشرتهم بحسن العاقبة.. بعد أن فعلت ذلك ذمت الكافرين وتوعدتهم بسوء المصير فقالت: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ.
ثم تحدثت عن الشهوات التي زينت للناس، وبينت ما هو خير منها، وصرحت بأن الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده هو دين الإسلام، وأن أهل الكتاب ما تركوا الحق الذي جاءهم به محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا بسبب ما استولى على قلوبهم من بغى وجحود، وأنهم بسبب ما ارتكبوه من كفروجرائم في الدنيا، سيكون حالهم يوم القيامة أسوأ حال وسيكون مصيرهم أشنع مصير، فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
ثم نهت السورة الكريمة المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء يلقون إليهم بالمودة، وذكرتهم بأن الله-تبارك وتعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا السماء، وأنه- سبحانه - سيحاسب كل نفس بما كسبت يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً.
فإذا ما طالعت- أيها القارئ الكريم- الربعين: الثالث والرابع منها، وجدت فيهما حديثا حكيما عن آل عمران.
قد تحدثت السورة الكريمة عما قالته امرأة عمران- أم مريم- عند ما أحست بالحمل في بطنها، وعما قالته عند ما وضعت حملها.
قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ.
وتحدثت عن الدعوات الخاشعات التي تضرع بها زكريا إلى ربه، سائلا إياه الذرية الطيبة، وكيف أن الله-تبارك وتعالى- أجاب له دعاءه فبشره بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.
وتحدثت عن اصطفاء الله-تبارك وتعالى- لمريم وتبشيرها بعيسى- عليه السّلام- وتعجبها من أن يكون لها ولد دون أن يمسها بشر وكيف أن الله-تبارك وتعالى- قد رد عليها بما يزيل عجبها.
قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
وتحدثت عن الصفات الكريمة، والمعجزات الباهرة التي منحها الله-تبارك وتعالى- لعيسى- عليه السّلام- وعن دعوته للناس إلى عبادة الله وحده وعن موقف أعدائه منه وعن صيانة الله له من مكرهم وعن تشابه عيسى وآدم في شأن خلقهما بدون أب.. وكيف أن الله-تبارك وتعالى- أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتحدى كل من يجادله بالباطل في شأن عيسى فقال:ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ثم وجهت السورة الكريمة أربع نداءات إلى أهل الكتاب، دعتهم فيها إلى عبادة الله وحده، وإلى ترك الجدال بالباطل في شأن أنبيائه، ووبختهم على كفرهم وعلى خلطهم الحق بالباطل.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
ثم واصلت السورة الكريمة في الربعين: الخامس والسادس منها حديثها عن أهل الكتاب، فمدحت القلة المؤمنة منهم، وذمت من يستحق الذم منهم- وهم الأكثرون- وحكت بعض الرذائل التي عرفت عن أشرارهم وفريق من علمائهم.
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ، وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
ثم بينت أن الله-تبارك وتعالى- قد أخذ الميثاق على أنبيائه بأن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأنهم قد أقروا بذلك وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يجابه مخالفيه بكلمة الحق التي جاء بها من عند الله، وأن يخبرهم بأن من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
ثم ساقت السورة الكريمة بعض الشبهات التي أثارها اليهود حول ما أحله الله وحرمه عليهم من الأطعمة، وردت عليهم بما يفضحهم ويثبت كذبهم، ووبختهم على كفرهم وعلى صدهم الناس عن طريق الحق.
وحذرت المؤمنين من مسالكهم الخبيثة التي يريدون من ورائها تفريق كلمتهم وفصم عرى أخوتهم واعتصامهم بحبل الله.
وذكرتهم بنعمة الإيمان التي بسببها نالوا ما نالوا من الخير وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.
ثم بشرت السورة الكريمة المؤمنين بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وإنهم هم الغالبون ماداموا معتصمين بدينهم.. وذكرت بعض العقوبات التي عاقب الله-تبارك وتعالى- بها اليهود بسبب كفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه، وعصيانهم أوامره.. وأثنت على من يستحق الثناء من أهلالكتاب فقالت: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ.
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
لَيْسُوا سَواءً.
وبعد أن أقامت السورة الكريمة- في عشرات الآيات منها- الأدلة الواضحة، وساقت الحجج الساطعة على صحة دين الإسلام.. انتقلت إلى الحديث عن معارك السيف والسنان التي دارت بين أهل الحق وأهل الباطل.
فتحدثت في الربع السابع والثامن والتاسع والعاشر منها عن غزوة أحد.
وكان حديثها عن هذه الغزوة زاخرا بالتوجيهات الحكيمة والتربية القويمة، والوصايا الحميدة، والعظات الجليلة والتشريعات السامية، والآداب العالية.
كان حديثها عنها هاديا للمسلمين في كل زمان ومكان إلى الطريق الذي يوصلهم إلى النصر ليسلكوه، موضحا لهم طريق الفشل ليجتنبوه.
كان حديثها عنها يدعو المسلمين كافة إلى الاعتبار بأحداث الحياة «وكيف أنها تسير على سنن وقوانين علينا أن نطلبها ونسلك السبيل إلى تعلمها، وأن أحداث الحياة ليست مجموعة من المصادفات المتوالية، أو التدفق العشوائى، وإنما للنصر قوانين، وللهزيمة قوانين.
ومن الممكن أن ينهزم المسلمون في حرب ولو كان فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ما خالفوا عن أمره، وسلكوا غير سبيل النصر، وأن لهم النصر على عدوهم وإن فاقهم عددا وعدة إذا ما استطاعوا أن يرتفعوا إلى ما فوق فاعلية عدوهم إيمانا وعلما وتنظيما».
لقد بدأت سورة آل عمران حديثها عن غزوة أحد بتذكير المؤمنين بما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل بدء المعركة من إعداد وتنظيم للصفوف، وبما هم به بعضهم من فشل، وبما تم لهم من نصر على أعدائهم في غزوة بدر.. استمع إلى القرآن وهو يحكى كل ذلك فيقول: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وفي هذا الربط بين الغزوتين تذكير للمؤمنين بأسباب انتصارهم في بدر وأسباب هزيمتهم في أحد: حتى يسلكوا في مستقبل حياتهم السبيل التي توصلهم إلى الظفر، ويهجروا الطريق التي تقودهم إلى الفشل.
ثم وجهت السورة نداء إلى المؤمنين نهتهم فيه عن التعامل بالربا، وحثتهم على المسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضوان الله، لأنه إذا كان أعداؤهم يجمعون المال من كل طريق لحربهم، فعليهم هم أن يتحروا الحلال في جمعهم للمال، وأن يتبعوا الوسائل الشريفة التي تبلغهم إلى غايتهم النبيلة، ثم حضتهم على الاعتبار بسنن الله في خلقه، وأمرتهم بالتجلد والصبر، ونهتهم عن الوهن والضعف، وبشرتهم بأنهم هم الأعلون، وشجعتهم على مواصلة الجهاد في سبيل الله فإن العاقبة لهم، وأخبرتهم بأن ما أصابهم من آلام وجراح في أحد، قد أصيب أعداؤهم بمثلها، وأن الأيام دول، وأن هزيمتهم في أحد من ثمارها أنها ميزت قوى الإيمان من ضعيفه، لأن المصائب كثيرا ما تكشف عن معادن النفوس، وخفايا الصدور.
قال-تبارك وتعالى- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ.
ثم بينت السورة الكريمة أن الآجال بيد الله وحده، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول قد خلت من قبله الرسل، وسيدركه الموت كما أدركهم.
وأن الأخيار من أتباع الرسل السابقين كانوا يقاتلون معهم بثبات وصبر من أجل إعلاء كلمة الله.. فعلى المؤمنين في كل زمان ومكان أن يقدموا على الجهاد في سبيل الله بعزيمة صادقة، وبنفوس مخلصة لأن الإقدام لا ينقص شيئا من الحياة، كما أن الإحجام لا يؤخرها، وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.
ثم حذرت السورة الكريمة المؤمنين من طاعة الكافرين لأن طاعتهم تفضى بهم إلى الخسران، وبشرتهم بأن الله-تبارك وتعالى- سيلقى الرعب في قلوب أعدائهم، وأخبرتهم بأنه- سبحانه - قد صدق وعده معهم، حيث مكنهم في أول معركة أحد من الانتصار على خصومهم وأنهم- أى المؤمنين- ما أصيبوا بما أصيبوا به في أحد إلا بسبب فشلهم وتنازعهم وتطلعهم إلى الغنائم، ومخالفتهم لوصايا رسولهم صلّى الله عليه وسلّم.
قال-تبارك وتعالى- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
ولقد ذكرت السورة الكريمة المؤمنين بما حدث من بعضهم من فرار عن المعركة حتى لا يعودوا إلى ذلك مرة أخرى فقالت:إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ وبينت لهم كيف أن الله-تبارك وتعالى- قد شملهم برحمته، حيث أنزل عليهم النعاس في أعقاب المعركة ليكون أمانا لهم من الخوف، وراحة لهم من الآلام التي أصابتهم ...
وكيف أنه- سبحانه - قد فضح المنافقين، ورد على أقوالهم وأراجيفهم بما يدحضها ويبطلها.
قال-تبارك وتعالى- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ.
يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ثم وجهت السورة الكريمة حديثها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فوصفته بأكرم الصفات وأفضلها، ونزهته عن كل قول أو فعل يتنافى مع منزلته الرفيعة.. وأمرته باللين مع أتباعه وبالعفو عنهم وبالاستغفار لهم، وبمشاورتهم في الأمر.
ثم عادت السورة الكريمة فأكدت للمؤمنين أن ما أصابهم في أحد كان سببه من عند أنفسهم، فهم الذين خالفوا ما أمرهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.
قال-تبارك وتعالى- أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا، قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن غزوة أحد ببيان فضل الشهداء، وما أعده الله لهم من ثواب جزيل، وبالثناء على المؤمنين الصادقين الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ والذين لم يرهبهم قول المرجفين: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ بل إن هذا القول زادهم إيمانا على إيمانهم، وجعلهم يفوضون أمورهم إلى الله ويقولون: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
ولقد ذكر- سبحانه - أن حكمته قد اقتضت أن يحدث ما حدث في أحد حتى يتميز الخبيث من الطيب فقال- تعالى:ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.
وبعد هذا الحديث الحكيم المستفيض عن غزوة أحد، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن أهل الكتاب فذكرت جانبا من رذائل اليهود، الذين حكى الله-تبارك وتعالى- عنهم أنهم قالوا:إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وأنهم قالوا: أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ.
وأنهم قد نقضوا عهودهم مع الله وباعوا دينهم بدنياهم الفانية.
وقد توعدهم الله-تبارك وتعالى- على ارتكابهم لهذه الرذائل والمنكرات بالعذاب المهين ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
ثم تحدثت السورة الكريمة في أواخرها عن صفات أولى الألباب، وحكت عنهم ما كانوا يتضرعون به إلى الله من دعوات خاشعات، وابتهالات طيبات، وكيف أنه- سبحانه - قد أجاب لهم دعاءهم ببركة قوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم.
وكانت الآية الخاتمة فيها تدعو المؤمنين إلى الصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله، لأن المؤمن الذي تتوفر فيه هذه الصفات يكون أهلا للفلاح في الدنيا والآخرة.
قال- تعالى:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
هذا ونستطيع بعد هذا العرض الإجمالى لأهم المقاصد التي اشتملت عليها سورة آل عمران أن نستخلص ما يأتى:أولا: أن السورة الكريمة قد اهتمت بإثبات وحدانية الله-تبارك وتعالى- وإقامة الأدلة الساطعة على ذلك، وإثبات أن الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى- لعباده هو دين الإسلام، الذي أرسل به نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ساقت السورة الكريمة لإثبات هذه الحقائق آيات كثيرة منها قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
وقوله- تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ.
وقوله- تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
ثانيا: أن السورة الكريمة قد فصلت الحديث عن أحوال أهل الكتاب، بأسلوب مقنع حكيم يحق الحق ويبطل الباطل.
فأنت إذا طالعتها بتدبر تراها تارة تتحدث عن الكفر الذي ارتكسوا فيه بسبب اختلافهم وبغيهم.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
وتارة تتحدث عن نبذهم لكتاب الله وتحاكمهم إلى غيره.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وتارة توبخهم على كفرهم بآيات الله.
وعلى مجادلتهم بالباطل، وعلى سوء أدبهم مع الله-تبارك وتعالى- وعلى نقضهم لعهودهم ومواثيقهم، وعلى كتمانهم لما أمرهم الله بإظهاره من حقائق.
وقد توعدتهم السورة الكريمة بسوء العذاب بسبب هذه الرذائل والمنكرات وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ.
وتارة تحذر المؤمنين من شرورهم فتقول: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
ولا تغفل السورة الكريمة عن مدح من يستحق المدح منهم، لأن القرآن الكريم لا يذم إلا من يستحق الذم، فقد قال-تبارك وتعالى- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.
وقال-تبارك وتعالى- وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً.
وقال-تبارك وتعالى-: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ.
هذا جانب من حديث سورة آل عمران عن أهل الكتاب، وهو حديث يكشف عن حقيقتهم حتى يكون المؤمنون على بينة من أمرهم.
وقد تحدثت السورة.
أيضا عن المشركين وعن المنافقين إلا أن حديثها عن أهل الكتاب كان أكثر وأشمل.
ثالثا: أن السورة الكريمة قد اهتمت اهتماما بارزا بتربية المؤمنين بتربية ينالون باتباعها النصر والسعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة.
فقد وجهت إليهم سبعة نداءات أمرتهم فيها بتقوى الله، وبالصبر والمصابرة والمرابطة، ونهتهم عن طاعة الكافرين، وعن التشبه بهم، وعن اتخاذهم أولياء كما نهتم عن تعاطى الربا وعن كل ما يتنافى مع آداب دينهم وتعاليمه.
وهذه النداءات السبعة تراها في قوله تعالى:1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.
5-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.
6-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا.
وبجانب هذه النداءات التي اشتملت على أسمى ألوان التربية الفاضلة، والتوجيه القويم.. نرى السورة الكريمة تسوق للمؤمنين في آيات كثيرة منها ما يهدى بهم إلى الخير والرشاد ويبعدهم عن الشر والفساد.
فهي تحكى لهم ألوانا من الدعوات التي يتضرع بها الأخيار من الناس لكي يتأسوا بهم.
وتبين لهم أن حب الشهوات طبيعة في الناس إلا أن العقلاء منهم يجعلون حبهم لما يرضى الله فوق أى شيء آخر.
وتحرضهم على الاعتصام بحبل الله وتحثهم على المسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضا الله.
إلى غير ذلك من التوجيهات الحكيمة التي زخرت بها سورة آل عمران والتي من شأنها أن تزيد المؤمنين إيمانا مع إيمانهم، وأن تهديهم إلى الصراط المستقيم.
رابعا: أن السورة الكريمة عرضت أحداث غزوة أحد عرضا حكيما زاخرا بالعظات والعبر وفصلت الحديث عنها تفصيلا لا يوجد في غيرها من السور، وساقت ما دار فيها بأسلوب بليغ مؤثر يخاطب العقول والعواطف، ويكشف عن خفايا القلوب ونوازعها، وطوايا النفوس وخواطرها، ويعالج الأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين حتى لا يعودوا لمثلها ويشجعهم على المضي في طريق الجهاد حتى لا يؤثر في عزيمتهم ما حدث لهم في أحد، ويبشرهم بأن الله-تبارك وتعالى- قد عفا عمن فر منهم، ويذكرهم بمظاهر فضل الله عليهم خلال المعركة وبعدها، ويبصرهم بسنن الله التي لا تتخلف، وبقوانينه التي لا تتبدل، وبتعاليمه التي من سار عليها أفلح وانتصر، ومن أعرض عنها خاب وخسر فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا.
أما بعد، فهذا عرض إجمالى لسورة آل عمران رأينا أن نسوقه قبل البدء في التفسير المفصل لآياتها، ولعلنا بذلك نكون قد قدمنا تعريفا موجزا نافعا عن هذه السورة الكريمة يعين على فهم بعض أسرارها ومقاصدها وتوجيهاتها.
والله نسأل أن يهدينا جميعًا إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا فتنة القول والعمل، وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه ونافعة لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تفسير الوسيط للشيخ الطنطاوي رحمه الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق