المجلس الثاني عشر
دورة تيسير القواعد الفقهية
17-وَ كُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَهْ ... بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَهْدورة تيسير القواعد الفقهية
شرح مجمل:
فهذه القاعدة فرع عن القاعدة السابقة وقَيد لها ، وهي كقاعدة فقهية يذكرها الفقهاء بقولهم :
" الضرورات تقدَّر بقدرِها " .
وبيانها : أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فَحَسْب . فإذا اضطر الإنسان لمحظورٍ فليس له أن يتوسَّع فيه ، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط .
وأصلها قوله تعالى " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " .سورة البقرة / آية : 173 .
ـ قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية
" فالباغي " الذي يبتغي الميتة مع قدرته على التوصّل إلى المذكَّى . فالبغي : أن يأخذ الإنسان بحكم الضرورة ، وهو غير مضطر .
و " العادي " الذي يتعدى قدر الحاجة بأكملها " . 1 / 71
فالعدوان : هو تجاوز مقدار الضرورة .
فهذه القاعدة فرع عن القاعدة السابقة وقَيد لها ، وهي كقاعدة فقهية يذكرها الفقهاء بقولهم :
" الضرورات تقدَّر بقدرِها " .
وبيانها : أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فَحَسْب . فإذا اضطر الإنسان لمحظورٍ فليس له أن يتوسَّع فيه ، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط .
وأصلها قوله تعالى " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " .سورة البقرة / آية : 173 .
ـ قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية
" فالباغي " الذي يبتغي الميتة مع قدرته على التوصّل إلى المذكَّى . فالبغي : أن يأخذ الإنسان بحكم الضرورة ، وهو غير مضطر .
و " العادي " الذي يتعدى قدر الحاجة بأكملها " . 1 / 71
فالعدوان : هو تجاوز مقدار الضرورة .
القواعد الفقهية ... / لابن القيم / ص : 315 / بتصرف . شرح القواعد ... / د . مصطفى كرامة مخدوم .
المحظور يعني المُحَرّم -الممنوع-، ومعنى البيت أنّ المضطر إلى المُحَرّم يجب عليه أنْ يقتصر على القدر الذي تندفع به ضرورته؛ ولا يحلّ له أنْ يتجاوز ذلك، وهذا معنى القاعدة التي يذكرها الفقهاء "الضرورة تقدر بقدرها" وهذه مقيدة لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، يعني "الضرورات تبيح المحظورات" هل على الإطلاق؟ أم بقيد؟ يقال: بقيد ما تندفع به هذه الضرورة؛ فإذا اندفعت رجع الأمر إلى ما كان عليه.
مِن الأمثلة :أنّ المضطر إلى أكل الميتة له أنْ يأكل بقدر ما يدفع عن نفسه الهلاك ولا يزيد على ذلك.حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية = هنا =
الإمام مالك قال "إن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى الشبع، ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها" قال في :الموطأ "وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة".
الموطأ ص 309 ط الشعب، الإشراف 2/ 257، القواعد الفقهية، الروقي ص 310.= هنا =القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة.
*وقال الشيخ حمد الحمد: يأكل بقدر ما يدفع ضرورته؛ لكن إذا قال: إني يغلب على ظني أني لا أجد شيئًا أمامي وأنا أريد أن أمشي في الصحراء، فله أن يأكل حتى الشبع، أو أن يحمل منها، وذلك لأنه إذا منع فقد لا يجد في طريقه شيئًا فيهلك.
إذًا: ليس له أن يأكل حتى الشبع إلا إذا كان يقول: أنا لا أدري هل أجد شيئًا أم لا، أما إذا كان يغلب على ظنه أنه يجد أو يتيقن أنه يجد الطعام عند حاجته بعد ذلك فليس له أن يأكل فوق حاجته.
وكما أن الضرورة تقدر بقدرها فالحاجة أيضًا تقدر بقدرها، فالطبيب إذا أراد أن يكشف موضعًا من بدن المرأة يحتاج إلى علاج فإنه يقدر هذا بقدره ولا يزيد، فإذا كان الداء بوجهها فليس له أن يكشف شعرها بل يكتفي بكشف الوجه، وكذلك الشاهد ينظر من المرأة ما يحتاج إليه فقط ولا يزيد.
شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد .
أيضًا مِن الأمثلة: لو اضطر شخص لكشف عورته للطبيب أثناء العلاج؛ فهذا يباح له لكن بشرط أنْ يقتصر على موضع الحاجة أو الضرورة فقط، كما أنّ الطبيب يَحْرُمُ عليه أنْ ينظر مِن عورة هذا المريض ما زاد عن الضرورة أو زاد عن الحاجة، وهذه المسألة يحتاج إليها النساء أكثر مِن الرجال، لأنّ المرأة عورة، فإذا أُصيبت المرأة بمرض في أذنها؛ تَجِدُ بعض النساء إذا ذهبت إلى الطبيب وأراد أنْ يكشف على الأذن ماذا تعمل المرأة! كثير مِن النساء تكشف الوجه كله وهذا لا ضرورة إليه ولا حاجة إليه وإنما تكشف الأذن؛ وإنِ احتاج إلى موضع آخر كأنْ ينظر إلى الفم فتكشف الفم، فالضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها،- هذا إذا اضطرت للذهاب لطبيب رجل وإلا فالأصل أن المرأة تعالج عند طبيبة -
دليل هذه القاعدة قول الله عزّ وجلّ"فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ"البقرة:173، قَيَّدَ نفي الإثم هنا بعدم البغي والعدوان، والبغي أنْ يأخذ الإنسان بحكم الضرورة وهو غير مضطر، يعني أنْ يأكل مِن الميتة قبل أنْ يصل إلى حال الضرورة، يقال: هذا باغٍ، والعدوان أنه إذا وقعت له الضرورة أَكَلَ أو فَعَلَ المُحَرّم زيادة على حاجته أو زيادة على ضرورته، فهذا هو دليل القاعدة.
حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية = هنا
* ما هو حد الضرورة ؟
___________
نقول بأن الاضطرار وإن كان سببًا من أسباب إباحة الفعل إلا أنه لا يُسقط حقوق الآدميين وإن كان يُسقط حقَّ اللهِ عز وجل برفع الإثم والمؤاخذة عن المضطر أو المستكرَه ، فإن الضرورة لا تبطل حق الآدميين .
مثاله : شخص وجد شاة فذبحها مضطرًا ـ للجوع الشديد ـ وأكل لحمها ، ثم جاء صاحب الشاة وطالبه بالثمن ، فلا يقول أنا مضطر والضرورات تبيح المحظورات ! نعم هو رُفع عنه الإثم ـ حق الله ـ ، لكن لا يعني ذلك أن حق الآدميين يسقط ، وإنما يجب عليه أن يدفع القيمة ـ لصاحب الشاة ـ .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ولكن هذا ليس على الإطلاق ، فهناك ضابط لهذه المسألة ، وهو : إذا نشأت الضرورة من حق الغير ، فإنه حينئذ لا حق لذلك الغير .
* مثاله :
إنسان هاج عليه جَمَل ، فاضطر إلى قتله ؛ دفاعًا عن نفسه ، فهل يحق لصاحب الجمل أن يأتي إليه ويطالبه بقيمة الجمل ؟ .
الجواب : لا . لا يحق له ؛ لماذا ؟ . لأن الاضطرار هنا ناشئ من ملك الغير ، ناشئ من ذات المملوك ـ أي الجَمَل ـ فحينئذ لا يجب الضمان .
أما إذا كان الاضطرار ليس ناشئًا عن حق الغير ، فعلى المضطر الضمان . مثل ذلك : مضطر جائع ، لم يجد إلا جملًا مملوكًا لغيره ، فذبحه وأكله ، فحينذ الاضطرار ليس ناشئًا عن مِلْك الغير ـ أي الجَمل ـ ومن ثَم فإنه ـ أي المضطر ـ يضمن ـ أي يدفع عِوَض ـ ذلك المِلْك ـ أي ـ الجمل ـ .
* مثال آخر :
إنسان في السفينة ، ألقى بعض المتاع في البحر ؛ لأنه مضطر إلى إلقائه . فهنا هل يجب الضمان أو لا يجب ؟ .
نقول : ننظر لماذا ألقى المتاع ، فإن كان قد ألقاه لضرر ناشئ من المتاع ، كأن يكون الرجل في جانب السفينة ، فسقط عليه بعض المتاع ، فخشي على نفسه الهلاك ، فألقى بالمتاع في البحر .
فهنا الاضطرار ناشئ من مِلْك الغير ، فلا يجب عليه الضمان .
لكن لو كان الاضطرار ليس ناشئًا من ذلك المتاع ، بأن تكون السفينة حمولتها كثيرة ، ويخشى عليها من الغرق ، فقال القائمون على السفينة : لابد من إلقاء بعض المتاع ، فأُخِذَ بعض المتاع فأُلقي ، فحينئذ هل يضمن ؟ . نقول : نعم يضمن ، لأن هذا الاضطرار ليس ناشئًا من ذات المتاع ، وإنما ناشئ من جميع من في السفينة ، فحينئذ يُقال لجميع من في السفينة : اضمنوا هذا المتاع ، ويضرب عليهم قيمته أو مثله ، بحسب أعدادهم . مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
المجلس الثالث عشر
دورة تيسير القواعد الفقهية18ـ وَتَرْجِعُ الأَحْكَامُ لليَقِينِ * فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ
هذه القاعدة تشير إلى قاعدة فقهية كلية وهي :
" اليقين لا يزول بالشك " .
وَتَرْجِعُ: تعود .
الأَحْكَامُ : واحدها حُكم وهو في اللغة : المنع .وسُمِّي القضاء حكمًا؛ لأنه يمنع النزاع والخصومات. تقول : وحَكَّمْتُ الرجلَ تحكيمًا ، إذا منعته مما أراد ، قاله الجوهري في " الصِّحَاح " .
والحكم في الاصطلاح هو : إسناد أمر إلى آخر إيجابًا أو سلبًا . قاله الجرجاني في" التعريفات " ،أو هو : إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه.
ومثاله في الإيجاب : زيد قائم ، حيث أثبت القيام لزيد . ومثال السَّلب : لم يقم زيد ، حيث نفيت القيام عن زيد . مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
أقسام الحكم:
بِناءً على التعريف السابق، فقد ثبت بالاستقراء أن الحكم ينقسم إلى ما يلي:
= الحكم الشرعي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الشرع، كقولنا: الصلاة واجبة، والقتل حرام.
= الحكم العقلي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من العقل، كقولنا: الكل أكبر من الجزء.
= الحكم العادي - التجريبي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من التجربة والعادة، كما يستفاد أن هذا الدواء لهذا الداء.
= الحكم الحسي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الحس، كحكمنا أن النار محرقة، والماء مروٍ.
= الحكم الوضعي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الوضع، كقولنا: الفاعل مرفوع.= الألوكة =
وقد عَرَّفَه الأصوليون بأنه خطاب الله ـ تعالى ـ المتعلق بأفعال المكلفين ؛ اقتضاءً ـ أي طلبًا ـ ،أو تخييرًا ، أو وضعًا-أي: ثابت بالوضع والإخبار ، فالحكم الوضعي : هو خطاب الشرع بجعل أمرٍ ما علامة على أمر آخر .
كالقرابة - مثلاً- فإنها وضع شرعي ، وهي سبب للإرث -
والأحكام الوضعية خمسة هي :
السبب ، والشرط ، والمانع ، والصحة ، والفساد . الواضح في ... / ص : 48 . الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .
ولمزيد تفصيل يرجع لهذا =الحكم الوضعي والفرق بينه وبين الحكم التكليفي.
لليَقِينِ:
*مراتب العلم أربعة:
المرتبة الأولى: اليقين، وهو الإدراك الجازم الذي لا تردد فيه..منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
مثلًا: خمسة زائد خمسة، الجواب عشرة هل عندك فيها تردد؟ لا، فهذا يقين.ما حكم الطهارة؟ واجبة، هل عندك فيها تردد؟ لا، هذا يقين.المرتبة الثانية:الظن، وهو إدراك الاحتمال الراجح مع وجود احتمال مرجوح، يعني هناك تردد لكن يترجح أحد الاحتمالين؛ فالراجح يسمى ظنًا والمرجوح هو الوهم.المرتبة الثالثة: الشك، وهي أنْ يتساوى الاحتمالان، ليس هنالك مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر، فهذا شك.المرتبة الرابعة:الوهم وهو الاحتمال المرجوح.
حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه: وهمًا.
وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة، فهذا هو الشك. إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له: الظن، أو يقولون له: الظن الراجح، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه: اليقين.
*اليقين اصطلاحًا : هو حصول الجزم ،أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدم وقوعه .منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
فاليقين عند الفقهاء يدخل فيه: الشيء المتيقن المجزوم به، ويدخل في ذلك أيضًا غالب الظن، فإذا كان عندك تردد بين أمرين لا تدري أيهما الصواب، فنقول: ارجع إلى اليقين أو غلبة الظن.شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد.
*والسبب في إدخال الظن وجعله كاليقين هنا: هو أنّ الظن يُعمل به في كثير مِن الأحكام الشرعية، ولو قيل: إنه لا يُعمل إلّا باليقين! لتعذر الوصول إلى العلم في كثير مِن الأحكام الشرعية، فيكفي في ذلك غلبة الظن.
مثال :شهادة الشهود عند القاضي:
* الأصل براءة الذمة :
وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم " البيِّنَة على المدعِي ، واليمين على المدعَى عليه" سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني13ـ كتاب : الأحكام عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ12ـ باب : ما جاء في أن البينة على المدَّعِي واليمين على المدَّعَى عليه / حديث رقم- 1341 : ص- 316 - صحيح .
والمعنى : القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجود شيء أو لزومه ، وكونه مشغول الذمة هذا خلاف الأصل ، لأن المرء يولد خاليًا من كل دَيْنٍ أو التزامٍ أو مسئوليةٍ ، وكل شغل لذمته بشيء من الحقوق إنما يطرأ بأسباب عارضة بعد الولادة ، والأصل في الأمور العارضة العدمحتى تثبت بقرينة .
فمثال الأخذ بغلبة الظن :شهادة الشهود عند القاضي، لو ادّعى شخص على آخر أنه قد أقرضه مئة ألف ريال؛ فأنكر المُدَّعَى عليه! والأصل ؛ أنّ المُدَّعَى عليه ذمته بريئة حتى يثبت ذلك .
فإذا جاء المُدّعِي باثنين مِن الشهود العدول فشهدوا أنّ المُدَّعِي قد أقرض المُدّعَى عليه هذه المئة ألف؛ ماذا سيحكم القاضي؟ سيحكم بمقتضى هذه الشهادة، طيب هذه الشهادة الآن هل تفيد اليقين حتى يرفع اليقين السابق وهو براءة الذمة ؟ أو أنّها تفيد الظن؟ نعم تفيد الظن، طيب كيف تفيد الظن مع أنهم عدول؟ نعم، حتى لو كانوا عدولًا ألا يحتمل أنْ يكونوا قد أخطأوا أو تَوَهَّمُوا، وأيضًا العدل ليس معصومًا، قد يكذب! هذا محتمل، لكن هذا الاحتمال مرجوح مادام عدلًا قد زُكِّيَ مِن قِبَلِ اثنين مِن المُزَكِّيْن؛ فإنّ شهادتَهُ تكون مفيدة للظن، وهذا الظن رفع اليقين السابق، إذًا لا يلزم في رفع اليقين أنْ يحصل يقين يرفعه! يكفي في رفعه الظن. والحكمُ المسْتَصحَبُ ، وإن كان يقينًا في أصله إلا أنه ظنيٌّ من جهة بقائه واستمراره ، فرجعت المسألةُ إلى تعارض الظنون
«واليمين على من أنكر»؛ أي: مَن أنكر دعوى خَصْمِهِ إذا لم يكن لِخَصْمِهِ بيِّنَة، فإذا قال زيدٌ لعمرٍو: أنا أقرضتك مائة درهم، وقال عمرٌو: لا، قلنا لزيدٍ: اِئْتِ ببيِّنَةٍ، فإنْ لم يأتِ بالبيِّنَة، قلنا لعمرٍو: احلفْ على نفيِ ما ادعاه، فإذا حلفَ برِئَ.
أيضًا مِن الأدلة على هذا أنّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم عمل بشهادة المرضِعَةِ الواحدة في التفريق بين الرجل والمرأة في الحديث الذي ورد في ذلك، مع أنّ شهادة المرأة إنما تفيد الظن! فأزال بها اليقين السابق وهو حِل هذه المرأة للرجل، هذا ما يتعلق باليقين..حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
فعن عقبة بن الحارث : أنَّهُ تزَوَّجَ ابنَةً لأبِي إِهَابِ بنِ عُزَيْزٍ ، فأَتَتْهُ امرأةٌ فقالتْ : قدْ أَرْضَعْتُ عقْبَةَ والتي تَزَوَّجَ ، فقالَ لهَا عقبةُ : ما أعلمُ أنَّكِ أَرْضَعْتِنِي ولا أخْبَرْتِنِي ، فَأَرسَلَ إلى آل أبِي إهَابٍ يسأَلُهُم ، فقَالوا : ما عَلِمنَا أَرضَعَتْ صَاحِبَتَنَا ، فَرَكِبَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالمدينةِ فسَأَلَهُ ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " كيفَ وقَدْ قيلَ". ففَارَقَهَا ونَكَحَت زوجًا غَيرَهُ ".الراوي : عقبة بن الحارث - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2640 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =
وفي هذا الحديثِ: تزوَّج عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ رضِي اللهُ عنه ابنةَ أَبِي إِهَابِ بنِ عَزِيزٍ، فجاءَتْه امرأةٌ وأَخْبَرَتْه أنَّها أَرْضَعَتْه هو ومَن تزوَّجَها، فقال لها عُقْبَةُ: ما أَعْلَمُ أنَّكِ أَرْضَعْتِني ولا أَخْبَرْتِني، يعني: لم يُخْبِرْني أحدٌ- بِمَا فيهم أَنْتِ- بأنَّكِ أَرْضَعْتِني قبلَ ذلك، فأَرْسَل عُقْبَةُ لِآلِ أَبِي إِهَابٍ يسألُهم عن الأمرِ، فأَخبَروه بأنَّهم لا عِلمَ لهم قَبلَ ذلك بأنَّها أرضعَتِ ابنتَهم، فذَهَب عُقْبَةُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَخْبَره بما حَدَث، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «كَيْفَ وقَدْ قِيلَ؟!»، أي: كيف تُبقِيها عندك تُباشِرُها وتُجامِعُها وقد قِيلَ: إنَّك أَخُوها مِن الرَّضَاعةِ؟! ففَارَقَها عُقْبَةُ رضِي اللهُ عنه، وتزوَّجَتْ هي بعدَه زوجًا آخَرَ.الدرر=
قالوا:والأصل والغالب إن تعارضا فقدِّم الغالبَ وهو المرتضى.
والحكمُ المسْتَصحَبُ ، وإن كان يقينًا في أصله إلا أنه ظنيٌّ من جهة بقائه واستمراره ، فرجعت المسألةُ إلى تعارض الظنون .
فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ:
و الشَّكُّ في الاصطلاح يطلق على التردد بين وجود الشيء وعدمه دون ترجيح لأحدهما على الآخر، ويدخل في الشك مِن باب أولى في هذه القاعدة الوهمُ، يعني لو كان عندنا يقين أو ظن ثم جاءني شك؛ هذا الشك لا يزيل اليقين أو الظن السابق، طيب إذا كان عندي يقين أو ظن ثم جاءني وَهْم؛ فهو مِن باب أولى لا يرفع اليقين أو الظن السابق.هنا =حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا تكاد تلك القاعدة تخلو من باب من أبواب الفقه ويدل على صحة هذه القاعدة عدة أدلة ترجع إلى الخبر ،والإجماع ، والنظر.
فأما الخبر، ما رواه مسلم في صحيحه :
* فعن سعيد وعبَّادِ بنِ تميمٍ ، عن عمهِ ، شُكِيَ إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الرجلُ يُخيلُ إليه أنه يجدُ الشيءَ في الصلاةِ . قال "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا ، أو يجد ريحًا " .صحيح مسلم / 3 ـ كتاب : الحيض / 26 ـ باب : الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك / حديث رقم : 361 / ص : 93.
يَجدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، يعني: يَظنُّ أَنَّه خرَجَ منه الرِّيحُ، فقال له النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم « لا يَنصرفُ» ، «حتَّى يَسمعَ صوتًا أو يَجدَ ريحًا»، والمعنى: أَنَّه لا يَخرجُ مِن صَلاتِه حتَّى يَتيقَّنَ خروجَ الرِّيحِ منه؛ لأنَّه مُتيقِّنٌ لِطهارتِه فلا يزولُ هذا اليقينُ بِمجرَّدِ الشَّكِ، بل ينبغي أن يتيقَّنَ مِنَ الحدَثِ وخُروجِ الرِّيحِ.
ـ ففي هذا الخبر:الحكم ببقاء الطهارة وإن طرأ الشك ، لأن الطهارة مُتيقَّنٌ منها ، وأما إذا تُيقِّن من الحدث الموجب نقض الطهارة ـ نُقِضَت الطهارة ـ .
وهذا أصل في كل أمر قد ثبت واستقر يقينا ، فإنه لا يرفع حكمه بالشك .
*وعن أبي سعيد الخُدري ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ. " الراوي : أبو سعيد الخدري -المحدث : مسلم -المصدر: صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم- 571 خلاصة حكم المحدث:صحيح= الدرر =
في هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إذا شَكَّ أحدُكم"، أي: تَردَّد، "في صَلاتِه "، ولم يَترجَّحْ عندَه أحدُ الطَّرفين بالتَّحرِّي، "فلم يَدرِ كم صَلَّى ثلاثًا، أم أربعًا، فليَطرَحِ الشَّكَّ"، أي: المشكوكَ فيه، وهو الأكثرُ، والمعنى: يُلغي الزائدَ الَّذي هو محلُّ الشَّكِّ ولا يأخُذْ به في البناءِ، يعني: الرَّكعةَ الرَّابعةَ، "وليَبْنِ على ما استيقَنَ"، أي: المُتَيَقَّنُ به وهو الأقلُّ؛ فالثَّلاثُ هو المُتَيَقَّنُ، والشَّكُّ والتَّرَدُّدُ، إنَّما هو في الزيادَةِ، فيَبنِي على المُتَيَقَّنِ لا على الزائدِ الَّذي يشُكُّ فيه، ثُمَّ يَسجُدُ سجدتين قبل أن يُسلِّمَ، "فإن كان صلَّى خَمْسًا"، فإن كان ما صلَّاه في الواقعِ أربعًا فصار خمسًا بإضافةِ ركعةٍ أخرى إليه شفعن له، أي: للمُصلِّي، يعني: شفعتِ الركعاتُ الخمسُ صلاةَ أحدِكم بالسَّجدتين. "وإنْ كان صلَّى إتمامًا لأربع"، إنْ صلَّى ما شكَّ فيه حالَ كونِه مُتمِّمًا للأربع، فيكون قد أدَّى ما عليه من غيرِ زيادَةٍ ولا نُقصانٍ. "وكانتا" أي: السجدتان، "ترغيمًا للشيطان"، أي: دحرًا له ورميًا له بالرَّغام وهو التُّرابُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ لَبَسَ عليه صَلاتَه، وتعرَّضَ لإفسادِها ونَقْصِها، فجعَلَ اللهُ تعالى للمُصلِّي طريقًا إلى جَبْرِ صَلاتِه، وتَدارُكِ ما لَبَسَه عليه، وإرغامِ الشَّيطانِ، وردِّه خاسئًا مُبعَدًا عن مُرادِه، وكَمَلَتْ صلاةُ ابنِ آدمَ لَمَّا امتثَلَ أمرَ اللهِ تعالى الَّذي عصَى به إبليسَ، مِن امتناعِهِ مِنَ السُّجودِ . = الدرر =
-وأما الإجماع :
فحكاه غير واحد كالقرافي ـ رحمه الله ـ في " الفروق " ، وابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ في" إحكام الإحكام " .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 64 .
-وأما النظر :
فلأن اليقين لا يغلبه الشك ألْبتة ، حيث إنه قطع بثبوت الشيء فلا ينهدم بالشك.مجموعة الفوائد البهية ... / ص65 .
o فائدة :
ذَكَرَ الناظم رحمه الله في شرحه أنّ هذه القاعدة لا تختصّ بالفقه بل تدخل أيضًا في غير الفقه،فقاعدة" اليقين لا يُزال بالشك"لها اعتبار عند الاستدلال بالأدلة ؛ إذا نظرنا إلى الألفاظ قالوا: إنّ الأصل في الألفاظ أنها للحقيقة حتى يأتي ما يصرفها عن هذه الحقيقة، والأصل في الأمر أنه للوجوب حتى يأتي الصارف، كقوله تعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ " البقرة/43 ،فقد دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على أن الأمر بإقامة الصلوات الخمس للوجوب .
رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّهُ قَالَ"لاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"ولا صلاةَ بعدَ الفجرِ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ"
الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم- 1039 : خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر=
فَاقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ كُلِّ صَلاَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، ثُمَّ قَال "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا."
"مَن نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذلكَ".الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم684 : -خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فَأَخْرَجَ بهَذَا اللَّفْظِ الخَاصِّ الصَّلاَةَ المَنْسِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ المَنْهِيِّ عَنْهَا بَعْدَ العَصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ الخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا".
والأصل إحكام النص حتى يثبت الناسخ له وهكذا في كثير من القضايا.حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
تعريف النسخ اصطلاحًا :رفعُ حُكْم شرعي متقدم ، بخطاب شرعي متأخر ، منفصل عنه منافٍ له .
"كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ، وإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَهَا: أعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قالَتْ: لا ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ، وكانَ يَومَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عليه، فَذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ"البقرة: 187- فَفَرِحُوا بهَا فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَتْ"وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ"البقرة: 187.
الراوي : البراء بن عازب -المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم1915 -خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
خَيبةً لك: أي: حِرمانًا لك.
فالأصل : إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ. أي والأصل إحكام النص حتى يثبت الناسخ له.
وقد ثبت الناسخ في نفس الحديث : فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ"البقرة: 187- ، ونَزَلَتْ"وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ"البقرة: 187.
ولا يُخْرَج بتلك الأحكام عن أصولها الْمُتَيَقَنة لاستدلال أو دليل مشكوك فيه إما من جهة الثبوت أو الدلالة .
عرف الجرجاني” الاستدلال: بأنه هو تقرير الدليل لإثبات المدلول- هنا -
وقد نبه إلى ذلك العلائي ـ رحمه الله ـ في كتابه " المجموع الْمُذْهَب " ، وقال " ومن هذا الوجه يمكن رجوع غالب مسائل الفقه إلى هذه القاعدة إما بنفسها أو بدليلها "
ومن ثَم يتبين أن القاعدة الكلية " اليقين لا يزال بالشك "، لها موردان- أي تطبق وتصب على شيئين-
الأول :الأدلة الشرعية ، عند إعمال قاعدة " استصحاب الأصل " ، لأن الأصل له حكم اليقين .
الثاني:أفعال المكلَّف ، عند اشتباه أسباب الحكم عليه. وهذا المورد هو المقصود أصالةً من القاعدة ، قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ في " بدائع الفوائد " .
وهذا كله عندما يكون للمشكوك فيه حال قبل الشك ، فَتُستصحَب ولا ينتقل عنها إلا بيقين ، وهذا جزم به الجمهور ، ونص عليه ابن القيم في كتابه السابق .
قال ابن القيم : في " بدائع الفوائد " : " ينبغي أن يُعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه ألْبتة ، وإنما يعرض الشك للمكلف " .ا . هـ .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 66 .
*أمثلة تطبيقية على القاعدة :
_________
*إذا أكل الصائم شاكًّا في طلوع الفجر ، صح صومه ، لأن الأصل بقاء الليل حتى يتيقن الفجر .
أما إذا أكل شاكًّا في غروب الشمس ، لم يصح صومه ، لأن الأصل بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك ، وعليه القضاء ما لم يعلم أنه أكل بعد الغروب فلا قضاء عليه حينئذ.
*من شك في حصول الرضاع بينه وبين امرأة أجنبية ، فيبنِ على الأصل المتيقَّنِ ، وهو كونُها أجنبية عنه .
*من شك في طلاق امرأته ، فإنه يبني على الأصل المتيقن ، وهو بقاء الزوجية .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
*وإذا شك كذلك هل طلق امرأته طلقة أو طلقتين فنقول: المتيقن هو طلاق مرة، وأما القدر الزائد فهو مشكوك فيه.
وهكذا، فاليقين لا يزول بالشك.شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد .
وهذا لو كان في الطَلْقة الأولى أو الثانية قد يكون الأمر سهلًا، لكن لو جاءنا شخص يريد أنْ يُثبت الطلاق عند القاضي، يعني يقول: أنا طلقت وأريد إثبات هذا الطلاق، القاضي مباشرة سوف يسأله:هل طلقت قبل هذه الطَلْقة أو لا؟ لأنّ هذا له أثرٌ في الحكم، فإذا قال: إنني طلقت قبل هذه الطَلْقة طلقة جازمًا بها وطَلْقة متردد فيها! يعني يقول: طلقتُ قبل عشر سنوات لكنني متردد لا أدري هل طلقتُ أم لم أطلق! وقبل سَنَة جازم بالطلْقة، وهذه الآن الطلقة التي يريد أنْ يُثبتها، بناءً على هذا يتحقق منه القاضي بالطلقة الأولى، إنْ كان عنده غلبة ظن عمل بهذا الظن وأثبت الطلقة وصارت الطلْقة الأخيرة هذه هي الثالثة، فتَبِيْنُ منه المرأة بينونة كبرى لا تحلّ إلّا لرجل ينكحها ويطؤها ثم يفارقها بموت أو طلاق، وأمّا إذا قال: إنّ الطَلْقة الأولى أنا متردد فيها تردد يستوي فيه الاحتمالان؛ فحينئذٍ الأصل عدم وقوع هذا الطلاق، فيكون قد طلَّق طلقتين فقط فلا تَبِيْنُ منه المرأة بينونة كبرى، هذا يدلك على أنّ المسألة مهمة ويترتب عليها أمور عظيمة جدًا.= هنا =حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
*من أتم صلاتَهُ وفرغ منها ، ثم شك في زيادة أو نقص ، فهذا الشك لا يؤثر ، فصلاته تامة لأن الأصل التمام ، ثم طرأ شك ، فلا يُعوَّل عليه لكن من شك أثناء الصلاة فهذا له حكم آخر مفصل بكتب الفقه . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
*إذا كنت متيقنًا أنك على وضوء وعندك شك هل حصل ناقض لهذا الوضوء أم لا، فأنت -مثلاً- متيقن أنك توضأت لصلاة المغرب، فلما حضرت صلاة العشاء صرت لا تدري هل انتقض الوضوء أم لا؟ فنقول: المتيقن هو الوضوء والناقض مشكوك فيه، وعلى ذلك فنأخذ بالمتيقن وهو الوضوء فنقول: أنت على وضوء، واليقين لا يزول بالشك.
*وإذا كان الأمر بالعكس، كأن تيقنت الناقض وشككت في الوضوء بعده؛ فمثلًا تقول: إنك قد قضيت حاجتك بعد صلاة المغرب ،وتقول: أنا لا أدري هل توضأت بعد أن قضيت حاجتي أم لا؟ فنقول: هنا المتيقن هو الحدث والوضوء مشكوك فيه، وعلى ذلك فخذ بالمتيقن وهو عدم الوضوء، فاليقين لا يزول بالشك.
*إذا كنت لا تدري في صلاتك هل صليت ثلاثًا أم أربعًا، فالمتيقن هو الأقل، فتصلي رابعة وتسجد للسهو قبل السلام.
*وإذا كنت في الطواف فحصل عندك شك هل طفت ستًا أم سبعًا، فنقول: الأقل هو المتيقن، فأنت في حكم من طاف ستة أشواط وعليك أن تطوف الشوط السابع. شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد .
* الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته:
فلو أن إنسانًا استيقظ من النوم لما أراد أن يصلي الظهر وجد في ثيابه أثر مَنِيّ ـ للاحتلام ـ فأشكل عليه هل هذا من نومه بعد صلاة الفجر فتكون صلاة الفجر صحيحة ؟ أم أنه من الليل فيلزمه الاغتسال ثم إعادة صلاة الفجر ؟ . نقول : إذا لم يتأكد ولم تقم قرائن ، فالأصل إضافة الحال إلى أقرب أوقاته ، وعلى هذا نحكم بأنه من نومه بعد صلاة الفجر ، وبِنَاءً على ذلك نحكم بصحة صلاة الفجر . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
سُئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله : عمن وجد منيًّا في ثيابه بعد أن صلى الفجر ولم يعلم به فما الحكم في ذلك ؟ . فأجاب : إذا لم ينم الإنسان بعد صلاة الفجر فإن صلاة الفجر غير صحيحة لوقوعها وهو جنب حيث تيقن أنه قبل الصلاة . أما إذا كان الإنسان قد نام بعد صلاة الفجر ولا يدري هل هذه البقعة من النوم الذي بعد الصلاة أو من النوم الذي قبل الصلاة فالأصل أنها مما بعد الصلاة ، وأن الصلاة صحيحة ، وهكذا الحكم أيضا فيما لو وجد الإنسان أثر مني وشك هل هو من الليلة الماضية أو من الليلة التي قبلها ، فليجعله من الليلة القريبة ويجعله من آخر نومة نامها ؛ لأن ذلك هو المتيقن وما قبلها مشكوك فيه ، والشك في الحدث لا يوجب الطهارة منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد" ،رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، والله الموفق . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " 11 / السؤال رقم: 165 .
" اليقين لا يزول بالشك " .
وَتَرْجِعُ: تعود .
الأَحْكَامُ : واحدها حُكم وهو في اللغة : المنع .وسُمِّي القضاء حكمًا؛ لأنه يمنع النزاع والخصومات. تقول : وحَكَّمْتُ الرجلَ تحكيمًا ، إذا منعته مما أراد ، قاله الجوهري في " الصِّحَاح " .
والحكم في الاصطلاح هو : إسناد أمر إلى آخر إيجابًا أو سلبًا . قاله الجرجاني في" التعريفات " ،أو هو : إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه.
ومثاله في الإيجاب : زيد قائم ، حيث أثبت القيام لزيد . ومثال السَّلب : لم يقم زيد ، حيث نفيت القيام عن زيد . مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
أقسام الحكم:
بِناءً على التعريف السابق، فقد ثبت بالاستقراء أن الحكم ينقسم إلى ما يلي:
= الحكم الشرعي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الشرع، كقولنا: الصلاة واجبة، والقتل حرام.
= الحكم العقلي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من العقل، كقولنا: الكل أكبر من الجزء.
= الحكم العادي - التجريبي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من التجربة والعادة، كما يستفاد أن هذا الدواء لهذا الداء.
= الحكم الحسي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الحس، كحكمنا أن النار محرقة، والماء مروٍ.
= الحكم الوضعي: هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الوضع، كقولنا: الفاعل مرفوع.= الألوكة =
وقد عَرَّفَه الأصوليون بأنه خطاب الله ـ تعالى ـ المتعلق بأفعال المكلفين ؛ اقتضاءً ـ أي طلبًا ـ ،أو تخييرًا ، أو وضعًا-أي: ثابت بالوضع والإخبار ، فالحكم الوضعي : هو خطاب الشرع بجعل أمرٍ ما علامة على أمر آخر .
كالقرابة - مثلاً- فإنها وضع شرعي ، وهي سبب للإرث -
والأحكام الوضعية خمسة هي :
السبب ، والشرط ، والمانع ، والصحة ، والفساد . الواضح في ... / ص : 48 . الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .
ولمزيد تفصيل يرجع لهذا =الحكم الوضعي والفرق بينه وبين الحكم التكليفي.
لليَقِينِ:
*مراتب العلم أربعة:
المرتبة الأولى: اليقين، وهو الإدراك الجازم الذي لا تردد فيه..منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
مثلًا: خمسة زائد خمسة، الجواب عشرة هل عندك فيها تردد؟ لا، فهذا يقين.ما حكم الطهارة؟ واجبة، هل عندك فيها تردد؟ لا، هذا يقين.المرتبة الثانية:الظن، وهو إدراك الاحتمال الراجح مع وجود احتمال مرجوح، يعني هناك تردد لكن يترجح أحد الاحتمالين؛ فالراجح يسمى ظنًا والمرجوح هو الوهم.المرتبة الثالثة: الشك، وهي أنْ يتساوى الاحتمالان، ليس هنالك مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر، فهذا شك.المرتبة الرابعة:الوهم وهو الاحتمال المرجوح.
حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
إذا كنت تتوقع هذا بنسبة عشرة بالمائة، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، أربعين بالمائة، هذا يسمونه: وهمًا.
وإذا كان التوقع بنسبة خمسين بالمائة، فهذا هو الشك. إذا كان ستين بالمائة، سبعين بالمائة، ثمانين، تسعين، يقولون له: الظن، أو يقولون له: الظن الراجح، إذا كان مائة بالمائة فهذا الذي يسمونه: اليقين.
*اليقين اصطلاحًا : هو حصول الجزم ،أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدم وقوعه .منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
فاليقين عند الفقهاء يدخل فيه: الشيء المتيقن المجزوم به، ويدخل في ذلك أيضًا غالب الظن، فإذا كان عندك تردد بين أمرين لا تدري أيهما الصواب، فنقول: ارجع إلى اليقين أو غلبة الظن.شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد.
*والسبب في إدخال الظن وجعله كاليقين هنا: هو أنّ الظن يُعمل به في كثير مِن الأحكام الشرعية، ولو قيل: إنه لا يُعمل إلّا باليقين! لتعذر الوصول إلى العلم في كثير مِن الأحكام الشرعية، فيكفي في ذلك غلبة الظن.
مثال :شهادة الشهود عند القاضي:
* الأصل براءة الذمة :
وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم " البيِّنَة على المدعِي ، واليمين على المدعَى عليه" سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني13ـ كتاب : الأحكام عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ12ـ باب : ما جاء في أن البينة على المدَّعِي واليمين على المدَّعَى عليه / حديث رقم- 1341 : ص- 316 - صحيح .
والمعنى : القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجود شيء أو لزومه ، وكونه مشغول الذمة هذا خلاف الأصل ، لأن المرء يولد خاليًا من كل دَيْنٍ أو التزامٍ أو مسئوليةٍ ، وكل شغل لذمته بشيء من الحقوق إنما يطرأ بأسباب عارضة بعد الولادة ، والأصل في الأمور العارضة العدمحتى تثبت بقرينة .
فمثال الأخذ بغلبة الظن :شهادة الشهود عند القاضي، لو ادّعى شخص على آخر أنه قد أقرضه مئة ألف ريال؛ فأنكر المُدَّعَى عليه! والأصل ؛ أنّ المُدَّعَى عليه ذمته بريئة حتى يثبت ذلك .
فإذا جاء المُدّعِي باثنين مِن الشهود العدول فشهدوا أنّ المُدَّعِي قد أقرض المُدّعَى عليه هذه المئة ألف؛ ماذا سيحكم القاضي؟ سيحكم بمقتضى هذه الشهادة، طيب هذه الشهادة الآن هل تفيد اليقين حتى يرفع اليقين السابق وهو براءة الذمة ؟ أو أنّها تفيد الظن؟ نعم تفيد الظن، طيب كيف تفيد الظن مع أنهم عدول؟ نعم، حتى لو كانوا عدولًا ألا يحتمل أنْ يكونوا قد أخطأوا أو تَوَهَّمُوا، وأيضًا العدل ليس معصومًا، قد يكذب! هذا محتمل، لكن هذا الاحتمال مرجوح مادام عدلًا قد زُكِّيَ مِن قِبَلِ اثنين مِن المُزَكِّيْن؛ فإنّ شهادتَهُ تكون مفيدة للظن، وهذا الظن رفع اليقين السابق، إذًا لا يلزم في رفع اليقين أنْ يحصل يقين يرفعه! يكفي في رفعه الظن. والحكمُ المسْتَصحَبُ ، وإن كان يقينًا في أصله إلا أنه ظنيٌّ من جهة بقائه واستمراره ، فرجعت المسألةُ إلى تعارض الظنون
«واليمين على من أنكر»؛ أي: مَن أنكر دعوى خَصْمِهِ إذا لم يكن لِخَصْمِهِ بيِّنَة، فإذا قال زيدٌ لعمرٍو: أنا أقرضتك مائة درهم، وقال عمرٌو: لا، قلنا لزيدٍ: اِئْتِ ببيِّنَةٍ، فإنْ لم يأتِ بالبيِّنَة، قلنا لعمرٍو: احلفْ على نفيِ ما ادعاه، فإذا حلفَ برِئَ.
أيضًا مِن الأدلة على هذا أنّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم عمل بشهادة المرضِعَةِ الواحدة في التفريق بين الرجل والمرأة في الحديث الذي ورد في ذلك، مع أنّ شهادة المرأة إنما تفيد الظن! فأزال بها اليقين السابق وهو حِل هذه المرأة للرجل، هذا ما يتعلق باليقين..حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
فعن عقبة بن الحارث : أنَّهُ تزَوَّجَ ابنَةً لأبِي إِهَابِ بنِ عُزَيْزٍ ، فأَتَتْهُ امرأةٌ فقالتْ : قدْ أَرْضَعْتُ عقْبَةَ والتي تَزَوَّجَ ، فقالَ لهَا عقبةُ : ما أعلمُ أنَّكِ أَرْضَعْتِنِي ولا أخْبَرْتِنِي ، فَأَرسَلَ إلى آل أبِي إهَابٍ يسأَلُهُم ، فقَالوا : ما عَلِمنَا أَرضَعَتْ صَاحِبَتَنَا ، فَرَكِبَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالمدينةِ فسَأَلَهُ ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " كيفَ وقَدْ قيلَ". ففَارَقَهَا ونَكَحَت زوجًا غَيرَهُ ".الراوي : عقبة بن الحارث - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2640 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =
وفي هذا الحديثِ: تزوَّج عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ رضِي اللهُ عنه ابنةَ أَبِي إِهَابِ بنِ عَزِيزٍ، فجاءَتْه امرأةٌ وأَخْبَرَتْه أنَّها أَرْضَعَتْه هو ومَن تزوَّجَها، فقال لها عُقْبَةُ: ما أَعْلَمُ أنَّكِ أَرْضَعْتِني ولا أَخْبَرْتِني، يعني: لم يُخْبِرْني أحدٌ- بِمَا فيهم أَنْتِ- بأنَّكِ أَرْضَعْتِني قبلَ ذلك، فأَرْسَل عُقْبَةُ لِآلِ أَبِي إِهَابٍ يسألُهم عن الأمرِ، فأَخبَروه بأنَّهم لا عِلمَ لهم قَبلَ ذلك بأنَّها أرضعَتِ ابنتَهم، فذَهَب عُقْبَةُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَخْبَره بما حَدَث، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «كَيْفَ وقَدْ قِيلَ؟!»، أي: كيف تُبقِيها عندك تُباشِرُها وتُجامِعُها وقد قِيلَ: إنَّك أَخُوها مِن الرَّضَاعةِ؟! ففَارَقَها عُقْبَةُ رضِي اللهُ عنه، وتزوَّجَتْ هي بعدَه زوجًا آخَرَ.الدرر=
قالوا:والأصل والغالب إن تعارضا فقدِّم الغالبَ وهو المرتضى.
والحكمُ المسْتَصحَبُ ، وإن كان يقينًا في أصله إلا أنه ظنيٌّ من جهة بقائه واستمراره ، فرجعت المسألةُ إلى تعارض الظنون .
فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ:
و الشَّكُّ في الاصطلاح يطلق على التردد بين وجود الشيء وعدمه دون ترجيح لأحدهما على الآخر، ويدخل في الشك مِن باب أولى في هذه القاعدة الوهمُ، يعني لو كان عندنا يقين أو ظن ثم جاءني شك؛ هذا الشك لا يزيل اليقين أو الظن السابق، طيب إذا كان عندي يقين أو ظن ثم جاءني وَهْم؛ فهو مِن باب أولى لا يرفع اليقين أو الظن السابق.هنا =حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا تكاد تلك القاعدة تخلو من باب من أبواب الفقه ويدل على صحة هذه القاعدة عدة أدلة ترجع إلى الخبر ،والإجماع ، والنظر.
فأما الخبر، ما رواه مسلم في صحيحه :
* فعن سعيد وعبَّادِ بنِ تميمٍ ، عن عمهِ ، شُكِيَ إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الرجلُ يُخيلُ إليه أنه يجدُ الشيءَ في الصلاةِ . قال "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا ، أو يجد ريحًا " .صحيح مسلم / 3 ـ كتاب : الحيض / 26 ـ باب : الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك / حديث رقم : 361 / ص : 93.
يَجدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، يعني: يَظنُّ أَنَّه خرَجَ منه الرِّيحُ، فقال له النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم « لا يَنصرفُ» ، «حتَّى يَسمعَ صوتًا أو يَجدَ ريحًا»، والمعنى: أَنَّه لا يَخرجُ مِن صَلاتِه حتَّى يَتيقَّنَ خروجَ الرِّيحِ منه؛ لأنَّه مُتيقِّنٌ لِطهارتِه فلا يزولُ هذا اليقينُ بِمجرَّدِ الشَّكِ، بل ينبغي أن يتيقَّنَ مِنَ الحدَثِ وخُروجِ الرِّيحِ.
ـ ففي هذا الخبر:الحكم ببقاء الطهارة وإن طرأ الشك ، لأن الطهارة مُتيقَّنٌ منها ، وأما إذا تُيقِّن من الحدث الموجب نقض الطهارة ـ نُقِضَت الطهارة ـ .
وهذا أصل في كل أمر قد ثبت واستقر يقينا ، فإنه لا يرفع حكمه بالشك .
*وعن أبي سعيد الخُدري ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ. " الراوي : أبو سعيد الخدري -المحدث : مسلم -المصدر: صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم- 571 خلاصة حكم المحدث:صحيح= الدرر =
في هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إذا شَكَّ أحدُكم"، أي: تَردَّد، "في صَلاتِه "، ولم يَترجَّحْ عندَه أحدُ الطَّرفين بالتَّحرِّي، "فلم يَدرِ كم صَلَّى ثلاثًا، أم أربعًا، فليَطرَحِ الشَّكَّ"، أي: المشكوكَ فيه، وهو الأكثرُ، والمعنى: يُلغي الزائدَ الَّذي هو محلُّ الشَّكِّ ولا يأخُذْ به في البناءِ، يعني: الرَّكعةَ الرَّابعةَ، "وليَبْنِ على ما استيقَنَ"، أي: المُتَيَقَّنُ به وهو الأقلُّ؛ فالثَّلاثُ هو المُتَيَقَّنُ، والشَّكُّ والتَّرَدُّدُ، إنَّما هو في الزيادَةِ، فيَبنِي على المُتَيَقَّنِ لا على الزائدِ الَّذي يشُكُّ فيه، ثُمَّ يَسجُدُ سجدتين قبل أن يُسلِّمَ، "فإن كان صلَّى خَمْسًا"، فإن كان ما صلَّاه في الواقعِ أربعًا فصار خمسًا بإضافةِ ركعةٍ أخرى إليه شفعن له، أي: للمُصلِّي، يعني: شفعتِ الركعاتُ الخمسُ صلاةَ أحدِكم بالسَّجدتين. "وإنْ كان صلَّى إتمامًا لأربع"، إنْ صلَّى ما شكَّ فيه حالَ كونِه مُتمِّمًا للأربع، فيكون قد أدَّى ما عليه من غيرِ زيادَةٍ ولا نُقصانٍ. "وكانتا" أي: السجدتان، "ترغيمًا للشيطان"، أي: دحرًا له ورميًا له بالرَّغام وهو التُّرابُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ لَبَسَ عليه صَلاتَه، وتعرَّضَ لإفسادِها ونَقْصِها، فجعَلَ اللهُ تعالى للمُصلِّي طريقًا إلى جَبْرِ صَلاتِه، وتَدارُكِ ما لَبَسَه عليه، وإرغامِ الشَّيطانِ، وردِّه خاسئًا مُبعَدًا عن مُرادِه، وكَمَلَتْ صلاةُ ابنِ آدمَ لَمَّا امتثَلَ أمرَ اللهِ تعالى الَّذي عصَى به إبليسَ، مِن امتناعِهِ مِنَ السُّجودِ . = الدرر =
-وأما الإجماع :
فحكاه غير واحد كالقرافي ـ رحمه الله ـ في " الفروق " ، وابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ في" إحكام الإحكام " .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 64 .
-وأما النظر :
فلأن اليقين لا يغلبه الشك ألْبتة ، حيث إنه قطع بثبوت الشيء فلا ينهدم بالشك.مجموعة الفوائد البهية ... / ص65 .
o فائدة :
ذَكَرَ الناظم رحمه الله في شرحه أنّ هذه القاعدة لا تختصّ بالفقه بل تدخل أيضًا في غير الفقه،فقاعدة" اليقين لا يُزال بالشك"لها اعتبار عند الاستدلال بالأدلة ؛ إذا نظرنا إلى الألفاظ قالوا: إنّ الأصل في الألفاظ أنها للحقيقة حتى يأتي ما يصرفها عن هذه الحقيقة، والأصل في الأمر أنه للوجوب حتى يأتي الصارف، كقوله تعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ " البقرة/43 ،فقد دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على أن الأمر بإقامة الصلوات الخمس للوجوب .
مثال اقتران الأمر بما يدل على أنه ليس للوجوب , كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : 1183 " صَلُّوا قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ , قَالَ فِي الثَّالِثَةِ : لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً ."
فقوله " لِمَنْ شَاءَ" دليل على أن الأمر في قوله " صَلُّوا قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ " ليس للوجوب .
والأصل في اللفظ العام أنه يفيد عموم جميع الأفراد حتى يأتي المخصِّص، رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّهُ قَالَ"لاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"ولا صلاةَ بعدَ الفجرِ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ"
الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم- 1039 : خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر=
فَاقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ كُلِّ صَلاَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، ثُمَّ قَال "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا."
"مَن نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذلكَ".الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم684 : -خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فَأَخْرَجَ بهَذَا اللَّفْظِ الخَاصِّ الصَّلاَةَ المَنْسِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ المَنْهِيِّ عَنْهَا بَعْدَ العَصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ الخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا".
والأصل إحكام النص حتى يثبت الناسخ له وهكذا في كثير من القضايا.حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
تعريف النسخ اصطلاحًا :رفعُ حُكْم شرعي متقدم ، بخطاب شرعي متأخر ، منفصل عنه منافٍ له .
"كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ، وإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَهَا: أعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قالَتْ: لا ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ، وكانَ يَومَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عليه، فَذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ"البقرة: 187- فَفَرِحُوا بهَا فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَتْ"وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ"البقرة: 187.
الراوي : البراء بن عازب -المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم1915 -خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
خَيبةً لك: أي: حِرمانًا لك.
فالأصل : إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ. أي والأصل إحكام النص حتى يثبت الناسخ له.
وقد ثبت الناسخ في نفس الحديث : فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ"البقرة: 187- ، ونَزَلَتْ"وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ"البقرة: 187.
ولا يُخْرَج بتلك الأحكام عن أصولها الْمُتَيَقَنة لاستدلال أو دليل مشكوك فيه إما من جهة الثبوت أو الدلالة .
عرف الجرجاني” الاستدلال: بأنه هو تقرير الدليل لإثبات المدلول- هنا -
وقد نبه إلى ذلك العلائي ـ رحمه الله ـ في كتابه " المجموع الْمُذْهَب " ، وقال " ومن هذا الوجه يمكن رجوع غالب مسائل الفقه إلى هذه القاعدة إما بنفسها أو بدليلها "
ومن ثَم يتبين أن القاعدة الكلية " اليقين لا يزال بالشك "، لها موردان- أي تطبق وتصب على شيئين-
الأول :الأدلة الشرعية ، عند إعمال قاعدة " استصحاب الأصل " ، لأن الأصل له حكم اليقين .
الثاني:أفعال المكلَّف ، عند اشتباه أسباب الحكم عليه. وهذا المورد هو المقصود أصالةً من القاعدة ، قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ في " بدائع الفوائد " .
وهذا كله عندما يكون للمشكوك فيه حال قبل الشك ، فَتُستصحَب ولا ينتقل عنها إلا بيقين ، وهذا جزم به الجمهور ، ونص عليه ابن القيم في كتابه السابق .
قال ابن القيم : في " بدائع الفوائد " : " ينبغي أن يُعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه ألْبتة ، وإنما يعرض الشك للمكلف " .ا . هـ .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 66 .
*أمثلة تطبيقية على القاعدة :
_________
*إذا أكل الصائم شاكًّا في طلوع الفجر ، صح صومه ، لأن الأصل بقاء الليل حتى يتيقن الفجر .
أما إذا أكل شاكًّا في غروب الشمس ، لم يصح صومه ، لأن الأصل بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك ، وعليه القضاء ما لم يعلم أنه أكل بعد الغروب فلا قضاء عليه حينئذ.
*من شك في حصول الرضاع بينه وبين امرأة أجنبية ، فيبنِ على الأصل المتيقَّنِ ، وهو كونُها أجنبية عنه .
*من شك في طلاق امرأته ، فإنه يبني على الأصل المتيقن ، وهو بقاء الزوجية .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
*وإذا شك كذلك هل طلق امرأته طلقة أو طلقتين فنقول: المتيقن هو طلاق مرة، وأما القدر الزائد فهو مشكوك فيه.
وهكذا، فاليقين لا يزول بالشك.شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد .
وهذا لو كان في الطَلْقة الأولى أو الثانية قد يكون الأمر سهلًا، لكن لو جاءنا شخص يريد أنْ يُثبت الطلاق عند القاضي، يعني يقول: أنا طلقت وأريد إثبات هذا الطلاق، القاضي مباشرة سوف يسأله:هل طلقت قبل هذه الطَلْقة أو لا؟ لأنّ هذا له أثرٌ في الحكم، فإذا قال: إنني طلقت قبل هذه الطَلْقة طلقة جازمًا بها وطَلْقة متردد فيها! يعني يقول: طلقتُ قبل عشر سنوات لكنني متردد لا أدري هل طلقتُ أم لم أطلق! وقبل سَنَة جازم بالطلْقة، وهذه الآن الطلقة التي يريد أنْ يُثبتها، بناءً على هذا يتحقق منه القاضي بالطلقة الأولى، إنْ كان عنده غلبة ظن عمل بهذا الظن وأثبت الطلقة وصارت الطلْقة الأخيرة هذه هي الثالثة، فتَبِيْنُ منه المرأة بينونة كبرى لا تحلّ إلّا لرجل ينكحها ويطؤها ثم يفارقها بموت أو طلاق، وأمّا إذا قال: إنّ الطَلْقة الأولى أنا متردد فيها تردد يستوي فيه الاحتمالان؛ فحينئذٍ الأصل عدم وقوع هذا الطلاق، فيكون قد طلَّق طلقتين فقط فلا تَبِيْنُ منه المرأة بينونة كبرى، هذا يدلك على أنّ المسألة مهمة ويترتب عليها أمور عظيمة جدًا.= هنا =حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
*من أتم صلاتَهُ وفرغ منها ، ثم شك في زيادة أو نقص ، فهذا الشك لا يؤثر ، فصلاته تامة لأن الأصل التمام ، ثم طرأ شك ، فلا يُعوَّل عليه لكن من شك أثناء الصلاة فهذا له حكم آخر مفصل بكتب الفقه . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
*إذا كنت متيقنًا أنك على وضوء وعندك شك هل حصل ناقض لهذا الوضوء أم لا، فأنت -مثلاً- متيقن أنك توضأت لصلاة المغرب، فلما حضرت صلاة العشاء صرت لا تدري هل انتقض الوضوء أم لا؟ فنقول: المتيقن هو الوضوء والناقض مشكوك فيه، وعلى ذلك فنأخذ بالمتيقن وهو الوضوء فنقول: أنت على وضوء، واليقين لا يزول بالشك.
*وإذا كان الأمر بالعكس، كأن تيقنت الناقض وشككت في الوضوء بعده؛ فمثلًا تقول: إنك قد قضيت حاجتك بعد صلاة المغرب ،وتقول: أنا لا أدري هل توضأت بعد أن قضيت حاجتي أم لا؟ فنقول: هنا المتيقن هو الحدث والوضوء مشكوك فيه، وعلى ذلك فخذ بالمتيقن وهو عدم الوضوء، فاليقين لا يزول بالشك.
*إذا كنت لا تدري في صلاتك هل صليت ثلاثًا أم أربعًا، فالمتيقن هو الأقل، فتصلي رابعة وتسجد للسهو قبل السلام.
*وإذا كنت في الطواف فحصل عندك شك هل طفت ستًا أم سبعًا، فنقول: الأقل هو المتيقن، فأنت في حكم من طاف ستة أشواط وعليك أن تطوف الشوط السابع. شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد .
* الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته:
فلو أن إنسانًا استيقظ من النوم لما أراد أن يصلي الظهر وجد في ثيابه أثر مَنِيّ ـ للاحتلام ـ فأشكل عليه هل هذا من نومه بعد صلاة الفجر فتكون صلاة الفجر صحيحة ؟ أم أنه من الليل فيلزمه الاغتسال ثم إعادة صلاة الفجر ؟ . نقول : إذا لم يتأكد ولم تقم قرائن ، فالأصل إضافة الحال إلى أقرب أوقاته ، وعلى هذا نحكم بأنه من نومه بعد صلاة الفجر ، وبِنَاءً على ذلك نحكم بصحة صلاة الفجر . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
سُئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله : عمن وجد منيًّا في ثيابه بعد أن صلى الفجر ولم يعلم به فما الحكم في ذلك ؟ . فأجاب : إذا لم ينم الإنسان بعد صلاة الفجر فإن صلاة الفجر غير صحيحة لوقوعها وهو جنب حيث تيقن أنه قبل الصلاة . أما إذا كان الإنسان قد نام بعد صلاة الفجر ولا يدري هل هذه البقعة من النوم الذي بعد الصلاة أو من النوم الذي قبل الصلاة فالأصل أنها مما بعد الصلاة ، وأن الصلاة صحيحة ، وهكذا الحكم أيضا فيما لو وجد الإنسان أثر مني وشك هل هو من الليلة الماضية أو من الليلة التي قبلها ، فليجعله من الليلة القريبة ويجعله من آخر نومة نامها ؛ لأن ذلك هو المتيقن وما قبلها مشكوك فيه ، والشك في الحدث لا يوجب الطهارة منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد" ،رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، والله الموفق . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " 11 / السؤال رقم: 165 .
19 ـ والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة
هذا شروع مِن الناظم رحمه الله في بيان بعض الأصول التي يجب التمسك بها عند ورود الشك، فهي تفريع على القاعدة السابقة
لما كانت الأحكام ترجع إلى أصولها حتى يُتَيَقَّن زوال الأصل كما سبق بيانه ، لذا احتيج إلى معرفة أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها ، وهي أصول تابعة لقاعدة "الأصلَ في الأشياءِ الطَّهارةُ" وهذا معلومٌ من كُليَّات الشَّريعةِ وجزئيَّاتها، ولا يُصارُ إلى غير ذلك إلَّا بدليلٍ ناقلٍ عن الأصلِ .
"اليقينُ لا يزول بالشكِّ " وتُمثل جانب اليقين منها ـ أي من القاعدة ـ لذا ذَكَرَها الناظمُ عقب هذه القاعدة .منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وذكر المؤلف في هذه القاعدة مجموعة أصول تحت أصل " الأصل في الأعيان أو في الأشياء الطهارة "
فقال : والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة ،
فالأصل في هذه الأمور الأربعة -وهي المياه والأرض والثياب والحجارة- الأصل فيها أنها طاهرة.
وذِكر هذه الأشياء الأربعة لا يُراد به التخصيص والحصر ، بل المراد التمثيل ، وإلا فالأصل في سائر الأشياء الطهارة حتى يَثبت خلاف ذلك بالدليل أو القرينة . منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وهذه القاعدة مرتبة على القاعدة السابقة ، ولكن من تأمل ما ذكرناه سابقًا من الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ، يجد أن هذه القاعدة أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدة الفقهية ، فهي ضابط فقهي وليست قاعدة فقهية .
*الفرق بين القاعدة وبين الضابط:
=القاعدة الفقهية تكون مما يدخل في أبواب عديدة، فالقاعدة الفقهية لها فروع في أبواب فقهية متعددة، مثال ذلك: قاعدة الأمور بمقاصدها نأخذ منها وجوب الصلاة في باب الصلاة، ونأخذ منها في البيع أن المقاصد معتبرة.
، بينما الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد؛ مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل، فهذا ضابط فقهي متعلق بالأبواب- أبواب النوافل، نوافل الصلوات، ومثله ضابط كل زوج يلاعن، يعني أنه يحق لأي زوج من الأزواج إذا اتهم زوجته بالزنا أن يلاعنها، فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد.
=الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم، فقولنا: الأمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم، وهو الدليل الوارد في ذلك إنما الأعمال بالنيات، كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها.
معنى ذلك : أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والأرض والحجارة الأصل فيها الطهارة ،كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن ، وعدم طهارة هذه الأشياء شكٌّ يحتاج إلى دليل ، فلا يُصار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلاف الأصل .
ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي أُبتلي بها كثير من الناس ، فالأصل في الماء والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة .
فبعض الناس يبني عبادته على أوهام ويقول هذا من باب الاحتياط في العبادة ، فنقول : إن الأصل في الماء - مثلًا- الطهارة ما لم يتبين للإنسان النجاسة بقرينة منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
الأصل في اللغة ؛ هو ما يُبنى عليه غيره، وقيل ما يتفرع على غيره.الشيخ خالد المصلح .
وأما تعريفه في استعمالات العلماء، فالأَصْلُ في كلام العلماء يُطلق على معانٍ متعددة ، كالدليلِ ، والراجح ، والقاعدة المستمرة ، والحالة الأولى المستصحَبةِ ، والمراد هنا الأخيرُ .
يطلق على الدليل، فتقول : الأصل في الطهارة قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ"المائدة:6، الآية، معناه الأصل هنا الدليل.
الأصل في إباحة البيع قول الله عز وجل"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"البقرة:275، هذا بمعنى الدليل.
إطلاق الأصل على الراجح، فتقول اختلف العلماء في الوضوء من أكل لحم الإبل، والأصل فيه وجوب الوضوء، أو والأصل فيه عدم الوجوب، عندما نقول الأصل فيه وجوب الوضوء ليس المقصود القاعدة المستمرة ولا الدليل، إنما نقصد بذلك الراجح، فعندما تقول الأصل كذا ويذكر المختار فهو بمعنى الراجح.
يطلق الأصل ويراد به القاعدة المستمرة، وهذا هو المقصود في هذا السياق، في قول المصنف " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ"، فإن مقصوده بالأصل هنا: أي القاعدة المستمرة، وقريبٌ من هذا الأمر المستصحب، فإنه يطلق عليه الأصل، وهذان متقاربان.
فهنا المصنف رحمه الله يذكر الأصل بمعنى القاعدة المستمرة، ولا نفسره بالدليل لأنه لم يذكر دليلًا، ولا بأنه الراجح لأن هذا مجمعٌ عليه، وإنما يكون الراجح والمرجوح فيما فيه خلافٌ من مسائل العلم، أما ما لا خلاف فيه من مسائل العلم فإنه لا يوصف براجح ومرجوح.
o أدلة طهارة هذه المذكورات :
* الأصل في المياه الطهارة لقوله تعالى : هذا شروع مِن الناظم رحمه الله في بيان بعض الأصول التي يجب التمسك بها عند ورود الشك، فهي تفريع على القاعدة السابقة
لما كانت الأحكام ترجع إلى أصولها حتى يُتَيَقَّن زوال الأصل كما سبق بيانه ، لذا احتيج إلى معرفة أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها ، وهي أصول تابعة لقاعدة "الأصلَ في الأشياءِ الطَّهارةُ" وهذا معلومٌ من كُليَّات الشَّريعةِ وجزئيَّاتها، ولا يُصارُ إلى غير ذلك إلَّا بدليلٍ ناقلٍ عن الأصلِ .
"اليقينُ لا يزول بالشكِّ " وتُمثل جانب اليقين منها ـ أي من القاعدة ـ لذا ذَكَرَها الناظمُ عقب هذه القاعدة .منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وذكر المؤلف في هذه القاعدة مجموعة أصول تحت أصل " الأصل في الأعيان أو في الأشياء الطهارة "
فقال : والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة ،
فالأصل في هذه الأمور الأربعة -وهي المياه والأرض والثياب والحجارة- الأصل فيها أنها طاهرة.
وذِكر هذه الأشياء الأربعة لا يُراد به التخصيص والحصر ، بل المراد التمثيل ، وإلا فالأصل في سائر الأشياء الطهارة حتى يَثبت خلاف ذلك بالدليل أو القرينة . منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وهذه القاعدة مرتبة على القاعدة السابقة ، ولكن من تأمل ما ذكرناه سابقًا من الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ، يجد أن هذه القاعدة أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدة الفقهية ، فهي ضابط فقهي وليست قاعدة فقهية .
*الفرق بين القاعدة وبين الضابط:
=القاعدة الفقهية تكون مما يدخل في أبواب عديدة، فالقاعدة الفقهية لها فروع في أبواب فقهية متعددة، مثال ذلك: قاعدة الأمور بمقاصدها نأخذ منها وجوب الصلاة في باب الصلاة، ونأخذ منها في البيع أن المقاصد معتبرة.
، بينما الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد؛ مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل، فهذا ضابط فقهي متعلق بالأبواب- أبواب النوافل، نوافل الصلوات، ومثله ضابط كل زوج يلاعن، يعني أنه يحق لأي زوج من الأزواج إذا اتهم زوجته بالزنا أن يلاعنها، فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد.
=الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم، فقولنا: الأمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم، وهو الدليل الوارد في ذلك إنما الأعمال بالنيات، كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها.
معنى ذلك : أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والأرض والحجارة الأصل فيها الطهارة ،كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن ، وعدم طهارة هذه الأشياء شكٌّ يحتاج إلى دليل ، فلا يُصار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلاف الأصل .
ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي أُبتلي بها كثير من الناس ، فالأصل في الماء والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة .
فبعض الناس يبني عبادته على أوهام ويقول هذا من باب الاحتياط في العبادة ، فنقول : إن الأصل في الماء - مثلًا- الطهارة ما لم يتبين للإنسان النجاسة بقرينة منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
وأما تعريفه في استعمالات العلماء، فالأَصْلُ في كلام العلماء يُطلق على معانٍ متعددة ، كالدليلِ ، والراجح ، والقاعدة المستمرة ، والحالة الأولى المستصحَبةِ ، والمراد هنا الأخيرُ .
يطلق على الدليل، فتقول : الأصل في الطهارة قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ"المائدة:6، الآية، معناه الأصل هنا الدليل.
الأصل في إباحة البيع قول الله عز وجل"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"البقرة:275، هذا بمعنى الدليل.
إطلاق الأصل على الراجح، فتقول اختلف العلماء في الوضوء من أكل لحم الإبل، والأصل فيه وجوب الوضوء، أو والأصل فيه عدم الوجوب، عندما نقول الأصل فيه وجوب الوضوء ليس المقصود القاعدة المستمرة ولا الدليل، إنما نقصد بذلك الراجح، فعندما تقول الأصل كذا ويذكر المختار فهو بمعنى الراجح.
يطلق الأصل ويراد به القاعدة المستمرة، وهذا هو المقصود في هذا السياق، في قول المصنف " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ"، فإن مقصوده بالأصل هنا: أي القاعدة المستمرة، وقريبٌ من هذا الأمر المستصحب، فإنه يطلق عليه الأصل، وهذان متقاربان.
فهنا المصنف رحمه الله يذكر الأصل بمعنى القاعدة المستمرة، ولا نفسره بالدليل لأنه لم يذكر دليلًا، ولا بأنه الراجح لأن هذا مجمعٌ عليه، وإنما يكون الراجح والمرجوح فيما فيه خلافٌ من مسائل العلم، أما ما لا خلاف فيه من مسائل العلم فإنه لا يوصف براجح ومرجوح.
o أدلة طهارة هذه المذكورات :
"وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا " .سورة الفرقان / آية : 48 .
قالوا: والمياه الموجودة الآن على وجه الأرض أصلها مِن السماء.والعلماء على خلاف في أصل الماء على كوكب الأرض، وهل هو منها، أو من خارجها ؟ولمعرفة تفاصيل هذا الخلاف يرجع للرابط الآتي = إسلام ويب /فقه العبادات
الطهارة
أحكام المياهوقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الماء طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيء»وهذا يدل على أنّ الماء أصلُه طاهر
"أنَّه قيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنتوضَّأُ من بئرِ بضاعةَ وَهيَ بئرٌ يطرحُ فيها الحيضُ ولحمُ الكلابِ والنَّتنُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ" الماءُ طَهورٌ لا ينجِّسُه شيءٌ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 66 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر =
* ..... سمع أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إنَّا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " هو الطهور ماؤه ، الحِلّ ميتته " .سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 1 ـ كتاب : الطهارة / 38 ـ باب : الوضوء بماء البحر / حديث رقم : 386 / ص : 85 / صحيح .
فالماء مثلاً الذي لا نعلم فيه دليلًا على طهارته ، ولا على نجاسته ، فإننا نحكم بقاعدة الأصل ،وهي الطهارة .
فقوله رحمه الله " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا "، أي القاعدة المستمرة التي لا تنخرم ولا تختل في مياهنا ؛ أي في شأن المياه، وأضاف المياه إلى الناس، لأنه يتحدث عن الناس، فقوله مياهنا، نا هنا للجمع، أي مياه الناس، سواءً كانت نازلة من السماء، نابعة من الأرض، مطلقة في البراري والمستنقعات، محوزة في أوعية وأواني، الماء في كل صوره وفي كل أحواله وفي كل أوعيته وأينما كان الأصل فيه الطهارة، ولذلك قال " والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا "
* والأصل كذلك طهارة الأرض لقوله تعالى "فَلمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا ". سورة النساء / آية : 43 .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " فُضِّلْتُ بأربعٍ : جُعِلتُ أنا وأمتي في الصلاةِ كما تَصُفُّ الملائكةُ ، وجُعل الصعيدُ لي وَضوءًا وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا ، وأُحلَّت ليَ الغنائم " .رواه الطبراني عن أبي الدرداء . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4219 / ص : 777 .
الأرض من : التراب ، والأحجار ، والسباخ - السباخ : هو رَوْث مأكول اللحم -، والرمال ، والمعادن ، والأشجار ، الأصل طهارتها.رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف
أي والأصل في الأرض أنها طاهرة، ومعنى الطهارة في الأرض ؛ أي أنه يجوز استعمالها في التيمم، ويجوز السير عليها، ولا يتحرز من شيءٍ مما على الأرض، فإن الأصل فيها الطهارة، ويجوز أن يصلي حيثما تيسر له من الأرض، ولا يحتاج إلى أن يتحقق أو يسأل هل هي طاهرة أو لا، لأن الأصل في الأرض الطهارة، وقد جاء ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر ما خص الله تعالى به رسوله دون سائر الأمم، " وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، وهذا يشمل كل أجزاء الأرض.الشيخ خالد المصلح .
و قوله " والثياب "، يشمل كل الثياب، سواءً كانت مما يلي البدن أو مما لا يليه، وسواءً كانت ثياب مؤمن أو ثياب كافر.
فجميع أصناف الملابس ، الأصل فيها الطهارة ، حتى يُتَيَقَّن زوال أصلِها بِطُرُوء النجاسة عليها .
ويخرج من الملابس المصنوع من غير طاهر ، كجلود السباع والكلاب والخنازير .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف .
وهذه قاعدة جامعة نافعة، ويحتاجها الإنسان في مواضع عديدة، وهي مما أجمع عليه علماء الأمة، كما حكى الإجماع غير واحدٍ من أهل العلم.الشيخ خالد المصلح
* والأصل كذلك طهارة الحجارة :
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب ، فإنها تُجزئ عنه " . سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / 1 ـ كتاب : الطهارة / 21 ـ باب : الاستنجاء بالأحجار / حديث رقم : 40 / ص : 13 / حسن .
ذِكر بعض أفراد العام بحكمٍ لا يخالف العام لا يفيد التخصيص . لذلك ذكرَ الحجارةَ لأنها بعض أفراد العام، بعض أفراد الأرض، فجميع الأرض بكل أجزائها طاهرة، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يسأل ولا أن يتحقق ولا أن يتحرى، لا في التيمم بها، ولا في الصلاة عليها، ولا في غير ذلك.الشيخ خالد المصلح
فالأصل في كل هذا الطهارة . ولا نَخرُج عنِ الأصلِ إلا بنصٍ أو بَيِّنَةٍ . فلا يقول قائل : هذا الماء ما أدراك لعل أحد قد بال فيه ، أو لعل كلب وَلَغَ فيه ، لعل لعل ... لا يصلح ، بل لعل هذه محتاجة بَيِّنَة ، فأنت مطالب بإثبات ما ادعيته ببينة وإلا فاستصحاب البراءة الأصلية ، فالأصل في كل حادثٍ عدمه حتى يتحقق . منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف
المجلس الخامس عشر
دورة تيسير القواعد الفقهية
20ـ والأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ واللحومِ*والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ
21ـ تَحْريمُها حَتى يَجِيءَ الحِلُّ *فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ ما يُمَّلُّ
ـ هذه القاعدة عكس القاعدة السابقة ، فالقاعدة السابقة ذُكِرَ ـ فيها ـ أن الأصل في المياه والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة حتى يجيء التحريم ، أما هذه فقد ذكر أن الأصل في هذه الأشياء التحريم حتى يجيء الحِلّ .
بمعنى أن المُتَيَقَّن أن هذه الأشياء مُحرمة فلا يجوز استعمالها حتى يجيء دليل ناقض يبيح هذه الأشياء .منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي.
فكما أن الأصل في بعض الأشياء الحِلّ ، كذلك الأصل في بعض الأشياء الأخرى التحريم . لذا ذَكَرَ المؤلفُ في هذين البيتين أشياء الأصل فيها التحريم حتى يُتَيقن الحِلّ .
معاني بعض مفردات القاعدة :
الأَبْضَاع: جمعٌ ، مفرده بُضعٌ ، ويُطلق على الفرج ،والجماع ،والتزويج ، والمراد هنا :الأول ، وقيل : الثاني ، وبينهما تلازم -أي إذا حَلَّ الفرجُ، يلزم حِل الجماع والتزويج-.
اللحومِ:الحيوان أو الطير المطعوم ، أي لحوم الكائنات الحية المطعومة غير المذكاة
الأموالِ: أي أموال المعصوم . جمعُ مالٍ ، وهو كل ما يُنتفعُ به ، سُمِّي مالًا ؛ لأن النفوس تميل إليه طبعًا -أي بطبعها -
للمَعْصُومِ: هو المسلمُ والذِّمىُّ - وهو الذي بيننا وبينه ذمة ، أي : عهد على أن يقيم في بلادِنا معصومًا مع بذل الجزية .- ، أُطلق عليهما لفظ للمَعْصُومِ؛ لعصمة دمِهِمَا ، وأموالِهِمَا شرعًا ، وفي هذا التعبير إشارة على أن مناط الحكم - أي عِلة الحكم- هو العِصْمَةُ .
ما يُمَلّ: أي : ما يُملَى عليك . منظومة القواعد الفقهية/ شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
الشرح التفصيلي:
ـ الأصل في الأَبْضَاع تَحْريمُها أي الحُرمَة :
فمن استباح بُضع امرأةٍ فعليه أن يُخْرِجَهُ من هذا الأصل بيقين ، فالأصل أنها حرام عليه حتى يثبت له بيقين أنها حِل له ، وذلك بأحد سببين : *إما بالزواج الصحيح" أي زواج لا يشوبه أي مبطلات مثل الرضاعة -أي رضعا معًا من امرأة واحدة-أو الانشغال بزوج آخر ، "
*وإما أن تكون مِلْك يمينه بيقين"مثلًا لا يكون وطأها أبيه ... ". فيكون الأصل هنا في حقه حِلّ الوطء لتوفر أسباب الحِلّ بيقين.
وتصبح القاعدة حِل الوطء في أي وقت ولا يحرم ذلك إلا بسبب متيقن لإخراجه من هذا الأصل . فعندما يعرض عارض كالحيض ، نقول هذا خارج عن الأصل ، فيحرم الوطء ، وإذا زال العارض عُدنا إلى الأصل وهو الحِلّ .
دليل ذلك : قوله تعالى"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإِنَّهُمْ غَيْرُمَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ همُ الْعادُونَ" .سورة المؤمنون / آية : 5 : 7 .
" فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ أي: فمن التمس لفرجه مَنكَحًا سوى زوجته، وملك يمينه، "فَأُوْلَئِكَ همُ الْعادُونَ"أي: فهم العادون حدود الله، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حَرّم عليهم.تفسير الطبري.
ـ وكذلك الأصل في اللّحومِ تَحْريمُها، أي: التحريم :
فالأصل في الحيوان المطعوم التحريم ، إلا ما ذكاه المسلم أو الكتابي ، فالأصل فيما يذبحه المسلم أو الكتابي الحِل حتى يثبت خلاف ذلك بيقين.
وأصل التذكية الإتمام ، يقال : ذكيت النار إذا أتممت إشعالَها ، والمراد هنا : إتمام فَرْيِ الأوداجِ - أي تقطيعها- وإنهار الدم -إسالته -في المذبوح ،والنحر في المنحور . هنا =
فرَى الشَّيءَ : شقَّه وقطَعه .معجم المعاني الجامع =
الوَدَجُ :عِرْقٌ في العُنُق ينتفخ عند الغضب ، وهو عِرْق الأخدع الذي يقطعه الذَّابح فلا تبقى معه حياة ، وهما ودَجَان .انتفخت أوداجُه : غضب.معجم المعاني الجامع=
قال النبي صلى الله عليه وسلم"ما أَنْهَرَ الدمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليهِ فكُلْ" الحديث-الراوي: رافع بن خديج - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5498 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
* فالسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، بأن يطعنها بمحدَّد من رمح أو سكين في لُبَّتها، وهي الوَهْدة التي بين أسفل العنق والصدر، ومثلها الزرافة ونحوها.
وتذبح البقر والغنم وأمثالها بسكين من أعلى الرقبة مع الحلق من جهة الرأس، مضجعة على جانبها الأيسر.فالأكمل في الذبح: قطع العروق الأربعة، المريء وهو مجرى الطعام ـ والحلقوم وهو مجرى النفس، والودجان وهما عرقان في صفحتي العنق يجرى فيهما الدم.
وذكاة الجنين ذكاة أمه، فإن خرج حيًا لم يحل أكله إلا بذبحه.وإن خرج ميتا بعد ذبح أمه فهو مذكى ويؤكل .
وذكاة الطيور بذبحها بقطع أعلى الرقبة من جهة الرأس.
عن ابن القاسم في الدجاجة أو العصفور إذا أجهز على
ودجيه ونصف حلقه أو ثلثه فلا بأس بأكله.وإن كان الأكمل والأفضل أن يتم قطع العروق الأربعة، المريء وهو مجرى الطعام ـ والحلقوم وهو مجرى النفس، والودجان وهما عرقان في صفحتي العنق يجرى فيهما الدم.إسلام ويب.
حكم قطع رأس الحمام أو الجربوع باليد من غير آلة حادة:
حكم من يفصل الرأس عن الجسم، يمسك الرأس بيد والجسم باليد الثانية، ثم يسحب بشدة، هل يحل الأكل بهذه الطريقة؟
لا يجوز هكذا قلع الرأس باليد، مثل هذا يعتبر خنقًا تكون به ميتة، فلابد من كونه يذبحها بالسكين ونحو السكين من المحددات.ابن باز .
وذكاة الصيد والحيوان المتوحش، والحيوان الشارد برميه وجرحه في أي موضع من جسمه.
والذكاة الشرعية تُحِل الحيوان الذي أبيح أكله كالغنم ونحوها.
أما الحيوان الذي لا يباح أكله كالسباع، وكل ذي مخلب من الطير، والخنزير ونحو ذلك من المحرم أكله فهذه لا تعمل فيها الذكاة؛ لأنها محرمة في الأصل، والذكاة لا تُحِل إلا ما أحل الشرع أكله من حيوان أو طير.
قال تعالى" وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ".سورة المائدة / آية : 5 .
"فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ"الأنعام118.
فلم يأذن الله جل وعلا بالأكل مطلقًا، بل قيد ذلك بذكر اسمه جل وعلا.
*ولكن من يعتقد أنه لا يحل إلا اللحم الذي يذبحه بيده أو بيد من يعرف عقيدته وصلاحه من المسلمين ، فهذا لا يصح .
إذًا: الأصل في اللحوم هو التحريم، وليس المراد أنك إذا دُعِيتَ عندَ مسلمٍ فأتى بلحمٍ أنك لا تأكل حتى تسأله، لأن الأصل في اللحوم التي تقدم من المسلمين أنها مذكاة، لكن لو أنك أتيت إلى بلد فيه المسلم وفيه الكافر وفيه الكتابي، فوجدت لحمًا لا تدري هل ذُكي أم لا؟ وهل ذكر اسم الله عليه أم لا؟ فليس لك أن تأكل منه شيئًا؛ لأن الأصل في اللحوم التحريم.شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي - حمد الحمد.
سُئل الشيخ العثيمين:
ماذا تقول في ذبيحة القصَّاب المسلم؟
القَصَّابُ : الزَّمَّارُ ، مَنْ يزمِّر بالقَصَبة وليس هذا المقصود هنا ، القَصَّابُ : الجزَّار.القَصَّابُ : بائع اللَّحم .معجم المعاني .
الجواب: سلمك الله، القصَّاب المسلم، الأصل أن ذبيحته حلال، وأنه يسمي الله، ودليل ذلك أن البخاري رحمه الله روى عن عائشة رضي الله عنها "أنَّ قَوْمًا قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنا باللَّحْمِ لا نَدْرِي أذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عليه أمْ لا، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَمُّوا اللَّهَ عليه وكُلُوهُ. ".صحيح البخاري.
أنت تعرف أن حديثي العهد بالكفر لا يعرفون شيئًا من أحكام الإسلام إلا قليلاً، فإذا كان الذابح مسلمًا أو يهوديًا أو نصرانيًا فالأصل أن ذبيحتَهُ حلالٌ، ولا نقول: لعله لا يسمي، أو لعله لا يصلي، أو ما أشبه ذلك..ا.هـ. لقاء الباب المفتوح - فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
فما ذبحه غير المسلم أو غير الكتابي فهو محرم ، وما صُعِق ، أو خُنق ، أو ... ، فهو محرم حتى لو كان هذا فِعل مسلم أو كتابي .
حُكم اللحوم المستوردة : إذا كانت من بلاد الكفار والمجوس ، فالأصل فيها الحرمة . أما إذا كانت من بلاد المسلمين أو أهل الكتاب - اليهود والنصارى - ويُعْرَف عنهم أنهم يذبحونها بالطريقة الشرعية ، فالأصل فيها الحِلّ ، أما إذا عُرف عنهم أنهم يخنقونها ، أو يصعقونها أو أي طريقة أخرى غير الذبح الشرعي ، إذن فهي غير مذكاة ، وحكمها الحُرمة على المسلمين بشرط أن يكون هناك يقين وليس مجرد شك في أنها غير مذكاة .شرح القواعد الفقهية .
س: إذا شك في توفر شروط الإباحة في ذبيحة المسلم كالتسمية . ما حكم الأكل منها ؟ ! .
الجواب: لا يعتبر ولا يُلتفَت إلى الشك في وجود الشرط ، وإن كان الأصل في الشروط عدم وجودِها ، إلا أن هذا الأصلَ عارَضه أصلٌ آخر ، وهو كون الأصل في أفعال المسلمين الصحة ، ووقوعها على الوجه الشرعيِّ .
بالإضافة إلى معارضة الغالب ، وهو وجود الشرط صحيحًا
* عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن قومًا قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أَذُكرَ اسمُ اللهِ عليه أم لا ؟ . قال صلى الله عليه وسلم"سَمُّوا عليه أنتم وكلوه" قالت : وكانوا حديثي عهدٍ بالكفر . صحيح البخاري . متون / 72ـ كتاب : الذبائح والصيد / 21ـ باب : ذبيحة الأعرابِ ونحوِهم / حديث رقم : 5507 / ص : 663 .
ـ ضابط تطبيقي :
من ضوابط هذه القاعدة : إذا امتزج ؛ أو اجتمع التحليل بالتحريم ـ في هذه المذكورات وما كان أصله التحريم ـ غُلِّب جانب التحريم على التحليل فإذا اختلطت محرَّمة بنسب أو رضاع بنسوة محصورات ، حرم عليه نكاح إحداهن مادام لم يتيقن أيتهن المحرَّمة .
الدرة المرضية شرح منظومة ... / ص : 64 / بتصرف .
فلو اجتمع في الذبيحة مبيح ومُحَرّم؛ فإنه غَلَّبَ جانبَ التحريم؛ فلا يحلُّ المذبوح :
لو ذبح الشاة بسكين مسمومة؛ قالوا: فلا ندري هل زهوق الروح كان بالسكين أو كان بالسُّمِّ؟ لو كان بالسكين فهو مباح، ولو كان بالسُّمِّ فهي ميتة، اجتمع سبب للإباحة وسبب للتحريم فنرجع إلى الأصل -والأصل هو التحريم-، حتى نعلم أو نتيقن أو يغلب على ظننا أنّ سبب الإباحة قد وُجِد.حلقات مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية.
وكذلك الصيد ، فإذا وقع الشكُّ في الْمُبِيح وهو توفر الشروط ، فلا يحل الأكل منه .
* فعن الشَّعْبِي قال : سمعتُ عَدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال : سألتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المِعْرَاض فقال " إذا أصبتَ بحّدِّه فكُلْ ، فإذا أصابَ بِعَرْضهِ فَقَتَلَ فإنه وَقِيذٌ فلا تأكل" . فقلتُ : أُرْسِلُ كلبي ، قال " إذا أرسلتَ كلبَكَ وسميتَ فكُلْ" . قُلتُ : فإن أكَلَ قال " فلا تأكل فإنه لم يُمْسِكْ عليكَ إنما أمسكَ على نفسِه" . قلت أُرسِلُ كلبي فأجدُ معه كلبًا آخَرَ ، قال "لا تأكل فإنك إنما سميتَ على كلبك ولم تُسمّ على آخر" . صحيح البخاري . متون / 72ـ كتاب : الذبائح والصيد / 2 ـ باب : صيد المِعْرَاضِ / حديث رقم : 5476 / ص : 660 .
المِعْراضُ: خشبةٌ أو عصًا عريضةٌ وثقيلةٌ، وربَّما كان فيها حَديدةٌ مُدَبَّبَةٌ أو لم يكُنْ، وربَّما تكون رقيقةَ الطَّرفَيْنِ غليظةَ الوَسَطِ، وتُستخدَمُ في الصَّيْدِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إذا أصبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ"، أي: إذا أصاب المِعْراضُ الصَّيْدَ بالجُزْءِ المُدَبَّبِ أو المُحَدَّدِ فحلالٌ أكْلُهُ، "فإذا أصاب بِعَرْضِهِ فقَتَلَ فإنَّهُ وَقيذٌ فَلا تَأْكُلْ"، أي: إذا أصاب المعراضُ الصَّيْدَ بعرضِهِ، أي: بجسمِ العصا أو بمُنتصَفِها، فقَتَلَهُ ولم تُدرِكْهُ حيًّا لِتَذْبَحَهُ، فهذا الصَّيْدُ وَقيذٌ، أي: مقتولٌ وليس مذبوحًا، فلا يَحِلُّ أكْلُهُ.
"فقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبي؟ "، أي: يسألُ عَنِ الصَّيْدِ بالكَلْبِ المُدَرَّبِ والمُعَلَّمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إذا أرسلْتَ كلبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ"، أي: إذا أرسلْتَهُ فأَمْسَكَ صيدًا دونَ أنْ يأكُلَ منه فهو حِلٌّ أكْلُهُ، قُلْتُ"فإنْ أَكَلَ؟ "، أي: إنْ أكَلَ الكلبُ مِنَ الصَّيدِ قَبْلَ أنْ يأتيَ به؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "فَلا تَأْكُلْ، فإنَّهُ لم يُمْسِكْ عليك"، أي: لم يَحْبِسْهُ ويوقِعْهُ لك، "إنَّما أَمْسَكَ على نَفْسِهِ"، أي: إنَّما حبَس الصَّيدَ لنفسِه؛ فيأكلُه هو ولا يَحِلُّ لك.قلْتُ: "أُرْسِلُ كلبي فأجِدُ معه كلبًا آخَرَ؟"، أي: إنْ أَمْسَكَ كلبي صيدًا وقد سبَق إلى الصَّيدِ نَفْسِهِ كلبٌ آخَرُ فما الحُكْمُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "لا تأكُلْ، فإنَّكَ إنَّما سمَّيْتَ على كلبِكَ ولم تُسَمِّ على آخَرَ"، أي:إنَّكَ ذكَرْتَ اسمَ اللهِ وسَمَّيْتَهُ على كلبِكَ لِيُمْسِكَ لكَ، ولكنَّكَ لم تُسَمِّ على الكلبِ الآخَرِ؛ فلا يَحِلُّ أَكْلُ هذا الصَّيْدِ، وهذا إذا وَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا، أمَّا إذا وجدَهُ حيًّا فإنَّه يذبَحُهُ ويأكلُهُ.الدرر=
فمنع صلى الله عليه وسلم الأكل من الصيد عند وجود الشكِّ في قاتله . فلما اجتمع تحليل وتحريم؛ فبقينا على الأصل ، والأصل هو التحريم.
*وعن عدِيّ بنِ حاتمٍ قال : سألتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصيد ؟ قال "إذا رميت سهمَكَ فَاذكر اسم اللهِ ، فإن وجدْتَهُ قد قَتَلَ فكُلْ ، إلا أن تجِدَهُ قد وقع في ماءٍ ، فإنك لا تدري ، الماءُ قتلَهُ أو سهمُكَ" صحيح مسلم . متون34 ـ كتاب : الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوانـ باب : الصيد بالكلاب المعلَّمة / حديث رقم : 7ـ 1929ص505 .
فمنع صلى الله عليه وسلم الأكل مع الشكِّ في شرطه ، فلو كان الأصل الإباحة لما منع من ذلك .
وعلى هذا لو ضرب الإنسان صيدًا وأصاب جناحه ثم وجده قد سقط في ماء ومات ، الآن موت هذا الصيد محتمل أنه مِن رميه ، ويحتمل أنه قد مات غرقًا ، فلا يحل ، لأنه اجتمع فيه جانب حظر وجانب إباحة ، فيقدم جانب الحظر . فعلى هذا اجتمع سبب مبيح وسبب محرِم ، فيقدم السبب المحرم -لأن التحريم هو الأصل-. منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
-والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ:
المعصوم ـ وهو : المسلم ، أو المعاهَد : ـ تحريم دمه ، وماله ، وعرضه ، فلا تباح إلا بحق ، فإذا زال الأصل ـ : إما بِرِدَّةِ المسلم ، أو زِنا المُحْصَن ، أو قتل نفس ، أو نقض المعاهَد العهد ـ حل : لأولي الأمر والحكام قتله .
* عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: ألَا، أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟ قالوا: ألَا شَهْرُنَا هذا، قالَ: ألَا، أيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟ قالوا: ألَا بَلَدُنَا هذا، قالَ: ألَا، أيُّ يَومٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟ قالوا: ألَا يَوْمُنَا هذا، قالَ: فإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى قدْ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ إلَّا بحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلَاثًا، كُلُّ ذلكَ يُجِيبُونَهُ: ألَا نَعَمْ. قالَ: ويْحَكُمْ!-أوْ: ويْلَكُمْ!- لا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ."صحيح البخاري .
قال صلى الله عليه وسلم"لا يَحِلُّ مالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنهُ"الراوي : حنيفة عم أبي حرة الرقاشي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم: 7662 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
وكذلك إذا جنى الإنسان جناية توجب قطع عضو ، أو توجب عقوبة أو مالًا: حل منه بقدر ما يقابل تلك الجناية ، فإذا سرق مسلم فوجب قطع يده ، فتقطع يده بنص يخرجه عن الأصل وهو قوله صلى الله عليه وسلم"إلا بحقها " ، فهو هنا غير معصوم لأنه فعل ما يستباح به عصمته التي كانت ، وهي البراءة الأصلية فإذا أقيم عليه الحد عادت إليه البراءة الأصلية مرة أخرى ، فهو يحل منه بقدر ما يقابل تلك الجناية فقط ، فلا يحل منه سوى قطع يده فقط .
وكذا إذا استدان وأبى الوفاء . فيؤخذ من ماله بقدر ذلك الحق ، سواء كان الدَّيْن لله ، أو لخلقه .
إذًا الأصل في الأشياء الإباحة، إلا الأبضاع واللحوم والنفوس والأموال، فإن هذه الأصل فيها التحريم.
=ومن فروع هذه القاعدة ، ما استدل به عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق حين أراد أبو بكر قتل مانعي الزكاة.
فقال له عمر كيف تستبيح قتالهم ؟ ـ فعمر هنا مستند على أن الأصل في قتالهم الحُرمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أُمرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عَصَمَ مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقه ، وحسابه على الله " .ولكن أبا بكر أخرجهم من هذا الأصل بمنعهم الزكاة.وقال رضي الله عنه:والله ! لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلهم على منعه .
* فعن أبي هريرة ، قال : لما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستتُخْلِفَ أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أُمرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عَصَمَ مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقه ، وحسابه على الله .
فقال أبو بكر : والله ! لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حقُّ المالِ ، والله ! لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلهم على منعه .
فقال عمر بن الخطاب : فوالله ! ما هو إلا أن رأيتُ الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعلمتُ أنه الحق . صحيح مسلم . متون / 1ـ كتاب : الإيمان / 8ـ باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا :لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و ... / حديث رقم : 32ـ 20 / ص.20 .
شرح الحديث: تَعرَّض المسلِمون بعْدَ موتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى امتِحانٍ عظيمٍ تَمثَّل في رِدَّةِ كثيرٍ مِن العَرَبِ عن الإسلامِ، ومَنْعِ كثيرٍ منهم للزَّكاةِ التي كانوا يُؤَدُّونها إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد نَصَر اللهُ الإسلامَ، وتَجاوَز بالمسلمِينَ هذه المِحْنةَ؛ بصلابةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رَضيَ اللهُ عنه وحِكمتِه.
وقد كان هذا مِن تَوفيقِ اللهِ تعالَى لأبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، حيثُ إنَّه أثْبَت قوَّةَ دولةِ الإسلامِ الجديدةِ، فرجَع كثيرٌ ممَّن ارتَدُّوا، وعادُوا إلى الطاعةِ والعملِ بكلِّ شرائعِ الإسلامِ.الدرر السنية.
فائدة:
عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ."الراوي : عبد الله بن عمر - صحيح البخاري.
قال ابن حجر رحمه الله " قال عياض: حديث ابن عمر نص في قتال من لم يصل ، ولم يزكِ، كمن لم يقر بالشهادتين .
واحتجاج عمر على أبي بكر، وجواب أبي بكر : دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة؛ إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر، ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله:إلا بحقه. انتهى من "فتح الباري" 12/ 277.
22 ـ والأَصْلُ في عَادَاتِنَا الإِباحَةْ * حَتى يَجِيءَ صَارِفُ الإِباحَةْ
23 ـ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ * غَيرُ الذي فِي شَرْعِنَا مَذْكُورْ
هذه القاعدة هي أصل من الأصول المهمة المتفرعة على قاعدة اليقين لا يزول بالشك.
مِن المعلوم أنّ أفعال العباد تنقسم إلى عبادات ومعاملات، فالعبادات هي ما يُتقرب بها إلى الله عزّ وجلّ، وأمّا العادات فهي ما اعتاده الناس في أمور حياتهم كالمأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
قال الشيخ السعدي في رسالته / ص : 24 :
فالعادات هي ما اعتاد الناس من : المآكل ، والمشارب ، وأصناف الملابس ، والذهاب ، والمجيء ، والكلام ، وسائر التصرفات المعتادة .ا . هـ .
فالعادات الأصل فيها الذي يستصحب ولا ينصرف عنه إلا بدليل أنها مباحة ، ومَن حَرَّمَ منها شيئًا طُولب بالدليل.
والعبادات حكمها، سواءً فعلًا أو تركًا:المنع حتى يرد الدليل الصحيح .
وهذان الأصلان ذكرهما شيخ الإسلام رحمه الله في كتبه
، وذكر أن الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه : أن العادات الأصل
فيها الإباحة ، فلا يحرم منها إلا ما ورد تحريمه ، وأن الأصل في العبادات
أنه لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . 23 ـ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ * غَيرُ الذي فِي شَرْعِنَا مَذْكُورْ
هذه القاعدة هي أصل من الأصول المهمة المتفرعة على قاعدة اليقين لا يزول بالشك.
مِن المعلوم أنّ أفعال العباد تنقسم إلى عبادات ومعاملات، فالعبادات هي ما يُتقرب بها إلى الله عزّ وجلّ، وأمّا العادات فهي ما اعتاده الناس في أمور حياتهم كالمأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
قال الشيخ السعدي في رسالته / ص : 24 :
فالعادات هي ما اعتاد الناس من : المآكل ، والمشارب ، وأصناف الملابس ، والذهاب ، والمجيء ، والكلام ، وسائر التصرفات المعتادة .ا . هـ .
فالعادات الأصل فيها الذي يستصحب ولا ينصرف عنه إلا بدليل أنها مباحة ، ومَن حَرَّمَ منها شيئًا طُولب بالدليل.
والعبادات حكمها، سواءً فعلًا أو تركًا:المنع حتى يرد الدليل الصحيح .
عَادَاتِنَا : مأخوذ من العَوْد أو المعاودة ، وهي تكرار الشيء
واختلفت عبارات الفقهاء في حد العادة وتعريفها ، ومن ذلك :
أنها ما استقر في الأنفس السليمة والطبائع المستقيمة من المعاملات ، قاله ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح .
ومن ثَمَّ يتبين أن العادات ترجع إلى جنس المعاملات ، وهي نوعان : معاملة مع النفس ، ومعاملة مع الخلق .
صَارِفُ الإِباحَةْ : أي الصارف ـ من الإباحة إلى الحرمة ـ بدليل شرعي .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 75 / بتصرف .
قال الشيخ السعدي في رسالته / ص : 24 :
فالعادات هي ما اعتاد الناس من : المآكل ، والمشارب ، وأصناف الملابس ، والذهاب ، والمجيء ، والكلام ، وسائر التصرفات المعتادة .ا . هـ .
واعلم ـ رحمك الله ـ أن الناظم ـ رحمه الله ـ عنى بالبيتين السابقين قاعدتين كليتين :
* فأما القاعدة الأولى : فهي " الأصل في العادات والمعاملات الإباحة والحِل .
ودل على صحة ذلك: قوله تعالى " هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "سورة البقرة / آية : 29 .
فهذا يدل على أنه خلق لنا ما في الأرض جميعه ، لننتَفع به على أَيّ وجه من وجوه الانتفاع .
وقوله تعالى " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ " .سورة الأعراف / آية : 32 .
فأنكر سبحانه على من حرم شيئًا من الزينة والطيبات دون بُرهانٍ منه سبحانه .
ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنتم أعلم بأمردنياكم " .
* فعن أنس ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مر بقوم يلقِّحون ، فقال : " لو لم تفعلوا لصلُحَ ، قال : فخرج شيصًا ، فمر بهم صلى الله عليه وسلم فقال " ما لنخلكم ؟ " . قالوا : قلت كذا وكذا .
قال صلى الله عليه وسلم " أنتم أعلم بأمر دنياكم " .صحيح مسلم . متون / ( 43 ) ـ كتاب : الفضائل / ( 38 ) ـ باب : وجوب امتثال ما قاله شرعًا ، ... / حديث رقم : 141 ـ ( 2363 ) / ص : 607 .
ووجه الدلالة : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ردّ الأمر في التعامل في الزراعة ـ وهي من أمور الدنيا ـ إلى الخلق ، وجعله ليس من جنس الشرع الذي يتوقف فيه حتى يأتي الأمر من الرب سبحانه .
واتفق العلماء على هذا الأصل ، فحكاه غير واحد ، كالنووي في " المجموع " ، والموفق في" المغني " .
ولْيُعْلَم أن المعاملاتِ والعاداتِ باقيةٌ على الأصل ما لم تخالف أصلاً شرعيًا ، أو يأتي الصارف الشرعي لذلك ، ومن ذلك : " شرب الخمر " ، فهو من جنس العادات التي حرمها الرب سبحانه .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 76 .
ـ وعلى هذه القاعدة ، لو رأيت رجلاً يفعل شيئًا ـ من المعاملات والعادات ـ فقلت له : هذا حرام . فسيقول لك : أين الدليل على تحريم هذا الشيء ؟ . فحينئذ أنتَ المطالب بالدليل على تحريم هذا الشيء .
القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 31
.ـ فالأصل في العادات والمعاملات الإباحة ، فلا يحْرُمُ منها شيء إلا ما دل عليه الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح .
وكل من حرم شيئًا من ذلك طولِبَ بالدليلِ السَّالمِ من المعارضِ الراجحِ ، ولا يُطالبُ المبيحُ بالدليل ، لأنه مستمسكٌ بالأصلِ .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
* وأما القاعدة الثانية : فهي : أن الأصل في العبادات الحظر والمنع .
وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ * غَيرُ الذي فِي شَرْعِنَا مَذْكُورْ
ومعنى ذلك هو أن لا يعتقد الناس في شيء أو في فعلٍ أو قولٍ أنه عبادة ، حتى يأتي خطاب الشارع بذلك .
فالأصل في العبادات المنع والتوقف حتى يُعْلَم دليل ، فلا عبادة إلا بدليل . فلابد أن نعبد الله على بصيرة . قال تعالى " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمنِ اتَّبَعَنِي " سورة يوسف / آية : 108 .
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 31 / 35 :
" بابُ العباداتِ والدياناتِ والتقرباتِ متلقاة عن الله ورسوله ، فليس لأحدٍ أن يجعلَ شيئًا عبادة أو قربةً ؛ إلا بدليلٍ شرعيٍّ " . ا . هـ .
ـ وعلى هذا جرى السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ من الصحابة والتابعين :
* فعن نافعٍ أن رجلاً عطسَ إلى جنب ابن عمرَ ، فقال : الحمد لله ، والسلامُ على رسول الله ،
قال ابن عمر : وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله ، وليس هكذا علمنا رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، علمنا أن نقول " الحمد لله على كل حال " . سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب : الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم /( 2 ) ـ باب : ما يقول العاطس إذا عطس / حديث رقم : 2738 / ص : 616 / حسن .
* وعن سعيد بن المسيِّب : أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين ، يكثر فيهما الركوع والسجود ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد ! يُعذبُني الله على الصلاة ؟ ! . قال لا ، ولكن يُعذبُك على خلاف السنة .
رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وصحح سنده : الشيخ علي حسن عبد الحميد في : عِلم أصول البدع / ص : 71 .
وَبَيَّنَ سبحانه في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم العبادات التي يُعْبَدُ بها ، وأَمر بإخلاصها له ، فمن تقرب بها لله مخلصًا ، فعمله مقبول ، ومن تقرب لله بغيرها ، فعمله مردود ، كما قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمرُنا فَهُوَ رَدٌّ " .
صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 8 ) ـ باب : نقض الأحكام ـ ( 1718 ) / ص : 448 .
وبيان هذا الحديث : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيد قبول العبادة بأخذها عنه ، وصدورها منه صلى الله عليه وسلم ، فاعتبار غير ما أتى به صلى الله عليه وعلى آله وسلم من العبادات ، اعتبار مردود على صاحبه .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 77 / بتصرف .
فهذا الأصل ينفعك فيما إذا رأيت من يتعبد عبادة ، فأنكرت عليه . فقال : أين الدليل على إنكارك ؟ . قل : أين الدليل على فعلك ؟ .- فالذي يقوم بالعبادة هو المطالَب بالدليل على عبادته -. القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 33 / بتصرف .
فهذا الأصل ينفعك فيما إذا رأيت من يتعبد عبادة ، فأنكرت عليه . فقال : أين الدليل على إنكارك ؟ . قل : أين الدليل على فعلك ؟ .- فالذي يقوم بالعبادة هو المطالَب بالدليل على عبادته -. القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 33 / بتصرف .
فلا
يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بعبادة ، إلا إذا ورد دليل من الشارع
بكون تلك العبادة مشروعة ، ولا يجوز لنا أن نخترع عبادات جديدة ونتعبد الله
ـ عز وجل ـ بها ، سواء عبادة جديدة في أصلها ، ليست مشروعة ، أو نبتدع صفة في العبادة ليست واردة في الشرع ،
أونخصص العبادة بزمان أو مكان . وأدلة ذلك : قوله تعالى
" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ" سورة آل عمران / آية : 31 .
" وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"سورة الأعراف / آية : 158 .
وقوله تعالى"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". سورة الأحزاب / آية : 21 .
فهذه القاعدة قاعدة عظيمة ، تحصل بها حماية الشريعة من التحريف والتبديل .
أونخصص العبادة بزمان أو مكان . وأدلة ذلك : قوله تعالى
" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ" سورة آل عمران / آية : 31 .
" وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"سورة الأعراف / آية : 158 .
وقوله تعالى"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". سورة الأحزاب / آية : 21 .
قال تعالى" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ " سورة الشورى / آية : 21 .
فهذه القاعدة قاعدة عظيمة ، تحصل بها حماية الشريعة من التحريف والتبديل .
منظومة القواعد الفقهية/ شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق