مقصـــد بعــض المصطلحــات الحديثيــة
* المــراد بالسَّــبْعَة :
أحمـد ، والبخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالســتة :
أي أصحـاب الكتـب السـتة : وهـم : البخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالخمســة :
أحمـد ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالأربعــة :
أصحـاب السـنن الأربعـة وهـم :
أبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بمتفــق عليــه :
البخـاري ومسـلم .
قاعـــدة :
" لا مُشـاحة فـي الاصطـلاح " .
هـذه المقاصـد المذكـورة ، هـي الأصـل ، ولكـن يُرْجَـع لمقدمـة كـل كتـاب ، لمعرفـة مفتـاح الكتـاب ، أي مقاصـد المصطلحـات المسـتخدمة فـي الكتـاب .
* * * * *
رُتــب كتــب الســـنة
أولاً : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراط الصحـة :
صحيـح البخـاري ، ثـم صحيـح مسـلم .
فهمـا أعلـى كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراطهما الصحـة .
فهمـا أصـح الكتـب بعـد كتـاب الله عـز وجـل ، وقـد تلقـى العلمـاء كتابيهمـا بالقبـول ، واتفقـوا علـى أنهمـا أصـح الكتـب بعـد القـرآن الكريـم .
* قـال الإمـام النـووي ـ رحمه الله ـ فـي شـرحه لصحيـح مسـلم 1 / 14 " اتفـق العلمـاء رحمهـم الله علـى أن أصـح الكتـب بعـد القـرآن العزيـز : الصحيحـان البخـاري ومسـلم ، وتلقتهمـا الأمـة بالقبـول " . ا . هـ .
إلا أن بعـض العلمـاء انتقـدوا عليهمـا بعـض الأحـرف اليسـيرة كالدارقطنـي ، وأبـي علـي الغسـاني الجيانـي ، وأبـي مسـعود الدمشـقي ، وابـن عمـار الشـهيد .
وتصـدى للجـواب عمـا انتقـد عليهمـا جماعـة مـن العلمـاء ، كالنـووي فـي شـرح صحيـح مسـلم ، والحافـظ ابـن حجـر فـي " هَـدْي السـاري " ، و " فتـح البـاري " .تيسير علوم الحديث للمبتدئين ... / ص : 21 / بتصرف .
ـ قـال أبـو جعفـر محمـود بـن العقيلـي لمـا ألَّـف البخـاري كتـاب الصحيـح ، عرضـه علـى : أحمـد ابـن حنبـل ويحيـى بـن معيـن ، وعلـيّ بـن المدينـي وغيرهـم ، فاسـتحسـنوه وشـهدوا لـه بالصحـة إلا فـي أربعـة أحاديـث ، قـال العقيلـي ، والقـول فيهـا قـول البخـاري وهـي صحيحـة .مقدمة فتح الباري ... / ص : 9 .
ثانيًــا : رُتــب كتـب السـنة مـن حيـث كثـرة الصحيـح وقلـة الضعيـف :
أعلاهـا رتبـة " سـنن النسـائي " ، ثـم " سـنن أبـي داود " ، ثـم " سـنن الترمـذي " ، ثـم " سـنن ابـن ماجـه " .
ثالثًــا : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث الاسـتفادة لطالـب العلـم :
" جامـع الترمـذي " ، هـو أعلاهـا رتبـة ، فهـو كتـاب مفيـد جـدًّا للـدارس لمـا اشـتمل عليـه فهـو لا يقتصـر علـى إيـراد الحديـث ، بـل يحكـم عليـه فـي غالـب الأحيـان وإن كـان متسـاهلاً شـيئًا مـا فـي التصحيـح والتحسـين ، إلا إنـه مِمَّـنْ يُعْتمـد عليـه .وهـو لا يكتفـي بذكـر الأحاديـث والحكـم عليهـا ، بـل يترجـم لهـا تراجـم مفيـدة .فأصحـاب الكتـب السـتة كلهـم يترجمـون للأحاديـث عـدا الإمـام مسـلم .
معنـى يترجمـون (1)
ذلـك التبويـب ، أي يقدمـون للبـاب بعنـوان يُفْصِـحُ عـن مقصودهـم ، أي لمـاذا أوردوا هـذه الأحاديـث فـي هـذا الموضـع .
والترمـذي لا يقتصـر علـى الحكـم علـى الأحاديـث ، والترجمـة لهـا ، بـل يذكـر فوائـد تتعلـق بالرجـال ، ويحكـم علـى السـند ، ويذكـر حالـة مـن فيـه .
وينقـل كذلـك أقـوال المشـهورين مـن أهـل العلـم فـي حكمهـم المسـتفاد مـن الحديـث مـن الناحيـة الفقهيـة فـي أغلـب الأحيـان .
شرح الباعث الحثيث ... / شريط رقم : 16 / بتصرف .
( 1 ) لمزيد من المعلومات عن مقاصد مصطلح " تراجم " ، يُرجع إلى بحث " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 45 .
* * * * *
بعــض التحقيقــات لبعــض دواويــن الســنة
سـنن أبـي داود :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن النسـائي :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن الترمـذي :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن ابـن ماجـه :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
مسـند أحمـد :
المسـند للإمـام أحمـد بـن حنبـل ، تحقيـق الشـيخين : أحمـد محمـد شـاكر ، وحمـزة أحمـد الزيـن .
تحذيـــر :
لابـد مـن تحـري التحقيـق قبـل التعامـل مـع سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى لا نقـع تحـت الوعيـد :
* فعـن عامـر بـن الزبيـر ، عـن أبيـه قـال : قلـت للزبيـر ، مـا يمنعـك أن تحـدِّث عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كمـا يحـدث عنـه أصحابُـك ؟ .
قـال : أمـا والله لقـد كـان لـي منـه وجـهٌ ومنزلـة ، ولكنـي سـمعته يقـول " مـن كـذَب علـيَّ متعمـدًا فليتبـوأ مقعـده مـن النـار " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] . تحقيق الشيخ الألباني / ( 19 ) ـ كتاب : العلم / ( 4 ) ـ باب : في التشدد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 3651 / ص : 657 / صحيح .
* * * * *
المصـــدر الثالـــث : الإجمــاع
الإجمــاع لغــة :
الإجمـاع لغـة هـو العـزم والاتفـاق .
قـال تعالـى { ذَلِـكَ مِـنْ أَنبَـاء الْغَيْـبِ نُوحِيـهِ إِلَيْـكَ وَمَـا كُنـتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ أَجْمَعُـواْ أَمْرَهُـمْ وَهُـمْ يَمْكُـرُونَ } سورة يوسف / آية : 102 .
أجمعـوا علـى الأمـر : أي اتفقـوا عليـه .
الإجمــاع اصطلاحًــا :
الإجمــاع اصطلاحًـا : هـو اتفــاق كـل مجتهـدي عصـر واحـد مـن أمــة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، بعـد وفاتـه ، علـى حكـمٍ شـرعي .معالم أصول الفقه ... / ص : 162 / بتصرف .
· اختلـف العلمـاء ـ رحمهم الله ـ فـي الإجمـاع هـل يمكـن وجـوده أو لا يمكـن :
اختلـف العلمـاء فـي ذلـك ، فمنهـم مـن يقـول : إن الإجمـاع لا يمكـن حصولـه :
واسـتدلوا بقـول الإمـام أحمـد : " مـن ادَّعـى الإجمـاع فهـو كـاذبٌ ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا " .
ـ ويُـرَدّ علـى هـذا : بـأن الإمــام أحمـد لا ينفـي الإجمـاع كلـه ، كمـا يَفهـم أو يظـن البعـض ، بالعكـس ؛ هـو يثبتـه ، ولكـن يقـول : إن المدعـي للإجمـاع بمجـرد عـدم علمـه بالمخالـف ، يعتبـر كاذبـًا فـي دعـواه ، ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا (1) .
( 1 ) ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين ( 1 / 30 ) . ورواه ابن حزم في الإحكام ( 4 / 573 ) بسنده عن الإمام أحمد .حاشية : شرح الأصول من علم الأصول . ص : 492 .
* واسـتدلوا أيضـًا بـأن الإحاطـة بقــولِ كـلِّ عالــم مـن المجتهديـن متعــذرة لاسـيما حيـن انتشـرت الأمـة وكثــر الخـلاف وبعـدت المسـافة ، فكيـف يمكـن لعالـم فـي أقصـى المغـرب أن يعلـم بأقــوال العلمـاء فـي أقصـى المشـرق ؟ لاسـيما فيمـا سـبق فإنهـم لـم يكــن عندهـم وسـائل نقـل يتوصلـون بهـا إلـى العلـم بسـرعة .
فهـذا مثـلاً : " ابـن حـزم ـ رحمه الله ـ ، يقـول فـي " أبـي عيسـى محمـد بـن عيسـى الترمـذي " ، لا يُعْـرف ...
فابـن حـزم ـ رحمه الله ـ فـي الأندلـس ، فـي أقصـى المغـارب عنـد المحيـط ، والترمـذي ـ رحمه الله ـ في أقصـى المشـارق ، فـي خُراسـان فمـا بلـغ ابـن حـزم علـم عـن الترمـذي ، فضـلًا عـن كتبـه .
فلهـذا قالـوا : إن الإجمـاع متعـذر .
ـ ويمكـن الـرد علـى ذلـك : بـأن الإجمـاع ليـس بمتعـذر ، فصحيـح أن العلـم بالإجمـاع قـد يكـون صعبـًا لأنـه يحتـاج إلـى اطـلاع واسـع ، ومعرفـة بخلافـات النـاس ، فليـس كـل إنسـان يسـتطيع أن يقـول إن العلمـاء أجمعـوا علـى كـذا ، لأنـه يحتـاج إلـى أن يطلـع وينظـر .
ولا ننفـي الخـلاف فـي ذلـك .
شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 493 / بتصرف .
الفــرق بيـن حجيــة الإجمــاع وصحتــه :
هنـاك فـرق بيـن حُجيـة الإجمـاع وبيـن صحـة الإجمـاع فـلا ينعقـد ـ أي لا يصـح ـ إجمـاع يخالفـه مثـل ابـن حـزم ، لا ينعقـد الإجمـاع مـع أن الصـواب فـي الغالـب سـيكون فـي صـف هـذا الإجمـاع المدَّعَـى ، لكـن هنـاك فـرق بيـن الصـواب المجمـع عليـه ، والصـواب غيـر المجمـع عليـه .
فهـذا لا يعتبـر إجماعـًا بـل هـو قـول الجمهـور ، وابـن حـزم مثـلاً ، مخالـف لقـول الجمهـور .
شـــروط الإجمـــاع :
يتبيـن مـن التعريـف السـابق للإجمـاع أن للإجمـاع قيـود أو شـروط وهـي :
الأول : أن يصـدر الاتفـاق عـن كـل العلمـاء المجتهديـن .
الثانــي : أن يتحقـق اتفـاق المجتهديـن فـي لحظـة اجتماعهـم ، أي فـي نفـس العصـر .
الثالــث : يشـترط أن يكـون اتفـاق المجتهديـن علـى أمـر مـن الأمـور الدينيـة ، ويخـرج بذلـك الأمـور الدنيويـة والعقليـة (1) وغيرهـا .
( 1 ) مثلاً أجمع الناس على أن الكل أكبر من الجزء ، فهذا إجماع عقلي ، لكن لا مدخل له هنا ، فنحن نتكلم عن الإجماع الذي هو دليل من أدلة الشرع . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 492 .
الرابــع : العبــرة بالإجمــاع مـا كـان بعـد وفـاة النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا مـا يذكـره كثيـر مـن الأصولييـن فـي تعاريفهـم .
ـ الخامـس : أن يكـون المجمعـون من المسـلمين ، ولا عبـرة بإجمـاع الأمـم الأخـرى غيـر المسـلمة .
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 162 .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 182 .
مـن هــم أهــل الإجمــاع :
يشـترط فـي أهـل الإجمـاع مـا يأتـي :
الشـرط الأول : أن يكونـوا مـن العلمـاء المجتهديـن .
ويكفـي فـي ذلـك الاجتهـاد الجزئـي (1) ، لأن اشـتراط الاجتهـاد المطلـق فـي أهـل الإجمـاع قـد يـؤدي إلـى تعـذر الإجمـاع ، لكـون الاجتهـاد المطلـق ، نـادر الوجـود .
( 1 ) الاجتهاد الجزئي يعني : أن الإنسان قد يجتهـد في مسألة معينة من مسائل العلم أو في بـاب معين من أبواب العلم . ولكن لا يكـون مجتهدًا في غير ذلك . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 632 .
الشـرط الثانـي : اتفقـوا علـى اشـتراط الإسـلام . فـلا يعتبـر فـي الإجمـاع قـول المجتهـد الكافـر الأصلـي والمرتـد ، بـلا خـلاف .
الشـرط الثالـث : أن يكـون قـول جميـع المجتهديـن . فـإذا خالـف واحـد أو اثنـان مـن المجتهديـن فـإن قـول الباقيـن لا يعتبـر إجماعـًا .
الشـرط الرابـع : أن يكـون جميـع أهـل الإجمـاع أحيـاء .
فالقاعـدة : أن الماضـي لا يعتبـر ، والمسـتقبل لا ينظـر . ويقصـد بالماضـي ؛ أي الأمـوات .
ويقصـد بالمسـتقبل ؛ أي الذيـن لـم يوجـدوا بعـد ، أو وجـدوا ولـم يبلغـوا درجـة الاجتهـاد حـال انعقـاد الإجمـاع .
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 176 / بتصرف .
الإجمــاع لا يُنْشِــئ حكمـًـا :
الإجمـاع عنـد القائليـن بـه لا ينشـئ حكمـًا فـي الشـريعة جديــدًا ، بـل يُعْتَقَــدُ فيـه أنـه مسـتند إلـى نـص أو قيـاس ، عَلِمْنَـاه أم جَهِلْنَـاه .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 129.
لأن الاجتهــاد لا يكـون عـن هــوى ، بـل وِفـق مناهـج مرسـومة وضوابـط شـرعية معينـة تعصــم مـن الهـوى . الوجيز في أصول الفقه / ص : 185
فائـــدة :
قـد ألـف بعـض العلمـاء فـي إثبـات الإجمـاع وبيـان المسـائل المُجمـع عليهـا . ومـن أمثلتهـا :
كتـاب " مراتـب الإجمـاع " لابـن حـزم ذكـر فيـه المسـائل المجمـع عليهـا ، وتعقبـه فـي كثيـر منهـا ابـن تيميـة ، وكتابـه مطبـوع متـداول . وكتـاب " الإفصـاح " لابـن هبيـرة . و " الإجمـاع " لابـن المنـذر .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 129 / بتصرف يسير .
مســتند الإجمــاع :
لابـد للإجمـاع مـن مسـتند شـرعي ـ عنـد الجمهـور ـ ، وهـذا المسـتند إذا كـان مـن الكتـاب أو السـنة ـ الصحيحـة ـ فهـو جائـز باتفـاق ـ عنـد الجمهـور ـ ، وإن كـان مـن قيـاس ونحـوه ، فهـو جائـز أيضـًا عنـد كثيـر مـن العلمـاء .إجماعات ابن عبد البر ... / ج : 1 / ص : 41 .
مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الكتــاب :
الإجمـاع علـى حرمـة نكـاح الجـدات وبنـات الأولاد مهمـا نزلـت درجتهـن .
وسـنده قولـه تعالـى { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ وَبَنَاتُكُـمْ ... } سورة النساء / آية : 23 .
إذ الإجمـاع منعقـد علـى أن المـراد بالأمهـات فـي الآيـة الكريمـة : الأصـول مـن النسـاء ، فتشـمل الجـدات وإن عَلَـوْن .
وأن المـراد مـن البنـات : الفـروع مـن النسـاء ، فتشـمل البنـات الصلبيـات وبنـات الولـد وإن نزلـن .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 .
مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الســنة :
الإجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت .
وسـنده : توسـل " عمـر " بعمـه " العبـاس " بعـد وفـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
* عـن أنـس بـن مالـك ـ رضي الله عنه ـ أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ كـان إذا قحطـوا اسـتسـقى بالعبـاس بـن عبـد المطلـب ، فقـال : " اللهـم إنـا كنـا نتوسـل إليـك بنبينـا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتسـقينا ، وإنـا نتوسـل إليـك بعـم نبينـا فاسـقنا " . قـال : فيُسـقَون . صحيح البخاري . متون / ( 15 ) ـ كتاب :الاستقساء / ( 3 ) ـ باب : سؤال الناس الإمام الاستقساء إذا قحطوا / حديث رقم : 1010 / ص : 116 .
فهـذا إجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت ، وإلا قُـدِّم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـد
وفاتـه إذا كـان هـذا جائـزًا .
مثــال الإجمــاع المبنـي علـى القيـاس :
توريـث الجـدة الصحيحـة السـدس بالإجمـاع قياسـًا علـى ميـراث الأم فـي حالـة عـدم الأم ، ولكـن ليـس مـن كـل الوجـوه .
قـال ابـن المنـذر فـي الإجمـاع / ص : 84 : أجمعـوا علـى أن للجـدة السـدس إذا لـم تكـن للميـت أم .
الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز / ص : 420 .
الإجمـاع علـى تحريـم شـحم الخنزيـر قياسـًا علـى تحريـم لحمـه .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 .
اختلـف الأصوليـون فـي جـواز انعقـاد الإجمـاع عـن اجتهـاد أو قيـاس ، فجـوزه الأكثـرون ، ومنعـه غيرهـم .
ومـا ذهـب إليـه الأكثـرون هـو ـ الراجـح ـ ، فقـد انعقـدت إجماعـات فـي زمـن الصحابـة وكـان مسـتندها اجتهـادًا أو قياسـًا .
فقـد أجمعـوا علـى جمـع القـرآن ، وكـان سـندهم " المصلحـة المرسـلة " ، وهـي ضـرب مـن ضـروب الاجتهـاد .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 / بتصرف يسير .
أنـــواع الإجمـــاع :
ينقسـم الإجمـاع باعتبـار قوتـه إلـى قسـمين :
أ ـ إجمـاع قطعـي . ب ـ إجمـاع ظنـي .
أ ـ " الإجمــاع القطعــي " :
وهـو مـا يُعلـم وقوعـه مـن الأمـة بالضـرورة ... .
ومعنـى " ..... بالضـرورة " : أي بـدون نظـر وتأمـل وتتبـع واسـتقراء ، يعنـي لا يحتـاج أن ننظـر هـل
أجمعـوا أم لـم يجمعـوا ؛ لأنـه معـروف . كالإجمـاع على وجـوب الصلـوات الخمـس ، وتحريـم الزنـا .
فلـو قـال قائـل : مـا دليلـك علـى وجـوب الصلـوات الخمـس ؟
ج : الدليـل إجمـاع المسـلمين ، فـلا أحـد ينكـر هـذا ، وليـس معنـى ذلـك أنـه ليـس هنـاك دليـل مـن الكتـاب والسـنة ، لكـن مـن الجائـز أن تتعـدد الأدلـة ، والمدلـول واحـد .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف .
لكـن قـد ينشـأ مـن المسـلمين مـن الجهلـة مـن الآحـاد والأفـراد مـن يجهـل مثـل هـذا ، وكـون الـذي يجهلـه موجـودًا ـ ولـو علـى سـبيل النـدرة ـ ، لكـن هـذا لا ينفـي أن الإجمـاع هنـا قطعـي وإن وجـد فـي الأمـة مـن يجهلـه ، ولكنـه قطعـي لأن العبـرة ليسـت بالعـوام وبالمقلديـن ، ... ، وإنمـا العبـرة بمجتهـدي هـذه الأمـة .
شرح الأصول من علم الأصول / شريط رقم : 11 / ص : 26 / بتصرف .
والإجمـاع القطعـي ، حُجـة ، ولا يجـوز مخالفتـه ألْبتـة .
ومعنـى حُجَّـة : أي يلـزم مَـنْ بَلَغَـه هـذا الإجمـاع ، أن يقـول بموجبـه ، ولا يجـوز مخالفتـه .
ولابـد للإجمـاع القطعـي مـن مسـتند مـن الكتـاب أو السـنة الصحيحـة .
ولا يُسـأل عـن ثبـوت الإجمـاع القطعـي ، لأنـه قطعـي الثبـوت شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف .التأسيس ... / ص : 181 / بتصرف .
ب ـ " الإجمــاع الظنــي " :
أي مظنـون ، وقـد يكـون الأمـر بخلافـه .
تعريفـه : وهـو مـا لا يُعْلـم إلا بالتتبـع والاسـتقراء ، يعنـي ليـس معلومـًا بالضـرورة ، بـل مُتتبـع ، فيتتبـع مـن الكتـب التـي تنقـل الآثـار عـن المتقدميـن وتتبـع الكتـب التـي ألفهـا المتأخـرون ، وينظـر فـإذا أجمعـت الكتــب والآثـار علـى حكـم مـن الأحكـام قلنـا : هـذا إجمـاع ، لكـن ليـس إجماعـًا قطعيـًا ، لأنـه يجـوز أن يكـون هنـاك خـلاف لـم نعلمـه .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 498 .
الإجمـاع الظنـي حُجـة مـا لـم يُعـارض ، فـإن تعـارض مـع نـص قُـدم الأقـوى دَلالـة .
ويسـمى " الإجمـاع الاسـتقرائي " و " الإقـراري " ، ومنـه " الإجمـاع السـكوتي " . التأسيس ... / ص : 182 / بتصرف .
الإجمــاع الســكوتي : " هـو أن يقـول بعـض أهـل الاجتهـاد بقـول ، وينتشـر ذلـك فـي المجتهديـن
مـن أهـل ذلـك العصـر ، فيسـكتون ، ولا يظهـر منهـم اعتـراف ولا إنكـار " .المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / ص : 202 .
وقيـل : هـو أن يقـول أحـد المجتهديـن قـولاً فـي الديـن ، فينتشـر ، ولا يُنْقَـل عـن غيـره مـن المجتهديـن إنكـارٌ لذلـك القـول .الواضح ... / ص : 128 .
حُجيــة الإجمــاع الســكوتي :
اختُلِـفَ فيـه علـى أقـوال :
ـ فقيـل : هـو إجمـاع ، وذلـك تنزيـلاً للسـكوت منزلـة الرضـا والموافقـة .
ويُشـترط فـي ذلـك شـرطان :
أحدهمـا : ألا يُعلـم أن السـاكت سـاخط غيـر راضٍ بذلـك القـول .
والثانــي : أن تمضـي مهلـة تَسَـع النظـر فـي ذلـك القـول بعـد سـماعه .
وهـذا هـو الحـق بالشـرطين المذكوريـن ، وهـو مذهـب الجمهـور ، ويسـمى إجماعـًا سـكوتيًّا ، وهـو ظنـي غيـرقطعـي
وقيـل : إنـه حُجـة لا إجمـاع .
وقيـل : إنـه ليـس بحُجـة ولا إجمـاع .
وقيـل غيـر ذلـك ، والصحيـح هـو الأول كمـا بينـاه .
المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / السعدي / ص : 202 .
* * * * *
القيـاس لغـة : التقديـر ، ومنـه قسـت الأرض بالمتـر أي قدرتهـا بـه ، والمسـاواة ومنـه تقديـر الشـيء بغيـره وتسـويته بـه .
( 1 ) الإسكار : هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب ، أما تغطية العقل لغير هذا فليس بإسكار .
الشــرط الثانــي :
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 524 .
الشــرط الثالــث :
الصحابـي هـو مـن أسـلم فـي حيـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ واجتمـع بـه ومـات علـى الإسـلام .
ولا يلـزم مـن الاجتمـاع السـماع بـل مجـرد الرؤيـة كمـا فـي حجـة الـوداع ، ومـات علـى الإسـلام .التأسيس ... / ص : 195 .
أقســـام قـــول الصحابــي :
1 ـ المرفـوع وينقسـم إلـى : مرفـوع حقيقـةً ، ومرفـوع حكمـًا .
2 ـ الموقـوف .
أولاً : المرفــوع :
أ ـ المرفـوع حقيقـة :
وهـو مـا رواه الصحابـي عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فتكـون نهايـة السـند إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
مثالـــه :
عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مـن نسـي وهـو صائـم فأكـل أو شـربَ ، فليتـمَّ صومَـهُ ، فإنمـا أطعمـهُ الله وسـقاهُ " .صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 33 ) ـ باب : أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر /
حديث رقم : 1155 / ص : 276 .
ب ـ المرفـوع حكمـًا :
وهـو مـا رواه الصحابـي ـ الـذي لـم يأخــذ عـن الإسـرائيليات ولـم يرفعـه للنبـي ـ صلى الله عليهوعلى آله وسلم ـ ، وليـس للاجتهـاد والـرأي فيـه مجـال .
كالإخبـار عـن الأمـور الماضيـة من بـدء الخلـق وأخبـار الأنبيـاء ، أو الآتيـة كالملاحـم والفتـن وأحــوال يـوم القيامـة ، وكـذا الإخبـار عمـا يحصـل بفعلـه ثـواب مخصـوص أو عقـاب مخصـوص ، وإنما كـان له حكـم المرفـوع لأن إخبـاره بذلـك يقتضـي مخبِــرًا لـه ، ومـا لا مجــال للاجتهـاد فيـه يقتضـي موقفًـا للقائـل بـه ، ولا موقـف للصحابـة إلا النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو بعـض مـن يخبـر عـن الكتـب المتقدمـة فلهـذا وقـع الاحتـراز عـن القسـم الثانـي .120سؤال وجواب في ... / الحكمي / ص : 144 .
مثــال المرفــوع حكمًـا :
كقـول عمـار : مـن صـام اليـوم الـذي يُشَــكُّ فيـه ، فقـد عصـى أبـا القاسـم " .
فعـن صِلَـة قـال : كنـا عنـد عمـار فـي اليـوم الـذي يُشـكُّ فيـه ، فأُتِـيَ بشـاة ، فتنحـى بعـض القـوم فقـال عمـار ، مـن صـام هـذا اليـومَ فقـد عصـى أبـا القاسـم صلى الله عليه وعلى آله وسلم .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 8 ) ـ أول كتاب الصيام / ( 10 ) ـ باب : كراهية صوم يوم الشك / حديث رقم : 2334 / ص : 410 / صحيح .
فلهـذا حُكـم الرفـع ، لأن الظاهـر أن ذلـك ممـا تلقـاه عـن النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر / ص : 51 .
حُجيـــة المرفــوع حكمًــا :
المرفـوع حكمـًا إذا صـح ، فهـو حُجـة كالمرفـوع للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا صـح .تيسير مصطلح الحديث / ص : 133 / بتصرف .
ثانيًـــا : الموقـــوف :
هـو مـا ورد عـن الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ مـن أقوالهـم وأفعالهـم وتقريراتهـم فيتوقـف عليهـم ولا يتجـاوز إلـى رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقـد يكـون صحيحًـا أو حسـنًا أو ضعيفًـا .
وموضوعنـــا : الموقـوف ، الصحيـح أو الحسـن . التأسيس ... / ص : 196 .
فائـــدة :
يلاحـظ عنـد التطبيـق العملـي لهـذه الأقسـام أنـه قـد يحـدث خـلاف بيـن العلمـاء .
مثـــال ذلــك :
مـا رُوِيَ عـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ فـي مَـنْ تـرك شـيئًا مـن نسـكه أن عليـه دمـًا .
قـال ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما " مـن تـرك شـيئًا مـن نسـكه أو نسـيه فليهـرق دمًـا "
بعـض العلمـاء قـال : إن هـذا لـه حكـم الرفـع ، فيجـب الـدم بتـرك النسـك .
وبعضهـم قـال : لا ، ليـس لـه حكـم الرفـع ؛ لأن قـول الصحابـي لا يكـون لـه حكـم الرفـع إلا إذا لـم يتطـرق إليـه احتمـال الاجتهـاد ، واحتمـال الاجتهـاد هنـا وارد ؛ لأنـه قـد يقيسـه رضـي الله عنـه علـى الْمُحْصَـر ، فالمحصـر أوجـب الله عليـه مـا اسـتيسـر مـن الهـدي ؛ لأنـه تـرك بعـض النسـك
لكـن بعـذر وهـو الحصـر ، فيقـول إذًا مـن تـرك بعـض نسـكه فعليـه الهـدي كالمحصـر . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 468 . وورد فـي رسـالة الْمُنَخَّلَـة النونيـة ... / ص : 102 .
إنْ جـاءَ نـصٌّ فـي دمٍ فاعْمَـلْ بـه وسـواهُ فارفُـضْ فهـوَ دونَ كِيـانٍ .
ومعنـى هـذه القاعـدة : هـو الاعتمـاد علـى النـص فـي مشـروعية الـدم ؛ فـأيُّ دم أوجبـه أحـد مـن النـاس بـلا دليـل مـن النصـوص الشـرعية ؛ فهـو باطـل .
وقـول ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا ؛ فعليـه دم " .
هـذا كمـا تقـرر لا يعـدو كونـه رأيـًا ، وليـس بشـرع مـن عنـد الله ، ولا يصـح مرفوعـًا إلـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولذلـك كـان الأرجـح مـا ذهـب إليـه الظاهريـة مـن أنـه لا دم إلا مـا ورد فـي النـص . والله الهـادي إلـى الصـواب . ا . هـ .
لطيفـــة حديثيــة :
* حديـث ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا فعليـه دم " .
ضعيــف مرفوعًـا وثبــت موقوفًــا .أخرجه مالك ( 1 / 419 / 240 ) .
* عـن أيـوب بـن أبـي تيميـة السـختياني عـن سـعيد بـن جبيـر عـن عبـد الله بـن عبـاس قـال "مـن نسـي مـن نسـكه شـيئًا ، أو تركـه ، فليهـرق دمًـا " . إرواء الغليل ... / للشيخ الألباني / ج : 4 / حديث رقم : 1100 / ص : 299 .
قـال أيـوب : لا أدري قـال : " تـرك " أو " نسـي " وكذلـك رواه الثـوري عـن أيـوب :
" مـن تـرك أو نسـي شـيئًا مـن نسـكه فليهـرق لـه دمًـا كأنـه قالهمـا جميعًـا .المصدر السابق .
· حُجِّيَّـــة قَــوْل الصحابـــي :
ذهـب بعـض العلمـاء إلى أنـه حُجَّـة شـرعية ، وعلـى المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي إذا لـم يجـد الحكـم فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع .
وذهـب البعـض الآخـر مـن العلمـاء إلـى أنـه ليـس بحُجَّـة شـرعية ، ولا يلـزم المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي ، بـل عليـه أن يأخـذ بمقتضـى الدليـل الشـرعي .
احتـج الأولـون بـأن احتمـال الصـواب فـي اجتهـاد الصحابـي كثيـر جـدًّا ، واحتمـال الخطـأ قليـل جـدًّا . لأن الصحابـي شـاهَدَ التنزيـل ، ووقـف علـى حِكْمَـة التشـريع وأسْـبَاب النـزول ، ولازم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ملازمـة طويلـة أكسـبته معرفـة بالشـريعة ، وذوقـًا لمعانيهـا ، وكل هذا يجعـل لآرائهـم ـ أي الصحابـة ـ منزلـة أكبـر من آراء غيرهـم ، ويجعـل اجتهادَهـم أقـرب إلى الصـواب من اجتهـادِ غيرِهـم .
واحتـج الآخـرون بأننـا ملزمـون باتبـاع الكتـاب والسـنة ، ومـا أرشـدت إليـه نصوصُهمـا مـن أدلـة ، وليـس قـول الصحابـي واحـدًا منهـا ، والاجتهـاد بالـرأي عُرضَـة للخطـأِ والصـواب ، لا فـرق فـي هـذا بيـن صحابـي وغيـره ، ولأن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ غيـر معصوميـن مـن الخطـأ تخفـى عليهـم الحجـة ويحصـل منهـم السـهو والنسـيان ، وإن كـان احتمـال الخطـأ بالنسـبة للصحابـي أقـل .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 257 .
قـال الشـيخ الألبانـي رحمه الله :
حديـث : إنمـا أصحابـي مثـل النجـوم ، فأيهـم أخذتـم بقولـه ، اهتديتـم .
حديـث موضـوع . سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة ، حديـث رقـم : ( 61 ) .
وحديـث : أصحابـي كالنجـوم بأيهـم اقتديتـم اهتديتـم .
وهـذا حديـث باطـل مكـذوب .
ثـم اسـتشـهد بقـول " ابـن حـزم " وهـو :
" ..... ، فمـن المُحَـال أن يأمـر رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ باتبـاع كـل قائـل مـن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ ؛ وفيهـم مـن يحلـل الشـيء ، وغيـره يحرمـه ، ولـو كـان ذلـك لكـان بيـع الخمــر حـلالاً ؛ اقتـداءً بسَـمُرَة بـن جُنْـدَب ، ولكـان أكـل البَـرَد(1)للصائـم حـلالاً ؛ اقتـداء بأبـي طلحـة ، وحرامـًا اقتـداء بغيـره منهـم ... .
فكيـف يجـوز تقليـد قـوم ـ بـلا ضوابـط وهـم ـ يخطئـون ويصيبـون ؟ ! " . ا . هـ .نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 185 .
( 1 ) وورد بـ نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 187 :
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال :
" مُطِرْنا بَرَدًا ، وأبو طلحة صائم ، فجعل يأكل منه ، قيل له : أتأكل وأنت صائم ؟ ! فقال : إنما هذا بركة " ! .
صحيح موقوفًا . أي تصح نسبته لقائله ، ولكن ليس معنى هذا صحة الحكم ، فالحكم خطأ . [ سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني تحت رقم : 63 ] . ا . هـ . بتصرف .
مثـــال ذلـــك :
كـان علـي بـن أبـي طالـب وابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ يريـان أن المـرأة الحامـل إذا توفـي عنهـا زوجُهـا ، اعتـدت بأطـول الأجليـن ـ الأشْـهُر أو وضـع الحمـل ـ فيقـولان : إن وضَعَـتْ قبـل أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام انتظـرت حتـى تتـم أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ، وإن تـم لهـا أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ولـم تضـع انتظـرت حتـى تضـع .
هـذا قولهمـا ! لكـن هـذا يخالـف النـص فـلا عبـرة بـه .
* فعـن المِسْـوَرِ بـنِ مَخْرَمَـةَ أن سُـبَيْعَةَ الأسـلمية نُفِسَـتْ بعـد وفـاة زوجهـا بليـالٍ فجـاءت النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاسـتأذنته أن تَنْكِـحَ ، فـأذن لهـا فَنَكَحَـتْ ."صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن ... " .سورة الطلاق : آية : 4 / حديث رقم : 5320 / ص : 643 .
وفـي روايـة أخـرى :
قـال البخـاري حدثنـا يحيـى بـن بكيـر عـن الليـث عـن يزيـد أن ابـن شـهاب كتـب إليـه أن عُبيـد الله ابـن عبـد اللهِ أخبـره عـن أبيـه أنـه كتـب إلـى ابـن الأرقــم أن يسـأل سُـبيعة الأسـلمية كيـف أفتاهـا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فقالـت : أفتانـي إذا وضعـتُ أن أنْكِـحَ .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " / حديث رقم : 5319 / ص : 643 .
والراجـــح :
أن قـول الصحابـي ليـس حُجـة ملزمـة ولكـن يؤخـذ بـه حيـث لا نـص فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع ـ ولا فـي القيـاس ـ فالأخـذ بقـول الصحابـي أولـى .
الوجيز في أصول الفقه ... / د . عبد الكريم زيدان / بتصرف يسير / ص : 258 .
أمـا إذا خالـف قـولُ الصحابـي نصًّـا ، وجـب العمـل بالنـص ، وإذا خالـف قـول الصحابـي قـول صحابـي آخـر قُـدِّم الراجـح ، ولكـن هـذا الترجيـح يكـون إمـا بقربـة مـن الدليـل ، وإمـا باعتبـار حـال الصحابـي ، ولكـن القـرب مـن الدليـل مُقَـدَّم .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 467 .
وإن تسـاويا في القـرب من النـص ، أخـذ بالأرجـح حـالاً كأن يقـدم قـول أبـي بكـر على قـول عمـر .
وقـال الدكتـور / محمـد أديـب صالـح :
ممـا لاشـك فيـه أن قـول الصحابـي فـي المسـائل الاجتهاديـة يلقـي ضـوءًا علـى معانـي النصـوص ويسـاعد الباحـث علـى تبيانهـا ، ويبعـث فـي النفـس مزيـدًا مـن الطمأنينـة ، لأن الصحابـي قـد تهيـأت له مشـاهدة التنزيـل ، ومعرفـة تأويـل النصـوص ، وعايـن الكثيـر من الوقائـع وأسـباب نـزول الآيـات ، أو ورود أحاديـث الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وعـاش فـي ظـل البيـان النبـوي الكريـم ، فاجتهـاد الصحابـي وإن كـان يحتمـل الخطـأ إلا أنـه مرجـح علـى اجتهـاد غيـره مـن التابعيـن وغيرهـم مـن المجتهديـن ، ولكـن ذلـك كلـه لا يجعـل الحديـث الموقـوف فـي سـوية المصـادر الأصليـة التـي هـي الكتـاب والسـنة والإجمـاع والقيـاس ، وذلـك مـا عليـه الأكثـرون وهـو أمـر لا يتنافـى أبـدًا مـع منزلـة الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ وكونهـم الجسـر المبـارك الـذي حمـل إلينـا الكتـاب الكريـم ، ونقـل إلينـا بيانـه عـن رسـول الله صلـوات الله وسـلامه عليـه ، وكونهـم أيضًـا بمـا لهـم مـن فضـل الصحبـة وارتفـاع الدرجـة ، وعظمـة الشـأن ـ القـدوة الحسـنة فـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والتـزام الشـريعة علمًـا وعمـلاً . ا . هـ .نظم الدرر في ... / ص : 214 .
ـ يلاحـظ أنـه عنـد التطبيـق علـى المسـائل الفقهيـة ، يرجـع لكتـب الفقـه ، لأن الأمـور قـد تختلـف بحسـب كـل مسـألة وتفصيلهـا .
أقســـام أحــوال الصحابــة :
القســم الأول :
مَـنْ نَـصَّ الشـرعُ علـى أن قولهـم حُجَّـة .
قال صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم " اقتـدوا باللَّذَيْـن من بعـدي من أصحابـي أبـي بكـر وعمر ، ... " رواه اللالكائي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / رقم الحديث : 1233 .
وهـذا نـصٌ صريـح فـي أن قولهمـا حُجـة بعـد توفـر شـروط الحجيـة ، لأنهـم مـع هـذا غيـر معصوميـن . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 463 / بتصرف .
القســم الثانــي :
مَـنْ عُرِفـوا بالإمامـة فـي الديـن والفقـه فـي العلـم ( مثـل ابـن عبـاس ... ) . فهـؤلاء أيضًـا القـول بـأن قولهـم حجـة قـول قـوي جـدًّا ـ بعـد عرضـه علـى الكتـاب والسـنة ـ .
القســم الثالــث :
مَـنْ لـم يتصفـوا بهـذا ، فالقـول بـأن قولهـم حجـة قـول بعيـد .
الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 464 / بتصرف .
أمثلـــة علـى أنــواع الموقــوف :
أ ـ الموقـوف القولـي : قـال علـى بـن أبـي طالـب رضي الله عنه" حدثـوا النـاس بمـا يعرفـون ، أتريـدون أن يُكَـذَّبَ اللهُ ورسـولُهُ " . صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خص بالعلم قومًا دون قومٍ كراهية أن لا يفهموا / معلق بصيغة الجزم / ص : 26 .
بعـد أن ذكـر البخـاري هـذا الحديـث الموقـوف علـى علـي معلقًـا (1)ذكـره مـرة أخـرى موصـولًا فقـال البخـاري :
حدثنـا عُبيـدُ اللهِ بـن موسـى عـن معـروف بـنِ خرَّبُـوذٍ عـن أبـي الطُّفَيْـل عـن عَلـيٍّ بذلـك .
صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خَصَّ بالعلم ... / حديث رقم : 127 / ص : 26 .
( 1 ) معلق : الحديث المعلق هو ما حُذِفَ من بداية إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد . نظم الدُّرر ... / ص : 131 / بتصرف .
ولمزيد معلومات عن المعلقات يُرجع لبحث : " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 47 .
ب ـ الموقــوف الفعلــي : قـول الإمـام البخـاري : " وأمَّ ابـنُ عبـاسٍ وهـو متيمـمٌ " . صحيح البخاري . متون / ( 7 ) ـ كتاب : التيمم / ( 6 ) ـ باب : الصعيد الطيب وضوء / معلق / ص : 48 . قـال ابـنُ حَجَـر في فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 1 / ( 7 ) ـ كتـاب : التيمـم / ( 6 ) ـ بـاب : الصعيـد الطيـب وَضـوءُ المسـلم يكفيـه مـن المـاء / ص : 532 :
قولـه وأمَّ ابـنُ عبـاس وهـو متيمـم : وَصَلَـهُ ابـن أبـي شـيبة والبيهقـي وغيرهمـا ، وإسـناده صحيـح . ا . هـ .
ج ـ الموقــوف التقريــري : كقـول التابعـي :
" فعلـتُ كـذا بحضـرة الصحابـي ولـم ينكـر علـي " .
التعليقات الأثرية ... / ص :22 .
درجــات أقــوال الصحابــة :
الدرجــة الأولــى :
أن يتفـق الصحابـة علـى مسـألة .فهـذا إجمـاع قولـي ، وهـو حجـة .
الدرجــة الثانيــة :
أن يتفـق الخلفـاء الراشـدون الأربعـة علـى مسـألة .
الدرجــة الثالثــة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً يُعْـرَف أنـه قـد انتشـر وذاع بيـن الصحابـة ، ولـم يُعْلَـمْ أن أحـدًا منهـم أنكـره أو رد عليـه ، فهـذا النـوع هـو مـا يسـمى بالإجمـاع السـكوتي .
الدرجــة الرابعــة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً لا يُـدْرَك بمجـرد الـرأي ، فهـذا النـوع ـ وإن كـان موقوفًـا فـي الظاهـر لـه حكـم المرفـوع إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الدرجــة الخامســة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ويخالفـه فيـه غيـره مـن الصحابـة . فهـذا النـوع ذهـب الجمهـور إلـى أنـه ليـس بحجـة .
الدرجــة الســادسـة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ولـم يُعْلَـمْ انتشـاره بينهـم ، ولـم يعلـم أن غيـره مـن الصحابـة خالفـه فـي ذلـك ، وليـس مخالفـًا لكتـاب أو سـنة .
وهـذا النـوع مختلـف فيـه .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 135 .
بلـغ عـدد الذيـن آمنـوا بالنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي حياتـه عشـرات الألـوف ، والذيـن لهـم روايـة منهـم فـي مسـند الإمـام أحمـد قريـب مـن ( 750 ) نفسًـا ، أمـا الذيـن لهـم آراء اجتهاديـة وفتـاوى فـلا يزيـدون عـن ( 150 ) ، المكثـرون منهـم سـبعة ، والمتوسـطون عشـرون ، والباقـي مقلـون ( انظـر الإحكـام لابـن حـزم ) .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 135 .
س : لـو خالـف قـول الصحابـي العمـومَ فهـل نُقَـدِّم دلالـة العـام أو نقـول قـول الصحابـي أو فعلـه مخصِّـص ؟
الجــواب : نأخـذ بالعمـوم ، لأن اللفـظ العـام عمومـه مقصـود ، وإذا قُصِـدَ عمومـه شـمل جميـع أفـراده .
ومـن ذلـك حديـث " ابـن عمـر " ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أمــر بإعفـاء
اللحـى وإرخائهـا ( وذلـك فـي حديـث البخـاري / رقم : 5892 ) ؛ وظاهـر هـذا الحديـث العمـوم وشـمول الحكـم لِمَـا دون القبضـة ومـا زاد علـى القبضــة ، ولكـن كـان " ابـن عمــر " إذا حـج قبـض علـى لحيتـه فمـا زاد علـى القبضـة قَصَّـهُ ؛
فعـن ابـن عمـر عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" خالفـوا المشـركين وَفِّـرُوا الِّحـى وأحفـوا الشـوارب " .
وكـان ابـن عمـر إذا حـج أو اعتمـر قبـض علـى لحيتـه فمـا فَضَـلَ أخـذه .صحيح البخاري . متون / ( 77 ) ـ كتاب : اللباس / ( 64 ) ـ باب : تقليم الأظافر / حديث رقم :5892 / ص : 701 .
وهـذا فعـل يقتضـي التخصيـص ـ عنـد بعـض أهـل العلـم .
فقـد ذهـب إلـى هـذا بعـض أهـل العلـم ، وقـال : إننـا نقـدم قــول الصحابـي أو فعلـه علـى العمـوم ، لأن دَلالـة العمـوم علـى جميـع الأفـراد دلالـة ظنيـة ، وفعـل الصحابـي المخالـف للعمـوم يبعـد أن يكـون واقعًـا إلا عـن نـص ، لأن الصحابـي لا يمكـن أن يخالـف العمـومَ بإخـراج فـردٍ مـن أفـراده عـن حُكمِـهِ إلا وعنـده علـم بذلـك ، فيكـون ابـن عمـر عنـده علـم بذلـك ، ويكـون فعلـه هـذا مُخَصِّصًـا للعمـوم .
ولكـن لاشـك أن الأبـرأ للذمـة والأحـوط ، تقديـم العمـوم علـى قـول الصحابـي أوفعلـه ، لأن قـول الصحابـي يتطـرق إليـه الاحتمـال ، فيحتمـل أنه اجتهـد ، لكـن عمـوم النـص لا يتطـرق إليـه الاحتمـال تطرقًـا قطعيًّـا بـل ظاهـره يقتضـي شـمول جميـع الأفـراد فيؤخـذ بـه .
والإنسـان يـوم القيامـة ليـس مسـئولاً عـن فعـل الصحابـي ، وإنمـا هـو مسـئول عـن قـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـد قـال تعالـى { وَيَـوْمَ يُنَادِيهِـمْ فَيَقُـولُ مَـاذَا أَجَبْتُـمُ الْمُرْسَـلِينَ } .سورة القصص / آية : 65 .
ولا أعتقـد أن أحـدًا يثبـت لـه قَـدَمٌ يـوم القيامـة فيقـول : يـا ربـي قصصتُهَـا لأن ابـن عمـر راوي الحديـث قَصَّهَـا فهـو أعلـم بمـا روى ! .
فهـذه شـبهة والجـواب عليهـا :
قـول الرسـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم عـام فلمـاذا تحتـج بالعمـوم إذا شـئت ، وتمنـع الاحتجـاج بـه إذا شـئتَ ، فهـذا تناقـض !
فالراجـــح أن تخصيـص قـول الصحابـي أو فعلـه للعمـوم لا يؤخـذ بـه إلا بدليـل وإلا فـإن مخالفـة الصحابـي للعمـوم كمخالفتـه للخصـوص . شرح الأصول من علم الأصول / للعثيمين / ص : 468 .
أقســـام شــرع مَـنْ قبلنـا :
ينقسـم شـرع مَـنْ قبلنـا باعتبـار وصولـه إلينـا إلـى قسـمين :
( 1 ) سورة البقرة / آية : 136 ، وتمام الآية { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } .
( 1 ) من أراد التفصيل في هذا الخلاف فليرجع إلى كتاب الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 140 .
ونذكــر هنـا تأييـدًا لقولنـا ، ثبــوت أحكـام الآيـة السـابقة فـي حقنـا " وَكَتَبْنَـا عَلَيْهِـمْ فِيهَـاأَنَّ النَّفْـسَ بِالنَّفْـسِ ... " بدلائـل مـن شـريعتنا ، لأن بعـض النـاس يدعـي أن القصـاص فـي الجـروح والأعضـاء ، ليـس شـرعًا لنـا ، وإنمـا هـو شـرع مَـن قبلنـا فـلا يلزمنـا .
وهـذا وهـم محـض لا يقـوم علـى حجـة أو برهـان .
* شـرع مـن قبلنـا هـو الهـدي الـذي أُنـزل علـى رسـل الأمـم السـابقة عليهـم السـلام ، كالتـوراة ،والزبـور ، والإنجيـل .
يطلـق علـى الاسـتصحاب : العـدم الأصلـي ، أو البـراءة الأصليـة ، أو الإباحـة العقليـة .التأسيس ... / ص : 428 .
أنـــواع الاسـتصحاب :
قسـم أهـل العلـم مـن الأصولييـن الاسـتصحاب إلـى أربعـة أنـواع :
إذا فُقِـدَ الدليـل مـن الكتــاب أو السـنة أو الإجمــاع أو قــول الصحابـي علـى مسـألة بعينهـا ، أو فُقِـدَ القيـاس علـى جنـس المسـألة ، حينئـذ شُـرِع للمجتهـد أن يسـتصحب البـراءة الأصليـة .
ومعنـى البــراءة : أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليـف والحقـوق ، حتـى يأتـي دليـل بإشـغاله ، وليـس معنـى أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليــف أن مـا لـم يــردْ فيـه دليـل بالعيـن أو الجنـس أنـه مبـاح
حينمـا يُحتـج بالبـراءة الأصليـة علـى إطلاقهـا ، يلـزم ألا يوجـد مُعَـارِض ـ ولـو فـي قـول بعـض الفقهـاء ـ لهـذا الأصـل .
مثـــال :
1 ـ أن تكـون المسـألة نافعـة إمـا بجلـب نفـع أو دفـع ضُـر .
أطلـق بعـض أهـل العلـم عليهـا الاسـتصلاح أو المرسـل .
سـميت بالمصالـح : لأن المصلحـة المنفعـة ، سـواء كانـت عائـدة بالنفـع الحقيقـي ، أو بالنفـع حكمًـا أي بدفـع الضـرر
هـي حُجـة بالشـروط السـابقة ، سـواء قيـل إنهـا أصـل مسـتقل أو غيـر مسـتقل .
المصالـح المرسـلة هـي المسـألة النافعـة للنـاس ، والضروريـة لهـم ، والتـي لـم يـرد عـن الشـارع اعتبـار لهـا أو إلغـاء بعينهـا ، ولكـن شـهدت لهـا أصـول الديـن العامـة .
لقـد جـاء الإسـلام حامـلًا رايـة التخفيـف ورافعًـا الحـرج عـن الأمـة المسـلمة ، لينقلهـا مـن الظلمـات إلـى النـور .
أنـــواع العـــرف :
والعـرف قـد يكـون قوليًّــا أو عمليًّـا ، والعـرف بنوعيـة القولـي والعملـي قـد يكـون عامًّـا أو خاصًّـا ، وهـو بجميـع هـذه الأنـواع قـد يكـون صحيحًـا أو فاسـدًا .
تقســـيم عـــام :
أ ـ العـرف القولـي :
( 1 ) لفظ " ولد " : وهو في الأصل اللُّغَوِي صادق على البنين والبنات كما في قوله تعالى :
أمـا فـي لغـة العـرب المقصـود بالحـوت " السـمك " الكبيــر منـه والصغيـر ، الـذي يلـد والـذي يبيـض .
ولكـن الحـوت الـذي التقـم نبـي الله يونـس هـو ذلـك الحيـوان المائـي الضخـم .
عنـد تسـمية المهـر ، وتقديـم بعضـه ، وتأخيـر البعـض الآخـر لأجـل غيـر مسـمى ، فـإن هـذا الأجـل يرجـع إلـى العـرف والعـادة عنـد المتعاقديـن ، فجـرت العـادة مجـرى الشـرط . إلا إذا سـمى المتعاقـدان أجـل أو وقـت تمكيـن المـرأة مـن هـذا المؤجـل ، فهنـا يقـدم مـا صرحـا بـه علـى مـا جـرى عليـه العـرف ، لأن العـرف ضمنـي والاتفـاق صريـح ، والصريـح مقـدم علـى الضمنـي .
أولاً : الأعـراف العامـة والخاصـة :
اعتبـر العلمـاء العـرف أصـلاً من أصـول الاسـتنباط ، ولهـذا كـان مـن قواعدهـم : " العـادة مُحَكَّمَـة " ، وهـذه القاعـدة هـي إحـدى القواعـد الخمـس الكبـار التـي ذكـروا أن الفقـه كلـه ينبنـي عليهـا(1) وممـا يتفـرع عنهـا ، قاعـدة : " المعـروف عرفًـا كالمشـروط شـرطًا " ، وهـذا يبيـن مـدى اعتدادهـم بالعـرف الـذي عليـه النـاس .المرتقى الذلول ... / ص : 265 .
مـن كتـاب الله :
".. فَكَفَّارَتُـهُ إِطْعَـامُ عَشَـرَةِ مَسَـاكِينَ مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ ..." .ورة المائدة / آية : 89 .
فـإن الحكـم هنـا عُلِّـق علـى لفـظ " الإطعـام " ، ولـم يبيـن لنـا المقـدار ، ولا النـوع .
يشـترط فـي العـرف لاعتبـاره ، وبنـاء الأحكـام عليـه مـا يأتـي
العـادة : هـي الشـيء المألـوف سـواء كـان فـي فـرد أو جماعـة
العـرف : هـو الشـيء المألـوف فـي جماعـة .
معنــى العــرف والعــادة عنــد الفقهــاء :
الفقهـاء لا يفرقـون فـي المعنـى بيـن العـرف والعـادة .
( 1 ) لا يعني التأسيس : أي لا يعني معنى مستقل غير كلمة عرف ولكنه تأكيد لكلمة عرف . فمعناها عندهم واحد . أي العرف والعادة عندهم مترادفان .
ـ الإجمـاع : يخـص طائفـة معينـة مـن النـاس وهـم المجتهـدون .
المصـــدر العاشـــر : ســد الذرائــع
ـ الذريعـة فـي اللغـة : بعيـر أو ناقـة كـان الصيـاد يطلقـه بيـن الوحـش فـي الصحـراء ، حتـى إذا اطمأنـت الوحـش إليـه سـار الصيـاد بجانبـه (1) متخفيًـا حتـى يبلـغ مـن الصيـد حاجتـه .
لسان العرب .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 .
ـ اصطلاحًــا :
الذريعــة : هـي الأمـر المبـاح ظاهـرًا مـن حيـث الأصـل ، لكـن يُتوصـل بـه إلـى حصـول أمـر محـرم .
وسـد الذرائـع : هـو منـع الأمـر المبـاح الـذي يُتوصـل بـه إلـى المحـرم ، سـواء قصـد بـه فاعلـه الوصـول إلـى المحـرم ( كالْحِيَـل (2) علـى المحرمـات ) ، أو لـم يقصـد ذلـك ، فيُمنـع لئـلا يتوصـل بـه إلـى المحـرَّم غيـره مـن النـاسِ .
ومـن هنـا جـاء التعبيـر بـ ( سـد ) الذرائـع ، لأنـه بمعنـى سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 .
( 1 ) بجانبه : أي بجانب الذريعة .
( 2 ) الحيلة : هي الوسيلة المباحة في ذاتها ، التي تفضي إلى غير ظاهرها قصدًا .
ومثالها : من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح .فتح الباري ... / ج : 12 / ( 90 ) ـ كتاب : الحِِيَل / 1 ـ باب ... / ص : 344 / بتصرف .
ثـم اسـتعملت " الذريعـة " بعـد ذلـك فـي كـل أمـر ظاهـر السـلامة يُتَوصـل بـه إلـى المقصـود .
ومـن كـلام العـرب : تذرَّعْـتُ بكـذا إلـى كـذا ، أي اتخذتُـهُ وسـيلة إليـه .
سـد الذرائـع : الذرائـع هـي الوسـائل ؛ والذريعـة : هـي الوسـيلة والطريـق إلـى الشـيء ، سـواء أكـان هـذا الشـيء مفسـدة أو مصلحـة ، قـولاً أو فعـلاً . ولكـن غلـب إطـلاق اسـم " الذرائـع " علـى الوسـائل المفضيـة إلـى المفاسـد .
فـإذا قيـل : هـذا مـن بـاب سـد الذرائـع ، فمعنـى ذلـك : أنـه مـن بـاب منـع الوسـائل المؤديـة إلـى المفاسـد . أي سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 244 / بتصرف .
· أقســـام الأفعــال المؤديــة إلـى مفاســد :
أ ـ أفعـال فاسـدة محرمـة بذاتهـا مفضيـة إلـى الشـر :
فهـذه بطبيعتهـا تـؤدي إلـى الشـر والضـرر والفسـاد ، كشـرب المسـكر المفسـد للعقـول ، والقـذف الملـوث للأعـراض ، والزنـا المفضـي إلـى اختـلاط الأنسـاب .
ولا خـلاف بيـن العلمـاء فـي منـع هـذه الأفعــال ، وهـي فـي الحقيقـة لا تدخــل فـي دائـرة سـد الذرائـع التـي نتكلـم عنهـا ، لأنهـا محرمـة لذاتهـا .
ب ـ أفعـال مباحـة جائـزة مُفْضيـة إلـى مفاسـد :
الأفعـال المباحـة الجائـزة ولكنهـا مفضيـة إلـى مفاسـد أنـواع ، وهـي :
النـوع الأول :
مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة نـادرًا وقليـلاً ، فتكـون مصلحتـه هـي الراجحـة ، ومفسـدته هـي المرجوحـة . كالنظـر إلى المخطوبـة (1) ؛ والمشـهود عليهـا ـ أمـام القضـاء ـ ، وزراعـة العنـب (2) .
فـلا تمنـع هـذه الأفعـال بحجـة مـا قـد يترتـب عليهـا مـن مفاسـد ، لأن مفسـدتها مغمـورة فـي مصلحتهـا الراجحـة .
( 1 ) قال الشيخ الألباني :
لا يجوز إعادة وتكرار النظر إلى المرأة ، إلا في النظر إلى المخطوبة .فتاوى الإمارات / للشيخ الألباني .
( 2 ) قد تؤدي زراعة العنب إلى استخدامه لصناعة الخمر .
النـوع الثانـي :
مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة كثيـرًا ، فمفسـدته أرجـح مـن مصلحتـه .كبيـع السـلاح فـي أوقـات الفتـن ـ لئـلا يفضـي ذلـك إلـى كثـرة القتـل ـ .
وبيـع العنـب ، فبيـع العنـب حـلال ـ فـي حـد ذاتـه ـ أمـا بيعـه لمـن عُـرف عنـه الاحتـراف بعصـره خمـرًا ، فحـرام .
وكذلـك سـب آلهـة المشـركين ، فهـذا أمـر مسـتحب ، ولكـن سـبهم فـي وجـود المشـركين قـد يـؤدي إلـى سـب رب العـزة تبـارك وتعالـى ، فمنعـت لهـذا التعلـق .
فتلـك وسـائل مباحـة ، لكنهـا تعلقـت بأمـور خارجيـة وبسـببها تفضـي إلـى مفاسـد فمنعـت .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 245 / بتصرف .
عــدم التوســع فـي ســد الذرائــع :
الذيـن قالـوا بسـد الذرائــع لـم يجيـزوا التوسـع فـي سـدها ، لأن ذلـك يـؤدي إلـى حــرج علـى النـاس عظيـم ، فـلا يفتَـى بسـد الذرائـع إن كـان الإفضـاء إليهـا (1) نـادرًا أو قليـلاً ، كمـن يفتـي بتحريـم زراعـة العنـب بالكليـة لئـلا تُعْصَـر منـه الخمـر ، وكمـن يفتـي بتحريـم أكـل طعـام الكفـار خشـية أن يكـون فـي طعامهـم لحـم الخنزيـر .
فـلا يجـوز الإفتـاء بسـد ذريعـة إلا فيمـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة غالبًـا ، بحيـث يغلـب علـى الظـن إفضـاؤه إليهـا أو يكـون إفضـاؤه إليهـا كثيـرًا .
ثـم لا يكـون سـد الذريعـة شـاملاً عامـًا لكـل صـور المحكـوم فيـه وكـل أحوالـه ، بـل بالقـدر الـذي تنـدرئ بـه المفسـدة ، وإذا زالـت الخشـية زال الحظـر ، والله أعلـم .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 162 .
( 1 ) إليها ---> الضمير يعود على المفسدة ، أي إذا كان الإفضاء إلى المفسدة نادرًا .
حُجِّيــة القــول بســد الذرائــع :
ـ قـال تعالـى " وَلاَ تَسُـبُّواْ الَّذِيـنَ يَدْعُـونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُـبُّواْ اللهَ عَـدْوًا بِغَيْـرِ عِلْـمٍ ...".سورة الأنعام / آية : 108 .
ووجـه الاسـتدلال ، أن سـب الآلهـة عبـادة ، ولكـن مُنِعَـتْ فـي المواطـن التـي يُـرَدّ علـى هـذا السـب بِسـبِّ رب العـزة سـبحانه وتعالـى ، لأن تـرك السـب فـي تلـك المواطـن مصلحـة راجحـة .
ـ قـال تعالـى " ... لاَ تَقُولُـواْ رَاعِنَـا وَقُولُـواْ انظُرْنَـا ... ".سورة البقرة / آية : 104 .
نهـى الله عـز وجـل المؤمنيـن أن يقولـوا " راعنـا " مـع قصدِهُـمُ الحَسَـن ، منعًـا لذريعـة التشـبه باليهـود الذيـن كانـوا يريـدون بهـا شـتم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
التأسيس ... / ص : 458 .
ونهـى الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يقضـي حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان لأن الحُكْـم وهـو غضبـان ذريعـة إلـى مفسـدة الجَـوْر فـي الحُكـم مـن حيـث لـم يقصـد
قـال البخـاري فـي صحيحـه :
حدثنـا آدم ، قـال : حدثنـا شـعبة ، قـال : حدثنـا عبـد الملـك بـنُ عُميـرٍ ، قـال : سـمعتُ عبـد الرحمـن ابـن أبـي بَكْـرَةَ ، قـال : كتـبَ أبـو بكـرة إلـى ابنـه وكـان بسـجسـتان بـأن لا تقضِـيَ بيـن اثنيـن وأنـت غضبـان فإنـي سـمعتُ النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول :
" لا يقضيـن حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان " .
صحيح البخاري . متون / ( 93 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 13 ) ـ باب : هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟ / حديث رقم : 7158 / ص : 832 . دار ابن الهيثم .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 160 / بتصرف .
فتــح الذرائــع :
سـد الذرائـع كمـا تقـدم هـو منـع المبـاح متـى كـان يـؤدي إلـى مفسـدة .
وعكسـه : فتـح الذرائـع ، أي : إباحـة ارتكـاب المحـرم إن كـان تركـه - أي ترك ارتكاب المحرَّم- يـؤدي إلـى ضـرر أعظـم .
وقـد قـال بفتـح الذرائـع القائلـون بسـدها ، لأن الأمريـن مـن بـاب واحـد .
ومِـنْ فَتْـح الذرائـعَ :
إجـازة دخـول منـزل الغيـر بغيـر إذنـه لإطفـاء حريـقٍ أو منـع جريمـة .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 163 .
* القصـاص شُـرع لمصلحـة حفـظ النفـوس ؛ [ رغـم أن القتـل محـرم ، لكنـه أبيـح هنـا لمصلحـة حفـظ النفـوس الأخـرى ] ، قـال تعالـى " وَلَكُـمْ فِـي الْقِصَـاصِ حَيَـاةٌ يَـاْ أُولِـيْ الأَلْبَـابِ ... " . سورة البقرة / آية : 179 .
* * *
* *
المصـــدر الحـــادي عشــر : الاجتهـــاد
تعريفـــه :
ـ الاجتهـاد لغـة : بـذل الجهـد لإدراك أمـر شـاق .
الاجتهـاد اصطلاحًـا : بـذل الجهـد لإدراك حكـم شـرعي .
والمجتهـد : مـن بـذل جهـده لذلـك .
فالاجتهـاد فـي الشـرع :
أن يبـذل الإنسـان طاقتـه ووسـعه لإدراك حكـم شـرعي ، وعليـه ، فمـن أخـذ كتابًـا ونظـر فيـه وحكـم بمـا يقتضيـه هـذا الكتـاب فليـس بمجتهـد ، بـل هـذا مُقَلِّـد لأنـه قَلَّـد صاحـب الكتـاب .
ومـن راجـع الكتـب وبحـث مـع العلمـاء فـي حكـم المسـألة حتـى أوصلـه ذلـك البحـث مـع العلماء ومراجعـة الكتـب إلـى إدراك الحكـم ، فهـذا يسـمى مجتهـدًا ؛ لأنـه بـذل جهـدًا لإدراك هـذا الأمـر والمجتهـد فـي الحقيقـة هـو العالـم .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 626 .
شــروط الاجتهــاد :
1 ـ أن يعلـم مـن الأدلـة الشـرعية مـا يحتـاج إليـه فـي اجتهـاده ، كآيـات الأحكـام وأحاديثهـا .
2 ـ أن يعـرف مـا يتعلـق بصحـة الحديـث وضعفـه ، كمعرفـة الإسـناد ورجالـه وغيـر ذلـك .
3 ـ أن يعـرف الناسـخ والمنسـوخ ، ومواقـع الإجمـاع ، حتـى لا يحكـم بمنسـوخ أو مخالـف للإجمـاع .
4ـ أن يعـرف مـن الأدلـة مـا يختلـف بـه الحكـم مـن تخصيـص أو تقييـد أو نحـوه ؛ حتـى لا يحكـم بمـا يخالـف ذلـك .
5 ـ أن يعـرف مـن اللغـة وأصـول الفقـه مـا يتعلـق بـدَلالات الألفـاظ كالعـام والخـاص والمطلـق والْمُقَيَّـد ، والمُجْمَـل والمبيَّـن ، ونحـو ذلـك ، ليحكـم بمـا تقتضيـه تلـك الـدلالات
6 ـ أن يكـون عنـده قـدرة يتمكـن بهـا مـن اسـتنباط الأحكـام مـن أدلتهـا .
وهـذا الشـرط هـو الثمـرة ، فقـد يكـون الإنسـان عنـده كـل مـا سـبق مـن الشـروط ، لكـن لا يسـتطيع أن يسـتنبط ، بـل هـو مقلـد ، يقـول مـا قالـه غيـره .
والنـاس فـي هـذه المسـألة يتباينـون تباينًـا عظيمًــا ، فتجـد بعـض النـاس يسـتنبط مـن الحديـث
الواحـد عـدة مسـائل ، وآخــر لا يسـتنبط منـه إلا مسـائل قليلـة ، أو لا يسـتنبط منـه إلا المسـألة
التـي هـي ظاهـر الكـلام فقـط .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 627 : 632 .
حكـــم الاجتهــاد :
الاجتهـاد واجـب علـى مـن كـان أهـلاً لـه بـأن قامـت فيـه مَلَكَـةُ الاجتهـادِ وتهيـأت لـه أسـبابه ووسـائله .
وعلـى المجتهـد أن يصـل إلـى الحكـم الشـرعي بطريـق النظـر والبحـث فـي الأدلـة ، ومـا يـؤدي إليـه اجتهـاده هـو الحكـم الشـرعي فـي حقـه ، الواجـب اتباعـه ، فـلا يجـوز لـه تركـه تقليـدًا لغيـره . وهـو إن أصـاب فـي اجتهـاده فلـه أجـران ، وإن أخطـأ فلـه أجـر واحـد .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 405 .
* فعـن عمـرو بـن العـاص أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب ، فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر " .صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .
فائـــدة :
وإذا اجتهـد المجتهـد ونظـر فـي الأدلـة وفـي أقـوال العلمـاء ، ولكـن لـم يتبيـن لـه الحكـم ، وجـب عليـه أن يتوقـف ولا يحكـم باجتهـاده ، وفي هـذه الحـال يجـوز أن يقلـد للضـرورة ؛ لقولـه تعالـى "... فَمَـنِ اضْطُـرَّ فِـي مَخْمَصَـةٍ غَيْـرَ مُتَجَانِـفٍ لإِِّثْـمٍ فَـإِنَّ اللهَ غَفُـورٌ رَّحِيـمٌ " .سورة المائدة / آية : 3 .
ولقولـه تعالـى " ... فَاسْـأَلُواْ أَهْـلَ الذِّكْـرِ إِن كُنتُـمْ لاَ تَعْلَمُـونَ " . سورة الأنبياء / آية : 7 .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 634 .
تغيــر الاجتهـــاد ونقضــه :
الاجتهـاد مبنـاه النظــر واسـتفراغ الوسـع والطاقــة للوصـول إلـى الحكـم الشـرعي ، فـإذا بحـث المجتهـد فـي مسـألة ، وأمعـن النظـر فيهـا ، وبـذل غايـة جهــده حتـى توصـل إلـى حكـم فـي هـذه المسـألة ، كـان هـذا الحكـم هـو الواجـب فـي حقـه ، وهـو الـذي يفتـي بـه ، ولكـن إذا تغيـر اجتهـاده فـي هـذه المسـألة ذاتهـا ، فعليـه أن يعمـل بمقتضـى اجتهـاده الجديـد ، ويفتـي بـه ويتـرك قولـه الأول .
وإذا كـان المجتهـد حاكمًـا ، وقضـى فـي مسـألة بحكـم معيـن حسـب اجتهـاده ، فـلا يجـوز لحاكـم آخـر نقـض هـذا الاجتهـاد ، لأن القاعـدة : أن الاجتهـاد لا ينقـض بمثلـه .
ولكـن لـو عرضـت مسـألة أخـرى مثـل الأولـى علـى الحاكـم نفسـه ، وبـدا لـه رأي جديـد فـي هـذه المسـألة ، فـإن عليـه أن يحكـم باجتهـاده الجديـد ، أمـا مـا حكـم بـه أولاً ، فـلا ينتقـض بـل يمضـي وهـذا يعنـي أن السـوابق القضائيـة لا تفيـد القاضـي المسـلم ، وعلـى هـذا دَلَّ عمـل القضـاة فـي الإسـلام .
مـن ذلـك " أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ قضـى فـي المسـألة الحجريـة فـي الميـراث بعـدم توريـث أولاد الأبويـن ، ثـم عرضـت لـه نفـس المسـألة مـن بعـد فقضـى بتوريـث أولاد الأبويـن مـع الأولاد لأم ، فاعتـرض عليـه أصحـاب القضيـة الأولـى ، فقـال : ذلـك مـا قضينـا وهـذا علـى مـا نقضـي " (1) .
أمـا إذا كـان الاجتهـاد مخالفًـا للنـص القطعـي ، فإنـه ينقـض ولا عبـرة بـه ، إذ ليـس هـو فـي الحقيقـة اجتهـادًا .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 .
( 1 ) ننبه على عدم ثبوت هذا الأثر ، ولكن ذُكِر فقط لتقريب المعنى وللتنبيه على ضعفه لشهرته على الألسنة .
فالأثر
ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل ... / ج : 6 / حديث رقم : 1693 / ص
: 133 .
ومع ضعف الأثر ، لكن الحكم صحيح عند أهل العلم . فيرث الإخوة والأخوات الأشقاء بالاشتراك مع الإخوة لأم على الفرض المقدر لهم
شرعًا ، وذلك إذا لم يبق شيء من التركة للأشقاء ليرثونه بطريق التعصيب .
ومن أراد تفصيل المسألة ، فليرجع إلى بحث : " موسوعة علم الفرائض / ج : 1 / الطبعة الثانية / ص : 118
( المسألة المشتركة ) .
تَجَــزُّء الاجتهــاد :
ـ معنـى تجـزء الاجتهـاد :
هـو كـون العالـم مجتهـدًا فـي مسـألة دون غيرهـا ، أي أن يكـون قـادرًا علـى الاجتهـاد فـي بعـض المسـائل دون البعـض نظـرًا لتوفـر وسـائل الاجتهـاد لـه فـي هـذه المسـائل ، كمـن أحـاط بجميـع أدلـة علـم الميـراث ونصوصـه ومـا ورد فيـه مـن السـنة ومـن أقـوال العلمـاء ، فـإن لـه أن يجتهـد فـي هـذه المسـائل ، وإن كـان غيـر قـادر علـى الاجتهـاد فـي غيرهـا ، لعـدم توفـر وسـائل الاجتهـاد عنـده فيهـا .
وذهـب بعـض العلمـاء إلـى منـع تجـزء الاجتهـاد ، والقـول الأول هـو الراجـح ، وتـدل عليـه سـير المجتهديـن القُدامـى ، فقـد كـان أحدهـم يُسْـأل عـن مسـائل كثيـرة فـلا يجيـب إلا عـن بعضهـا ، ويتوقـف عـن الباقـي ، ويقـول : لا أدري .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 .
قـال الشـيخ العثيميـن ـ رحمه الله ـ فـي شـرح الأصـول مـن علـم الأصـول / ص : 632 :
والصحيـح أن الاجتهـاد يتجـزأ فيكـون فـي بـاب واحـد مـن أبـواب العلـم مثـل علـم الفرائـض ، أو فـي مسـألة مـن بـاب مـن أبـواب العلـم مثـل مسـألة المسـح علـى الخفيـن .
ولكنـه لا يكـون مجتهـدًا فـي غيـر ذلـك . ا . هـ / بتصرف .
فائـــدة :
إذا أفتـى الحاكـم النـاس بـدون اجتهـاد ، فهـو آثـم وإن أصـاب الحـق .
قـال شـيخ الإسـلام ـ ابـن تيميـة ـ فـي : القواعـد النورانيـة / ص : 206 : ..... لـو حكـم الحاكـم بغيـر اجتهـادٍ فإنـه آثـم وإن كـان صـادف الحـق ا . هـ .التأسيس ... / ص : 490 .
* * * * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق