الخميس، 11 ديسمبر 2025

05 - اليوم الآخر

 

التميز بين الخلق والصِّراطُ

الكفار والمشركون  يدخلون جهنم جماعات قبل نصب الصراط.

قال ابنُ رَجَبٍ: اعلَمْ أنَّ النَّاسَ مُنقَسِمونَ إلى مُؤمِنٍ يَعبُدُ اللهَ وحدَه ولا شَريكَ به شَيئًا، ومُشرِكٌ يَعبُدُ مَعَ اللهِ غَيرِه، فأمَّا المُشرِكونَ فإنَّهم لا يَمرُّونَ على الصِّراطِ إنَّما يَقَعونَ في النَّارِ قَبلَ وضعِ الصِّراطِ .ا.هـ. التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار.ص: 235.

فكُلُّ فرقةٍ من الكُفَّارِ والمُشرِكينَ تَتبَعُ ما كانت تَعبُدُ في الدُّنيا، فتَرِدُ النَّارَ مَعَ مَعبودِها، ولا يَبقى بَعدَ ذلك إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ وحدَه في الظَّاهرِ سَواءٌ كان صادِقًا أو مُنافِقًا من هذه الأمَّةِ وغَيرِها، ثُمَّ يَتَمَيَّزُ المُنافِقونَ عن المُؤمِنينَ بامتِناعِهم عن السُّجودِ، وكَذلك يَمتازونَ عنهم بالنُّورِ الذي يُقسَمُ للمُؤمِنينَ . القيامة الكبرى؛ لعمر الأشقر :ص: 275. ويُنظر: التخويف من النار لابن رجب:ص: 236-239.الدرر السنية/الموسوعة العقدية.  

"...... يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا،..."الحديث. متفق عليه.

دلت السنة الصحيحة على أن الأمم تدعى يوم القيامة لتتبع من كانت تعبد، فمن كان يعبد الحجر أو الشجر، تبع الحجر أو الشجر، وألقوا في النار. ولا يبقى إلا أهل التوحيد وفيهم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام كذبا ورياءً، فيأتيهم الله تعالى وهم في هذا الموقف، فيخر له من كان يسجد في الدنيا ، إخلاصًا لا نفاقًا. ولا يتمكن المنافق من السجود.

روى البخاري :4919: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ" سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ" يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا " .ورواه مسلم (183) مطولا، وفيه:حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُد .قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ .فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ ، لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ .فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ .

فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ؛ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ  ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ... الحديث. الراوي : أبو سعيد الخدري -صحيح مسلم

قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله:

"وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُيِّزُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالسُّجُودِ، قَالَ اللَّهُ" يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ "القلم: 43 .

وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ، خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، وَدُعِيَ الْمُنَافِقُونَ إِلَى السُّجُودِ ، فَأَرَادُوهُ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، عُقُوبَةً لِتَرْكِهِمُ السُّجُودَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ" وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ" القلم: 43 ؛ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، "وَهُمْ سَالِمُونَ "القلم: 43.- أي سالمون -  مِمَّا حَدَثَ فِي ظُهُورِهِمْ، مِمَّا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السُّجُودِ" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" :1/ 296..الإسلام سؤال وجواب.

عظم شأن الصلاة في الآخرة:

فقد ورد في الحديث الطويل "إذَا أرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَن أرَادَ مِن أهْلِ النَّارِ، أمَرَ اللَّهُ المَلَائِكَةَ: أنْ يُخْرِجُوا مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فيُخْرِجُونَهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بآثَارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتَحَشُوا فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ...." الراوي : أبو هريرة وأبو سعيد الخدري -صحيح البخاري.

"إنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِن أيْلَةَ مِن عَدَنٍ والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَذُودُ عنْه الرِّجالَ كما يَذُودُ الرَّجُلُ الإبِلَ الغَرِيبَةَ عن حَوْضِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟ قالَ: نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ." الراوي : حذيفة بن اليمان - صحيح مسلم.

 

الصراط :

 إنَّ من أُمور الغيبِ التي تقعُ في ذلك اليومِ ويجبُ الإيمانُ بها: الصراط، وهو جسرٌ مَمدودٌ على مَتْنِ جهنم، يَرِدُهُ الأولون والآخرون، وهو طريقُ أهلِ المحشرِ لدخولِ الجنةِ، وقد دلَّت الأدلةُ من الكتابِ والسُّنةِ على إثباته، قال تعالى" وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا "مريم: 71، 72، فقد ذهبَ أكثرُ المفسِّرين أنَّ المقصود بوُرودِ النار هُنا: المرور على الصراط، وهو منقولٌ عن ابنِ مسعود وابن عباس وغيرهما.

وهذا الجسر أو الصراط مظلم شديد الظلمة؛ ويدل على ذلك : سأل يهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيْنَ يَكونُ النَّاسُ يَومَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسَّمَوَاتُ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ قالَ: فمَن أوَّلُ النَّاسِ إجَازَةً؟ قالَ: فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ ..." الحديث . الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -صحيح مسلم .

فدَلَّ ذلك على أن العبور على الصراط يكون في ظلام إلا من أعطاه الله تعالى نورًا يمشي به.

"يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ إلى، أن قال : فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم، وقال : فمنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه فوقَ ذلك، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ، ومنهم مَن يُعْطَى دون ذلك بيمينِه، حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه، يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفِئُ مَرَّةً، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه، وإذا طَفِئَ قام، قال فيَمُرُّ ويَمُرُّونَ على الصراطِ، والصراطُ كحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضٌ، مَزَلَّةٌ، فيُقالُ لهم، امْضُوا على قَدْرِ نورِكم، فمنهم مَن يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوكبِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ ، يَرْمُلُ رَمَلًا، فيَمُرُّونَ على قَدْرِ أعمالِهِم، حتى يَمُرَّ الذي نورُه على إبهامِ قَدَمِه، تَخِرُّ يَدٌ، وتَعْلَقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجْلٌ، وتَعْلَقُ رِجْلٌ، وتُصِيبُ جوانبَه النارُ فيَخْلُصُونَ، فإذا خَلَصُوا قالوا : الحمدُ للهِ الذي نَجَّانا منكِ بعدَ أن أَرَانَاكِ، لقد أعطانا اللهُ ما لم يُعْطَ أَحَدٌ"خلاصة حكم المحدث : صحيح - الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية.

"فيُعْطَون نُورَهم على قدْرِ أعمالِهم" التي كانوا يَعمَلونها في الدُّنيا؛ حتى يَستطِيعوا المُرورَ على الصِّراطِ، "فمِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ الجبَلِ بيْن يدَيْه"، أي: في سَعتِه وارتفاعِه، فيكونُ هذا النُّورُ أمامَهم مُضيئًا لهم على الصِّراطِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه فوقَ ذلك"، أي: يكونُ نُورُه أكبَرَ مِن الجَبلِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ النَّخلةِ بيَمينِه"، أي: عَمودًا مِن النُّورِ مِثلَ النَّخلةِ في يَدِه اليُمنى، "ومِنهم مَن يُعطَى دونَ ذلك بيَمينِه، حتى يكونَ آخِرُ ذلك مَن يُعْطى نُورَه على إبهامِ قدَمِه؛ يُضِيءُ مرَّةً، ويُطفِئُ مرَّةً، فإذا أضاء قدَّمَه، وإذا طفِئَ قام"، أي: ليس نورًا ثابتًا في الإضاءةِ، فإذا أضاء هذا النُّورُ الذي هو على إبهامِه مَشى على الصِّراطِ، وإذا طُفِئَ وقَفَ، ولم يمُرَّ حتى يُضِيءَ مرَّةً أُخرى، فيَمُرَّ على الصِّراطِ، وهذا النُّورُ إنما هو على قدْرِ ما كانوا عليه في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصالحةِ والخيرِ، "قال: فيَمُرُّ ويَمُرُّون على الصِّراطِ"، أي: يَجتازُ الصِّراطَ مَن كان نُورُه على قدْرِ إبهامِه ومَن كانوا أكثَرَ منه نُورًا. وصِفةُ هذا الصِّراطِ: أنَّه "كحَدِّ السَّيفِ" في رِقَّتِه وحِدَّتِه، "دَحْضٌ مَزَلَّةٌ" والدَّحضُ والمَزلَّةُ بمعنًى واحدٍ؛ وهو الموضعُ الذي تَزِلُّ فيه الأقدامُ ولا تَستقِرُّ، ثم يُقال لمَن يَمُرُّ مِن فوقِه: "امْضُوا على قدْرِ نُورِكم"، أي: انْجُوا ومُرُّوا عليه على قدْرِ هذا النُّورِ الذي أخَذْتُموه. فمِن الناسِ مَن يمُرُّ عليه "كانقِضاضِ الكوكبِ"، أي: كسُقوطِه، وفي هذا إشارةٌ إلى سُرعتِه، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالرِّيحِ"، أي: كسُرعةِ الرِّيحِ، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالطَّرْفِ،"، أي: كسُرعةِ طَرْفِ العَينِ، "ومِنهم مَن يمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ، ويَرمُلُ رمَلًا"، أي: يَسيرُ في خُطواتٍ مُتقارِبةٍ، "فيمُرُّون على قدْرِ أعمالِهم، حتى يمُرَّ الذي نُورُه على إبهامِ قَدَمِه: تَخِرُّ يَدٌ، وتَعلَقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجلٌ، وتَعلَقُ رِجلٌ"، أي: فيمُرُّ مِن على الصِّراطِ، فيَسيرُ على قدْرِ هذا النُّورِ؛ فتَضرِبُه النارُ مرَّةً، ويَسِيرُ مرَّةً، وتَسقُطُ إحدى يَدَيْه ويُمسِكُ بالأُخرى، "وتُصِيبُ جَوانِبَه النارُ"، أي: تَلسَعُ النارُ جانِبَيْه، "فيَخلُصُوا، فإذا خَلَصوا قالوا: الحمْدُ للهِ الذي نجَّانا منكِ بعدَ الذي أراناكِ، لقد أعْطَانا اللهُ ما لم يُعطِ أحدًا"، أي: فإذا تَحقَّقوا أنَّهم قد نَجَوا منها يَحمَدون اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمةِ العظيمةِ، ويَتصوَّرون أنَّ أحدًا مِن الناسِ لم يفُزْ بمِثلِها؛ وهذا مِن شِدَّةِ الأهوالِ التي وُصِفَت، وشِدَّةِ الخوفِ مِن السُّقوطِ والخُلودِ في النارِ. الدرر السنية.

"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"النساء: 115.   أي نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه في الدنيا وانتصر به من الأوثان وغيرها. وأصل الصلى: إيقاد النار ولزومها وقت الاستدفاء.

 وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"ثُمَّ يُؤْتَى بالجَسْرِ فيُجْعَلُ بيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، وما الجَسْرُ؟ قالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عليه خَطَاطِيفُ وكَلَالِيبُ، وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ،" صحيح البخاري، وأجمَعَ أهلُ السُّنةِ والجماعةِ على إثباتهِ ووجوبِ الإيمانِ بهِ.

فالصِّراطُ هو جسرٌ يُمَدُّ على ظهرِ جهنَّمَ، يكونُ أحَدَّ مِن السَّيفِ، وأدَقَّ مِن الشَّعَرةِ، يَجتازُه المُسلِمون، ويكونُ هناك تَفاضُلٌ في المرورِ عليه يومَ القيامةِ؛ فالمؤمِنون يَنْجُون مِن السُّقوطِ في جَهنَّمَ، ومِن النَّاسِ مَن يُطرَحُ ويسقُطُ في النَّارِ، فإذا عُوقبوا على ذُنوبِهم أُخرِجوا منها إلى الجنَّةِ، ما لم يَكونوا كافِرينَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أوَّلُ مَن يَجتازُ الصِّراطَ بأمَّتِه، وكلامُ الأنبياءِ يومَئذٍ: اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ.

وصف الصِّراطُ: جِسرٌ مَمْدودٌ على مَتْنِ جَهَنَّمَ أدقُّ مِن الشَّعرِ وأحدُّ مِن السَّيفِ، وفي جَهنَّمَ كَلاليبُ -جمْعُ كَلُّوبٍ، وهو حَديدةٌ مُعوَجَّةُ الرَّأْسِ ذاتُ شُعَبٍ يُعَلَّق بهَا اللَّحْمُ- مِثْلُ شَوْكِ السَّعدانِ، وهو نَبتٌ له شَوْكٌ مِن جَيِّدِ مَراعي الإبلِ، يُضرَبُ به المثَلُ، فتَخطَفُ النَّاسَ بسُرعةٍ، بسَببِ أعمالِهم السَّيِّئةِ، أو على حسَبِ أعمالِهم؛ فمنهم مَن يُوبَقُ، أي: يُهلَكُ، ومنهم مَن يُخَرْدَلُ، أي: يُقطَّعُ صِغارًا كالخَرْدَلِ، والمعنى: أنَّه تُقطِّعُه كَلاليبُ الصِّراطِ حتَّى يَهوِيَ إلى النَّارِ، ثمَّ يُنجِّي اللهُ تعالى منها مَن كان يَعبُدُ اللهَ وحْدَه، وهم المؤمنون الخُلَّصُ؛ إذ الكافرُ لا يَنْجو منها أبدًا وَيبقى خَالِدًا فِيهَا.

قال صلى الله عليه وسلم " يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أوَّلَ مَن يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بأُمَّتِهِ، ولَا يَتَكَلَّمُ يَومَئذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلَامُ الرُّسُلِ يَومَئذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غيرَ أنَّه لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَن يُوبَقُ بعَمَلِهِ، ومِنْهُمْ مَن يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حتَّى إذَا أرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَن أرَادَ مِن أهْلِ النَّارِ، أمَرَ اللَّهُ المَلَائِكَةَ: أنْ يُخْرِجُوا مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فيُخْرِجُونَهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بآثَارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتَحَشُوا فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ ويَبْقَى رَجُلٌ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ وهو آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ مُقْبِلٌ بوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فيَقولُ: يا رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عَنِ النَّارِ، قدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فيَقولُ: هلْ عَسَيْتَ إنْ فُعِلَ ذلكَ بكَ أنْ تَسْأَلَ غيرَ ذلكَ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ، فيُعْطِي اللَّهَ ما يَشَاءُ مِن عَهْدٍ ومِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أقْبَلَ به علَى الجَنَّةِ، رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ، فيَقولُ اللَّهُ له: أليسَ قدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ، أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ الذي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فيَقولُ: يا رَبِّ لا أكُونُ أشْقَى خَلْقِكَ، فيَقولُ: فَما عَسَيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذلكَ أنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ، لا أسْأَلُ غيرَ ذلكَ، فيُعْطِي رَبَّهُ ما شَاءَ مِن عَهْدٍ ومِيثَاقٍ، فيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرَتَهَا، وما فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، فيَقولُ: يا رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فيَقولُ اللَّهُ: ويْحَكَ يا ابْنَ آدَمَ، ما أغْدَرَكَ، أليسَ قدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ، أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ الذي أُعْطِيتَ؟ فيَقولُ: يا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ منه، ثُمَّ يَأْذَنُ له في دُخُولِ الجَنَّةِ، فيَقولُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حتَّى إذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: مِن كَذَا وكَذَا، أقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حتَّى إذَا انْتَهَتْ به الأمَانِيُّ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: لكَ ذلكَ ومِثْلُهُ معهُ" قالَ أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ لأبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ اللَّهُ: لكَ ذلكَ وعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، قالَ أبو هُرَيْرَةَ: لَمْ أحْفَظْ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا قَوْلَهُ: لكَ ذلكَ ومِثْلُهُ معهُ قالَ أبو سَعِيدٍ: إنِّي سَمِعْتُهُ يقولُ: ذلكَ لكَ وعَشَرَةُ أمْثَالِهِ."الراوي : أبو هريرة وأبو سعيد الخدري - صحيح البخاري.

 

عن أبي سعيد الخدري، عَنْ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بقَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيَا، حتَّى إذَا نُقُّوا وهُذِّبُوا أُذِنَ لهمْ بدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في الجَنَّةِ أدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيَا."الراوي : أبو سعيد الخدري -صحيح البخاري.

 

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

04 - اليوم الآخر

 

الميزان 

 إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم يوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .

قال ابنُ القيم في "طريق الهجرتين": "قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: ........ وهذه الموازنة تكون بعد القصاص واستيفاءِ المظلومين حقوقهم من حسناته، فإذا بقي شيء منها وزن هو وسيئاته".ا.هـ.

 الْمِيزَانُ لُغَةً: مَا ‌تُقَدَّرُ ‌بِهِ ‌الْأَشْيَاءُ، خِفَّةً وَثِقَلًا.

 وَشَرْعًا: هُوَ مِيزَانٌ حَقِيقِيٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ يَضَعُهُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِيزَانٌ دَقِيقٌ، لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَلَا يَقْدِرُ قَدْرَ هَذَا الْمِيزَانِ إِلَّا اللَّهُ -سُبْحَانَهُ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَأَقْوَالُ السَّلَفِ: قَالَ -تَعَالَى"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"الْأَنْبِيَاءِ: 47؛ وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ"الْأَعْرَافِ: 8، 9.

الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها "الراوي : أبو مالك الأشعري- صحيح مسلم.

والحمدُ للهِ تَملَأُ الميزانَأي: إنَّها تُوزنُ وتَملأُ الميزانَ بالأجرِ والثَّوابِ، فتُرَجَّحُ كِفَّتُها، وذلك يومَ القيامةِ يومَ تُوزَنُ أعمالُ العبادِ، ويُجازي عليها اللهُ عزَّ وجلَّ، والميزانُ الذي تُوزَنُ به الأعمالُ يَومَ القيامةِ ميزانٌ حَقيقيٌّ لا يُشبِه مَوازينَ الخَلقِ، وهو من أُمورِ الغَيبِ التي يَجِبُ الإيمانُ بها.الدرر السنية.

ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.

والعملُ الصالحُ لا يكون صالحًا على الحقيقة إلا بالتوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا بالطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة أفسدها، كما أن الحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها، وإذا دخل في الصلاة أبطلها، كما قال -تعالى"لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك"الزمر:65.

وهذا مِمَّا يدل على أن الشركَ لا تنفعُ معه الحسنات مهما كثرت؛ ولذلك قالت عائشة -رضي اللهُ عنها : قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ - سلى الله عليه وسلم " لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ". صحيح مسلم.

والمراد بالخطيئة: الشرك؛ لأنه مات كافرًا. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلام.

ملتقى الخطباء/أحمد بن محمد العتيق. 

والحديثُ في حُكمِ انتفاعِ الكافِرِ بأعمالِه الصَّالِحةِ في الآخِرةِ، وأمَّا في الدُّنيا فقد رَوَى مُسلِمٌ في صحيحِه عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مؤمِنًا حسنةً، يُعطى بها في الدُّنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرةِ، لم تَكُنْ له حسنةٌ يُجْزى بها".الدرر السنية.

وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَظيمَ عَدلِ اللهِ سُبحانَه وأنَّه لا يَظلِمُ النَّاسَ شيئًا، وأنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مُؤمنًا حَسنةً، والظُّلمُ يُطلَقُ بمعنى النَّقصِ، وحَقيقةُ الظُّلمِ مُستحيلةٌ مِن اللهِ تعالَى؛ فإنَّه سُبحانه لا يَنقُصُ ثَوابَ حَسنةٍ عَمِلَها المؤمنُ، فإنَّه يُعطَى بِها في الدُّنيا، بأنْ يُوَسِّعَ عليه رِزقَه ويُرَغِّدَ عَيْشَه في الدُّنيا على طاعتِه، مَع ما يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ؛ فَهُو أَحوَجُ ما يَكونُ لِثوابِ تِلك الحَسنةِ، ولا مانعَ مِن جَزائِه بها في الدُّنيا والآخرةِ، وقد يَحفَظُ الجزاءَ كلَّه له للآخرةِ.
ومع المؤمنِ استَعمَلَ لَفظَ الإعطاءِ لِنِعمِ الدُّنيا، ولَفظَ الجزاءِ لِنَعمِ الآخرةِ، وهذا يُشيرُ إلى أنَّ ما يُعطى المؤمنُ مِن النِّعمِ في الدُّنيا ليْس جَزاءً لِحَسناتِه، وإنَّما هو فضْلٌ مِن اللهِ وإحسانٌ إليه، وأنَّ جَزاءَه الأَوفى سيَجِدُه في الآخرةِ.
وأمَّا الكافِرُ وقدْ ماتَ على كُفرِه، فيُطعَمُ بِحَسناتِ ما عَمِلَ بِها للهِ في الدُّنيا، أي: بِما فَعَلَه مُتقرِّبًا بِه إلى اللهِ تَعالى مِمَّا لا تَفتَقِرُ صِحَّتُه إلى النِّيَّةِ، كصِلةِ الأَرحامِ والصَّدقةِ والضِّيافَةِ، فإنَّه لا يُقبَلُ منه؛ لأنَّه لا يَتوَفَّرُ لَدَيْه شَرْطُ قَبولِ العَمَلِ، وهُو الإيمانُ باللهِ، ولكنَّ اللهَ لا يَظلِمُه عَمَلَه، فيُكافِئَه عليه في الدُّنيا، فيُطْعِمَه به مِن غِنًى أو صِحَّةٍ أو أولادٍ أو نحْوِ ذلكَ، حتَّى إذا أَفْضى إلى الآخِرَةِ لم يَكُنْ له حَسنةٌ يُجْزَى بِها؛ لأنَّ حَسناتِه الدُّنيويَّةَ مهْما عَظِمَت فعُقوبةُ الكُفرِ أعظَمُ، فلا جنَّةٌ ولا نَعيمٌ.
وأمَّا إذا فَعَل الكافرُ الحَسناتِ الَّتي لا تَفتقِرُ إلى النِّيَّةِ -كصِلةِ الرَّحمِ والصَّدقةِ وأمثالِها- ثمَّ أسْلَمَ؛ فإنَّه يُثابُ عليها في الآخرةِ؛ لِما في البُخاريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال"إذا أسلَمَ العبدُ فحَسُنَ إسلامُه، يُكفِّرُ اللهُ عنه كلَّ سيِّئةٍ كان زَلَفَها".

قالَ: ما لكَ يا عَمْرُو؟ قالَ: قُلتُ: أرَدْتُ أنْ أشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟...الحديث. الراوي : عمرو بن العاص - صحيح مسلم .
"إِذَا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلَامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بمِثْلِهَا".الراوي : أبو هريرة صحيح البخاري.
عن حكيم بن حزام أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أيْ رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أتَحَنَّثُ بها في الجاهِلِيَّةِ، مِن صَدَقَةٍ، أوْ عَتاقَةٍ، أوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أفيها أجْرٌ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أسْلَمْتَ علَى ما أسْلَفْتَ مِن خَيْرٍ." الراوي : حكيم بن حزام-   صحيح مسلم .
قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنُؤاخَذُ بما عَمِلْنا في الجاهِلِيَّةِ؟ قالَ: مَن أحْسَنَ في الإسْلامِ لَمْ يُؤاخَذْ بما عَمِلَ في الجاهِلِيَّةِ، ومَن أساءَ في الإسْلامِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ".الراوي : عبدالله بن مسعود - صحيح البخاري.
 وقال النووي -رحمه الله-:
المراد بالإحسان هنا: الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًّا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح"الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ"، وبإجماع المسلمين.
والمراد بالإساءة: عدم الدخول في الإسلام بقلبه، بل يكون منقادًًا في الظاهر مظهرًا للشهادتين غير معتقد للإسلام بقلبه، فهذا منافق باقٍ على كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام وبما عمل بعد إظهارها؛ لأنه مستمر على كفره، وهذا معروف في استعمال الشرع، يقولون: حسُن إسلام فلان: إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص، وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه: إذا لم يكن كذلك -والله أعلم-.ا.هـ.

 وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى .
قال صلى الله عليه وسلم" إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ :فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

قال الخازِنُ: إن قُلتَ: أليسَ اللهُ عزَّ وجَلَّ يَعلَمُ مَقاديرَ أعمالِ العِبادِ؟ فما الحِكمةُ في وزنِها؟ قُلتُ: فيه حِكَمٌ، منها: إظهارُ العَدْلِ، وأنَّ الله عزَّ وجَلَّ لا يَظلِمُ عِبادَه. ومنها: امتِحانُ الخَلقِ بالإيمانِ بذلك في الدُّنيا، وإقامةُ الحُجَّةِ عليهم في العُقبى. ومنها: تَعريفُ العِبادِ ما لهم من خَيرٍ وشَرٍّ وحَسنةٍ وسيِّئةٍ. ومنها: إظهارُ عَلامةِ السَّعادةِ والشَّقاوةِ...تفسير الخازن:2/ 182.ا.هـ.
إن الوزنَ والميزانَ من المواطنِ الرهيبةِ يومَ القيامةِ، يَنْسى فيهِ العبدُ نفْسَهُ وأهلَهُ وأحبابه، ويَنشغلُ بالشيء الذي أمامه.

أقسام الناس عند وزن الأعمال:

ينقسم الناس عند الميزان إلى:

القسم الأول: مَنْ رجحت حسناته على سيئاته: وهذا مِن السعداء المُفْلِحين،  قال الله تعالى"فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"المؤمنون:102. فيكونون في الجنة.
 

القسم الثاني: مَنْ رجحت سيئاته على حسناته:
وهذا وإن كان مسلمًا دخل النار، وهو تحت مشيئة الله عز وجل، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه، ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة، وإن دخل النار، لا يخلد فيها، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.

عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات على الإسلام لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، وقد يدخل النار على قدر تلك الذنوب وقد يغفرها الله له إذا شاء، قال سبحانه" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"النساء:48.

قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَلِمَةً وقُلتُ أُخْرَى: مَن مَاتَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ وقُلتُ أُخْرَى: مَن مَاتَ لا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ الجَنَّةَ".الراوي : عبدالله بن مسعود صحيح البخاري.

" مَن مَاتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ. وقُلتُ أنَا: مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ." الراوي : عبدالله بن مسعود- صحيح البخاري. 

 حَقيقةُ الشِّركِ المُوجِبِ لدُخولِ النارِ: اتِّخاذُ النِّدِّ مع اللهِ؛ سَواءٌ كان هذا النِّدُّ في الرُّبوبيَّةِ أو الأُلوهيَّةِ. ولَمَّا كان الشركُ باللهِ ضِدَّ الإيمانِ بِه؛ قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: مَن ماتَ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا دخَلَ الجنَّةَ، يعني: مَن ماتَ وهو مُؤمنٌ باللهِ مُوحِّدٌ له؛ فهذه خَصْلةُ الإيمانِ التي تُوجِبُ له الجَنَّةَ فيَدخُلُها؛ لأنَّ المُوحِّدِينَ لا بُدَّ لهم مِن دُخولِ الجنَّةَ آخِرَ الأمرِ؛ فمَنْ كانتْ عليه ذُنوبٌ فإمَّا أنْ يَعفوَ اللهُ عنه دونَ حِسابٍ، أو يُحاسِبَه على ما قدَّم ثمَّ يُدخِلَه الجَنَّةَ.الدرر السنية.

وقسمٌ ثالثٌ تتساوى حسناتهم وسيئاتهم، فلا تزيد كفة الحسنات ولو بحسنةٍ واحدةٍ، ولا تزيد كفة السيئات ولو بسيئةٍ واحدةٍ، هؤلاء هم أهل الأعراف؛ يكونون في مكانٍ عالٍ مرتفعٍ يرون النار ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله، وفي النهاية يدخلون الجنة برحمة أرحم الراحمين. وهذا من تمام عدل الله : أنهم لا يتساوون مع أهل الجنة الذين ثقلت كفة حسناتهم في دخول الجنة، بل يتأخرون عنهم كما ذكر الله تعالى شأنهم في سورة الأعراف:
"وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ  وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ  وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ  لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ46 "وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"  47 "وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ "48" أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ  ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ "49.

ومصير أهل الأعراف دخول الجنة. وقد اختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف، وكلها قريبة من بعض وترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله.. قال الطبري: "عن حذيفة أنه سُئِل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلّفت بهم حسناتهم عن النار، قال فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم"ا.هـ..
 وقال ابن القيم: "قيل: هو السور الذي يُضْرب بينهم له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب: باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره الذي يلي الكفار من جهته العذاب. والأعراف جمع عرف وهو المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار..
"ا.هـ..

ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ:
عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما يَرْوِي عن رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالَى، قالَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ عزَّ وجلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، وإنْ هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ سَيِّئَةً واحِدَةً. وفي رواية: وزادَ: ومَحاها اللَّهُ ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ. "الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح مسلم .  
 هل توزن أعمال الكفار أم لا توزن؟ 
الجواب: اختلف العلماء فيها، فمن العلماء من قال: إنها لا توزن أصلاً، ولا حاجة لوزنها، قالوا: لأن الكفار ليس لهم أعمال توزن، والله يقول"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ"الفرقان:٢٣، خاصة من الأعمال الصالحة "فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا"الفرقان:٢٣، لا يستفيدون منها شيئًا، فما دامت هباء منثورًا، فلا يستفيد الكافر منها شيئًا، فما الذي يوزن، كله سيئات فهو يقحم في النار مباشرة.
ومن العلماء من قال: إنها توزن وإن لم يكن له شيء من الحسنات إلا أن سيئات الكفار تختلف ويختلف الناس فيها، فمن الناس من سيئاته أعظم وأكبر من غيره، فهذا يجعل له عقوبة أشد، ومن الكفار من تكون عقوبته أقل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي طالب، حيث أنه عمل أعمالاً فخفف عنه العقوبة يوم القيامة،
"أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبو طَالِبٍ، فَقالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، فيُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي منه أُمُّ دِمَاغِهِ."الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح البخاري.
فدل على أن وجود الوزن أن هؤلاء وهؤلاء يوزنون ولكن شتان بين ميزان أهل الإيمان وميزان الكفار. كتاب شرح لامية ابن تيمية.عمر العيد.
فعليك أنْ تَزِنَ أفعالَكَ وأقوالَكَ بميزانِ الشرعِ رَجَاءَ أن يثقُلَ ميزانُكَ يومَ القيامةِ.

فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا، وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين، وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.