الكفار والمشركون يدخلون جهنم جماعات قبل نصب الصراط.
قال ابنُ رَجَبٍ: اعلَمْ أنَّ النَّاسَ مُنقَسِمونَ إلى مُؤمِنٍ يَعبُدُ اللهَ
وحدَه ولا شَريكَ به شَيئًا، ومُشرِكٌ يَعبُدُ مَعَ اللهِ غَيرِه، فأمَّا
المُشرِكونَ فإنَّهم لا يَمرُّونَ على الصِّراطِ إنَّما يَقَعونَ في النَّارِ
قَبلَ وضعِ الصِّراطِ .ا.هـ. التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار.ص: 235.
فكُلُّ فرقةٍ من الكُفَّارِ والمُشرِكينَ تَتبَعُ ما كانت تَعبُدُ
في الدُّنيا، فتَرِدُ النَّارَ مَعَ مَعبودِها، ولا يَبقى بَعدَ ذلك إلَّا من كان يَعبُدُ
اللهَ وحدَه في الظَّاهرِ سَواءٌ كان صادِقًا أو مُنافِقًا من هذه الأمَّةِ
وغَيرِها، ثُمَّ يَتَمَيَّزُ
المُنافِقونَ عن المُؤمِنينَ بامتِناعِهم عن السُّجودِ، وكَذلك يَمتازونَ عنهم
بالنُّورِ الذي يُقسَمُ للمُؤمِنينَ . القيامة الكبرى؛ لعمر
الأشقر :ص: 275. ويُنظر: التخويف من النار لابن رجب:ص: 236-239.الدرر
السنية/الموسوعة العقدية.
"...... يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ:
مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا،..."الحديث. متفق عليه.
دلت السنة الصحيحة على أن الأمم تدعى يوم القيامة لتتبع من كانت
تعبد، فمن كان يعبد الحجر أو الشجر، تبع الحجر أو الشجر، وألقوا في النار. ولا
يبقى إلا أهل التوحيد وفيهم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام كذبا ورياءً،
فيأتيهم الله تعالى وهم في هذا الموقف، فيخر له من كان يسجد في الدنيا ، إخلاصًا
لا نفاقًا. ولا يتمكن المنافق من السجود.
روى البخاري :4919: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ" سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ" يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ،
فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ
يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ
ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا " .ورواه مسلم (183)
مطولا، وفيه:حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ
إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ
الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ
فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُد
.قَالُوا: يَا رَبَّنَا،
فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ
نُصَاحِبْهُمْ .فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ،
فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ ، لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ
أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ .فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ
بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ .
فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ؛ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ
لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا
يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً ، إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ
أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ ، وَقَدْ
تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ،
فَيَقُولُونَ: أَنْتَ
رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ
عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ،
وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ... الحديث. الراوي : أبو سعيد
الخدري -صحيح مسلم
قال الإمام محمد بن نصر
المروزي رحمه الله:
"وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ
مُيِّزُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالسُّجُودِ، قَالَ اللَّهُ"
يَوْمَ
يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ "القلم: 43 .
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ،
خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، وَدُعِيَ الْمُنَافِقُونَ إِلَى السُّجُودِ ، فَأَرَادُوهُ
، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، عُقُوبَةً
لِتَرْكِهِمُ السُّجُودَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ" وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ" القلم: 43 ؛ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، "وَهُمْ سَالِمُونَ "القلم: 43.- أي سالمون - مِمَّا حَدَثَ
فِي ظُهُورِهِمْ، مِمَّا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السُّجُودِ" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة"
:1/ 296..الإسلام سؤال وجواب.
عظم شأن الصلاة في
الآخرة:
فقد ورد في الحديث
الطويل "إذَا أرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَن أرَادَ مِن أهْلِ
النَّارِ، أمَرَ اللَّهُ المَلَائِكَةَ: أنْ يُخْرِجُوا مَن كانَ يَعْبُدُ
اللَّهَ، فيُخْرِجُونَهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ
بآثَارِ السُّجُودِ،
وحَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ
مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ،
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتَحَشُوا فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ،
فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ...." الراوي : أبو
هريرة وأبو سعيد الخدري -صحيح البخاري.
"إنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِن أيْلَةَ مِن
عَدَنٍ والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَذُودُ عنْه الرِّجالَ كما يَذُودُ
الرَّجُلُ الإبِلَ الغَرِيبَةَ عن حَوْضِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟
قالَ: نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا
مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ." الراوي : حذيفة بن
اليمان - صحيح مسلم.
الصراط :
إنَّ من
أُمور الغيبِ التي تقعُ في ذلك اليومِ ويجبُ الإيمانُ بها: الصراط، وهو جسرٌ
مَمدودٌ على مَتْنِ جهنم، يَرِدُهُ الأولون والآخرون، وهو طريقُ أهلِ المحشرِ
لدخولِ الجنةِ، وقد دلَّت الأدلةُ من الكتابِ والسُّنةِ على إثباته، قال تعالى" وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا "مريم:
71، 72، فقد ذهبَ أكثرُ المفسِّرين أنَّ المقصود بوُرودِ النار هُنا: المرور على
الصراط، وهو منقولٌ عن ابنِ مسعود وابن عباس وغيرهما.
وهذا الجسر أو الصراط مظلم شديد الظلمة؛ ويدل على ذلك : سأل يهودي
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيْنَ يَكونُ النَّاسُ يَومَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ
والسَّمَوَاتُ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ قالَ: فمَن أوَّلُ النَّاسِ إجَازَةً؟ قالَ: فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ ..."
الحديث . الراوي : ثوبان مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم -صحيح مسلم .
فدَلَّ ذلك على أن العبور على الصراط يكون في ظلام إلا من أعطاه
الله تعالى نورًا يمشي به.
"يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ إلى،
أن قال : فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم، وقال : فمنهم مَن يُعْطَى
نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه فوقَ ذلك، ومنهم
مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ، ومنهم مَن يُعْطَى دون ذلك بيمينِه،
حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه، يُضِيءُ مَرَّةً
ويُطْفِئُ مَرَّةً، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه، وإذا طَفِئَ قام، قال فيَمُرُّ
ويَمُرُّونَ على الصراطِ، والصراطُ كحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضٌ، مَزَلَّةٌ، فيُقالُ
لهم، امْضُوا على قَدْرِ نورِكم، فمنهم مَن يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوكبِ، ومنهم مَن
يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كشَدِّ
الرَّحْلِ ، يَرْمُلُ رَمَلًا، فيَمُرُّونَ على قَدْرِ أعمالِهِم، حتى يَمُرَّ
الذي نورُه على إبهامِ قَدَمِه، تَخِرُّ يَدٌ، وتَعْلَقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجْلٌ،
وتَعْلَقُ رِجْلٌ، وتُصِيبُ جوانبَه النارُ فيَخْلُصُونَ، فإذا خَلَصُوا قالوا :
الحمدُ للهِ الذي نَجَّانا منكِ بعدَ أن أَرَانَاكِ، لقد أعطانا اللهُ ما لم
يُعْطَ أَحَدٌ"خلاصة حكم المحدث
: صحيح - الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية.
"فيُعْطَون نُورَهم على قدْرِ أعمالِهم"
التي كانوا يَعمَلونها في الدُّنيا؛ حتى يَستطِيعوا المُرورَ على الصِّراطِ،
"فمِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ الجبَلِ
بيْن يدَيْه"، أي: في سَعتِه وارتفاعِه، فيكونُ هذا النُّورُ أمامَهم
مُضيئًا لهم على الصِّراطِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه فوقَ ذلك"، أي:
يكونُ نُورُه أكبَرَ مِن الجَبلِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ النَّخلةِ بيَمينِه"،
أي: عَمودًا مِن النُّورِ مِثلَ النَّخلةِ في يَدِه اليُمنى، "ومِنهم مَن
يُعطَى دونَ ذلك بيَمينِه، حتى يكونَ آخِرُ ذلك مَن يُعْطى نُورَه على إبهامِ
قدَمِه؛ يُضِيءُ مرَّةً، ويُطفِئُ مرَّةً، فإذا أضاء قدَّمَه، وإذا طفِئَ
قام"، أي: ليس نورًا ثابتًا في الإضاءةِ، فإذا أضاء هذا النُّورُ الذي هو على
إبهامِه مَشى على الصِّراطِ، وإذا طُفِئَ وقَفَ، ولم يمُرَّ حتى يُضِيءَ مرَّةً
أُخرى، فيَمُرَّ على الصِّراطِ، وهذا النُّورُ إنما هو على قدْرِ ما كانوا عليه في
الدُّنيا مِن الأعمالِ الصالحةِ والخيرِ، "قال: فيَمُرُّ ويَمُرُّون على الصِّراطِ"،
أي: يَجتازُ الصِّراطَ مَن كان نُورُه على قدْرِ إبهامِه ومَن كانوا أكثَرَ منه
نُورًا. وصِفةُ
هذا الصِّراطِ: أنَّه "كحَدِّ السَّيفِ"
في رِقَّتِه وحِدَّتِه، "دَحْضٌ مَزَلَّةٌ"
والدَّحضُ والمَزلَّةُ بمعنًى واحدٍ؛ وهو الموضعُ الذي تَزِلُّ فيه الأقدامُ ولا
تَستقِرُّ، ثم يُقال لمَن يَمُرُّ مِن فوقِه: "امْضُوا على قدْرِ نُورِكم"، أي:
انْجُوا ومُرُّوا عليه على قدْرِ هذا النُّورِ الذي أخَذْتُموه. فمِن
الناسِ مَن يمُرُّ عليه "كانقِضاضِ الكوكبِ"،
أي: كسُقوطِه، وفي هذا إشارةٌ إلى سُرعتِه، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالرِّيحِ"،
أي: كسُرعةِ الرِّيحِ، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالطَّرْفِ،"،
أي: كسُرعةِ طَرْفِ العَينِ، "ومِنهم
مَن يمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ، ويَرمُلُ رمَلًا"،
أي: يَسيرُ في خُطواتٍ مُتقارِبةٍ، "فيمُرُّون على قدْرِ أعمالِهم، حتى يمُرَّ الذي نُورُه
على إبهامِ قَدَمِه: تَخِرُّ يَدٌ، وتَعلَقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجلٌ، وتَعلَقُ رِجلٌ"،
أي: فيمُرُّ مِن على الصِّراطِ، فيَسيرُ على قدْرِ هذا النُّورِ؛ فتَضرِبُه النارُ
مرَّةً، ويَسِيرُ مرَّةً، وتَسقُطُ إحدى يَدَيْه ويُمسِكُ بالأُخرى، "وتُصِيبُ جَوانِبَه النارُ"، أي:
تَلسَعُ النارُ جانِبَيْه، "فيَخلُصُوا،
فإذا خَلَصوا قالوا: الحمْدُ للهِ الذي نجَّانا منكِ بعدَ الذي أراناكِ، لقد
أعْطَانا اللهُ ما لم يُعطِ أحدًا"، أي: فإذا
تَحقَّقوا أنَّهم قد نَجَوا منها يَحمَدون اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمةِ
العظيمةِ، ويَتصوَّرون أنَّ أحدًا مِن الناسِ لم يفُزْ بمِثلِها؛ وهذا مِن شِدَّةِ
الأهوالِ التي وُصِفَت، وشِدَّةِ الخوفِ مِن السُّقوطِ والخُلودِ في النارِ. الدرر السنية.
"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"النساء: 115. أي نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه في الدنيا
وانتصر به من الأوثان وغيرها. وأصل الصلى: إيقاد النار ولزومها وقت الاستدفاء.
وقال صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّمَ"ثُمَّ يُؤْتَى بالجَسْرِ فيُجْعَلُ بيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يا
رَسولَ اللَّهِ، وما الجَسْرُ؟ قالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عليه خَطَاطِيفُ وكَلَالِيبُ،
وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بنَجْدٍ، يُقَالُ
لَهَا: السَّعْدَانُ،" صحيح
البخاري، وأجمَعَ أهلُ
السُّنةِ والجماعةِ على إثباتهِ ووجوبِ الإيمانِ بهِ.
فالصِّراطُ هو جسرٌ يُمَدُّ على ظهرِ جهنَّمَ، يكونُ أحَدَّ مِن
السَّيفِ، وأدَقَّ مِن الشَّعَرةِ، يَجتازُه المُسلِمون، ويكونُ هناك تَفاضُلٌ في
المرورِ عليه يومَ القيامةِ؛ فالمؤمِنون يَنْجُون مِن السُّقوطِ في جَهنَّمَ، ومِن
النَّاسِ مَن يُطرَحُ ويسقُطُ في النَّارِ، فإذا عُوقبوا على ذُنوبِهم أُخرِجوا
منها إلى الجنَّةِ، ما لم يَكونوا كافِرينَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
أوَّلُ مَن يَجتازُ الصِّراطَ بأمَّتِه، وكلامُ الأنبياءِ يومَئذٍ: اللَّهمَّ
سلِّمْ سلِّمْ.
وصف الصِّراطُ: جِسرٌ مَمْدودٌ على مَتْنِ جَهَنَّمَ أدقُّ مِن الشَّعرِ وأحدُّ
مِن السَّيفِ، وفي جَهنَّمَ كَلاليبُ -جمْعُ كَلُّوبٍ، وهو حَديدةٌ مُعوَجَّةُ الرَّأْسِ ذاتُ شُعَبٍ
يُعَلَّق بهَا اللَّحْمُ- مِثْلُ شَوْكِ السَّعدانِ، وهو نَبتٌ له شَوْكٌ مِن
جَيِّدِ مَراعي الإبلِ، يُضرَبُ به المثَلُ، فتَخطَفُ النَّاسَ بسُرعةٍ، بسَببِ
أعمالِهم السَّيِّئةِ، أو على حسَبِ أعمالِهم؛ فمنهم مَن يُوبَقُ، أي: يُهلَكُ،
ومنهم مَن يُخَرْدَلُ، أي: يُقطَّعُ صِغارًا كالخَرْدَلِ، والمعنى: أنَّه
تُقطِّعُه كَلاليبُ الصِّراطِ حتَّى يَهوِيَ إلى النَّارِ، ثمَّ يُنجِّي اللهُ
تعالى منها مَن كان يَعبُدُ اللهَ وحْدَه، وهم المؤمنون الخُلَّصُ؛ إذ الكافرُ لا
يَنْجو منها أبدًا وَيبقى خَالِدًا فِيهَا.
قال صلى
الله عليه وسلم " يُضْرَبُ الصِّرَاطُ
بيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أوَّلَ مَن يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ
بأُمَّتِهِ، ولَا يَتَكَلَّمُ يَومَئذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلَامُ الرُّسُلِ
يَومَئذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ
السَّعْدَانِ، هلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ
غيرَ أنَّه لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ
بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَن يُوبَقُ بعَمَلِهِ، ومِنْهُمْ مَن يُخَرْدَلُ
ثُمَّ يَنْجُو، حتَّى إذَا أرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَن أرَادَ مِن أهْلِ
النَّارِ، أمَرَ اللَّهُ المَلَائِكَةَ: أنْ يُخْرِجُوا مَن كانَ يَعْبُدُ
اللَّهَ، فيُخْرِجُونَهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بآثَارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ اللَّهُ
علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ،
فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ
مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتَحَشُوا فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ
كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ
القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ ويَبْقَى رَجُلٌ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ وهو آخِرُ
أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ مُقْبِلٌ بوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فيَقولُ: يا رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عَنِ النَّارِ، قدْ
قَشَبَنِي رِيحُهَا وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا،
فيَقولُ: هلْ عَسَيْتَ إنْ فُعِلَ ذلكَ بكَ أنْ تَسْأَلَ غيرَ ذلكَ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ،
فيُعْطِي اللَّهَ ما يَشَاءُ مِن عَهْدٍ ومِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وجْهَهُ
عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أقْبَلَ به علَى الجَنَّةِ، رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ ما
شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ
قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ، فيَقولُ اللَّهُ له: أليسَ قدْ أعْطَيْتَ
العُهُودَ والمِيثَاقَ، أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ الذي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فيَقولُ: يا رَبِّ لا أكُونُ أشْقَى خَلْقِكَ،
فيَقولُ: فَما عَسَيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذلكَ أنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ، لا أسْأَلُ غيرَ ذلكَ،
فيُعْطِي رَبَّهُ ما شَاءَ مِن عَهْدٍ ومِيثَاقٍ، فيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ
الجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرَتَهَا، وما فِيهَا مِنَ
النَّضْرَةِ والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، فيَقولُ: يا رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فيَقولُ
اللَّهُ: ويْحَكَ يا ابْنَ آدَمَ، ما أغْدَرَكَ، أليسَ قدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ
والمِيثَاقَ، أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ الذي أُعْطِيتَ؟ فيَقولُ: يا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أشْقَى خَلْقِكَ،
فَيَضْحَكُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ منه، ثُمَّ يَأْذَنُ له في دُخُولِ الجَنَّةِ،
فيَقولُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حتَّى إذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ، قالَ اللَّهُ
عزَّ وجلَّ: مِن كَذَا وكَذَا، أقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حتَّى إذَا انْتَهَتْ
به الأمَانِيُّ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: لكَ ذلكَ ومِثْلُهُ معهُ" قالَ أبو سَعِيدٍ
الخُدْرِيُّ لأبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: إنَّ
رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ اللَّهُ: لكَ ذلكَ وعَشَرَةُ
أمْثَالِهِ، قالَ أبو هُرَيْرَةَ: لَمْ أحْفَظْ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا قَوْلَهُ: لكَ ذلكَ ومِثْلُهُ معهُ قالَ أبو سَعِيدٍ:
إنِّي سَمِعْتُهُ يقولُ: ذلكَ لكَ وعَشَرَةُ أمْثَالِهِ."الراوي : أبو هريرة وأبو سعيد الخدري - صحيح البخاري.
عن أبي سعيد الخدري، عَنْ رَسولِ
اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بقَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ
بيْنَهُمْ في الدُّنْيَا، حتَّى إذَا نُقُّوا وهُذِّبُوا أُذِنَ لهمْ بدُخُولِ
الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في
الجَنَّةِ أدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيَا."الراوي : أبو سعيد الخدري -صحيح
البخاري.