39 ـ وَكُلُّ شَرْطٍ لاَزمٌ لِلعَاقِدِ ** في البَيْعِ وَالنِّكاحِ والمَقَاصِدِ
40ـ إِلاَّ شُرُوطًا حَلَّلَت مُحرَّمًا ** أو عَكْسَهُ فَبَاطِلاَتٌ فَاْعلَمَا
لِلعَاقِدِ: اسم فاعل من العقد .
والعقد لغة : الجمع بين أطراف الشيء . ويستعمل في :
الأجسام : كعقد الحبل .
وفي المعني : كعقد النكاح وعقد البيع . ومنه قوله تعالى :
" وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ " . سورة البقرة / آية : 235 .
وقوله تعالى "أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ " .سورة المائدة / آية : 1 .
والمراد بالعقود كل ما يُتفقُ عليه من الأفعال .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
العاقد : هو من يصح منه الإيجاب والقبول ، وهو كل بالغ عاقل رشيد .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : الشيخ عبيد الجابري / ص : 44
البَيْعِ :
هو إعطاءُ المثَمَّنِ وأخذُ الثَّمَنِ ، والشراء ؛ هو إعطاء الثَّمنِ
وأخذُ المثَمَّنِ ، وقد يُطلق أحدهما على الآخر ، ولكن الأصل هو الأول .
النِّكاحِ : هو في الأصل العقد ، ويُطلق على الجماع كنايةً .
والنكاح شرعًا : عقد على استباحة البُضْع قصدًا بوجهٍ شرعيٍّ .
وقولهم " قصدًا " ؛ لإخراج استباحة البُضعِ بملك اليمين ، فإن المقصود الأصلي هو مِلك الرقبة ـ وليس النكاح ـ .
وقولهم " بوجه شرعي " ؛ لإخراج الزنا الحاصل باتفاق الطرفين .
والمعنى
: أن الأصل في الشروط والعقود اللزوم ، فكل شرطٍ وعقدٍ فيه مصلحةٌ للطرفين
أو لأحدهما ، فإنه يكون صحيحًا ، ويَلزَمُ الطرفين الوفاء به ما لم يكن
مخالفًا للشرع بتحليل الحرام أو تحريم الحلال ، فإنه يُحكم عليه
بالبُطْلانِ .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وهذا في جميع المعاملات من بيع وإجارة والعقود الأخرى كالشركات والنكاح والوقف والوصايا . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / ص : 44 .
وهذا أصل كبير وقاعدة كلية في الشروط الصحيحة والشروط الباطلة .رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 43 .
وحاصل كلام الناظم ـ رحمه الله ـ يرجع إلى قاعدتين ذكرهما الفقهاء :
الأولى " أنَّ الشرطَ لازمٌ في العقدِ " .
الثانية : " أنَّ كلَّ شرطٍ باطلٍ لا يصحّ " .
وهاتان القاعدتان مبنيتان على حديثين :
ـ فأما الحديث الأول :
* عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل شرطٍ ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " .
رواه البزار والطبراني . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4530 / ص : 833 .
وهذا ليس
معناه أن كل شرط ليس موجودًا في كتاب الله فهو باطل ، وإنما المقصود كل
شرط يخالف ما نص عليه كتاب الله ، ومنافٍ له ، ومعارض له ، فهو باطل .
فليس
لأحد أن يقول مثلاً : هذا الشرط باطل ، لأنه ليس في كتاب الله ، أي لم
يُنَص عليه في كتاب الله . لا : أنت عليك أن تثبت أن هناك في كتاب الله ما
يَرُدّ هذا الشرط أو يُعارضه أو ينافيه . شرح القواعد الفقهية
ـ وأما الحديث الثاني :
* عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " .
رواه أبو داود . وصححه الألباني في : الإرواء ( 1303 ) ، وفي صحيح الجامعالصغير وزيادته / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6714 / ص : 1138 .
* وعن رافع بن خديج قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم " المسلمون عند شروطهم فيما أُحِلَّ " .
رواه الطبراني . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6715 / ص : 1138 .
* وعن أنس قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم " المسلمون عند شروطهم ، ما وافق الحق من ذلك " .رواه الحاكم . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6716 / ص : 1138 .
وأهم الشروط التي يلزم الوفاء بها شروط النكاح كما قال صلى الله عليه وسلم :
" إن أحقَّ الشروط أن توفوا به ، ما استحللتم به الفروج "
رواه أحمد . عن عقبة بن عامر . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 1547 / ص : 322 .
أنـواع الشروط من حيث الصحة والبطلان :
الشروط في جميع العقود نوعان : صحيحة ، وفاسدة .
* فأما الصحيحة :
فهي كل شرط اشترطه المتعاقدان ، لهما أو لأحدهما فيه مصلحة ، وليس فيه
محذور من الشارع ، ويدخل في هذا جميع الشروط في البيع ، والشروط في الإجارة
والجَعَالة ، والشروط في الرهون والضمانات ، والشروط في النكاح وغيرها من
الشروط على اختلاف أنواعها ، فإنها شروط لازمة للمتعاقِدَيْن ، إذا لم يف
أحدهما بما عليه منها كان للآخر الفسخ .
والشرط إما لفظيٌّ ، وإما عرفي ، وإما شرْعيٌ .
ـ الشرط اللفظي : هو ما اتُّفِقَ عليه لفظًا .
ـ الشرط العرفي
: ما سُكِت عنه ، فيسري ما تعارف عليه الناس . مثل : إذا اشترك شخصان ،
أحدهما برأس المال ، والثاني بإدارة الأعمال - أي بالجهد - ، فالعُرْف
تقسيم الأرباح بنسبة 2 إلى 3 لصاحب رأس المال ، 1 إلى 3 للآخر .
ـ الشرط الشرعي : هو ما فيه نص من الشرع . مثل شروط الإرث : موت الموَرِّث ، وتحقق حياة الوارث حين وفاة الموَرِّث .
· وأما الشروط الفاسدة: فهي التي تضمنت : تحليل حرام أو تحريم حلال .
والشروط
التي هذا شأنها ـ أعني إباحة الحرام أو تحريم الحلال ـ هذه فاسدة ، ثم
منها ما يُفسد العقد ، ومنها ما يَفْسَد بنفسه مع صحة العقد . إذًا الشروط
الفاسدة قسمان :
القسم الأول : ما يفسد العقد مع فساده .
وذلك إذا كان شرط البائع أو المشتري أو أحدهما يعطل ركنًا من أركان العقد فإنه يبطل العقد بالكلية ، كما لو اشترط عليه أن يبيعه مجهولاً يُعلم .
أو
اشترط البائع على المشتري في عقد البيع أن لا يتملَّك السلعة ، وإنما كان
ذلك الشرط الباطل مبطلاً للعقد ، لأنه يناقض ركنه ومقصده الذي لأجله شُرع
العقد .
القسم الثاني : ما يفسد الشرط في نفسه ويبقى العقد صحيحًا :
إذا
كان الشرط لا يبطل العقد صح العقد وبطل الشرط ؛ فلو قال لك شخص : بعتُكَ ـ
هذا البيت ـ على أن لا تؤجره ، ولا تبيعه ، ولا تسكن الطابق العلوي منه ،
قل : جزاك الله خيرًا قبلت ، فهذا شرط فاسد مع صحة العقد ، لأنه ليس له منع
المشتري ، لأنه باعه إياه ، فليس له سلطان عليه بعد البيع .
والغريب أن هذا سائر عند بعض التجار ، يبيعهم سلعة معينة ويشترط ألا يزيدوا كذا ، خذها منه وبع كما شئت أنقص أو زد لا يملك هذا .
منظومة القواعد ... / شرح : د . عبيد الجابري / بتصرف -منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
س " العقد شريعة المتعاقدين " ، هل هذه القاعدة صحيحة ؟
ج : " العقد شريعة المتعاقدين " يلتفت فيها أو يلحظ عليها من جانبين :
الجانب الأول :
أنه ليست هذه القاعدة مطلقة ، بل لابد من تقييدها بعدد من القيود منها :
أن يكون ذلك العقد غير مخالف لشيء من الدين .
الثاني : استعمال لفظة " شريعة " فإنه المراد بالشريعة :
الأمر
الواسع والأحكام العامة ؛ لذلك يقال مثلاً لمورد الماء الكبير ، الذي يرد
عليه جميع الناس في محل واحد في لغة العرب " شريعة " .
فإطلاق
لفظ " الشريعة " على العقود هذا لا يصح من جهة مخالفته للمعنى اللغوي ،
وكذلك من جهة مخالفته للمعنى الشرعي ، فإن لفظة " شريعة " يراد أن تكون
منسوبة للشارع ، والعقود منسوبة للمتعاقدين وليست للشارع .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
o تعقيب :
ــــــــ
الأصل في الشروط والعقود اللزوم ، فكل شرط وعقد فيه مصلحة للطرفين أو لأحدهما ، فإنه يكون صحيحًا ، ويَلْزمُ الطرفين الوفاء به ، ما لم يكن مخالفًا للشرع بتحليل الحرام أو تحريم الحلال ، فإنه يُحكم عليه بالبطلان .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
41ـ تُسْتَعْمَلُ القُرْعَةُ عِنْدَ المُبهَمِ ***مِنَ الحُقُوقِ أَو لَدَى التَّزاحُمِ
القُرْعَةُ :ترجع إلى مادة : قَرَعَ ، ولها معانٍ مذكورة في كتب المعجمات ، " كالصِّحَاح " للجوهري ، و " القاموس " للفيروز آبادي .
معناها في اللغة : السهم والنصيب ، والاقتراع والاستهام : يُقال : تقارع القومُ ، واقترعوا أي: ضربوا القِدَاح ونحوها لتعيين الحق أو صاحبه .
فالمقصود هنا : هي صفة معروفة تستعمل عند إرادة اختيار شيء دون قصد التعيين الْمُسْبَق ، قاله القرافي في " الفروق " . مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 / بتصرف .
والقواعد الفقهية بين الأصالة ... / ص : 292 .
وقيل
: يراد بالقُرْعَةِ : ضرب السهام ، بحيث يُجعل أحد تلك السهام مميزًا
بعلامة أو بنحوها ، فمن خرجت له القرعة أو ذلك السهم المميز ، استحق ما
جُعل على القرعة .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
المُبهَمِ : اسم مفعول من الإبهام ، وهو ضد التعيين للشيء . فهو المجهول غير المعين .
الحُقُوقِ
: جمع حق ، والمراد به عند الفقهاء : كل ما يُثْبَتُ للشخصِ من منافع
ومميزاتٍ ، وقد يكونُ مجرد أمر اعتباريٍّ كحق الطلاق والولاية .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
التَّزاحُمِ : من الازدحام ، وهو ضد السَّعَة ، وفيه معنى التضايق والتحاشر . مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 .
والقرعة تسعمل إذا جُهل المسْتَحِق لحق من الحقوق ، ولا مِزْيَة لأحدهما على الآخر ، أو حصل التزاحم في أمر من الأمور ولا مرجح لأحدهما .
o فائدة :
ــــ
القرعة تستخدم عند الإبهام في حقوق الخلق ، أما عند الإبهام في حقوق الله فإنه لا يشرع استعمال القرعة ، مثل :
مَنْ نسي صلاة من صلوات أمس ، فلا يُقال استعمل القرعة بين هذه الصلوات ،
لأصلي الصلاة الفائتة ـ لإبهامها لديه ، لا يجوز هذا وإنما يقال : يجب عليك
أن تصلي الخمس صلوات جميعًا ، لأن الصلاة المبهمة ستكون واحدة منهن .
شرح منظومة / ... / سعد بن ناصر الشثري .
والمقصود من كلام الناظم ـ رحمه الله ـ ، هو أن القرعة تسعمل في حالتين اثنتين :
الأولى: عند انبهام شيءٍ من الحقوق .
ومثالها : إذا طلق الزوج زوجة مبهمة وله زوجات ، فإنه يقرع بينهن .
الثانية :
عند تزاحم بعض المكلفين على شيء .
ومثالها : إذا تزاحم اثنان على الأذان أو الإقامة ، فإنه يُقرَع بينهما . وشرط القرعة هنا أن يستويا ، بحيث لا يكون لأحدهما فضلٌ على الآخر من الجهة الشرعية . وهذا قطع به جمهور الفقهاء . مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 .
وتحت هذه القاعدة دلائل كثيرة ، منها : إذا تَشَاحّ اثنان في الأذان ، أو الإقامة ، أو الإمامة في الصلاة ، أو صلاة الجنازة ، وليس أحدُهما أولى من الآخر ، فإنه يقرع بينهما .
وكذلك إذا تنازع اثنان لُقَطَة ، أو لُقَيطًا ، أو مكانًا ، ونحوه ، ولا مُرجِّح لأحدهما على الآخر ، فإنها تستعمل القرعة .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 44 .
حكم القرعة :
القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء ، ودليل مشروعيتها من الكتاب والسنة .
ـ فقد ذُكرت " القرعة " في القرآن الكريم بموضعين :
قال تعالى " وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُـلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" .سورة آل عمران / آية : 44 .
" يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ ": ألقوا أقلامهم اقتراعًا . قيل في صفة القرعة التي اقترعوها :
فاقترعوا
وجعلوا أقلامهم في الماء الجاري ، على أن مَنْ وقفَ قلمُهُ ولم يجر مع
الماء فهو صاحبها ـ أي هو الذي يكفُل مريم ـ ، فجرت أقلامُهم ووقف قلمُ
زكريا .
نفحة العبير من زُبدة التفسير / ص : 135 / بتصرف .
وقال تعالى " إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِن الْمُدْحَضِينَ " .سورة الصافات / آية : 140 ، 141 .
أَبَقَ : أي هرب من قومه لما ضاق صدره لعدم استجابتهم لدعوته ، فوجد سفينة مبحرة فركب فيها وكانت حمولتها أكبر من طاقتها فوقفت في عرض البحر ،فرأى رُبَّان السفينة أنه لابد من تقليل الشحنة وإلا غرق الجميع .
فَسَاهَمَ: أي ضُرِبَتِ القرعةُ بين الراكبين ليلقوا بعضهم في البحر خوفًا من غرق السفينة ـ لثقل وزنها ـ .
نفحة العبير من زُبدة التفسير / ص : 1096 .
مِن الْمُدْحَضِينَ: أي المغلوبين في القرعة ، فرموه في البحر فالتقمه الحوت .أيسر التفاسير ... / ص : 1094 / بتصرف .
هذا في شرع مَن قَبْلَنا وجاء في سُنَّةِ نبينا ما يؤيده ليكون مِنْ شَرْعِنَا أيضًا .
ـ ففي السنة ذُكرت القرعة في ستة مواضع ، منها :
* عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَرَضَ على قوم اليمين فأسرعوا ، فأمر أن يُسْهَمَ بينهم في اليمين أيهم يحلف .
صحيح البخاري . متون / ( 52 ) ـ كتاب : الشهادات / ( 24 ) ـ باب : إذا تسارَعَ قومٌ في اليمين / حديث رقم : 2674 / ص : 310 .
وقيل صورة الاشتراك في اليمين :
أن يتنازع اثنان عينًا ليست في يد واحد منهما ، ولا بَيِّنَة لواحد منهما ، فيقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ؛ حلف واستحقها .
فتح
الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 5 / 52 ـ كتاب : الشهادات / 24 ـ باب
:إذا تسارع قوم في اليمين / شرح حديث رقم : 2674 / ص : 338 .
* عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أراد سفرًا أقْرع بين نسائه فأيتهن
خرج سهمُها خرج بها معه ، وكان يقسم لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها غير أن
سودةَ بنت زمْعَةَ وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبتغي بذلك رضا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
صحيح
البخاري . متون / ( 51 ) ـ كتاب : الهبة وفضلها والتحريض عليها / ( 15 ) ـ
باب : هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج ... / حديث رقم :
2593 / ص: 298 .
* عن أبي صالح، عن أبي هريرة ،أن رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ،ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمةِ والصبحِ لأتوهما ولو حبوًا " .
صحيح البخاري . متون / 10 ـ كتاب : الأذان / 9 ـ باب : الاستهام في الأذان / حديث رقم : 615 / ص : 76 .
ـ الحِكمة في مشروعية القرعة :
تطبيب القلوب ، وإزاحة تهمة الميل إلى أحد المتنازعين ، وإزالة الحيرة عند التساوي والإبهام .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 292 / بتصرف .القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 128 / بتصرف .
وقيل أيضًا
: المقصود من القرعة فض المنازعة ، وسد باب العداوةِ بالرجوع إلى قدر الله
واختياره ، ومعلوم أن أصل العداوة هو التزاحم على غرض واحد .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
ـ حظر القرعة:
لا تجري القرعة في شيء تَعَيَّن فيه المصلحة أو الحق ، لأن في القرعة حينئذ ضياعًا لذلك الحق وتلك المصلحة .
فإذا عُلم اشتراك شخصين في عين أو دَيْن ، وأرادا القرعة لمن يكون له الشيء ، فإن هذا من الميْسِر ـ والمُقامرة ـ هذا
بخلاف إذا عُلم اشتراك شخصين في عين أو أي حق ، ثم تنازل أو وهب أحدهما
حقه للآخر بالتراضي أو بنفس راضية ، هذا لا شيء فيه شرعًا -
لأنه يكون أحدهما غارم والثاني غانم . مثلاً : كل منهما مشترك في هذه العين ، يعني بينهما سيارة ، فقال أحدهما للآخر : نقرع أينا تكون له السيارة كاملة . هذا حرام ، هذا من الميسر .
كذلك إذا كان بينهما شيء مناصفة ،
ثم قسماه أثلاثًا وجعلا ثلثين جانبًا وثلثًا جانبًا ، وقالا : نقرع ـ
ليحظى أحدهما بالثلثين والآخر بالثلث دون مرجحات ـ هذا لا يجوز لأنه ميسر .
فلابد من التساوي .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 130 / بتصرف .القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 293 .
42-وإِنْ تَسَاوى العَمَلانِ اجْتَمَعَا** وَفُعِلَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَمِعَا
هذه قاعدة يقال لها : قاعدة التداخل .
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه الجليل : تقرير القواعد وتحرير الفوائد :
إذا
اجتمعت عبادتان من جنس ـ واحد ـ في وقت واحدٍ ليست إحداهما مفعولة على
جهةِ القضاء ، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت ، تداخلت أفعالُهما ،
واكْتُفِيَ فيهما بفعلٍ واحدٍ . ا . هـ .
أقسام تداخل العبادات :
أ ـ قسم لا يصح فيه تداخل العبادات :
وهو فيما إذا كانت العبادات مقصودة بنفسها ، أو تابعة لغيرها ، أو إذا كانت إحداهما مفعولة على وجه القضاء .
مثال ذلك :
إنسان فاتته سنة الفجر طلعت الشمس ، وجاء وقت صلاة الضحى
، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى ، ولا الضحى عن سنة الفجر ، ولا
الجمع بينهما أيضًا ، لأن سنة الفجر مستقلة ، وسنة الضحى مستقلة ، فلا تجزئ
إحداهما عنِ الأخرى .
كذلك
إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها ، فإنها لا تتداخل ، فلو قال إنسان : أنا
أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة ، قلنا : لا يصح هذا ،
لأن الراتبة تابعة لصلاة الفريضة فلا تجزئ عنها .
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين / ج : 20 / كتاب : الصيام .وتقرير القواعد وتحرير الفوائد / لابن رجب .
ب ـ قسم يصح فيه تداخل العبادات :
إذا اجتمع عملان من جنس واحدٍ وكانت صورتهما متفقة تداخلا واكتفي بأحدهما عنِ الآخر ، وهذا على ضربين :
الضرب الأول : أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتانِ جميعًا ، ويُشْتَرطُ أن ينويهُما جميعًا على المشهور .
ومن أمثلة ذلك :
ـ من كان عادمًا للماء فتيمم تيممًا واحدًا ينوي به الحدثين أجزأه عنهما بغير خلاف .
الضرب الثاني : أن يحصل له أحدُ العبادتينِ بنيتها ، وتسقط عنه الأخرى .
ومن أمثلة ذلك :
ـ إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم ، سقطت عنه التحية .
ـ إذا قَدِمَ المعتمر مكة ، وطاف للعمرة ، سقط عنه طواف القدوم . منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
*ضوابط هذه القاعدة :
مما سبق تتلخص ضوابط هذه القاعدة ـ " قاعدة التداخل " ـ في :
يجوز تداخل العبادات التي تتوفر فيها الشروط الآتية :
1 ـ إذا كان المقصود ، من العبادتينِ ؛ واحدًا ، وهو أن يأتي بها للعبادة بقطع النظر عن كونها مستقلة أو لعبادة أخرى .
2 ـ أنهما من جنس واحد .
3ـ
أن إحداهما ليست تابعة للأخرى ، ولا مفعولة على جهة القضاء ، فإن كانت
تابعة للأخرى فإنها لا تجزئ عنها ، كسنة الفجر مثلاً مع صلاة الفجر ، فلا
تجزئ صلاة الفجر عن سنة الفجر ، لأن السنة تابعة لها .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / ص : 168 / بتصرف .
ـ ومن أمثلة ذلك :
·
إنسان دخل المسجد بعد أن أُذِّن للظهر ، وكان قد توضأ قريبًا ، فهنا هو
مطالَب : بسنة الوضوء ، وبتحية المسجد ، وبراتبة الظهر القبلية . فهل إذا صلى ركعتين تجزئ عن الجميع ؟ .
الجواب : نعم ؛ لأن المقصود واحد وهو أن يأتي بركعتين بعد الوضوء ، وأن يأتي بركعتين عند دخول المسجد ، وأن يأتي بالراتبة .
وهنا
نقول : إما أن ينوي هذه العبادات جميعًا فيحصل له ثواب الجميع ، وإما أن
ينوي واحدة منهن فهذه تُنظر ؛ إن نوى الراتبة أجزأت عن الباقي أي أجزأت عن
تحية المسجد وسنة الوضوء . وإن نوى سنة الوضوء أجزأت عن سنة الوضوء وعن
تحية المسجد لأنه حصل المقصود ، لكن لا تجزئ عن الراتبة ، لأن المقصود هنا
وجود ركعتين قبل الصلاة مستقلتين .
وأما صلاة الاستخارة : فهذا فيه احتمال أن تكون صلاة الاستخارة مقصودة بذاتها ، فيصلي لأجل
الاستخارة ركعتين ، ويقول بعدهما دعاء الاستخارة . ويُحتمل أن تكون داخلة
في هذا فيكون هذا الرجل الذي دخل المسجد بعد الوضوء ، يكون مطالبًا بسنة
الوضوء ؛ وسنة دخول المسجد ؛ والراتبة ؛ والاستخارة ، فينوي بذلك أربع
نوافل .وقد يتأيد دخول صلاة الاستخارة في ذلك بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم " إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ... " . الحديث .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 5 ـ كتاب : إقامة الصلاة والسنة فيها /188 ـ باب : ما جاء في صلاة الاستخارة / حديث رقم : 1383 / ص : 245 / صحيح .
فإنه يَصْدُق على هذا أنه صلى ركعتين من غير الفريضة .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ في لقاءاته مع بعض طلبته :
تحية المسجد يختلف حكمها ، فهي ليست جمع عبادتين بنيتين ، فتحية المسجد
مقرونة بعلة عدم الجلوس إلا بعد الصلاة فهذا الذي صلى فرض الفجر ـ بمجرد
دخوله المسجد ، ولم يصلِّ تحية المسجد ـ هذا صَدَقَ عليه أنه جلس بعد
الصلاة . فهذه مسألة تختلف عما سبق ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :
" إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " .
فليس المطلوب حتمًا ركعتين مخصوصتين لتحية المسجد .
لذا من كان يرى وجوب تحية المسجد ، ورغم ذلك صلى الفجر أو أي صلاة بمجرد
دخول المسجد دون أن يصلي تحيـة المسجد ، فهذا يجزئ وليس في هذه الصورة نقض
لما سبق وهو أن الواجب لا يغني عن الواجب . ا . هـ . بتصرف .
·
من حَلَفَ عِدة أيمان على شيءٍ واحد وحَنَثَ فيه عدة مرات قبل أداء كفارة
اليمين ، أجزأته كفارة واحدة عن الجميع . فإن كان الحَلِفُ على شيئين فأكثر
وحنثَ في الجميع ، فإن الكفارة تتعدد بتعدد المحلوف عليه .
وكذلك
إذا كانت الكفارات متباينةٌ مقاصدُها ، ككفارة ظِهار ، ويمين بالله ، أو
للوطء في نهار رمضان وجب عليه كفارات لكل واحدةٍ منها إذا حنث .
ولو
تعدد المحلوف عليه واتحد الحَلِف ، يعني قال : والله لا أكلم فلانًا ولا
ألبس هذا الثوب ولا أخرج إلى السوق ، بيمين واحدة ، ماذا يلزمه ؟ . يلزمه
كفارة واحدة وذلك لأن اليمين واحدة فلا توجب أكثر من كفارة ، وإن تعدد
المحلوف عليه ، فتعدد الذوات هنا كتعدد الصفات لا تتعدد بها الكفارة .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق العثيمين / ص : 170 .
ـ ولو تَعَدَّدَ السهو في الصلاة ، لم يتعدد السجود، بل يكفي سجود واحد للسهو مهما تعددت بالزيادة أو بالنقصان .القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 135 .
· وكذلك لو زنى بكر أكثر من مرة ، يكفي أن يُقام عليه حد واحد ، وهو الجَلْدُ ، فإن زنى بعد الحد أُقيم عليه حد آخر لعدم اجتماعهما .
· ولو جامع الرجل امرأته في نهار رمضان أكثر من مرة ، لم تلزمه إلا كفارة واحدة ، بخلاف
لو جامع في يوم آخر فإنه تلزمه كفارتان ، ولو جامع في اليوم الثالث تلزمه
ثلاث كفارات وهكذا على الأصح من أقوال الفقهاء ؛ لأن كل يوم من شهر رمضان
له حرمته .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 135 .
oتحذير :
ــــ
لا ينبغي التوسع في تطبيق هذه القاعدة أو غيرها دون الرجوع لأهل العلم .
===============
43 ـ وَكُلُّ مَشْغُولٍ فَلاَ يُشَغَّلُ** مِثَالُهُ المَرْهُونُ والمُسَبّل
هذا معنى قول الفقهاء : المشغول لا يشغل . وذلك أن الشيءَ إذا اشتغل بشيءٍ لم يشغل بغيره حتى يفرغ من هذا المشغول به ، وذلك كالرهن .
وحاصل كلام الناظم ـ رحمه الله ـ أنه أشار إلى قاعدة اتفق عليها أولو النظر والفقه - وذلك باستقراء الأحكام الجزئية الدالة عليها - ، وهي : أن المشغول لا يُشغل .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 119 .
المَشْغُول : ضد الفارغ .
المَرْهُونُ : من الرهن ، وهو : توثيق دين بعينٍ .
وقال ابن سِيدَه : الرهن هو إيداع شيء عند إنسان لإرجاع حقٍ له .
المُسَبّل : اسم مفعول من السبيل ، والمقصود ما جُعل في سبيل الله تعالى ، كالوقف وهو تحبيس الأصل ، وتسبيل الثمرة .
والمعنى أن كل مشغول بحق ، لا يُشغل بحق آخر حتى يَفْرُغَ الأول منه .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
بالاستقراء جمع العلماء أحكام جزئية نتج عنها هذه القاعدة وهذه الأحكام الجزئية على سبيل المثال وليس الحصر هي :
ـ
زوجة الغير ومعتدته مُحَرَّمَة على جميع الرجال عدا زوجها ، لأنها مشغولة
به بمقتضى عقد الزواج ، فلا تُشغَّل بغيره حتى تفرغ من هذا المشغول به ،
لقوله تعالى :
" وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ".
سورة النساء / آية : 23 .
أي حُرمت عليكم المحصنات من النساء ، أي المتزوجات منهن ، إلا المسبيات ، فإن المَسْبِيَّة تحل لسابيها بعد الاستبراء- أي بعد استبراء الرحم بمرور وقت معروف لمعرفة خلو الرحم من الحمل -، وإن كانت متزوجة .
الوجيز في فقه السنة ... / ص : 295 / بتصرف .
ـ لا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه ، ولا أن يبيع على بيعة أخيه .
... ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يقول : نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبيعَ بعضكم على بيع بعض ، ولا يخطبَ الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطبُ قبله أو يأذنَ له الخاطبُ .
صحيح البخاري . متون / ( 67 ) ـ كتاب : النكاح / ( 45 ) ـ باب :لا يخطب على خِطبة أخيه ... / حديث رقم : 5142 / ص : 623 .
ـ ومثاله : المرهون لا يُباع ولا يوهب ولا يرهن حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن .
والدار المؤجرة لا تؤجر حتى تفرغ المدة .
وكذلك المسبل : وهو اسم مفعول من السبيل ، والمقصود ما جُعل في سبيل الله ـ تعالى ـ كالوقف .
فالذي وضع في سبيل الله تعالى كالوقف لا يُباع ، لأنه مشغول بالوقف .
فكل مشغول بحق لا يُشْغَل بآخر حتى يفرغ الحق منه .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 21 / بتصرف .