الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الفصل الثالث :قواعد في أدلة الأسماء والصفات



الفصل الثالث
قواعد في أدلة الأسماء والصفات

* القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
*الـشـرح* 
 هذه القاعدة مهمة، وهي أن أسماءُ اللهِ وصفاتهِ لا تؤخذ  إلا من الكتاب والسُنة.ولا تؤخذ من  إجماع السلف؟ لأن إجماعٌ من السلف لايمكن أن يكون مبنياً على غير الكتاب والسُنة أبداً. وحينئذٍ فالمرجع هو الكتاب والسُنة ، لأن العلم  بالأسماء والصفات من باب العلم بالخبر، وليست هي أحكامًا يدخل فيها القياس حتى نقول ؛ربما يكون إجماعٌ عن قياس، ولكنها أمورٌ تُدرك بالخبر، وحينئذٍ لا يمكن أن يوجد إجماع؛ إلا مستندِاً إلى الكتاب والسنة .  
*المـتـن*
  وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب أو السنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه، مع إثبات كمال ضده، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معناه فيفصل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول. وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده.
 *الـشـرح* 

القاعدة مفهومة. مادمنا نعتمد في الإثبات والنفي على الكتاب والسُنة فما وردإثباته وجب إثباته وماورد نفيه وجب نفيه مع إثبات كمال ضده.فالظلم وردَ نفيه فيُنفى عن الله الظلم مع إثبات كمال ضده وهو-العدل. والبصر ورد إثباته فيجب علينا إثباته.
وهناك أشياء تنازع فيها المتأخرون لأنها مما أحدِث من علم الكلام. تنازع المُتأخرون فيها فمنهم من أثبتها ومنهم من نفاها، والصواب أن نتوقف في اللفظ ونستفصل في المعنى، فاللفظ لانثبته ولاننفيه والمعنى نستفصل عنه ؛ هذا إن لم يكن ذلك الاسم دالاً على نقصٍ فيجب علينا نفيه بكل حال. أما إذا كان محتَمِلاً فإننا نتوقف في لفظه ونستفصل عن معناه

*المـتـن*
  فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة، أو تضمن، أو التزام.
ومنه كل صفة دل عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين عباده يوم القيامة، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(103).
ومنه: الوجه، والعينان، واليدان ونحوها.
ومنه :الكلام، والمشيئة، والإرادة بقسميها: الكوني، والشرعي. فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
ومنه :الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة ونحوها(104).
ومما ورد نفيه عن الله سبحانه لانتفائه وثبوت كمال ضده: الموت، والنوم، والسِنَة، والعجز، والإعياء، والظلم، والغفلة عن أعمال العباد، وأن يكون له مثيل أو كفؤ ونحو ذلك.

ومما لم يرد إثباته ولا نفيه لفظ (الجهة) فلو سأل سائل هل نثبت لله تعالى جهة؟

قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتاً ولا نفياً، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط به.
فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضاً؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.

 *الـشـرح* 
فمما ورد فيه النزاع"الجهة".
فهل اللهُ في جهة؟ الجواب: الجهات إما عُلوأو سُفل. والعُلو إما أن يُحيط بالله أولايُحيط به.فإن أردت بالجهة جهة السُفل –كما يقول من يقول:إن الله تعالى في كل مكان بذاته- ؛فهذا باطلٌ بلاشكٍ، لأنه مُخالفٌ لما ثبتَ من عُلوهِ الدال على كماله.
وإن أردتَ أنه في جهةٍ تُحيط ُبه ؛جهةٍ عُليا لكن تُحيط ُبه؛- حوله الجدران وفوقه السقف - فهذا باطلٌ لأن اللهَ تعالى لا يُحيط ُبه شيءٌ من مخلوقاته.
وإن أردت جهة عُلوٍ لا تُحيط ُبه بل هي عدمٌ ،مافوقه شيءٌ ولاعن يمينه ولاعن شماله شيءٌ.فكل ما هو فوق فهو عدم.يعني مافي شيءٌ من المخلوقات ،فهذه جهة عُلو لاتُحيط ُبه ، فهذا حقٌ  ، لأن الله-سبحانه وتعالى-فوق كل شيء.لايحاذيه شيء من مخلوقاته أبدًا ؛فكل شيء هو تحتخه  سبحانه .إذن هذه جهة علو لكن بدون إحاطة يعني بدون أن يُحيط َبه شيءٌ من المخلوقات وهذا حقٌ . والدليل على ذلك أي على علو الله بذاته من كتاب الله وسُنة رسوله وإجماع الصحابة والعقل والفطرة.                                                                                          
 *المـتـن*
 ودليل هذه القاعدة السمع والعقل.
فأما السمع فمنه قوله تعالى:(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(105)، وقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(106)، وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(107)، وقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(108)، وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(109)، وقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)(110).
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن والسنة.
وكل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة؛ لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والرد إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبرعن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟
وأين الإيمان بالقرآن لمن لم يرد النزاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله به في القرآن؟
وأين الإيمان بالرسول الذي أمر به القرآن لمن لم يقبل ما جاء في سنته؟
ولقد قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(111). ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن.
 *الـشـرح*
هذا كله يدل على أن ماجاء في السُنة من ذلك فهو كما جاء في القرآن سواءً بسواءٍ.                
 *المـتـن*
 وأما العقل: فنقول: إن تفصيل القول فيما يجب أو يمتنع أو يجوز في حق الله تعالى من أمور الغيب التي لا يمكن إدراكها بالعقل، فوجب الرجوع فيه إلى ما جاء في الكتاب والسنة.
 *الـشـرح* 

الآن لوقال قائلٌ:إنَّ اللهَ في جهة وقال آخرٌ:إن اللهَ ليس في جهةٍ إيش نقول؟ نقول:أما بالنسبة للفظ لنثبت ولاننفي لكن بالنسبة للمعنى نستفصل لماذ؟ لأن الذين نفوا الجهة ادعو أن أهل السُنة يُثبتون أن الله في جهةٍ تُحيط ُبه فصاروا يتوصلون بنفي الجهة إلى نفي العُلو  ولهذا نحتاج أن نستفصل.طيب لو قال قائلٌ:إن اللهَ ليس بجسم وقال آخر بل للهِ جسمٌ لأنه استوى على العرش وينزل إلى السماء الدنيا ويأتي للفصل بين عباده ويقبضُ الصدقاتِ ويُربيها بكفه وما أشبه ذلك.فهذا يقول جسم والثاني يقول غير جسم نستفصل لأن الذين نفوا الجسم ادعوا أن إثبات أي صفة يستلزم التجسيم وقالواأجساما مُتماثلة فقالوا:إن الله لم يستو على العرش لأنك لو قلتَ استوى على العرش معناه صار جسماً..لاينزل لأنك لو قلتَ ينزل صار جسماً . ولايأتي للفصل بين العباد لأنه لو كان كذلك لكان جسماً وليس له يدٌ حقيقية وإلا لكان جسماً إلى آخره، فنفوا الصفات بهذه الحجة.  نقول لهم:أين في الكتاب أوالسُنةِ نفي الجسم؟ لو أن أحداً أثبته وقال:نعم أنا أقول له جسم . هات لي دليلاً يدل على أن الله ليس بجسم؟ هل يستطيع يأتي بدليل؟ مايستطيع لكن إذا قال لي هات دليل على أن اللهَ جسمٌ أنا ماعندي دليل.إذن لاتثبت أنَّ اللهَ جسمٌ ولاتنفي أن اللهَ جسمٌ ،ولكن نستفصل عن المعنى واثبت المعنى الحق وأنفِ المعنى الباطل أما اللفظ فدعه لاتقل الله ليس بجسم ولاتقول الله جسم.اترك هذا اللفظ هذا ماتكلم به الكتاب ولا السُنة ولا الصحابة.
فنقول:ماتُريد بمعنى الجسم؟ إن قال:أريدُ بمعنى الجسم الشيء المركب من أعضاء وأبعاض وماأشبه ذلك.فهذا ممتنع على الله، ونقول نفيك الجسم بهذا المعنى صحيحٌ وإن أراد بنفي الجسم قال:أنا أنفي وأريد بالجسم الشيء القائم بنفسه المُتصف بالصفات اللائقة به .قلنا:هذا ليس بصحيح يعني، نفيك إياه ليس بصحيح بل هو بهذا المعنى جسم يعني أنه ذاتٌ قائمٌ بنفسه مُتصفٌ بالصفات التي تليقُ به يستوى على العرش وينزل إلى السماء الدنيا وماأشبه ذلك. إذًا لفظ الجسم إثباتًا على سبيل الإطلاق خطأ ونفيه على سبيل الإطلاق خطأ والواجب التفصيل هذا في المعنى أما في اللفظ فأنا لاأقول:إن اللهّ جسمٌ ولاأقول : إن اللهَ ليس بجسم.ولهذا السفاريني-رحمه الله-صار عليه انتقادٌ في قوله: وليس ربنا بجوهر ولاجسم ولاعرضٍ تعالى ذوالعُلى هذا خطأ ولهذا أبدله شيخنا عبد الرحمن السعدي في قوله: ليسَ الإلهُ مُشْبِِهاً عبيدَه في الوصفِ معْ أسمائِه العديدة وهذا بالحقيقةِ صحيحٌ لكن وليس ربنا بجوهر إيش يدريك؟ ولاجسم إيش يدريك؟ ولاعرض إيش يدريك؟ لاتنف اسكُت كما سكتَ اللهُ ورسوله.مافي القرآن جسم ولاليس بجسم ولاعند الصحابة.لكن هذه المسائل ولَّدها المتكلمون المُحْدَثون ليتوصلوا بها إلى معنىً باطلٍ  لكن يوهمون العامة ومن ليس عندهم علمٌ راسخٌ بأن هذا الذي قالوه هو الحق وأن هذا هوغاية ُالتنزيه لله-عزوجل-فينفون الصفات بمثل هذه الطرق. الخلاصة:هذه القاعدة مهمة.أيُّ إنسان يُجادلك في نفي شيءٍ أوإثبات عن الله تقول له:هات الدليل وإلا فاسكت لا تثبت ولاتنف والمعاني الحق ثابتة لله تعالى والمعاني الباطلة منفية عن الله .
المـتـن
 القاعدة الثانية:الواجب في نصوص القرآن والسُنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريفٍ لاسيما نصوص الصفات حيثُ لامجال للرأي فيها.
الشرح
 هذه أيضاً قاعدة مهمة فالواجب  في نصوص القرآن والسُنة أن تُجرى على ظاهرها كما سيأتي في الأدلة ،لاسيما نصوص الصفات لأن نصوص الصفات من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجالٌ حتى يُتحَكم ويُقال هذا لا يُرادُ به ظاهرهُ وماأشبه ذلك.فنحنُ نُسلم بهذه النصوص ونُجريها على ظاهرها مع اعتقاد أن ظاهرها لايُرادُ به الباطل يعني لو قال قائلٌ:إن ظاهر قوله تعالى:"بل يداهُ مبسوطتان" أن تكون له يدان تُماثلان أيدي المخلوق.هل هذا هو الظاهر؟ أسألكم جَردوا أنفسكم من كل شيءٍ"بل يداهُ مبسوطتان" هل تفهمون أن هاتين اليدين تُماثلان أيدي المخلوقين؟. لأ ما نفهم هذا.إذن ليس هو ظاهر اللفظ بل نفهم يداهُ اللائقتان به.كما لو قلتُ للهر يدان والهر البِس هل أحد من الناس يقولإن ظاهر هذا اللفظ أن يدي الهِر كيدي الإنسان؟ لأمادام أضفته إلى الهِِرمعناها تليق بالهر. للذرة يدان هل تليق أن  أحدا يفهم من هذا الكلام أن يدي الذرة كيدي الجمل والفيل؟.لأ أبداً مادام أضيف للذرة عارف أنها يد كيد الذرة.
إذن ظاهر النصوص في أسماء الله وصفاته ظاهرها المعنى اللائق بالله ولهذا يجب علينا إجراؤها على ظاهرها لاعلى سبيل التمثيل بل على المعنى اللائق بالله-سبحانه وتعالى-لأن هذه صفاتٌ أضيفت إلى موصوفها فيقتضي أن تكون لائقة ًبه .
أنا أقول أمسكتُ الكأسَ يدَهُ بيدي هل تفهم أن يدَ الكأسِ كيدي؟ إيش يد الكأس؟ العروة هذه يد الكأس لكن يدي غير يد الكأس شوف يده بيدي كلمتان في جملة واحدة ومع ذلك كلٌ يفهم من اليد المُضافة إلى الكأس غير مايفهم من اليد المُضافة إلى الذي أمْسَكَ.
فإذن يدُ اللهِ-عزوجل-التي نطق بها القرآن والسُنة ليس ظاهرها أنها كأيدي المخلوقين أبداً بل إن ظاهرها يدٌ تليقُ به-سبحانه وتعالى-.وحينئذٍ نقطعُ دابرَ هؤلاءِ المحرِّفين الذين يدَّعون أن ظواهرالكتاب والسُنة هو التمثيل ويتوصلون بهذا الاعتقاد الباطل إلى نفي ماجاء في الكتاب والسُنة. 
المـتـن
ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(112). وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(113). وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(114). وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
الشرح
يقول:"بلسانٍ عربيٍّ مبين" إذًا ما الواجب إذا جاءنا شيءٌ في الكتاب والسُنة ما الواجب ؟ أن نُجريه على مايقتضيه هذا اللفظ باللسان العربي لأنه نزل باللسان العربي.كذلك يقول:"إناأنزلناهُ قرآناعربياًلعلكم تعقلون" "إنا جعلناهُ قرآنا عربيا لعلكم تعقلون آياتان الأولى في يوسف والثانية في الزخرف."لعلكم تعقلون"هذه للتعليل أي لأجل أن تعقلوا معانيه لأنه نزل بلغتكم فهذا يلزم أن نُجريه على مايقتضيه اللسان العربي ولهذا قال:وهذا يدل على وجوب فهمه على مايقتضيه ظاهره باللسان العربي إلاأن يمنع منه دليلٌ شرعي واللهُ أعلم.
المـتـن
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"115". وقال تعالى" مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"116. الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.
. الشـرح 
 واضح الآن أن الواجب في نصوص القرآن والسُنة إجراؤها على ظاهرها هذا الواجب دون تحريفٍ. دليلُ ذلك السمع والعقل. السمع استدللنا بعدة آيات وبيَّنا في الآية الأخيرة أن التحريف من صُنع اليهود وأن مَنْ حرَّف من هذه الأمة نصوصَ الكتاب والسُنة سواء العملية أو العلمية كان فيه شبهٌ من اليهود. أما العقل:فنقول:إنَّ المتكلمَ بهذه النصوص وهو الله ورسوله أعلمُ الناس بمراده ولا لأ؟ كما أن كلَ متكلمٍ أعلمُ الناسِ بمراده .كلُ متكلمٍ سواء الله أو رسوله أو غيرهما فإنه أعلمُ بمراده أي بمراد ماتكلم به. والله-عزوجل-خاطب النبى بماذا؟ باللسان العربي المبين كما قال تعالى:"نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ "الشعراء193عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ "الشعراء194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ "الشعراء195".إذا كان كذلك فإنه يجب قبوله على ظاهره لأننا لو لم نقل بقبوله على ظاهره لكان أنا أرى أن يُؤول على هذا الوجه وأنت ترى أن يُؤول على هذا الوجه والثالث يرى أنه يُؤول على وجهٍ ثالث وهكذا فتختلف الأمة لاختلاف الآراء ولهذا تجد المتاولين الآن تجدهم أكثر الناس نِزاعاً في المُراد بالنصوص لأن كل إنسان يُؤول على مايقتضيه رأيه فيحصل الاختلاف والتفرق وتكون الأمة ليست أمة واحدة بل أمم .
المـتـن
 القاعدة الثالثة: 
ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
وقد دل على ذلك: السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ"117. وقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ"118.وقـوله -جـل ذكره- "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"119.
والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكر الإنسان بما فهمه منه.
وكون القرآن عربياً ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.
. الـشـرح
أظن هذه واضحة.قال اللهُ تعالى ""كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ"117.وإذا كان نُزل لتدبر الآيات فمعلوم أن مالا يُمكن الوصول إلى معناه لافائدة من تدبره لأن المقصود بالتدبر الوصول إلى المعنى ولهذا قال:"وَلِيَتَذَكَّرَ"ولاتذكر إلابعد معرفة المعنى.أيضاًيقولإِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ"118 .تعقلون إيش؟ لفظه ولَّامعناه؟ معناه وكذلك لفظه بالنسبة للسان العربي لو فرض أنه لايُعقل معناه لم يكن فرقٌ بين أن يكون باللسان العربي أواللسان الأعجمي العجمي .أيضا يقولُ تعالى"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"119. والرسول-صلى الله عليه وسلم-بيَّنَ القرآن لفظه ومعناه.فإذا قال قائلٌ:إذن يلزمكم على هذا أن يكون الرسول-صلى الله عليه وسلم- تفسيرٌ في القرآن؟ تفسيرٌ كاملٌ مُجلدات للقرآن؟ فالجواب: أن القرآن بلسانٍ عربي والذين نزل القرآن بلغتهم لا يحتاجون إلى تفسيره إلا في أمورغامضة فسرها الرسول-عليه الصلاة والسلام-. كقوله:"للذين أحْسَنوا الحُسْنى وزيادة ٌ"قال الزيادة:هي النظرُ إلى وجه الله.وكقوله"ألا إنَّ القوة الرمي"في تفسير"وأعِدوا لهم مااستطعتُم من قوةٍ"(الأنفال) وما أشبه ذلك لكن الباقي أمره واضح عند الصحابة ما يحتاج إلى تفسير.فالرسول-صلى الله عليه وسلم-بيَّنَ لفظ القرآن ومعناه ولم يترك منه شيئاً وحينئذٍ فنقول:نصوص الصفات معلومة واللا غير معلومة؟ نقول معلومة باعتبار المعنى أما باعتبار الكيفية التي هي عليها فهي مجهولة لنا.
الـمتـن
وأما العقل: فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتاباً أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدها ضرورة مجهول المعنى، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء؛ لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه"كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"120).
 الـشـرح
نقول:اللهُ تعالى أنزل كتاباً والنبي-صلى الله عليه وسلم تكلم بكلام ما الغرضُ من هذا الكتاب وهذا الكلام؟ هداية الخلق لمصالح دينهم ودنياهم فهل من المعقول أن يكون هذا الكلام الذي يُقصد به هِداية ُالخلق لا يُعرف معناه؟بل هو بمنزلة الحروف الهجائية؟!! الجواب:لأ ليس من المعقول أبداً لأن لفظاً لايُعْلم معناه لايُمكن أن يكون هِداية ًولذلك لو جاءنا واحدٌ أعجمي يبربر يتكلم كلاماً كثيراًطويلاً هل نعرف معناه؟ هل استفدنا من كلامه؟ مااستفدنا من كلامه.إذا قلنا:إن الكتاب والسُنة لايُعرف معناهما فيما يتعلق بالصفات فمعنى هذا أننا كابرنا المعقول كما أنكرنا المنقول. فالمنقول:كما رأيتم كله فيه دليلٌ على أن القرآن بيانٌ. وكابرنا المعقول:لأنه ليس من المعقول أن ينزل هذا الكتاب ويتكلم هذا النبي بالكلام الذي يُرادُ به الهِداية ولكن المُخاطَبون لايعرفون المعنى.إذاً لم يستفيدوا من هذا اللفظ شيئاً.فالضرورة العقلية تستلزم أن يكون القرآنُ معلومَ المعنى وكذلك السُنة هذا أمرٌ ضروريٌ عقليٌ لامحيد عنه.
المـتـن
هذه دلالة السمع والعقل على علمنا بمعاني نصوص الصفات.
وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية،فقد سبقت في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلاً أحياناً، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله - عز وجل.
. الشرح
 انتبه الآن عندنا مذهب يُسميه بعضُ الناس مذهب أهل السُنة أو مذهب السلف وهو التفويض ولذلك بعضهم يقول:أهلُ السُنةِ ينقسمون إلى قسمين:مفوِّضة ومُؤَوِلة ثم لايذكرون المذهب الحقيقي لأهل السُنة.المُفوِّضة معناه عندهم الذين يقرأون النصوص ويُفوضون أمرهاإلى الله يقول"استوى على العرش"إيش معنى استوى؟ يقول اللهُ أعلم.هؤلاء أهل التفويض.أهل التأويل إيش يقولون؟إذا سألتهم ما معنى استوى على العرش؟قالوا:استولى.هؤلاء الجماعة الجاهلون بمذهب السلف يقولون:إن مذهب السلف هوالتفويض وهذا مشهورٌ حتى عند علماء أكابر مايفهمون مذهب السلف تماماً يقولون مذهب السلف التفويض إقرأ وفوض الأمر إلى الله.عندهم البيت المشهور؛ في عقائدهم: وكُلُ نصٍ أوْهَمَ التشبيهَ أوِّله أو فوِّض ورُم تنزيها . وعندهم جميعاً نصوص الصفات كلها توهم التشبيه فهم يقولون:كلُ نص أوهم التشبيه أوِّله شوف قدم التأويل أو فوِّض ورُمْ تنزيها. وهذه قاعدة باطلة لأنه مافي النصوص شيءٌ يوهم التشبيه أبداً بل كلها تدل على أن الصفات لائقة بالله-عزوجل. المهم انتبهوا لهذه المسألة يغلط فيها من أكابرالعلماء يقول مذهب أهل السنة ينقسم إلى قسمين تفويض وتأويل.التفويض هومذهب السلف والتأويل مذهب الخلف. طيب نسألهم ماهو التفويض؟قال:إنكَ تفوض النص ماتقول شيئاً أبداً في معناه ومعلوم أن هذا من أبطل الأقوال. أن اللهَ يُنزل علينا كتاباً ويقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-سُنة ًونقول في أعظم ما تَرِدُ من أجله وهو الصفات إنه لايُفهم معناها؛هذا من أكبر القدح في القرآن والسُنة وأهل السُنة والجماعة بريئون من هذا المذهب ويُنكرونه لأنهم يُثبتون المعاني,يُثبتون النصوص ومعانيها اللائقة بالله-عزوجل-.لو قال لك قائلٌ:هل أهل السُنة والسلف ينفون التفويض مطلقاٌ؟ نفصل,التفويض في الكيفية يُثبتونه ؛والتفويض في المعنى يُنكرونه. التفويض يقول"بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلا أحياناً وتفويضهم الكيفية إلى علم الله-عزوجل-فيقول استوى لكن كيف استوى؟ مانقول.

المـتـن
 قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ "العقل والنقل" ص116 جـ1 المطبوع على هامش (منهاج السنة):
الشرح
 هذا الكتاب أثنى عليه ابن القيم ثناءً عظيماً حتى قال فيه وله كتاب العقل والنقل الذي مافي الوجود له نظيرٌ ثان يعني مما ألف الناس في إبطال مذهب أهل الإلحاد والفلاسفة ماله نظير؛لكن لايقرأه إلا إنسانٌ مُتبحرٌ في العلم أما رجلٌ صغيرٌ يروح يقرأ هذا الكتاب فإنه سوف يغرق ؛لأنه لايسبح في البحر إلا عوام سابح؛ تيجي للصغير مايعرف يسبح في البِركة اللي مترين ويروح يسبح في البحر يغرق؛ لكن اللي عنده فهم يرى في هذا الكتاب العجب العجاب-رحمه الله-من تأليفه وهو مطبوع مستقل الآن وسُمي َباسم آخر هو"درء تعارض العقل والنقل"يعني دفع,يعني العقل والنقل لايتعارضان حتى أنه-رحمه الله-ذكر فيه قاعدة عجيبة قال:"كلُ إنسان ادعى أن النصوص تدل على قول باطل فأنا مستعد أن أجعل دليلهُ دليلاً عليه"أ.هـ 
وهذه غريبة في المصادرة يعني تأتي بدليلك وأخذه أنا وأرميك به.هذه مصادرة غريبة من كلامه لكن هذا حق.كلُ دليلٍ استدل به على الباطل فإنه دليلٌ عليهم. فمثلا إذا قالوا نحنُ نُنكر الصفات لأن الله يقول:"ليس كمثله شيء"نقول هذه الجملة نفسها دليلٌ عليكم لأن نفي المماثلة دليل على وجود الأصل ؛ولالأ؟ إذ لو لم يكن الأصل موجوداً لكان نفي المماثلة لهواً لافائدة َمِنه. كلُ نصٍ يستدل به صاحب باطل على باطله فإنه يكون دليلاً عليه عند الـتأمل.شيخ الإسلام-رحمه الله-التزم بذلك في هذا الكتاب.
المـتـن
"وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله - إلى أن قال ص118 -: وحينئذٍ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء
. الشرح 
 غريبة يعني أهل التفويض يقولون:إن اللي في القرآن مايُعلم معناه حتى الرسول-صلى الله عليه وسلم-لو سألته إيش معنى"بل يداهُ مبسوطتان"يقول:ما أدري. إيش معنى"على العرش استوى"يقول:ماأدري.طيب أنتَ يامحمد تقول:إنَّ اللهَ ينزل إلى السماء الدنيا" إيش معنى ينزل؟إيش يقول؟ما أدري.طيب أنتَ تقول: "يضحك ربُنا إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر" إيش معنى يضحك؟ قال:ما أدري.هل هذا معقول؟ ولهذا يقول شيخُ الإسلام:إن هذا القول قدحٌ في القرآن والأنبياء صح ولالأ؟ أي نعم صحيح.أنا الآن لو أسأل واحد منكم إيش معنى قول المؤلف كذا وكذا؟ تقول: والله ما أدري.هل هذا يحط من مرتبتك ولالأ؟ يحُط بلاشك من مرتبتك ؛فإذا كانت الرُسل تقول ماتقول من الوحي فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وهي لاتدري معناها معنى ماتقول فهذا من أكبر القدح في الأنبياء-عليهم السلام.
المـتـن
إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. أهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد - رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم.
. الشرح
أظن واضح الكلام حتى هذا يفتح باب الإلحاد لأن الملحد يقول:لايُمكن أن تستدلوا عليَ بكلامٍ لاتدرون معناه وأنا أستدلُ عليكم بعقلي ورأي.ثم يقول:إن من يقول إن المعنى كذا خيرٌ ممن يقول لاأدرى ولهذا اشتبهت هذه المسألةعلى بعض الناس وقال تلك العبارة الصادقة الكاذبة:طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم هذه العبارة صادقة كاذبة صادقة في الجملة الأولى وكاذبة في الجملة الثانية.إيش الجملة الأولى؟ طريقة السلف أسلم بلا شك.طريقة الخلف أعلم وأحكم هذه من أكذب مايكون من الكلام ؛ليش؟ أولا-هذه الكلمة متناقضة كيف يقول هذه أسلم والثانية أعلم وأحكم؟ ومتى تكون السلامة؟ تكون السلامة في العلم والحِكمة.لايُمكن أن يسلم الجاهل أبداً ولايُمكن أن يسلم السفيه أبداً ،بل إن تنازلنا وقلنا لايُمكن أن يكون الجاهل أسلم من العالم ولا السفيه أسلم من الحكيم صح ولا لأ؟ هذا غيرُ ممكنٍ.فأنتَ إذا أقررتَ بأن طريق السلف أسلم لزمك أن تكون طريقة السلف أعلم وأحكم. ثانيًا-أن تقول:بأي وجهٍ قلتم بأن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم؟ السلف الرسول-عليه الصلاة والسلام-والخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهَدي والحق كيف يكون طريقة الخلف أهدى من هذا وأعلم وأحكم؟ هذا ممكن؟!! يعني يمكن تقول أنت يارسول الله,أبو بكر,عمر,عثمان,عليّ,الصحابةكلهم طريقة مَنْ يأتي من هؤلاء المعتزلة والنُظار أعلم وأحكم منكم؟ هذا معقول؟ هذاأبداً غيرُ معقول. ولو أن إنساناً ثبت على هذا لأخرجناهُ من الإسلام لأن هذا من أعظم القدح في رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه أن يأتي كما قال شيخُ الإسلام:أفراخ الصائبة والمشركين واليهود والنصارى ثم يُقال هم أعلمُ وأحكم مِنْ مَنْ؟ من الرسول-عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته؟ هذا شيءٌ مستحيل. المهم أن هذاالقول وهو التفويض وأرجو أن تنتبهوا له لأنكم ربما تجدونه في كتب علماء أجلاء في أعيُننا وأعيُنكم يُطلقون مثل هذه العبارة"طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"وهم لو علموا مقتضى هذه العبارةومستلزماتها ماقالوها أبداً لكن قد تندرج على ألسنتهم من غير تروٍ وتمهُلٍ ويأخذها الآخرعن الأول.وإلا لو تأملوها لوجدوها متناقضة باطلة يلزم عليها لوازم فاسدة ونحنُ نرميهم بدائهم نقول: زعماؤكم ورؤساؤكم ماذا كان منتهى أمرهم؟إيش؟ الحيرة والقلق والشك.قال بعض العلماء وأظنه الشافعي"أكثرُالناسِ شكاً عندَالموت أهلُ الكلام" اللي يقول هؤلاء إنهم أعلم وأحكم نقول تفضلوا هذا الرازي من رؤسائكم ماذا يقول؟يقول(لقد تأملتُ الطرقَ الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولاتروي غليلاً ورأيتُ أقربَ الطرقِ طريقة َ القرآن أقرأ ُفي الإثبات"الرحمنُ على العرش استوى", "إليهِ يَصعدُ الكلمُ الطيب"وأقرا ُفي"النفي ليس كمثله شيءُ","ولايُحيطون به علماً" ومَنْ جرَّبَ مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". ا.هـ شوف هذا الكلام الجيد وهو دليلٌ واضحٌ على أن أهل الكلام لاينتفعون بكلام؛ لاتشفي عليلا ولاتروي غليلا. وكان قد قال متمثلا أو مُنشِئاً ثلاثة َأبياتٍ متمثلا بها أو مُنشِئاً يقول: نهاية ُإقدامِ العقولِ عِقالُ وأكثرُسعيِ العالِمينَ ضلالُ وأرواحُنا في وحشةٍ من جُسُومِنا وغاية ُدُنيانا أذىً ووبالُ ولم نستفد من بحثنا طولَ عُمْرنا سِوَى أن جمعنا فيهِ قيلَ وقالوا صارت عباءة ُالدراويش مُرقعة ًبكلِ لونٍ وإلا كُف الدرويش فيها من كل طعام قيل كذا وقالوا كذا هذا ظاهر النصوص.ظاهر النصوص هو مايتبادر منها إلى الذهن.ماقلنا إنه هو الذي لايحتمل غيره يحتمل غيره لكن أول مايتبادر إلى ذهنك هو هذا المعنى.هذا هو ظاهر النصوص وهذا يختلف,يقول المؤلف:يختلف بحسب السياق ومايُضافُ إليه الكلام .
المـتـن
 القاعدة الرابعة: 
 ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق؛ وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
الشرح
 إذا قلت جاءني طالب علم كبير وأنا أوزع كُتُباً فقال أنا أريدُ كتباًفقلتُ لوكيلي على المخزن أعطه مايليقُ به، وعنده الفتاوي والمُغني والمهذَّب وكتب السنة إيش يعطيه؟ يعطيه كل هذا لأنه طالب علم.وجاءني واحد في الابتدائي طلب كتباً فقلتُ لوكيلي أعطيه مايليقُ به إيش يعطيه؟ يُعطيه من الأشياء الصغيرة هذا مايليق به.شوف كلمة مايليق به لفظها واحدٌ لكن اختلفت بحسب؟ لأ بسحب ماأضيفت إليه و لا بحسب السياق. السياق واحد"أعطيه مايليقُ به"فاختلفت بحسب ما أضيفت إليه.فالذي يليق بهذا غير الذي يليق بهذا.
المـتـن
 فلفظ "القرية"، مثلاً يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى.
فمن الأول قوله تعالى"وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً "121.
 الشرح
 هنا المراد بالقرية أهلها لأن القرى التي هي المساكن ماتُعذب الذي يُعذب الساكن دون المساكن 
. المـتـن
ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم"إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة"122.
 الشرح 
 أي أهل هذه المساكن لأنه قال"أهل"فلايمكن أن يُراد بالقريةِ هنا أهلها لأننا لو قلنا المرادُ بالقريةِ أهل القرية لكان التركيب إنا مُهلكوا أهل هذه الأهل.تستقيم ولا لأ؟ ماتستقيم.
المتن

وتقول: صنعت هذا بيدي، فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"123؛ لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق أو بالعكس.
الشرح 
 واضح أنا قلتُ صنعتُ هذه بيدي وقد قال الله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ" التركيب واحد لكن بينهما فرق فاليد التي أضافها اللهُ إلى نفسه ليست كاليد التي أضفتها إلى نفسي مع أن التركيب واحد هذا بحسب الإضافة والأول القرية بسحب السياق.  
المـتـن
 ونقول: ما عندك إلا زيد، وما زيد إلا عندك، فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.
. الشرح 
 ماعندك إلا زيد ومازيد إلا عندك يعني ماينفي أن غيره عندك لكن ينفي أن يكون زيدٌ في مكان آخر فهنا الحصر في المكان والأول الحصر في الكائن .
المـتـن
إذا تقرر هذا فظاهر نصوص الصفات ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني.
وقد انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من جعلوا الظاهر المتبادر منها معنى حقاً يليق بالله - عز وجل - وأبقوا دلالتها على ذلك، وهؤلاء هم السلف الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والذين لا يصدق لقب أهل السنة والجماعة إلا عليهم.
 . الشرح
انتبهوا إلى هذه النقطة"الذين لايصدُق لقب أهل السُنة والجماعة إلا عليهم"لقب أهل السُنة لأنهم تمسكوا بالسُنة والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها فهو لايصدُق إلا على هؤلاء.اما من قال:إن المراد بالجماعة هنا جماعة الإمامة أهل السنة والجماعة يعني اللذين تحت إمام واحد؛هذا كذبٌ على اللغة بل المراد بالجماعة : الاجتماع هذا الأصل في لفظ الجماعة كما قال شيخُ الإسلام في"الواسطية"(قال الجماعة في الأصل اسمٌ للاجتماع فيكون معنى أهل السُنة أي أهل السُنة والاجتماع على السُنة) بهذا نعر ف أن مذهب المُفوِّضة أو بعبارة أصح أن المُفويضين والمُؤَوِّلين لايصدُق عليهم أنهم أهل السنة مع أن كثيراً من المتأخرين يرون أن أهلَ السُنة والجماعة ينحصرون في المفوضة والمؤولة.ولكننا نقول بملئ أفواهنا أن المفوضة والمؤولة لايصدُق عليهم هذا اللقب لأننا نعلم أن سُنة الرسول-صلى الله عليه وسلم-وسُنة أصحابه هو إبقاء النصوص على ظاهرها على مايليقُ بالله-عزوجل- والمؤولة يُحرفونها عن ظاهرها.ونعلمُ أيضاً أن النبي-صلى الله عليه وسلم-وأصحابِه أو أن سُنة النبي-عليه الصلاة والسلام-وأصحابه أن لهذه النصوص معنىً يليقُ بالله وأن المفوضة يقولون لا معنى لها أو على الأقل يقولون لانعلم لها معنى. فالحاصل أن لقب أهل السُنة والجماعة نأبى أن ينطبق إلا على مذهب السلف فقط الذين يُجرون النصوص على ظاهرها على معنى يُليقُ بالله-سبحانه وتعالى-. ونقول:
كُلٌ يدعي وصلاً لليلى     وليلى لاتُقِرُلهم بذاك
هاتوا برهانكم وتفضلوا على مائدة المناقشة أين السُنة من قومٍ يُخالفون سُنة الرسول وأصحابه؟!! أجيبوا غيرموجودة.فإذا كان هؤلاء المفوضة يُخالفون طريق النبي- صلى الله عليه وسلم-وأصحابه لأن النبي وأصحابه يُقِرون باللفظ والمعنى وهؤلاء يُقرون باللفظ ولايُقرون بالمعنى.أين السُنة والجماعة من قومٍ يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ويقولون:ليس المرادُ بها ظاهرَها؟مع أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه سُنتهم أن تجرى على ظاهرها.ولكن نقول هؤلاء الذين سلكوا مذهب التفويض أو مذهب التأويل إذا كان هذا هو مؤدى اجتهادهم وهم يُريدون حقاً ولكن لم يُوفقوا لإصابته فإن الله تعالى يعفوعنهم لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-جعل لمن اجتهد فأخطأ أجراً واحداً ولمن اجتهد وأصاب أجرين.فنحنُ نُخطئهم ونقول:أخطأتم ولم تُصيبوا لكن هل أثِمتم؟

ننظر,مَنْ طلب الحق وصدق في طلبه واجتهد في الوصول إليه فإننا لانُؤثمه لكننا نُضلله في رأيه لا نُضلله في مسلكه ومنهجه لكن نُضلله في رأيه. فهمتم ؟ أما مَنْ علمنا أنه مُنازعٌ مُكابرٌ لايريدُ الحق وإنما يُريدُ نُصر رأيه ونصر متبوعيه فإننا نُضلله ونُخطئه ونُؤثمه أيضاً لأنه ليس بمجتهدٍ.وهذا هو الميزان القسط ونحنُ لانظلم أحداً على حساب ديننا أو على حساب مايجب علينا من العدل إنما نقول:العدلُ شرعُ اللهِ فإذا تمسكَ به أحدٌ وأدى مايجب عليه فليس بآثم .
المـتـن
وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.
.
الشرح 
إذا تأملت مذهب أهل السُنة والجماعة وجدته هو المُطابقُ لما دلَّ عليه الكتاب والسُنة لكن يشترط لهذاالتتبُع أن يكون بعلمٍ وإنصافٍ.فإن كان بجهلٍ فإنه لايُمكن أن يُعرف أنه مُطابقٌ لماذا؟لأنه جاهلٌ.الجاهل كيف يعرف أن هذا المذهب مُطابقٌ لما دلَّ عليه الكتاب والسُنة؟ وإن كان بغيرِ عدلٍ أوبغيرِإنصافٍ فإنه سيُكابر ويقول:هذا لم يدل عليه الكتاب والسُنة أنتم تقولون:إنَّ لله وجهاً والقرآن يقول"ليس كمثله شيء"فإن أثبتم أن لله وجهاً فقد أثبتم أن له مثيلاً. عرفتم ولا لأ؟ هل هذا مُنصِفٌ؟ نقول له:ياأخ هل لك وجه؟قال:نعم هل الحمارله وجه قال:نعم هل وجهُكَ كوجه الحمار؟ إيش يقول؟ طبعاً يقول لأ..سبحان الله آدم فضِّلَ على كثيرٍ ممن خلق الله تفضيلاً تقول وجهه مثل وجه الحمار؟ إذا كنت تعرفُ الفرق بين وجهك ووجه الحمار لماذا لاتعرف الفرق بين وجه الرحمن ووجه المخلوق؟ فللهِ وجهٌ لكن لايشبه وجهي ولايشبه وجهك.للرحمن وجهٌ يليقُ بجلاله ولا لأ؟إذن هذاالذي يقول:إنك أتثبت لله وجهاً فقد أثبت له مثيلا؟نقول:ينتَقِضُ عليكَ بما أنت تنقُضُهُ بنفسك أليس كذلك؟ أي نعم. هذا الوجه الأول ممايدلُ على صحة مذهب السلف أليس كذلك؟ماهو الوجه الأول؟ الوجه الأول:مما يدل على أن مذهب السلف وهوالصحيح أنه مُطابقٌ لما دل عليه الكتاب والسُنة ولكن ليس كلُ أحدٍ يعرفُ أنه مطابقٌ إلا إذا كان عنده علمٌ وعدلٌ؛ أي إنصاف.

المـتـن
 وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.
....  
الشرح 
 أن يكون الحقُ فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم صح هذا؟ انتبه لكن لو قلنا:أن يكون الحق فيما قاله السلف أو فيما قاله أهلُ التأويل؛ لكان يمكن أن يقول قائلٌ:أوفيما قاله طرفٌ ثالثٌ. أما إذا قلنا أو فيما قاله غيرهم ؛فهو يشمل يعني ماأحد يَدخُل علينا في هذه العبارة ولذلك لو قال رجل:إن كان هذا الطائِرُغراباً فزوجتي طالقٌ وقال الثاني:إن كان حماما فزوجتي طالقٌ. أيُّهما تُطلق زوجته؟ كلهم ماتُطلق زوجاتهم .
انتهى الشريط الثالث



الشريط الرابع 
 لتتصل المعلومة سنبدأ بجزء من الشريط الثالث فمعذرة على التكرار

المـتـن

 وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.
....  

الشرح 

 أن يكون الحقُ فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم صح هذا؟ انتبه لكن لو قلنا:أن يكون الحق فيما قاله السلف أو فيما قاله أهلُ التأويل؛ لكان يمكن أن يقول قائلٌ:أوفيما قاله طرفٌ ثالثٌ. أما إذا قلنا أو فيما قاله غيرهم ؛فهو يشمل يعني ماأحد يَدخُل علينا في هذه العبارة ولذلك لو قال رجل:إن كان هذا الطائِرُغراباً فزوجتي طالقٌ وقال الثاني:إن كان حماما فزوجتي طالقٌ. أيُّهما تُطلق زوجته؟ كلهم ماتُطلق زوجاتهم .
انتهى الشريط الثالث

بداية الرابع
كلهم ماتُطلق زوجاتهم؛ليش؟ لأن قال هذا غرابُ وقال هذا حمامٌ يمكن يكون لاغراب ولا حمام إذن ماتُطلق زوجاتهم.وقال رجلٌ له امرأتان:إن كان هذا الطائرُ غراباً فزينبُ طالقٌ وإن كان حماماً فهندُ طالقٌ وراح الطائر مَنْ يُطلق؟ كلُ واحدةٍ ما تُطلق.الرجلُ قال:إن كان هذاالطائرُغراباً فزينبُ طالقٌ وإن كان غير غرابٍ فهندُ طالقٌ مَن يُطلق منهما؟ شوف ياإخوان هوقال صيغتين:
1-إن كان هذا الطائرُ غراباً فزينبُ طالقٌ وإن كان حماماً فهندُ طالقٌ هذا مايطلق كلهم ليش؟لأنه يحتمل أنه لاغراب ولاحمام.
 2-إن كان هذا الطائرُغراباً فزينبُ طالقٌ وإن كان غير غرابٍ فهندُ طالقٌ نقول تُطلقُ أحدهما يقيناً ليش؟ لأنه إما غراب ولاغيرغراب مافيه غيرهما لا مافيه قسِمٌ ثالث لاغراب ولاغير غراب.يقول العلماءفي هذه الحال تُميَّزُ المجهولة بالقرعة فيقرع بينهما فمن خرجت القرعة عليها طُلِقت.فهمتم الفرق بين الكلمات ياجماعة؟ انتبهوا نحنُ الآن نتكلم عن انقسام الناس في نصوص الكتاب والسُنة بالنسبة لأسماء الله وصفاته وأنه القسم الأول وهو أشرف الأقسام مَنْ جعلوا الظاهرالمتبادرمنها حقاً يليقُ بالله-عزوجل-وهؤلاء أبقَوا دِلالتها على ذلك وهم السلف. وقلنا:إن السلف دلَّ على قولهِم السمع والعقل أو قلنا هذا هو المذهب الصحيح لوجهين:الوجه الأول:أنه تطبيقٌ لم دلَّ عليه الكتاب والسُنة.
المتن

الوجه الثاني:أن يُقال:إن الحق إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم.والثاني باطلٌ لأنه يلزم منه أن يكون السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالباطل تصريحاً أوظاهراً.ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحا ولاظاهراً بالحق الذي يجب اعتقاده. الشرح:- واضح هذاإذا قلنا:إن الحق فيما قاله غيرُالسلفِ لَزِمَ من ذلك أن السلف تكلموا بالباطل ولم يتكلموا بالحق أبداً؛ وهذا طبعاً لازمٌ باطلٌ لا أحد يقول:إن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يتكلمون بالباطل ولايتكلمون بالحق والذي يقول ذلك قد نُكفره؛ قد نقول له أنت كافرلإن إذا كان هؤلاء لم يتكلموا إلا بالباطل فهذا أكبر العيب والقدح فيهم.
المتن
 وهذا يستلزم أن يكونوا إما جاهلين بالحق وإما عالمين به لكن كتموه وكلاهما باطلٌ.وبُطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.فتعين أن يكون الحقُ فيما قاله السلف دون غيرهم. الشرح
وهذا واضح دليلٌ عقليٌ ولالأ؟ هذا دليلٌ عقلي والأول دليلٌ حسي لأنك إذا تأملت مذهب السلف وجدته مطابقاً لما دل عليه الكتاب والسُنة وهذا دليلٌ عقلي ولامحِيدَ عنه. المتن
القسم الثاني:مَنْ جعلوا الظاهر المتبادرمن الصفات معنىً باطلاً لايليقُ بالله وهو التشبيه وأبقوا دلالتها على ذلك وهؤلاء هم المُشبهة ومذهبهم باطلٌ مُحرمٌ من عدة أوجهٍ:
الشرح
هؤلاء يقولون:نُجري النصوص على ظاهرها لكنهم يجعلونها من جنس صفات المخلوقين.يقولون:نعم لله وجهٌ ولكن وجهه مثل وجه الناس له يد ويده مثل أيدي الناس وهكذا يقولون في بقية الصفات.هؤلاء سماهم أهلُ السُنةِوالجماعة إيش؟ مشبهة ممثلة.
المتن
الأول:أنه جناية ٌعلى النصوص وتعطيلٌ لهاعن المراد بها. فكيف يكون المرادُ بها التشبيه وقد قال اللهُ تعالى: "ليس كمثله شيء"؟ الشرح:- صح لاشك أنها جناية على النصوص.الذي يقول:إن نصوص الصفات تدل على التشبيه؛ قد جنى عليها لأنها لايمكن أن تدل على التشبيه أبداًلأن الله يقول:"ليس كمثله شيء".
المتن
 الثاني:أن العقل دلَّ على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات فكيف يُحكم بدلالة النصوص على التشابه بينهما؟
الشرح
هذا أيضاً دليلٌ عقلي.نقول:إن العقل دل على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات؛ ولاأحد يدعي مُساواة الخالق للمخلوق في الذات ولافي الصفات إلا المُكابر.فإذا كان العقل دل على امتناع التماثل والتشابه بين المخلوق والخالق فإننا لو قلنا بالتماثل لكانت النصوص دالة على أمرٍ ممتنعٍ عقلاً وهذا لايمكن.

المتن
 الثالث:أن هذا المفهوم الذي فهمه المُشَبِهُ من النصوص مُخالفٌ لما فهمه السلف منها فيكونُ باطلاً. الشرح هل السلف فهموا من نصوص الصفات التمثيل أو التشبيه؟ أبداً مافهموه بل آمَنوابها بدون تمثيل فمَنْ آمن بها مع التمثيل؛كان مذهبه مُخالفاً لمذهب السلف.
 المتن
فإن قال المُشبه:أنا لاأعقِل من نزول الله ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك والله تعالى لم يُخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله.فجوابه من ثلاثة أوجهٍ

الشرح
صح هذه حُجة لمن؟ للمُشَبه يقول:إن الله خاطبنا بما نعرف ونحنُ لانعرف من اليد والنزول والاستواء إلاما نُشاهد وعلى هذا يكون ما أخبرنا به الله من ذلك مماثلا لما نُشاهده وهذه هي الحُجة.يقول هذاالرجل المُشبه لقد خاطبنا الله-عزوجل-بما نعقل فنقول:صدقت ثم يقول:وأنالا أعقل من لفظ اليد والنزول والاستواء والوجه والعين وما أشبه ذلك إلا ماأشاهد وهذا يقتضي أن الله تعالى مُشابه ٌ للمخلوق.فكلُ عينٍ لله فهي مثل عين المخلوق.طيب أى مخلوق؟ مثل عين الذرة مثل عين الجمل مثل عين الإنسان ؛أيُّ عين؟ أنا لاأعرف عن جوابهم في ذلك لكن طبعا سيقول مثل عين الإنسان لأن الله يقول:"ولقد خلقنا الإنسانَ في أحسَنِ تقويم".والرسول-صلى الله عليه وسلم-يقول: "إن اللهَ خلقَ آدم على صورته".فيقول المُشبهُ:إن عينه كعين الإنسان عرفت ؛ولا لأ؟ إذن المُشبهُ عنده تشبيهٌ هو نفسه مُشبهٌ لله بخلقه وعنده تشبيه أي إلقاء شُبهٍ على الناس وهكذا كلُ مُبطلٍ لابد أن يأتي بشَبهٍ تحيربعض الناس فيقبلها.هذا لو جاء عند عامي وقام يتكلم في مثل هذاالبيان لقال صدقت هذا هو الحق ومشى على ذلك؛ ولكن سنُبين إن شاء الله بُطلان هذه الشُبهة.
 المتن
 أحدها:أن الذي خاطبنا بذلك هوالذي قال عن نفسه:"ليس كمثله شيء"ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال أويجعلواله أنداداً فقال:"فلا تضربوا للهِ الأمثالَ إنَّ اللهَ يعلمُ وأنتم لا تعلمون"وكلامه تعالى كله حقٌ يُصدق بعضه بعضاً ولا يتناقض.
 الشرح
 صح طيب لو قلتُ:إن هذا مثل هذا كذبْتَ قوله تعالى: "ليس كمثله شيء"وضربتَ له مِثلاً وجعلتَ له نِداً وقد نُهِيتَ عن ذلك.وكلامُ اللهِ-عزوجل-يُصَدِّقُ بعضه بعضاً. ونحنُ يُمكنُنا أن نجمع بين قوله:"ليس كمثله شيء" وقوله: "لِما خلقتُ بيدي"أو"تجري بأعيُنِنَا"نستطيع أن نوفق بينهم فنقول:عينٌ لأن اللهَ أثبتها لاتُماثل أعين المخلوقين لأن اللهَ قال:"ليس كمثله شيء"فيُمكن أن نوفق؛ وحينئذٍ نَسْلمُ من تمثيلِك وضربِكَ أمثالاً لله مع إثباتنا حقائق ما وصف اللهُ به نفسه.
 المتن ثانيها:أن يُلله:ألستَ تعقلُ للهِ ذاتاً لاتشبهُ الذوات؟ فسيقول:بلى.
الشرح

نقول:هل أنتَ تُؤمن بأن للهِ ذاتاً؟ سيقول:معلوم أومِنُ بذلك هل تقول:إنها تشبه الذوات أوإنها لاتشبه الذوات؟ سيقول: لا تشبه الذوات.فنقولُ له:هل تعقل له صفات لاتشبه الصفات ؟ فإن القول في الصفات كالقول في الذات ومَنْ فرَّقَ بينهما فقد تناقض. فنقولُ لهُ:إن كُنتَ تعقل له ذاتاً لا تشبه الذوات فاعقل له صفاتٍ لاتشبه الصفات.أما أن تقول أعقل له ذاتاً لاتشبه الذوات ولكن لا أعقل صفاتٍ لاتشبه الصفات فهذا تناقض. المتن فيُقالُ له:فلتعقل له صفاتٍ لاتشبه الصفات فإن القول في الصفات كالقول في الذات ومَنْ فرَّقَ بينهما فقد تناقض. ثالثها:أن يُقال:ألستَ تُشاهد في المخلوقات مايتفقُ في الأسماء ويختلفُ في الحقيقة والكيفية؟فسيقول:بلى.فيُقالُ لهُ إذا عقلتَ التباينَ بين المخلوقات في هذا فلماذا لاتعقله بين الخالق والمخلوق كما سبق في القاعدة السادسة من قواعد الصفات؟ الشرح هذا أيضا جوابٌ ثالث عقلي. نقول الآن ألستَ تُشاهدُ في المخلوقات مايتفقُ في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟ إن قال:لأ ما أشاهد.قلنا:تفضل لحديقة الحيوان ؛شوف فيها أسود فيها حُمر وحش وفيها ضباع وفيها حيات وفيها قرود كلُ واحدٍ منها له وجه وله عين وله يد وله رجل وله ذيل فهل اختلفت أواتفقت ؟إن قال ما اختلفت؛ مجنون. فإذاً وضَحَ أن المخلوقات تكون صفاتُها متفقة ًفي الاسم وتُخالفها في الحقيقة لماذا لانعقل لربنا-عزوجل-صفاتٍ تُوافق صفاتنا في الاسم وتُخالفها في الحقيقة؟ لماذا لانعقل؟ أليسَ التبايُن بين الخالق والمخلوق أظهر وأبين من التبايُن بين المخلوقات بعضها مع بعض؟ بلى.وحينئذٍ لايكون قوله فيما سبق أنا لاأعقل من هذا اللفظ إلا مثل ما أشاهد من الأعيان.نقول: تبين أن قولكَ هذا باطلٌ وأنه قد يُعْقلُ الشيءُ مماثلا للشيءِ في الاسم مُخالفاً له في الحقيقة إينعم.
________________________________________
(103) سورة إبراهيم، الآية: 27.
(104) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: أدلة هذه مذكورة في مواضعها من كتب العقائد.
(105) سورة الأنعام، الآية: 155.
(106) سورة الأعراف، الآية: 158.
(107) سورة الحشر، الآية: 7.
(108) سورة النساء، الآية: 80.
(109) سورة النساء، الآية: 59.
(110) سورة المائدة، الآية: 49.