شرح أُصُولِ السُّنَّة
لِلإمَامِ
أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ
لِلإمَامِ
أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"سورة آل عمران / آية : 102 .
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".سورة النساء / آية : 1 .
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".سورة النساء / آية : 1 .
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"سورة الأحزاب / آية : 70 ، 71 .
أَمَّا بَعْدُ:
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِمُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ثم أَمَّا بَعْدُ:
إن خير ما أنفق فيه الإنسان عمره، وأوقاته وأنفاسه طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه، الذي هو من أفضل العبادات وأجل القربات.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، ونسأله أن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، ونسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا، ونسأله أن يعيذنا من الرياء والسمعة، وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه عنا، وأن يثبتنا على دينه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لذا نقدم درة من درر العقيدة ،وهي :
شرح أُصُولُ السُّنَّةِ لِلإمَامِ: أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ . رابط مباشر لتحميل المتن مباشر= وهنا= وهنا -
فالإمام أحمد رحمه الله في هذه الرسالة يقرر مذهب أهل السنة والجماعة، ويبين مذهب أهل البدع، وأنهم مخالفون لمذهب أهل السنة والجماعة، ومعروف أن الإمام أحمد هو إمام أهل السنة والجماعة ، وقد امتحن في مسألة القول بخلق القرآن فثبته الله وصبر على الأذى والسجن والضرب، حتى نصره الله، والله تعالى كما قال بعض العلماء: إن الله تعالى حفظ الإسلام بأبي بكر الصديق يوم الردة، وحفظ الإسلام بالإمام أحمد يوم المحنة.
*ترجمة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
يؤيد ويسخر الله عز وجل أمة الإسلام في كل حقبة من الزمن من يقودها إلى الحق، فرغم شدة المحنة، وألم العذاب، كان القرار الجريء من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالثبات على الحق في محنة خلق القرآن، هذه المحنة التي عصفت بالأمة في تلك الحقبة من تاريخنا.
*اسمه ونسبه :
أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني ـ أبو عبد الله .
ولد سنة 164 هـ ، وتوفي ببغداد سنة 241 هـ .
ويمتد نسبه حتى يلاقي فيه نسب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نزار ، لأن نزارًا كان له أربعة أولاد ، منهم مُضَر ، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ولده ومنهم ربيعة وإمامنا أبو عبد الله أحمد من ولده . والإمام أحمد عربي صحيح النسب ، حملت به أمه بـ مرو ، وقَدِمَتْ بغداد وهي حامل به فولدته في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة .
وكان أبوه "محمد" والي سرخس ، وكان من أبناء الدعوة العباسية ، وتوفي ـ أي : والد الإمام أحمد ـ وله ثلاثون سنة ، وكانت وفاته في سنة تسع وسبعين ومائة .من أعلام السلف/ للشيخ أحمد فريد / ج : 2 / ص : 220 .
*صفته ـ رحمه الله ـ :
قال ابنُ ذَرِيح الْعُكْبَرِيُّ :
طلبت أحمد بن حنبل فسلمتُ عليه ، وكان شيخنا مخضوبًا طوالًا أسمر شديد السمرة.
وعن محمد بن عباس النحوي قال : رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه ، ربعه ، يخضب بالحناء خضابًا ليس بالقاني ، في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظًا بيضًا ، ورأيته معتمًّا وعليه إزار .
تهذيب الكمال للحافظ المزي . وسير أعلام النبلاء.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 221 .
*طلبه للعلم :
كانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا ، وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرًا ، وعلمه به متوافرًا ، وربما كان يريد البكور في الحديث فتأخذ أمه بثيابه فتقول : حتى يُؤَذِّن الناس ، أو حتى يصبحوا .
وطَلَبَ الحديث وهو ابن ست عشرة سنة ، وسافر في طلب العلم أسفارًا كثيرة إلى بلاد : الكوفة ، والبصرة ، والحجاز ، ومكة ، والمدينة واليمن والشام ، والثغور ، والسواحل ، والمغرب ، والجزائر ، والفُراتَين جميعًا ، وأرض فارس ، وخُراسان ، .....ثم رجع إلى بغداد وساد أهل عصره ، ونصر الله به دينَهُ .
قال يحيى بن معين : خرجنا إلى عبد الرزاق إلى اليمن حججنا ، فبينا أنا بالطواف إذا " بعبد الرزاق " في الطواف ، فسلمت عليه ، وقلت له : هذا " أحمد بن حنبل " فقال : حياه الله ، وثبته فإنه بلغني عنه كل جميل .
فقلتُ لأحمد : قد قَرَّبَ اللهُ خُطانا ، وَوُفِّرَتْ علينا النفقة ، وأراحنا من مسيرة شهر .
فقال : إني نويت ببغداد أن أسمع عنه بصنعاء ، والله لا غيرت نيتي ، فخرجنا إلى صنعاء فنفدت نفقته ، فعرض علينا عبد الرزاق دراهم كثيرة ، فلم يقبلها ، فقال : ـ أي عبد الرزاق ـ على وجه القرض . فأبى ، وعرضنا عليه نفقاتنا ، فلم يقبل . فاطلعنا عليه وإذا هو به يعمل التك* ، ويفطر على ثمنها . واحتاج مرة فأكرى نفسه للجمالين، أي عمل أجيرًا عندهم . كذا ، ولم يصرح بمعناه . حاشية : من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 223.
*وقال أحمد الدورقي : لما قدم " أحمد بن حنبل " من عند " عبد الرزاق " رأيتُ به شحوبًا بمكة ، وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته فقال : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق . سير أعلام النبلاء .
* وكان من أصحاب الإمام الشافعي وخواصه ، وكان الشافعي يُجله ويثني عليه .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول عند قدومه إلى مصر من العراق : ما خلفت بالعراق أحدًا يشبه أحمد بن حنبل .
* وحج خمس حجات ، ثلاث حجج ماشيًا ، واثنتين راكبًا . من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 222 .
*آدابه وأخلاقه :
*عن أبي داود السجستاني قال : لم يكن " أحمد بن حنبل " يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا ، فإذا ذُكر العلم تكلم . وقال مجالسة " أحمد بن حنبل " مجالسة الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا .
وعن أبي بكر المطوعي قال : اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنى عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده ، فما كتبتُ منه حديثًا واحدًا ، وإنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه وآدابه.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 232.
*شيوخه :
قال الخطيب في تاريخ بغداد :
سمع من إسماعيل بن عُلَّية ، وَهُشَيْم بن بشير ، ووكيع بن الجراح ، ..... وخلق سوى هؤلاء يطول ذكرهم . وذكر المِزِّي في تهذيبه مائة وأربعة من شيوخه .من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 245 .
*تلامذته :
قال الخطيب :
وروى عنه غير واحد من شيوخه ، وحدَّثَ عنه ابناه :
" صالح " و " عبد الله " ، وابن عمه " حنبل بن إسحاق "
وقد ذكر المزي أيضًا في تهذيبه ثمانية وثمانين من تلامذته ، وفيهم جملة من شيوخه منهم محمد بن إدريس الشافعي ، ووكيع بن الجراح ، ويحيى بن آدم ، ويزيد بن هارون .
ومن أقرانه : علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ودحيم الشامي ، وأحمد بن صالح المصري .من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 246 .
*محنة الإمام أحمد :
عرضت عليه الدنيا فأباها ، والبدعة فنفاها . فقد تعرض الإمام للفتنة من أربعة من الخلفاء ، وهم المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل .
وقد كانت الأمة قبل ذلك ترتفع فيها راية السنة إلى عهد الخليفة " هارون الرشيد " ـ رحمه الله ـ ، فكان أهل البدع يستخفون ببدعتهم ، ولا يجهرون بباطلهم .
ولما وليَ المأمون أبو جعفر بن هارون الرشيد ، وكانت ولايته في المحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، صار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وحسنوا له قبيح القول بخلقالقرآن ونفي صفة الكلام عن الله .
فالمعتزلة رفضوا الإيمان بصفة الكلام لاعتقادهم التشبيه وقياس الله على خلقه في الحكم ، فكذبوا بالآيات التي تدل على ثبوت الصفة لله ، فقالوا "لا يتكلم ولا يكلم " . تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا .
وحاول المأمون أن يجبر العلماء والقضاة على القول بمذهبه ، فأجابه أكثرهم تقية ، وقتل من قتل في المحنة ، ووقف الإمام أحمد كأنه جبل شامخ تكسرت عليه المحن وانهزمت على قدميه الفتن .
ولما هلك " المأمون " تبعه " المعتصم " فجلد الإمام وحبسه ثمانية وعشرين شهرًا على أن يلين . فثبت على الحق حتى هلك المعتصم ، ومِن بعده الواثق .
ثم أشرقت عليه خلافة المتوكل ، وكان من أهل السنة ، فَرُفِعَتْ أعلام السنة ونُكست أعلام البدعة ، وأهلك الله عز وجل كل من شارك في المحنة .
ولكن الإمام أحمد لم يَسْلَم في زمن المتوكل من الفتنة ولكنها فتنة من نوع جديد ، إنها فتنة الدنيا ، فتنة المال والجاه والدخول على السلطان
فقد حاول المتوكل أن يغدق على الإمام الأموال ، ولكن إمامنا وعالمنا لم ترهبه السياط والتعذيب ، ولم يجذبه بريق المال والسلطان .
فقال الإمام ـ رحمه الله : أسلم من هؤلاء ستين سنة ثم ابتلى بهم ، فما قبل من ذلك شيئًا ، وعاش بقية عمره زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فازداد ارتفاعًا في قلوب الخلق.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 218 / بتصرف .
*وصايا الصالحين :
من أسباب الثبات الدعاء بأن يقيض الله للمرء رجلًا صالحًا يعظه فيثبته الله وينفعه بتلك الكلمات ، فتنبني نفسه ، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به
ها هو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يساق إلى المأمون مقيدًا بالأغلال ، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه : يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك ، وأنه أقسم لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف . وهنا يأتي الصالحون ، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة .ففي السير 241أ11. أن أبا جعفر الأنباري قال : لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرتُ ، فعبرتُ الفرات ، وجئتَهُ ، فسلمتُ عليه ، وقلتُ : يا إمام أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير ، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه .
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول : وصلنا إلى رحبة - رحبة : تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات - ورحلنا منها في جوف الليل ، قال : فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل هذا . فقال : يا هذا ماعليك أن تُقْتَل ها هنا وتدخل الجنة . ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
وأعرابي يعترضه ، ويقول : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم ، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، إن كنت تحب الله فاصبر ، فوالله ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل .
ويقول الإمام أحمد : ما سمعت كلمة مُذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في " طوق " ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا ، وإن عشت عشت حميدًا فقوَّى بها قلبي .
فإن أردت بناء نفسك أخي الكريم ـ فاحرص على طلب الوصية من الصالحين ، اعقلها إذا تُلِيَت عليك ، اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما يقع فيه ـ من المعاصي ..... ، اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل حدوث محنة متوقعة ، اطلبها إذا عُيِّنْتَ في منصب صَغُرَ أو كَبُرَ ، أو ورثت مالًا وصرت ذا غنى ، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك ـ على الحق ـ وينبني بها غيرك والله ولي المؤمنين .
عوامل بناء النفس / ص : 55 .
قال صالح ـ ابن الإمام أحمد ـ لما كان في أول يوم من ربيع أول من سنة أحدى وأربعين ومائتين حُمَّ
أبي ليلة الأربعاء . وكنت قد عرفت علته ، وكنت أمرضه إذا اعتل ، فقلتُ له :
يا أبتِ على ما أفطرت البارحة ؟ .قال :على ماء باقلاء ووصف له في علته
قرعة تشوى ويسقى ماؤها ، فلما جاءوا بالقرعة قال يا صالح فقلت لبيك قال :
لا تشوي في منزلك ، ولا في منزل أخيك . وذلك لأنه نهى وَلَدَيْـه -
صالح ، وعبد الله - وعمه ، عن أخذ العطاء من مال الخليفة ، فاعتذروا
بالحاجة ، فهجرهم شهرًا لأخذ العطاء . ورفض أن يستخدم فرن ولديه لأجل هذا .
ـ وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده فحجبه ،وأتى ابن علي بن الجعد وكثر الناس ، فقال : أي شيء ترى ؟ .
قلت : تأذن لهم ، فيدعون لك .
قال : استخير الله .
فجعلوا يدخلون عليه أفواجًا حتى تمتلئ الدار ،فيسألونه ويدعون له ، ثم يخرجون ، ويدخل فوجآخر ، وكثر الناس فامتلأ الشارع ،
وأغلقنا باب الزُّقاق ، وجاء رجل من جيراننا قد خضب فقال أبي : إني لأرى الرجل يُحْيِي شيئًا من السنة فأفرح به . ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها ،ولم يزل يصلي قائمًا ،أمسكه فيركع ويسجد ، وأرفعه في ركوعه . واجتمعت عليه أوجاع الْحُصْر وغير ذلك ،ولم يزل عقله ثابتًا .
قال البخاري: مرض أحمد بن حنبل لليلتين خلتا من ربيع أول ، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول .
وفتح الناس أبواب المنازل في الشوارع والدروب ينادون من أرادالوضوء ـ للصلاة عليه ـ ، وصلىعليه جموع كبيرة من الخلق . وشيعه جموع
ـ قال أبو بكر الخلال :
سمعت عبد الوهاب الوراق يقول : ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية والإسلام مثله . من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 230 ، 253 / بتصرف .
وقد كان أحمد ـ رحمه الله ـ محنة في زمانه وبعد زمانه حتى صار الرجل يعرف هل هو من أهل السنة أو من أهل البدع بحبه لأحمد أو بغضه لأحمد ـ رحمه الله تعالى ـ .وليس معناه أبدًا أن أحمد بن حنبل ـ رحمه
الله ـ معصوم ،فلا أبو بكر معصوم ولا غيرهم من أهل هذه الأمة معصوم ...
فلا عصمة لأحد في هذه الأمة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أصول أهل السنة والجماعة لإمام أهل السنة ، أحمد بن حنبل رحمه الله:
وهي قواعد ينبغي على كل من يطالعها أن يعض عليها بالنواجذ ، فهي سبيل للهداية والنجاة والسعادة في الدارين . ذلك لأنها عقيدة سلف الأمة " رضي الله عنهم " ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها ...
" فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "سورة البقرة / آية : 137.
قال محققوا هذه النسخة:
ففي
الحديث الشريف الآتي بيانٌ لمنزلة العلم بأمور الدين، عن معاوية بن أبي
سفيان رضي الله تعالى عنهما أنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
يقول «مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنما أنا قاسِمٌ واللهُ يُعْطي، ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر اللهِ، لا يضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله» صحيح البخاري: 71.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ" مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا .." رواه مسلم :2674.
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هوسبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافرولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم ، لذا نقدم قبسة من قبسات العلم ، نظرًا لأهمية دراسة العقيدة.
وأهمية دراسة العقيدة تتبين من وجهين:
الوجه الأول:أنها جزء من الدين , وبالتالي فكل النصوص الآمرة بأخذ الدين وتعلمه تتناول مسائل العقيدة بالأولوية.
الوجه الثاني: أنها أصل في أعمال الجوارح , بمعنى أن صلاح العقيدة يورث صلاح العمل والعكس بالعكس , وقد ضرب الله مثلا لذلك بأهل الكتاب حين قال"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ "آل عمران 24- 23.
فالله -عز وجل- جعل افتراءهم في الدين , وفساد اعتقادهم سببًا لفساد أعمالهم وأصلًا لإعراضهم.والعلم يَستوجب الإخلاص لله؛ فالقصد من طلَبِ العلم هو عِبادة الله تعالى، والعمل به، وتبليغه للغير، ابتغاء وجه الله .
فلا بد لطالب العلم أن يستشعر هذا الأمر وأنه في عبادة، وعليه أن يخلص لله -عز وجل- في عبادته، فإذا كان تعلم العلم وتعليمه من العبادات العظيمة، فعلى أهل العلم أن يخلصوا أعمالهم لله -عز وجل- لأن العبادة لا تصح ولا تكون نافعة، ولا مقبولة عند الله، حتى يتحقق فيها: الإخلاص لله، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم. والمؤمنون الذين أنعم الله عليهم بالعلم والعمل لهم أربع مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة الأنبياء، والمرتبة الثانية: مرتبة الصديقين، والمرتبة الثالثة: مرتبة الشهداء، والمرتبة الرابعة: مرتبة الصالحين، قال الله تعالى في كتابه العظيم:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"سورة النساء:69.
أي: كل مَنْ أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وأنثى وصغير وكبير" فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ"أي: النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة " مِنَ النَّبِيِّينَ "الذين فضلهم الله بوحيه، واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق، ودعوتهم إلى الله تعالى "وَالصِّدِّيقِينَ"وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله"وَالشُّهَدَاءِ "الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا "وَالصَّالِحِينَ"الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم، فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء في صحبتهم "وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأُنْس بقربهم في جوار رب العالمين. تفسير السعدي = هنا = بتصرف.
إذًا
على طالب العلم أن يجاهد نفسه في تعلمه وتعليمه، حتى يكون يريد بذلك وجه
الله والدار الآخرة لا رياء ولا سمعة، والنية هي أساس العمل، وإصلاح النية
من أصعب الأمور، قيل للإمام أحمد: كيف ينوي في طلبه العلم؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره، ينوي
به ذلك؛ أي لا يريد الدنيا ولا المال ولا المناصب ولا الجاه، ولا الشهرة،
ولا الوظيفة، وإنما ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، يتعلم العلم لله فلا بد لطالب العلم والمتعلم والمعلم- أن يستشعر هذه العبادة العظيمة، وأنه في عبادة من أجَلّ العبادات وأشرف القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ" مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا .." رواه مسلم :2674.
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هوسبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافرولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم ، لذا نقدم قبسة من قبسات العلم ، نظرًا لأهمية دراسة العقيدة.
وأهمية دراسة العقيدة تتبين من وجهين:
الوجه الأول:أنها جزء من الدين , وبالتالي فكل النصوص الآمرة بأخذ الدين وتعلمه تتناول مسائل العقيدة بالأولوية.
الوجه الثاني: أنها أصل في أعمال الجوارح , بمعنى أن صلاح العقيدة يورث صلاح العمل والعكس بالعكس , وقد ضرب الله مثلا لذلك بأهل الكتاب حين قال"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ "آل عمران 24- 23.
فالله -عز وجل- جعل افتراءهم في الدين , وفساد اعتقادهم سببًا لفساد أعمالهم وأصلًا لإعراضهم.والعلم يَستوجب الإخلاص لله؛ فالقصد من طلَبِ العلم هو عِبادة الله تعالى، والعمل به، وتبليغه للغير، ابتغاء وجه الله .
فلا بد لطالب العلم أن يستشعر هذا الأمر وأنه في عبادة، وعليه أن يخلص لله -عز وجل- في عبادته، فإذا كان تعلم العلم وتعليمه من العبادات العظيمة، فعلى أهل العلم أن يخلصوا أعمالهم لله -عز وجل- لأن العبادة لا تصح ولا تكون نافعة، ولا مقبولة عند الله، حتى يتحقق فيها: الإخلاص لله، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم. والمؤمنون الذين أنعم الله عليهم بالعلم والعمل لهم أربع مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة الأنبياء، والمرتبة الثانية: مرتبة الصديقين، والمرتبة الثالثة: مرتبة الشهداء، والمرتبة الرابعة: مرتبة الصالحين، قال الله تعالى في كتابه العظيم:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"سورة النساء:69.
أي: كل مَنْ أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وأنثى وصغير وكبير" فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ"أي: النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة " مِنَ النَّبِيِّينَ "الذين فضلهم الله بوحيه، واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق، ودعوتهم إلى الله تعالى "وَالصِّدِّيقِينَ"وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله"وَالشُّهَدَاءِ "الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا "وَالصَّالِحِينَ"الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم، فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء في صحبتهم "وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأُنْس بقربهم في جوار رب العالمين. تفسير السعدي = هنا = بتصرف.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، ونسأله أن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، ونسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا، ونسأله أن يعيذنا من الرياء والسمعة، وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه عنا، وأن يثبتنا على دينه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لذا نقدم درة من درر العقيدة ،وهي :
شرح أُصُولُ السُّنَّةِ لِلإمَامِ: أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ . رابط مباشر لتحميل المتن مباشر= وهنا= وهنا -
فالإمام أحمد رحمه الله في هذه الرسالة يقرر مذهب أهل السنة والجماعة، ويبين مذهب أهل البدع، وأنهم مخالفون لمذهب أهل السنة والجماعة، ومعروف أن الإمام أحمد هو إمام أهل السنة والجماعة ، وقد امتحن في مسألة القول بخلق القرآن فثبته الله وصبر على الأذى والسجن والضرب، حتى نصره الله، والله تعالى كما قال بعض العلماء: إن الله تعالى حفظ الإسلام بأبي بكر الصديق يوم الردة، وحفظ الإسلام بالإمام أحمد يوم المحنة.
*ترجمة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
يؤيد ويسخر الله عز وجل أمة الإسلام في كل حقبة من الزمن من يقودها إلى الحق، فرغم شدة المحنة، وألم العذاب، كان القرار الجريء من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالثبات على الحق في محنة خلق القرآن، هذه المحنة التي عصفت بالأمة في تلك الحقبة من تاريخنا.
*اسمه ونسبه :
أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني ـ أبو عبد الله .
ولد سنة 164 هـ ، وتوفي ببغداد سنة 241 هـ .
ويمتد نسبه حتى يلاقي فيه نسب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نزار ، لأن نزارًا كان له أربعة أولاد ، منهم مُضَر ، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ولده ومنهم ربيعة وإمامنا أبو عبد الله أحمد من ولده . والإمام أحمد عربي صحيح النسب ، حملت به أمه بـ مرو ، وقَدِمَتْ بغداد وهي حامل به فولدته في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة .
وكان أبوه "محمد" والي سرخس ، وكان من أبناء الدعوة العباسية ، وتوفي ـ أي : والد الإمام أحمد ـ وله ثلاثون سنة ، وكانت وفاته في سنة تسع وسبعين ومائة .من أعلام السلف/ للشيخ أحمد فريد / ج : 2 / ص : 220 .
*صفته ـ رحمه الله ـ :
قال ابنُ ذَرِيح الْعُكْبَرِيُّ :
طلبت أحمد بن حنبل فسلمتُ عليه ، وكان شيخنا مخضوبًا طوالًا أسمر شديد السمرة.
وعن محمد بن عباس النحوي قال : رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه ، ربعه ، يخضب بالحناء خضابًا ليس بالقاني ، في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظًا بيضًا ، ورأيته معتمًّا وعليه إزار .
تهذيب الكمال للحافظ المزي . وسير أعلام النبلاء.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 221 .
*طلبه للعلم :
كانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا ، وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرًا ، وعلمه به متوافرًا ، وربما كان يريد البكور في الحديث فتأخذ أمه بثيابه فتقول : حتى يُؤَذِّن الناس ، أو حتى يصبحوا .
وطَلَبَ الحديث وهو ابن ست عشرة سنة ، وسافر في طلب العلم أسفارًا كثيرة إلى بلاد : الكوفة ، والبصرة ، والحجاز ، ومكة ، والمدينة واليمن والشام ، والثغور ، والسواحل ، والمغرب ، والجزائر ، والفُراتَين جميعًا ، وأرض فارس ، وخُراسان ، .....ثم رجع إلى بغداد وساد أهل عصره ، ونصر الله به دينَهُ .
قال يحيى بن معين : خرجنا إلى عبد الرزاق إلى اليمن حججنا ، فبينا أنا بالطواف إذا " بعبد الرزاق " في الطواف ، فسلمت عليه ، وقلت له : هذا " أحمد بن حنبل " فقال : حياه الله ، وثبته فإنه بلغني عنه كل جميل .
فقلتُ لأحمد : قد قَرَّبَ اللهُ خُطانا ، وَوُفِّرَتْ علينا النفقة ، وأراحنا من مسيرة شهر .
فقال : إني نويت ببغداد أن أسمع عنه بصنعاء ، والله لا غيرت نيتي ، فخرجنا إلى صنعاء فنفدت نفقته ، فعرض علينا عبد الرزاق دراهم كثيرة ، فلم يقبلها ، فقال : ـ أي عبد الرزاق ـ على وجه القرض . فأبى ، وعرضنا عليه نفقاتنا ، فلم يقبل . فاطلعنا عليه وإذا هو به يعمل التك* ، ويفطر على ثمنها . واحتاج مرة فأكرى نفسه للجمالين، أي عمل أجيرًا عندهم . كذا ، ولم يصرح بمعناه . حاشية : من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 223.
*وقال أحمد الدورقي : لما قدم " أحمد بن حنبل " من عند " عبد الرزاق " رأيتُ به شحوبًا بمكة ، وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته فقال : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق . سير أعلام النبلاء .
* وكان من أصحاب الإمام الشافعي وخواصه ، وكان الشافعي يُجله ويثني عليه .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول عند قدومه إلى مصر من العراق : ما خلفت بالعراق أحدًا يشبه أحمد بن حنبل .
* وحج خمس حجات ، ثلاث حجج ماشيًا ، واثنتين راكبًا . من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 222 .
*آدابه وأخلاقه :
*عن أبي داود السجستاني قال : لم يكن " أحمد بن حنبل " يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا ، فإذا ذُكر العلم تكلم . وقال مجالسة " أحمد بن حنبل " مجالسة الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا .
وعن أبي بكر المطوعي قال : اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنى عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده ، فما كتبتُ منه حديثًا واحدًا ، وإنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه وآدابه.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 232.
*شيوخه :
قال الخطيب في تاريخ بغداد :
سمع من إسماعيل بن عُلَّية ، وَهُشَيْم بن بشير ، ووكيع بن الجراح ، ..... وخلق سوى هؤلاء يطول ذكرهم . وذكر المِزِّي في تهذيبه مائة وأربعة من شيوخه .من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 245 .
*تلامذته :
قال الخطيب :
وروى عنه غير واحد من شيوخه ، وحدَّثَ عنه ابناه :
" صالح " و " عبد الله " ، وابن عمه " حنبل بن إسحاق "
وقد ذكر المزي أيضًا في تهذيبه ثمانية وثمانين من تلامذته ، وفيهم جملة من شيوخه منهم محمد بن إدريس الشافعي ، ووكيع بن الجراح ، ويحيى بن آدم ، ويزيد بن هارون .
ومن أقرانه : علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ودحيم الشامي ، وأحمد بن صالح المصري .من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 246 .
*محنة الإمام أحمد :
عرضت عليه الدنيا فأباها ، والبدعة فنفاها . فقد تعرض الإمام للفتنة من أربعة من الخلفاء ، وهم المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل .
وقد كانت الأمة قبل ذلك ترتفع فيها راية السنة إلى عهد الخليفة " هارون الرشيد " ـ رحمه الله ـ ، فكان أهل البدع يستخفون ببدعتهم ، ولا يجهرون بباطلهم .
ولما وليَ المأمون أبو جعفر بن هارون الرشيد ، وكانت ولايته في المحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، صار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وحسنوا له قبيح القول بخلقالقرآن ونفي صفة الكلام عن الله .
فالمعتزلة رفضوا الإيمان بصفة الكلام لاعتقادهم التشبيه وقياس الله على خلقه في الحكم ، فكذبوا بالآيات التي تدل على ثبوت الصفة لله ، فقالوا "لا يتكلم ولا يكلم " . تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا .
وحاول المأمون أن يجبر العلماء والقضاة على القول بمذهبه ، فأجابه أكثرهم تقية ، وقتل من قتل في المحنة ، ووقف الإمام أحمد كأنه جبل شامخ تكسرت عليه المحن وانهزمت على قدميه الفتن .
ولما هلك " المأمون " تبعه " المعتصم " فجلد الإمام وحبسه ثمانية وعشرين شهرًا على أن يلين . فثبت على الحق حتى هلك المعتصم ، ومِن بعده الواثق .
ثم أشرقت عليه خلافة المتوكل ، وكان من أهل السنة ، فَرُفِعَتْ أعلام السنة ونُكست أعلام البدعة ، وأهلك الله عز وجل كل من شارك في المحنة .
ولكن الإمام أحمد لم يَسْلَم في زمن المتوكل من الفتنة ولكنها فتنة من نوع جديد ، إنها فتنة الدنيا ، فتنة المال والجاه والدخول على السلطان
فقد حاول المتوكل أن يغدق على الإمام الأموال ، ولكن إمامنا وعالمنا لم ترهبه السياط والتعذيب ، ولم يجذبه بريق المال والسلطان .
فقال الإمام ـ رحمه الله : أسلم من هؤلاء ستين سنة ثم ابتلى بهم ، فما قبل من ذلك شيئًا ، وعاش بقية عمره زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فازداد ارتفاعًا في قلوب الخلق.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 218 / بتصرف .
*وصايا الصالحين :
من أسباب الثبات الدعاء بأن يقيض الله للمرء رجلًا صالحًا يعظه فيثبته الله وينفعه بتلك الكلمات ، فتنبني نفسه ، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به
ها هو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يساق إلى المأمون مقيدًا بالأغلال ، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه : يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك ، وأنه أقسم لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف . وهنا يأتي الصالحون ، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة .ففي السير 241أ11. أن أبا جعفر الأنباري قال : لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرتُ ، فعبرتُ الفرات ، وجئتَهُ ، فسلمتُ عليه ، وقلتُ : يا إمام أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير ، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه .
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول : وصلنا إلى رحبة - رحبة : تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات - ورحلنا منها في جوف الليل ، قال : فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل هذا . فقال : يا هذا ماعليك أن تُقْتَل ها هنا وتدخل الجنة . ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
وأعرابي يعترضه ، ويقول : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم ، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، إن كنت تحب الله فاصبر ، فوالله ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل .
ويقول الإمام أحمد : ما سمعت كلمة مُذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في " طوق " ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا ، وإن عشت عشت حميدًا فقوَّى بها قلبي .
فإن أردت بناء نفسك أخي الكريم ـ فاحرص على طلب الوصية من الصالحين ، اعقلها إذا تُلِيَت عليك ، اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما يقع فيه ـ من المعاصي ..... ، اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل حدوث محنة متوقعة ، اطلبها إذا عُيِّنْتَ في منصب صَغُرَ أو كَبُرَ ، أو ورثت مالًا وصرت ذا غنى ، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك ـ على الحق ـ وينبني بها غيرك والله ولي المؤمنين .
عوامل بناء النفس / ص : 55 .
*مرضه ووفاته
ـ وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده فحجبه ،وأتى ابن علي بن الجعد وكثر الناس ، فقال : أي شيء ترى ؟ .
قلت : تأذن لهم ، فيدعون لك .
قال : استخير الله .
فجعلوا يدخلون عليه أفواجًا حتى تمتلئ الدار ،فيسألونه ويدعون له ، ثم يخرجون ، ويدخل فوجآخر ، وكثر الناس فامتلأ الشارع ،
وأغلقنا باب الزُّقاق ، وجاء رجل من جيراننا قد خضب فقال أبي : إني لأرى الرجل يُحْيِي شيئًا من السنة فأفرح به . ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها ،ولم يزل يصلي قائمًا ،أمسكه فيركع ويسجد ، وأرفعه في ركوعه . واجتمعت عليه أوجاع الْحُصْر وغير ذلك ،ولم يزل عقله ثابتًا .
قال البخاري: مرض أحمد بن حنبل لليلتين خلتا من ربيع أول ، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول .
وفتح الناس أبواب المنازل في الشوارع والدروب ينادون من أرادالوضوء ـ للصلاة عليه ـ ، وصلىعليه جموع كبيرة من الخلق . وشيعه جموع
ـ قال أبو بكر الخلال :
سمعت عبد الوهاب الوراق يقول : ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية والإسلام مثله . من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 230 ، 253 / بتصرف .
وقد كان أحمد ـ رحمه الله ـ محنة في زمانه وبعد زمانه حتى صار الرجل يعرف هل هو من أهل السنة أو من أهل البدع بحبه لأحمد أو بغضه لأحمد ـ رحمه الله تعالى ـ .وليس معناه أبدًا أن أحمد بن حنبل ـ رحمه
الله ـ معصوم ،فلا أبو بكر معصوم ولا غيرهم من أهل هذه الأمة معصوم ...
فلا عصمة لأحد في هذه الأمة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أصول أهل السنة والجماعة لإمام أهل السنة ، أحمد بن حنبل رحمه الله:
وهي قواعد ينبغي على كل من يطالعها أن يعض عليها بالنواجذ ، فهي سبيل للهداية والنجاة والسعادة في الدارين . ذلك لأنها عقيدة سلف الأمة " رضي الله عنهم " ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها ...
" فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "سورة البقرة / آية : 137.
قال محققوا هذه النسخة: