تفسير سورة آل عمران
من آية 171 إلى آية 179
" يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" 171.
استبشار الشهداء
مرة ثانية بما أنعم الله عليهم من الفضل؛ لأن الاستبشار الأول فيما يكون
لإخوانهم، والثاني فيما أنعم الله به عليهم، فهم لهم استبشارات متعددة، حسب
ما يجدون من النعيم.
بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ : إسناد النعمة إلى مُسدِيها، وهو الله جل جلاله، فهم لا يرون لأنفسهم فضلا بل يرون المنة والفضل لله عليهم.
أي: إنَّ
الشُّهداءَ يَفرَحون بما حَبَاهم اللهُ تعالى مِن النَّعيمِ العَظيم، وبما
أَسبَغَ عليهم مِن جزيلِ ثوابِه الكريمِ، وزِيادةِ إحسانِه العميمِ.
يَسْتَبْشِرُونَ
: عُبر عنه بالمُضارع، فذلك يدل على التجدد، فهذا الاستبشار متجدد، وليس
واقعًا مرة واحدة، وهذا يدل على تجدد متعلقه ومقتضاه، وأن هذه النعم تتجدد
وتتكرر، ويأتيهم ألطاف بعد ألطاف، ونِعم بعد نِعم، وأفضال بعد أفضال. ولاحظ التنكير في قوله: بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ:
يعني: يستبشرون بنعمة عظيمة، ويكفي في بيان عظمتها: أنه أضافها إلى الله
تبارك تعالى؛ لأن المُضاف إلى العظيم لا شك أنه عظيم، نعمة لا يُقدر قدرها
إلا الله.
النعمة مفرد يُراد به جنس النعم . النعمة معناها الجمع كما نقله البغوي عن الحسن، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة إبراهيم "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا "إبراهيم:34.
وذلك لأن المفرد لا يصعب إحصاؤه، فالنعمة اسم جنس واسم الجنس يطلق مرادا
به الجمع إذا أضيف كما ذكر الشيخ الشنقيطي في الأضواء، ومثل لذلك بهذه
الآية، وبقوله تعالى"قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ "الحج:68.أي أضيافي ، وبقوله تعالى"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ"النور:63 . أي عن أوامره.والله أعلم.إسلام ويب.وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ:
أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد حَفِظ لأولئك الشُّهداءِ ما قدَّموه مِن
الإيمانِ والأعمالِ الصَّالحةِ، وأعطاهم على ذلك أُجورَهم مِن فَضلِه
سبحانه، وهكذا كلُّ مؤمنٍ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يترُكُه، بل يُثيبُه .
لِمَن قُتِل شهيدًا في سبيلِ الله فَضائِلُ كثيرةٌ عظيمةٌ، والحديثُ الآتي فيه بيانُ بَعضِ فَضائلِه تِلك، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "للشَّهيدِ
عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه
منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ
علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها
ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ
مِن أقاربِه"الراوي : المقدام بن معدي كرب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم : 1663 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
قال صلى الله عليه وسلم " يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ." الراوي : عبدالله بن عمرو- صحيح مسلم.
"الَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ"172."
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ"173. "
فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" 174. "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"175
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ : استجابوا لنداء النفير رغم ما أصابهم من جراحات وغيره من الآلام.لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا: بالاتباع ، وَاتَّقَوْا: بترك المخالفة، أَجْرٌ عَظِيمٌ: لهم أجر كثير واسع.
غزوة حمراء الأسد هي المرادة من هذه الآية، فإن الأصح في سبب نزولها أن أبا
سفيان وأصحابَهُ بعد أن انصرفوا من أُحُدٍ وبلغوا الروحاء، ندموا وقالوا:
إنا قتلنا كثير منهم فلِمَ تركناهم؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم،
فَهَمُّوا بالرجوعِ.
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من
نفسه ومن أصحابه قوة.فأمر بلالاً أن ينادي بالناس: إنّ رسول الله يأمركم
بطلب عدوكم، وقد استجابوا وهم مرهقون ومتألمون ومثخنون بالجراح؛ فكل واحد
منهم قد ناله نصيب من القرح يعني الألم أو الجرح، فخرج النبي - صلى الله
عليه وسلم - بأصحابه في أثر أبي سفيان وهم يحملون جراحهم، وأمر ألا يخرج
معه إلا من شهد القتال في أُحد. كان هدف رسول الله من سَيره لحمراء الأسد
إرهاب العدو، وإبلاغهم قوة المسلمين، وأن الذي أصابهم في أُحد لم يكن
ليوهنهم عن عدوهم أو يفل من عزيمتهم.
"كانَ يومُ أُحدٍ يومَ السَّبتِ للنصفِ من شوَّالٍ، فلمَّا كانَ الغدُ من
يومِ الأحدِ لسِتَّ عشرةَ لَيلةً مضتْ من شوَّالٍ، أذَّنَ مؤذِّنُ رسولِ
اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في النَّاسِ بطلبِ العدوِّ، وأذَّنَ
مؤذِّنُهُ ألَّا يخرجنَّ معَنا أحدٌ إلَّا من حضرَ يومَنا بالأمسِ.
فَكَلَّمَهُ جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو بنِ حرامٍ فقالَ : يا رسولَ
اللَّهِ، إنَّ أبي كانَ خلَّفني علَى أخَواتٍ لي سبعٍ وقالَ : يا بُنَيَّ،
إنَّهُ لا ينبغي لي ولا لَكَ أن نترُكَ هؤلاءِ النِّسوةَ لا رجلَ فيهنَّ،
ولستُ بالَّذي أوثرُكَ بالجِهادِ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ علَى نفسي، فتخلَّف علَى أخَواتِكَ، فتخلَّفتُ عليهنَّ، فأذِنَ
لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فخرجَ معَهُ. وإنَّما
خرجَ رسولُ اللَّهِ مُرهبًا للعدوِّ، وليبلغَهُم أنَّهُ خرجَ في طلبِهِم
ليظنُّوا بِهِ قوَّةً، وأنَّ الَّذي أصابَهُم لم يوهِنُهم عن
عدوِّهم.الراوي : محمد بن إسحاق - المحدث : أحمد شاكر - المصدر : عمدة التفسير -الصفحة أو الرقم 1/440 - خلاصة حكم المحدث : أشار في المقدمة إلى صحته - التخريج : أخرجه ابن هشام في ((السيرة)) (2/ 100)، وابن إسحاق في ((مغازيه)) كما في ((البداية والنهاية)) (5/ 455) واللفظ لهما.
"وهذا رجل من بني عبد الأشهل يصور حرص الصحابة على الخروج للجهاد فيقول:شَهِدْنا
أُحُدًا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنا وأخٌ لي، فرَجَعْنا
جَريحَيْنِ، فلَمَّا أذَّنَ مُؤذِّنُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ بالخُروجِ في طَلَبِ العَدُوِّ، قُلتُ لِأخي -أو قال-: أتَفوتُنا
غَزوةٌ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ واللهِ ما لنا مِن
دابَّةٍ نَركَبُها، وما مِنَّا إلَّا جَريحٌ ثَقيلٌ، فخَرَجْنا مع رَسولِ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكُنتُ أيسَرَ جِراحًا منه، فكان إذا
غُلِبَ حَمَلتُه عُقبةً، ومَشى عُقبةً، حتى انتَهَيْنا إلى ما انتَهى إليه
المُسلِمونَ".الراوي : رجل من أصحاب رسول الله من بني عبدالأشهل - المحدث : أحمد شاكر - المصدر : عمدة التفسير- الصفحة أو الرقم : 1/440 : خلاصة حكم المحدث : أشار في المقدمة إلى صحته.
وَكَانَتْ خُزَاعَةُ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ
عَيْبَةَ – أي هواهم مع النبي صلى الله عليه وسلم- نُصْحٍ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ
مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ
مُشْرِكٌ – وقيل أسلم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له أن يلحق أبا
سفيان فَيُخَذِّلَه ـ ولم يكن أبو سفيان يعلم بإسلامه- ، فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ،
وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَافَاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى
لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ، وَقَدْ
أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ أَصْحَابِهِ
وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ، ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ
نَسْتَأْصِلَهُمْ! لَنَكُرَنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَلَنَفْرُغَنَّ
مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا، قَالَ: مَا وَرَاءَكَ
يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ
فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ
تَحَرُّقًا، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي
يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ
عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: وَيْحكَ! مَا تَقُولُ؟
قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى أَرَى نَوَاصِيَ
الْخَيل، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ،
لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ: قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ،
قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ
فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، قَالَ: وَمَا قُلْتُ؟ قَالَ :
كَادَتْ تُهَدُّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي …إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ …عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً …لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْتُ: وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ… إذَا تَغَطمطتُ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
إنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً …لِكُلِّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ …وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ
ثم ذكر سائر الأبيات في جيش المسلمين .فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه وعاد. السيرة النبوية لابن هشام.
وهكذا
غيَّر أبو سفيان رأيه وخشي الهزيمة ومضى في طريقه إلى مكة، وعاد المسلمون
إلى المدينة وقد حازوا ثواب هذه الغزوة دون أن يلقوا قتالًا أو يمسهم سوء.لكن
قبل أن يعود أبو سفيان لمكة حاول أن يغطي انسحابه هذا بشن حرب نفسية
دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة ،
فقد مر بأبي سفيان ركبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة،
قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالة
أرسلكم بها إليه واحمل لكم إبلكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وافيتموها؟
قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه، وإلى
أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم ـ هو
والمسلمون حسبنا الله ونعم الوكيل وهو ماذكر في الآية التالية
" الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ"
وهم
الذين قال لهم بعض الناس المشركين - أراد بالناس الركب من عبد القيس: إن
أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم
واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا
بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله،
وقالوا: حسبنا الله أي: كافينا، ونِعْم الوكيل المفوَّض إليه تدبير عباده.
واستمر المسلمون في معسكرهم وأقاموا فيها ثلاثة أيام ، وآثرت قريش السلامة فرجعوا إلى مكة ..
وعاد
المسلمون بعد ذلك إلى المدينة بروح قوية متوثبة، مسحت ما حدث في أحد،
فدخلوا المدينة أعزة رفيعي الجانب، قد أفسدوا انتصار المشركين، وأحبطوا
شماتة المنافقين واليهود ..
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ
عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم حِينَ قالوا"إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"آل عمران: 173".الراوي : عبدالله بن عباس- صحيح البخاري .
"فَانقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا
رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" 174
مِن
صِدقِ الإيمانِ أنْ يَتيقَّنَ المؤمنُ أنَّ اللهَ هوَ كافِيه ما أهمَّه
وألَمَّ بِه، وأنَّه نِعْمَ الكافي لِذلكَ، ويَتمثَّلُ هذا في القَولِ
بِصِدقٍ: حَسبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكيلُ؛ فهوَ حَسبُنا وكافينا ونِعمَ
المَولى ونِعمَ النَّصيرُ. وقالَها مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
عَقِبَ غَزوَةِ أُحدٍ؛ حَيثُ قيلَ: إنَّ المُشركينَ سَيَرجِعونَ إليكُم
لِيُكمِلوا حَربَهُم، فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حَسبُنا
اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ، فَكفاهُ اللهُ ذَلكَ؛ فمَنِ انتَصَرَ بِاللهِ
نَصَرَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، ومَن تَوكَّلَ على اللهِ فهوَ حَسبُه.الدرر.
لما توكل الرسول
صلى الله عليه وسلم والمسلمون على الله حق توكله ؛ كفاهم الله وتولاهم
ورجعوا من "حمراء الأسد" إلى "المدينة" بنعمة من الله بالثواب الجزيل وبفضل
منه بالمنزلة العالية، وقد ازدادوا إيمانًا ويقينًا، وأذلوا أعداء الله،
وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، واتبعوا رضوان الله أي: اتبعوا ما يرضي
الله عز وجل وذلك بالاستجابة لله ورسوله، فإن الاستجابة لله ورسوله سبب
رضاء الله عز وجل، أسأل الله أن يجعلنا ممن يرضى الله عنهم.والله
ذو فضل عظيم عليهم وعلى غيرهم، بمعنى صاحب فضل عظيم على العباد في الدنيا
والآخرة، ومنه أن تفضل على هؤلاء بأن انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم
سوء.
وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ:
بمعنى صاحب فضل عظيم على العباد في الدنيا والآخرة، إذ تفضل عليهم بزيادة
الإيمان، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد، والجرأة على العدو، وحفظهم من
كل ما يسوءهم. ومنه أن تفضل على هؤلاء بأن انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم
يمسسهم سوء بأن صرف عنهم عدوهم وجنبهم القتال ورجعوا أعزاء. وفي هذا
التذييل زيادة تبشير للمؤمنين برعاية الله لهم، وزيادة تحسير للمتخلفين عن
الجهاد في سبيله- عز وجل -، حيث حرموا أنفسهم مما فاز به المؤمنون
الصادقون.
كما
أبرزت حكمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي أراد أن لا يكون آخر ما
تنطوي عليه نفوس أصحابه الشعور بالهزيمة في أحد، فأزال بهذه الغزوة اليأس
من قلوبهم، وأعاد لهم هيبتهم التي خُدِشت في أُحُد، ووضعهم على طريق
التفاؤل والعزة والانتصارات، ثم قام بعد ذلك بمناورات وغزوات أعادت
للمسلمين هيبتهم الكاملة، بل زادت فيها .
"إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"175.
إِنَّمَا:أداة حصر، والحصر عند العلماء إثبات الحكم للمحصور فيه، ونفيه عما سواه، إذن فهو بمنزلة نفي وإثبات.
أي: إن ترهيب من رَهَّبَ من المشركين، وقال: إنهم جمعوا لكم، داع من دعاة الشيطان، يخوف أولياءه المنافقين وضعفاء الإيمان ليقعدوا عن مقاتلة المشركين. فلا
تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا
بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته.
وفي
هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان
العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله.
"وَلَا
يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا
اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي
الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "176.
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ : أي: يسارعون إليه، ولكنه عدّى يسارع بـ(في) إشارة إلى أن هؤلاء يسارعون إلى الكفر ويتوغلون فيه.
أي لا يحزنك يا
محمد حال هؤلاء المارقين الذين يسارعون في الكفر وينتقلون فيه من دركة إلى
دركة أقبح من سابقتها، فإنهم مهما تمادوا في كفرهم وضلالهم ومحاولتهم إضلال
غيرهم، فإنهم لن يضروا دين الله أو أولياءه بشيء من الضرر حتى ولو كان
ضررًا يسيرًا. يعني لن يضروا الله لا في ذاته، ولا في ملكه، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في غير ذلك، لن يضروا الله شيئًا أبدًا.
ولقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بمقتضى طبيعته البشرية، وغيرته على دين الله-تبارك وتعالى-يحزن لإعراض المعرضين عن الحق الذي جاء به، ولقد حكى القرآن ذلك في كثير من آياته، تبارك وتعالى"فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ" فاطر:8.
وقوله -تبارك وتعالى"فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" الكهف:6.
فأراد- سبحانه -في هذه الآية الكريمة وأمثالها أن يزيل من نفس رسوله صلّى الله عليه وسلّم هذا الحزن الذي نتج عن كفر الكافرين، وأن يطمئنه إلى أن العاقبة ستكون له ولأتباعه المؤمنين الصادقين.
عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ:يا
عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ
بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ
إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ
جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا
عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي
أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي،
يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ،
كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في
مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ
وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ
مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي،
فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي
إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي،
إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا،
فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا
يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. "الراوي-صحيح مسلم.
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ : أي:ليس لهم نصيبًا في نعيم الآخرة لأنهم مخلدون في النار؛ والإرادة هنا إرادة كونية قدرية، وهكذا كل كافر ليس له نصيب في الآخرة،أما المؤمن فله نصيب في الآخرة، لكن قد يسبق بعذاب وقد لا يُسبق.
أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادة دينية شرعية.جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور"فَالْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ"
والفرق بين الإرادتين أن الإرادة الكونية القدرية
لا بد أن تقع، وأنها قد تكون مما يحبه الله كالطاعات وقد تكون مما يبغضه
الله كالمعاصي، وهذه الإرادة هي المطابقة لقولنا ما شاء الله كان وما لم
يشأ لم يكن، أي لا يقع في الكون خير أو شر إلا بمشيئة الله، فالإرادة
الكونية أو المشيئة فإنها تكون في المحبوب وغيره، فكل ما في العالم من خير
وشر فقد شاءه الله وأراده إرادة كونية بعلمه وحكمته .. ومثال هذا القسم: قوله تعالى عننوحعليه السلام "وَلا
يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ
اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"هود:34.. إرادة الإغواء هنا هل هي مما يحبه الله ويرضاه؟ لا.إنما هي من مقتضى حكمته جل وعلا، فهي من الإرادة الكونية.
قال أهل التفسير: يفعل ما يريد بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة، وبأهل معصيته من الهوان؛بعلمه وحكمته. لأنه سبحانه لا يُعْجِزه شيء.
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" الإنسان:30. "يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" الإنسان:31.
وأما الإرادة الدينية الشرعية فلا تكون إلا مما يحبه الله، وقد تقع وقد لا تقع.
" يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " النساء" 26.هذه إرادة شرعية غير لازمة الوقوع، قد لا يتوب الله عز وجل على بعض من عصى، إنما هو يريد التوبة إرادة شرعية يحبها ويرضاها، لكن قد لا تقع من العبد.
فالفروق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية ثلاثة:الأول:أن الإرادة الكونية تتعلق بفعله سبحانه والثانية بشرعه. الثاني:الكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.الثالث:الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والشرعية لا يلزم.
فإذا قال قائل:ما تقولون في إيمان أبي بكر؟ أهو مراد بالإرادة الكونية أو الشرعية؟ .الجواب:إرادة كونية وشرعية؛ لأنه وقع بالإرادة الكونية، ولأنه متعلق بالشرع، فهو مما يحبه الله.
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ: أي:
لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر عقوبة عظيمة. العِظم في كل موضع بحسبه، فقد
يكون العظم مدحًا وقد يكون ذمًّا. ففي مقام المدح تكون العظمة مدحًا؛ وفي
مقام الذم تكون العظمة ذمًّا؛ فقوله تعالى" وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ"النور:16. العظمة هنا ذمًّا.
" مَّا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ
أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "البقرة105. "إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ "التوبة: 22. العظمة هنا مدحًا.
"إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"177.
من آية 171 إلى آية 179
النعمة مفرد يُراد به جنس النعم . النعمة معناها الجمع كما نقله البغوي عن الحسن، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة إبراهيم "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا "إبراهيم:34. وذلك لأن المفرد لا يصعب إحصاؤه، فالنعمة اسم جنس واسم الجنس يطلق مرادا به الجمع إذا أضيف كما ذكر الشيخ الشنقيطي في الأضواء، ومثل لذلك بهذه الآية، وبقوله تعالى"قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ "الحج:68.أي أضيافي ، وبقوله تعالى"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ"النور:63 . أي عن أوامره.والله أعلم.إسلام ويب.
كَادَتْ تُهَدُّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي …إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ …عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً …لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْتُ: وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ… إذَا تَغَطمطتُ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
إنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً …لِكُلِّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ …وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ
ثم ذكر سائر الأبيات في جيش المسلمين .فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه وعاد. السيرة النبوية لابن هشام.
وهكذا غيَّر أبو سفيان رأيه وخشي الهزيمة ومضى في طريقه إلى مكة، وعاد المسلمون إلى المدينة وقد حازوا ثواب هذه الغزوة دون أن يلقوا قتالًا أو يمسهم سوء.