المجلس السادس والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
المتن - وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ البَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَنْ وَلِيَ اَلْخِلَافَةَ، وَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ عَلَيْهِ، وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ اَلْأَمِيرِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ البَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ.
ش- هذه عقيدة أهل السنة أنهم يسمعون ويطيعون للإمام وولاة الأمور ، وأمير المؤمنين سواء كان بَرًّا أو فاجرًا ولا يخرجون عليه. الفاجر يعني العاصي، ولو كان يعمل بعض الكبائر يعمل بعض المعاصي، تثبت له الولاية.الأئمة هم الذين تتم لهم الولاية؛ ويستولون على الأمة الإسلامية سواء كان ذلك الوالي عهد إليه مَن قَبْلَه ،أو أخذها بالقوة وتولى عليهم بالغلبة، كل هذا بلا شك إذا تمت له الولاية وجبت الطاعة والسمع له، وحَرُمَ الخروجُ عليه؛ وذلك لأن الخروج على الأئمة يسبب فتنًا وضررًا على المسلمين، وكم حصل بسببه من القتل؟! وكم حصل بسببه من السجن وإضرار المسلمين وإضرار علماء المسلمين. شرح أصول السنة للإمام أحمد ابن جبرين.
فلأجل ذلك قالوا: يجب السمع والطاعة لولاة الأمور، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم " اسْمَعُوا وأَطِيعُوا، وإنِ اسْتُعْمِلَ علَيْكُم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ."الراوي : أنس بن مالك- صحيح البخاري.
الشرح: أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطاعةِ وُلاةِ الأُمورِ في المَعروفِ، دُونَ المُنكَرِ؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ ومُفارَقةِ الجَماعةِ. وفي هذا الحَديثِ بَيانُ ذلك؛ حيثُ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"اسْمَعوا وأطِيعوا، وإنِ استُعمِلَ حَبَشيٌّ، كأنَّ رأْسَه زَبيبةٌ"، يَعني: وإنْ وُلِّيَ عليكم رَجُلٌ مِنَ الحَبَشةِ، كأنَّ رأْسَه مِثلُ الزَّبيبةِ، إشارةً إلى سَوادِ اللَّونِ، وتَجَعُّدِ الشَّعرِ، ومَقصودُه: التَّنبيهُ على ازدِراءِ الناسِ له عادةً، والمَعنى: أنَّ المُؤمِنَ يَجِبُ عليه طاعةُ وَليِّ أمْرِه ومَن وَلَّاه عليه وَليُّ أمْرِه، أيًّا كان جِنسُه أو لَونُه؛ ما دامَ لم يَأمُرْ بمَعصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.الدرر السنية.
*عن حذيفة بن اليمان :قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا بشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهلْ مِن وَرَاءِ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: هلْ وَرَاءَ ذلكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: فَهلْ وَرَاءَ ذلكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: كيفَ؟ قالَ: يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ، قالَ: قُلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رَسولَ اللهِ، إنْ أَدْرَكْتُ ذلكَ؟ قالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ."الراوي : حذيفة بن اليمان- صحيح مسلم.
*قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"النساء:59.
*قال صلى الله عليه وسلم"لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ"الراوي : عمران بن الحصين والحكم بن عمرو الغفاري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع .
*يقول عبادة بن الصامت " بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ."الراوي : عبادة بن الصامت- صحيح مسلم.
الشرح: أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى عِبادَه المُؤمِنينَ بالاعتصامِ بحَبْلِ اللهِ وعَدَمِ التَّفرُّقِ، ومِن لَوازمِ هذا الاعتصامِ اجتماعُ المسلمينَ على كَلمةٍ واحدةٍ وإمامٍ واحدٍ؛ فإنَّهم إذا تَعدَّدَتْ كَلِمتُهم وتفرَّقَ أمراؤُهم ضعُفَ شأنُهم وذهبَتْ شَوْكتُهم، وظَهَرَ عليهم عَدوُّهم. بايَعَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمْعِ والطاعةِ في " َالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ" في حالِ نَشَاطِهم وقُوَّتِهم، ويكوُن ذلك في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ نَشِطَ له؛ لأنَّه يُوافِقُ هَواهُ، وفي حالِ ما يَكْرَهُون، ويكونُ ذلك في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ لم يَكُنْ نَشِيطًا فيه؛ لأنَّه يَكرَهُه، وكذلك بايعوا على أن يَسمَعوا ويُطيعوا في حالِ عُسْرِهم ويُسرهم" في العُسْرِ وَالْيُسْرِ "، أي: في حالِ الفَقْرِ والغِنَى، فيما أمَرَ به وُلاةُ الأمْرِ، " وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا" أي: ولو اخْتَصَّ وَلِيُّ الأمرِ نفْسَه ببَعضِ الدُّنيا دُونَهم ظُلمًا وتَعدِّيًا منه، أو إذا فضَّل وَلِيُّ الأمرِ عليهم غيْرَهم في الاستِحقاقِ ومَنَعَهم حقَّهم، فعليهم أن يصْبِروا ولا يُخالِفوه، وبايعهم على ألَّا يُنازِعوا المُلكَ أهْلَه " لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ "، فلا يَخرُجوا على الإمامِ بالقِتالِ.
وفي الحَديثِ: الأمرُ بطاعةِ الأُمَراءِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.الدرر السنية.
فولاة الأمور إنما يطاعون في طاعة الله، وفي الأمور المباحة. أما المعاصي فلا يطاع فيها ولي الأمر، ولكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يتمرد على ولي الأمر ويخرج لا، لا يطيعه في خصوص المعصية، خصوص المعصية ما يطاع فيها أحد، ولي الأمر ما يطاع في المعصية، قال اشرب الخمر لا تطعه، قال لك تعامل بالربا لا تطعه، قال لك اقتل فلان بغير حق لا تطعه، لكن ليس معنى ذلك أنك تتمرد عليه وتخرج وتنقض بيعته وتؤلب الناس عليه لا، لا تطعه في خصوص المعصية وتطعه فيما عدا ذلك.
أمير الجيش لا يطاع في المعصية، أمير السرية لا يطاع في المعصية، الأب إذا أمر ابنه بالمعصية لا يطيعه، أب قال لولده اشتر دخانا أو خمرا ما يطيعه، الزوجة لا تطيع زوجها في المعصية ، العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه، ومع ذلك لا بد من التلطف والخطاب اللين، يعني يخاطب الأمير بما يليق به يقول يا فلان هذا لا يجوز، يخاطب: هذا محرم، هذا كذا، يخاطب باللين والرفق، والخطاب المناسب لولاة الأمور، يبين لهم، تكون المناصحة من قبل أهل الحل والعقد، ومن قبل أهل العلم.
كذلك الابن يقول يا أبي لا يجوز لي أن أرتكب معصية هذا محرم، هذا لا يجوز لي ...والزوجة كذلك، تتلطف مع زوجها تقول أنا لا أطيعك في المعصية، هذا محرم، والعبد كذلك يتلطف مع سيده.
ثبت في صحيح البخاري :
عن علي بن أبي طالب" بَعَثَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عليهم رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا له وَيُطِيعُوا، فأغْضَبُوهُ في شيءٍ، فَقالَ: اجْمَعُوا لي حَطَبًا، فَجَمَعُوا له، ثُمَّ قالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فأوْقَدُوا، ثُمَّ قالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لي وَتُطِيعُوا؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فَادْخُلُوهَا، قالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، فَقالوا: إنَّما فَرَرْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذلكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: لو دَخَلُوهَا ما خَرَجُوا منها، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ."صحيح البخاري.
يعني هذا وعيد شديد، يعني لو دخلوها لاستمر عذاب الآخرة مع عذاب الدنيا، لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف، هذا أمير الجيش ما يطاع في المعصية. شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية
المتن:وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ اَلْأَمِيرِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ البَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ.
ش:أما الأعمال التي تعمل معهم فإن الإمام غالبًا هو الذي يتولى الغزو، ويتولى الحج، كما يقول العلماء: الحج والجهاد ماضيان مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا؛ فإن هذا من خير أعمالهم. فإذا تولى على الجيش الذي يغزو والٍ وكان فيه شيء من الفسق كشرب الخمر أو سماع الغناء أو نحو ذلك، لم يكن ذلك مسببًا لنزع اليد من طاعته، وكذلك لو أقام الحج أحد الولاة والأمراء المعروفين بشيء من الفسق فإن ذلك أيضًا من حسناتهم ولا يجوز نزع الطاعة ولا الخروج عليهم.
لأن بعض المعاصي تخصه، والغزو مصلحة للإسلام والمسلمين نجاهد معه ونقاتل الكفار مع الأمير ولو كان فاجرًا. شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية
المتن:وَقِسْمَةُ الفَيْءِ،وَإِقَامَةُ الحُدُودِ إِلَى الأَئِمَّةِ مَاضٍ،لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ،وَلا يُنَازِعُهُمْ،وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ،مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.
ش:وكذلك أيضًا هم الذين يقسمون الأموال؛ لأن قسمة الفيء وقسمة الغنائم وقسمة الأموال تكون إليهم، يضعونها كما أمر الله، ويفرقونها على مستحقيها وتقبل منهم.
الغنيمة ما غنمه المسلمون واستولوا عليه من أموال العدو ومعداتهم ... بالقوة والقتال..فهذا يقسم بين المقاتلين بعد خصم خمسه وجعله في بيت مال المسلمين لصرفه في المصالح العامة.
قال الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. الأنفال:41.
وأما الفَيء فهو ما حصل عليه المسلمون من أموال بدون قتال.
وهذا مرجعه إلى بيت المال واجتهاد ولي أمر المسلمين
قال الله تعالى" مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ.". الحشر:7.إسلام ويب.
المتن: وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ،مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.
ش: المراد بالصدقات، الصدقات الفريضة ، فإذا طلب ولي الأمر الزكاة تدفعها إليه، وحينئذ تبرأ ذمتك، ولهذا قال المؤلف: ودفع الصدقات إليهم جائزة نافعة، يعني صحيحة، من دفعها إليهم أجزأت عنه بَرًّا كان أو فاجرًا، ومن دفعها إليهم فإنه تبرأ ذمته ولا يلزمه أنه يخرجها مرة أخرى. . شرح أصول السنة للإمام أحمد ابن جبرين بتصرف يسير.و شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.
المتن: وَصَلاةُ الجُمُعَةِ خَلْفَهُ،وَخَلْفَ مَنْ وَلَّاهُ جَائِزَةٌ بَاقِيَةٌ تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ،مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ،تَارِكٌ لِلآثَارِ،مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ،لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الجُمُعَةِ شَيءٌ؛إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلاةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا: بَرّهم وفاجِرْهم فَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ،-مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ-،وَيَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ،لايَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ،
ش: كذلك أيضًا تصح الصلاة خلفهم، وكان الوُلَاة هم الذين يصلون الجُمَع والأعياد، والوالِي هو الذي يتولَّى صلاة الجُمعة والعيد، ولو كان فيه شيء من الفسق أو من المعاصي. وقد كان الصحابة يصلون خلف الأئمة والأمراء الذين عليهم، وفيهم شيء من الفسق ولا يعيدون الصلاة.
فَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ..
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلا يُعِيدُونَ ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ؛ حَتَّى إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مَرَّةً الصُّبْحَ أَرْبَعًا ، ثُمَّ قَالَ : أَزِيدُكُمْ ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا زِلْنَا مَعَك مُنْذُ الْيَوْمَ فِي زِيَادَةٍ !! وَلِهَذَا رَفَعُوهُ إلَى عُثْمَان...
ونستأنس بهذا الأثر الصحيح الوارد في صحيح البخاري:
يحكي عُبَيدُ اللهِ بنُ عَدِيّ:أنَّهُ دَخَلَ علَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه - وهو مَحْصُورٌ - فَقالَ: إنَّكَ إمَامُ عَامَّةٍ، ونَزَلَ بكَ ما نَرَى، ويُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ، ونَتَحَرَّجُ؟ فَقالَ" الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فأحْسِنْ معهُمْ، وإذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ."الراوي : عبيدالله بن عدي بن الخيار - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 695 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فلمَّا سَمِعَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه مِن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ ذلك، أجابَ بأنَّ الصَّلاةَ هي أفضَلُ ما يُمكِنُ لِهؤلاءِ فِعلُه مِن عَمَلٍ، ولا يَعني هذا أنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه يَمدَحُ دُعاةَ الفِتنةِ ورُؤساءَها، وإنَّما ظاهِرُ كَلامِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ تعالَى عنه أنَّه يُرَخِّصُ له في الصَّلاةِ معهم، كأنَّه يَقولُ له: لا يَضُرُّكَ كَونُهم مَفتونينَ، إذا أحسَنوا فوافِقْهم على إحسانِهم، وَإذا أساؤوا -لِكَونِهم فَتَنوا أوِ ابتَدَعوا- فلا يَضُرُّ المُصلِّيَ خَلفَهم ذلك؛ لِأنَّه يَتَّبِعُهم في صَلاتِهم، ويُنكِرُ عليهم ما همْ فيه مِن فِتنةٍ وبِدعةٍ.وقيلَ: إنَّ مَعنى قولِه" ويُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ" أنَّ غَيرَ إمامِهم يُصَلِّي لهم في حِين الفِتنةِ، ليس أنَّ ذلك الإمامَ يَدعو إلى فِتنةٍ ويَسعى فيها، ويَدُلُّ على ذلك قَولُ عُثمانَ" الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فأحْسِنْ معهُمْ، وإذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ." ولم يَذكُرِ الذي أمَّهم بمَكروهٍ، وذَكَرَ أنَّ فِعلَه مِن أحسَنِ الأعمالِ، وحَذَّرَه مِنَ الدُّخولِ في الفِتنةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ مَن تُكرَهُ الصَّلاةُ خَلْفَه أَوْلى مِن تَعطيلِ الجَماعةِ.
وفيه: تَحذيرٌ مِنَ الفِتنةِ والدُّخولِ فيها، ومِن جَميعِ ما يُنكَرُ؛ مِن قَولٍ، أو فِعلٍ، أوِ اعتِقادٍ.الدرر السنية.
والشاهد من هذا أن الصحابة يصلون خلف الولاة والأمراء ولو كانوا فسقة، والحكمة في ذلك جمع الكلمة، جمع الكلمة وعدم الفُرْقَة؛ ولهذا قال المؤلف: مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ،تَارِكٌ لِلآثَارِ،مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ،لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الجُمُعَةِ شَيءٌ ، لماذا مبتدع؟ لأنه خالف الجماعة، وتسبب في الفُرْقَة تارك للآثار للأحاديث ومخالف للسنة، ليس له من فضل الجماعة شيء، وليس له من فضل الجمعة شيء .
إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلاةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا : بَرّهم وفاجِرْهم فَالسُّنَّةُ ، يعني سواء كان عدلًا أو فاجرًا أو عاصيًا.
قال فَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ،-مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ-،وَيَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ ، ما معنى َيَدِينُ، أي يعتقد دينًا أنها صحيحة، وأنها تامة، يدين بهذا، يدين الله يعتقد أنها صحيحة وأن هذا دين، ولهذا قال، لايَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ.
هل غير الأئمة تصح الصلاة خلف الفاسق غير الإمام، أو الجمعة؟ هذا فيه تفصيل ، إن كان لا يوجد إلا جمعة واحدة في البلد، وإمامها فاسق يُصَلَّى خلفه، لأنك لو لم تصلِ خلفه تصلِّي وحدك وهذا بدعة، إذا لم يوجد إلا هذه الجمعة أو هذا الجامع الذي إمامه فاسق يصلى خلفه عند عامة أهل السنة، ومن تركه ولم يصل خلفه فهو مبتدع، إذا صلى وحده فهو مبتدع.
إذا وجد إمام جامع آخر مسجد آخر جمعة أو جماعة، وأحدهما إمامه فاسق، والآخر إمامه عادل، وصلى خلف الفاسق مع وجود العادل، فهل تصح صلاته أو لا تصح؟ إن كان يترتب على ترك الصلاة خلف الفاسق مفسدة، فيصلي خلف الفاسق، كأن يكون مثلا إذا لم يصلّ خلفه يتحزب الناس حزبين حزب مع الإمام وحزب معه ويحصل فُرقة واختلاف، فهذا يصلى خلفه.
إذا لم يترتب على هذا مفسدة، وصلى خلف الفاسق مع وجود العادل ففيه خلاف بين العلماء، من العلماء من قال تصح، ومنهم من قال لا تصح، ومنهم من قال تصح ويعيد، ومنهم من قال لا يعيد، والسبب في ذلك أنه إذا صلى خلف فاسق، لم ينكر المنكر عليه أقره على المنكر، والواجب إنكار المنكر.
فإذًا يصلى خلف الفاسق إذا كان إمام المسلمين، ويصلى خلف الفاسق إذا كان من ولاه إمام المسلمين، ويصلى خلف الفاسق إذا لم يوجد جماعة أخرى أو جمعة، ويصلى خلف الفاسق إذا وجدت جماعة أخرى أو جمعة، لكن يترتب على تركها مفسدة.
أما إذا صلى خلف الفاسق ووجد إمام غيره، ولا يترتب على هذا مفسدة، هذا محل الخلاف بين أهل العلم، من العلماء من قال تصح، ومنهم من قال لا تصح، ومنهم من قال تصح وتعاد. شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.
المجلس السابع والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
المتن - وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ - مِنْ أَئِمَّةِ- المُسْلِمِينَ،وَقَدْ كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ،وَأَقَرُّوا لَهُ بِالخِلافَةِ،بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أَوْ بِالغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الخَارِجُ عَصَا المُسْلِمِينَ،وَخَالَفَ الآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَإِنْ مَاتَ الخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً،وَلا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلا الخُرُوجُ عَلَيْهِ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ.
الشرح:
لا نجاة للعبد ولا فوز ولا فلاح إلا باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن أهم ما جاء به الكتاب والسنة مسائل الاعتقاد، فيجب على كل مسلم أخذ عقيدته وتوحيده من هذين المصدرين على فهم سلف الأمة، ومن تلك العقائد: عدم الخروج على ولاة الأمر، والصلاة خلفهم وطاعتهم بالمعروف،....
ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. من خرج على إمام من أئمة المسلمين بعد أن اجتمعت الأمة عليه، كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، يعني بواحدة من الأمور الثلاثة، إما باختيار أهل الحل والعقد، أو بولاية العهد، أو بالقوة والغلبة بأن غلبهم بسيفه وسلطانه حتى ثبتت له الخلافة فلا يجوز الخروج عليه أيضًا ، ولهذا قال بأي وجه كان.
*قال صلى الله عليه وسلم "مَن رَأَى مِن أمِيرِهِ شيئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن فارَقَ الجَماعَةَ شِبْرًا، فَماتَ، فَمِيتَةٌ جاهِلِيَّةٌ."الراوي : عبدالله بن عباس -صحيح مسلم.
في هذا الحديثِ
يُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه بأنَّ مَن كَرِهَ مِن أميرِه
وحاكِمِه شيئًا، فإنَّه يَنْبغي عليه أنْ يَصبِرَ على هذا المكروهِ ولا يَخرُجَ
على سُلطانِه وأميرِه؛ لأنَّ مَن خرَجَ على السُّلطانِ ووَليِّ الأمرِ ولو قَدْرَ
شِبرٍ -يعني: ولو في شَيْءٍ يَسيرٍ- ماتَ مِيتةً جاهليَّةً، أي: كما يَموتُ أهلُ الجاهليةِ مِنَ الضَّلالةِ والفُرقةِ وليْس
لهم إمامٌ يُطاعُ، وليس المرادُ أنَّه يموتُ كافِرًا.
وفي الحديثِ: الزَّجرُ والتحذيرُ
مِنَ الخُروجِ على وَليِّ الأمرِ.الدرر السنية.
الحكمة في عدم الخروج على ولي الأمر إذا فعل المعاصي والكبائر،الحكمة أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وبدرء المفاسد وتقليلها وذلك أن الخروج من قواعد الشريعة أنه إذا اجتمع مفسدتان كبرى وصغرى لا يستطاع تركهما لا بد من فعل واحدة من المفسدتين نرتكب المفسدة الصغرى لفوات الكبرى. وإذا وجد مصلحتان، كبرى وصغرى، لا نستطيع فعلهما فإننا نفوت المصلحة الصغرى ونفعل المصلحة الكبرى، هذه قاعدة من قواعد الشرع، دل عليها نصوص كثيرة، من أدلة هذه القواعد أو هذه القاعدة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لعائشة" يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ.". الراوي : عائشة أم المؤمنين – صحيح مسلم.
فالخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـ ابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيرًا من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله.
في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا.وأمثلة كثيرة عبر العصور حدثت فيها نفس المفاسد.
*قِتَالُ اَللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ:
المتن : وَقِتَالُ اَللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ، وَلَيْسَ لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ، وَلَا يَتْبَعَ آثَارَهُمْ، لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا اَلْإِمَامَ أَوْ وُلَاةَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَيَنْوِيَ بِجُهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا، فَإِنْ مَاتَ عَلَى يَدَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي اَلْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اَللَّهُ اَلْمَقْتُولَ، وَإِنْ قُتِلَ هَذَا فِي تِلْكَ اَلْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، رَجَوْتُ لَهُ اَلشَّهَادَةَ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ اَلْآثَارِ فِي هَذَا إِنَّمَا أُمِرَ بِقِتَالِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اِتِّبَاعِهِ، وَلَا يُجْهِزُ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا، وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ اَلْحَدَّ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اَللَّهُ، فَيَحْكُمُ فِيهِ.
الشرح:
اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضًا المحاربون وقطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك أنهم فيما يظهر من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يُقَاتَلُونَ بما يندفعون به.
جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ ،قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ ،قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ."الراوي : أبو هريرة -صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 140 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
*عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو :قال سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهو شَهِيدٌ." صحيح البخاري.
ووردت قاعدة مفيدة في منظومة القواعد الفقهية للسعدي رحمه الله:
31 ـ وَمُتْلفُ مُؤْذِيهِ لَيْسَ يَضْمَنُ* بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ.
ومعنى كلام الناظم ـ رحمه الله ـ :
أن من أتلف صائلًا - الصائل : هو الذي يهاجم ويعتدي- لدفع أذاه فلا ضمان عليه ؛ لأن الصائلَ هو المعتدي والظالم ، ولكن بشرط الدَّفع بالتي هي أحسنُ ، أي : لا يكون الدَّافعُ متعديًا في دفعِه ، فمن أمكن دفعُه بالتهديد فلا يُضرَبُ ، ومن أمكن دفعه بالضرب فلا يجوز دفعه بالقتلِ وهكذا ؛ لقوله تعالى "ادْفَعَ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ " . سورة فصلت / آية : 34 .
فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن، ولا يبدؤهم بالقتال رأسًا، فإنهم لم يبلغوا أن يقاتلُوا، إنما دخلوا لأخذ مال أو للاختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم. فيهددهم ويخوفهم بعدما يذكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها، فإن كانوا يُكفون بضربهم بالعصي اكتفى بذلك ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يكفوا استعمل السكين دون السيف، وإذا لم يكفوا استعمل السيف أو نحوه مما يقاتل به في هذه الأزمنة، كالرصاص ونحوه، فله أن يستعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم، وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله أو لأجل ماله أو لأجل محارمه أو ما أشبه ذلك، فكل هؤلاء من اللصوص المعتدين يُدْفَعون بما يندفع به شرهم أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم. شرح أصول السنة للإمام أحمد .لابن جبرين.
إذًا أنت مأمورٌ بالدفاع عن نفسك، لكن لا تنوي قتله، وإنما تدفع بالأسهل فالأسهل، ولا تُجْهِز عليه إذا سقط صريعًا أو جريحًا، وإن أخذته أسيرًا فلا تقتله ولا تقم عليه الحد، ولكن تسلمه إلى ولاة الأمور، وإن هرب فلا تتبعه. فالمقصود أن قتال اللصوص وقتال الخوارج، إنما يقاتلهم الإنسان قتال دفاع، ويدفعهم بالأسهل فالأسهل. شرح الشيخ الراجحي.
لا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ
المتن - وَلَا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ نَرْجُو لِلصَّالِحِ وَنَخَافُ عَلَيْهِ، وَنَخَافُ عَلَى اَلْمُسِيءِ اَلْمُذْنِبِ، وَنَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اَللَّهِ.
الشرح:
من عقيدة أهل السنة أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار ولو انطبقت عليه بعض الأحاديث، وهناك أحاديث في الوعيد، وهناك أحاديث في الوعد، فيقولون: إن أمره إلى الله تعالى. إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة ونحوهم من الذين ورد تسميتهم أنهم من أهل الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم "أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة "الراوي: سعيد بن زيد و عبدالرحمن بن عوف المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 50-خلاصة حكم المحدث: صحيح.
"لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ ممَن بايعَ تحتَ الشجرةِ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود .
" الحسَنُ والحُسَيْنُ سيِّدا شَبابِ أَهْلِ الجنَّةِ ."الراوي : أبو سعيد الخدري- المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند.
وكالذين ورد أنهم من أهل النار كـ أبي لهب كما في قوله تعالى"سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ"المسد:3. ونحوهم ممن وردت النصوص في أنهم من أهل العذاب.الجبرين.
"أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبو طالِبٍ فقالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ، فيُجْعَلُ في ضَحْضاحٍ مِن نارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي منه دِماغُهُ."الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح مسلم.
العباسُ بنُ عبدِ المطلب قَالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أغْنَيْتَ عن عَمِّكَ، فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، ولَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ."الراوي : العباس بن عبدالمطلب - صحيح البخاري.
"بيْنَما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ وجَمْعُ قُرَيْشٍ في مَجَالِسِهِمْ، إذْ قَالَ قَائِلٌ منهمْ: ألَا تَنْظُرُونَ إلى هذا المُرَائِي أيُّكُمْ يَقُومُ إلى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ، فَيَعْمِدُ إلى فَرْثِهَا ودَمِهَا وسَلَاهَا، فَيَجِيءُ به، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حتَّى إذَا سَجَدَ وضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ أشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ، وثَبَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إلى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ - وهي جُوَيْرِيَةٌ -، فأقْبَلَتْ تَسْعَى، وثَبَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدًا حتَّى ألْقَتْهُ عنْه، وأَقْبَلَتْ عليهم تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بعَمْرِو بنِ هِشَامٍ، وعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ، وعُمَارَةَ بنِ الوَلِيدِ. قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَومَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إلى القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأُتْبِعَ أصْحَابُ القَلِيبِ لَعْنَةً."الراوي : عبدالله بن مسعود - صحيح البخاري.
" وأُتْبِعَ أصْحَابُ القَلِيبِ لَعْنَةً "يَعني: أنَّ اللهَ أتبَعَهم لَعنةً، فكما أنَّهم مَقتولونَ في الدُّنيا، هم مَطرودونَ في الآخِرةِ مِن رَحمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.فنجزم لهؤلاء أنهم من أهل النار لورود النص الصريح في حقهم.لأنه يلزم من طردهم من رحمة الله أنهم من أهل النار.
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة لا يشهدون للمعين بجنة ولا نار- إلا ما ورد فيه نص-، لكن يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، من رأيناه مستقيمًا على طاعة الله، وعمل الطاعات نرجو له الجنة لكن ما نشهد له بالجنة بعينه جزمًا، ومن رأيناه يعمل المعاصي والمخالفات نخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد له بالنار بعينه، ولكن نشهد بالعموم.الراجحي.
ولكن نشهد بالعموم: أي نشهد بأن
المتن - وَمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنْ اَلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ اَلذَّنْبِ فِي اَلدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي قَدْ اِسْتَوْجَبَ بِهَا اَلْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمِنْ لَقِيَهُ وَهُوَ كَافِرٌ عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ.
الشرح:
*وَمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنْ اَلسَّيِّئَاتِ:
قال تعالى " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ"الشورى:25.
هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها، ويعزمون على أن لا يعاودوها، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها بعد ما انعقدت سببًا للهلاك، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية.
" وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ " ويمحوها، ويمحو أثرها من العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريما، كأنه ما عمل سوءا قط، ويحبه ويوفقه لما يقر به إليه.
ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله، ختم هذه الآية بقوله" وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ".تفسير السعدي.
بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ: وهي الكبائر. جمع كبيرة .
وأصح ما قيل في تعريف الكبيرة من الأقوال الكثيرة، أن الكبيرة: كل ذنب وجب فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة بالنار، أو اللعن، أو الغضب مثل الذنب الذي وجب فيه حد في الدنيا مثل الزنا فيها الرجم أو الجلد، مثل السرقة فيها قطع اليد، مثل شرب الخمر فيه الجلد. أو وعيد في الآخرة بالنار، مثل من أكل مال اليتيم توعد عليه بالنار " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا "النساء:10. ومثل القتل توعد عليه بالنار واللعنة والغضب. قال تعالى " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"النساء:93.
* وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ اَلذَّنْبِ فِي اَلدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
الشرح:يقول عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه " بَايَعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَهْطٍ، فَقالَ: أُبَايِعُكُمْ علَى أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، ولَا تَأْتُوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ، ولَا تَعْصُونِي في مَعروفٍ، فمَن وفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللَّهِ، ومَن أصَابَ مِن ذلكَ شيئًا فَأُخِذَ به في الدُّنْيَا، فَهو له كَفَّارَةٌ وطَهُورٌ، ومَن سَتَرَهُ اللَّهُ، فَذلكَ إلى اللَّهِ: إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَ له."الراوي : عبادة بن الصامت -صحيح البخاري.
قال الحافظ في الفتح :1/6" ويستفاد من الحديث أن إقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بدّ من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين .ا.هـ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ . سنن الترمذي 1439 . فلا يحتاج إذن من أصاب حدّا أن يذهب إلى القاضي ويعترف ويطلب إقامة الحدّ عليه وإنما يُندب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ ، ويُكثر من عمل الصّالحات ، والحسنات يُذهبن السيئات والتائب من الذّنب كمن لا ذنب له . نسأل الله العافية والمغفرة.الإسلام سؤال وجواب.
قال صلى الله عليه وسلم"كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه"الراوي : أبو هريرة /صحيح البخاري.
وفي الحَديثِ: أنَّ على مَن ابتُليَ بمَعصيةٍ أنْ يَستُرَ على نفْسِه.
وفيه: أنَّ ارتِكابَ المعصيةِ مع سَتْرِها أهونُ وأخفُّ مِن المجاهَرةِ بها.الدرر.
"أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قام بعد أنْ رجَم الأسْلَميَّ فقال: اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها ، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ ، و لْيَتُبْ إلى اللهِ ، فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه ، نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 149 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام بعد أن رَجَمَ الأسْلَميَّ"، وهو ماعِزُ بنُ مالكٍ الأسْلَميُّ، وكان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقامَ عليه حَدَّ الزاني المُحْصَنِ وهو الرَّجْمُ، وكان ماعزٌ قد أقرَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالزِّنا كما جاء في الرِّواياتِ الأُخرَى، ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "اجْتَنِبوا هذه القاذوراتِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها"، والمُرادُ بالقاذوراتِ: الأفعالُ القَبيحةُ والسيِّئةُ التي نَهى عنها الشَّرْعُ، ومنها الزنا؛ "فمَن ألمَّ بشَيءٍ منها"، أي: وَقَعَ فيها وفَعَلَها، "فلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ اللهِ"، أي: يَمْتنعْ أنْ يَتحدَّثَ أو يُخبِرَ أحدًا، "ولْيَتُبْ إلى اللهِ"، أي: ولْيُسارِعْ في التَّوبَةِ من ذَنْبِهِ الذي أذْنَبَهُ؛ "فإنَّه مَن يُبْدِ لنا صَفْحَتَه"، بأنْ أظْهَرَ لنا وأَطْلَعَنا على فَعْلتِهِ وذَنْبِهِ، "نُقِمْ عليه كِتابَ اللهِ"، أي: نَحكُمْ عليه بحُكْمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ونقم عليه الحَدَّ الذي ذَكرَه اللهُ تعالى في كِتابِه.
وفي الحديثِ: أنَّ العبْدَ يُؤاخذُ في الدُّنْيا بما يُظهِرُه، وأمَّا ما خَفِيَ فأمْرُهُ إلى اللهِ تعالى.الدرر.
المتن:وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي قَدْ اِسْتَوْجَبَ بِهَا اَلْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمِنْ لَقِيَهُ وَهُوَ كَافِرٌ عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ.
الشرح:
من مات على الإسلام ولكنه عاصٍ ولم يتب من ذنبه، فَذَلِكَ مُفَوَّض إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَذَّبَه بِعَدْلِه، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَه بِفَضلِه.
فالخلق إذن دائرون بين عدل الله وفضله، وما أحسن ما نسب إلى الشافعي رحمه الله من قوله:
إنْ عُذِّبُوا فبعدلِهِ أو نُعِّمُوا فبفضلِهِ وهو الكريمُ الواسعُ
والله تعالى لا يحب أن يعذب عباده كما قال" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا "النساء:147، فهو إذن يحب منهم الإيمان والطاعة ليدخلوا الجنة، فإذا عتى الإنسان وتمرد وأبى إلا الكُفْر والمعاصي فلا يلومنَّ إلا نفسه.
يقول التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ مُحرِزٍ المازِنيُّ "بيْنَما أنَا أمْشِي مع ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما آخِذٌ بيَدِهِ، إذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقالَ: كيفَ سَمِعْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في النَّجْوَى؟ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُونَ، فيَقولُ الأشْهَادُ "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"هود: 18.الراوي : عبدالله بن عمر -المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم 2441 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
يَذكُرُ التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ مُحرِزٍ المازِنيُّ أنَّه كان يَسيرُ مع عبْدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما آخِذًا بيَدَيْه، إذ ظَهَرَ له رجُلٌ، وسَأَلَه عن النَّجْوَى، والنَّجوى هي إسرارُ الواحدِ بالكلامِ مع آخَرَ على انفرادٍ، والمرادُ بها هنا: ما يقَعُ بيْن اللهِ تعالَى وبيْن عبْدِه المؤمنِ يومَ القيامةِ، وهو فضْلٌ مِن اللهِ تعالَى، حيث يَذكُرُ المَعاصيَ للعبْدِ سِرًّا. فذَكَرَ ابنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ اللهَ تعالَى يُدْني المؤمنَ، أي: يُقرِّبه إليه يومَ القيامةِ؛ ليُكلِّمَه ويَعرِضَ عليه ذُنوبَه فيما بيْنه وبيْنه، فيَضَعُ عليه كنَفَه، والكَنَفُ في اللُّغةِ: السَّتْرُ والحِرزُ والنَّاحيةُ، ويَستُرُه، أي: يَستُرُ عبْدَه عن رُؤيةِ الخَلْق له؛ لئلَّا يَفتضِحَ أمامَهم فيُخْزى، ويُكلِّمُه فيها سِرًّا فيَقولُ له: أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ فيُذكِّرُه بما فعَلَه في الدُّنيا في لُطفٍ وخَفاءٍ، حتَّى إذا قَرَّره بذلك واعتَرَف بذُنوبِه، وتَيقَّن أنَّه داخلٌ النَّارَ لا مَحالةَ إلَّا أنْ يَتَدارَكَه عفْوُ اللهِ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ له: سَتَرتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لك اليومَ.
أمَّا الكافرُ والمنافقُ في عَقيدتِه، فيَقولُ الأشهادُ -وهم الحاضِرون مِن الملائكةِ والنَّبيِّين والجنِّ والإنسِ"هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ"هود: 18، أي: هؤلاء الَّذين كَفَروا ونَسَبوا إلى اللهِ ما لا يَليقُ به مِن الشَّريكِ والولدِ والزَّوجةِ، وغيرِ ذلك، "أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" أي: ألَا سَخَطُ اللهِ الدَّائمُ وإبعادُه مِن رَحمتِه، على المُعتَدينَ الذين وَضَعوا العبادةَ في غيرِ مَوضِعِها.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بجَلالِه.الدرر السنية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" عصاة المسلمين ثلاثة أقسام : قسم
يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً ، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم
يخرج ، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب ، ولكن يكون له الشفاعة ، فيخرج من النار قبل
أن يستكمل ما يستحقه من العذاب " .فتاوى نور على الدرب" 4/ 2:
بترقيم الشاملة.
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة - أن أهل المعاصي من الموحدين الذين تغلب سيئاتهم حسناتهم، واستوجبوا النار بأعمالهم، لا يخلدون في النار كباقي المشركين؛ ولكنهم يمكثون فيها بقدر معاصيهم، ثم يأمر الله تعالى الملائكة بإخراجهم من النار وإدخالهم الجنة، وذلك للأدلة التالية:
"............فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ ائْذَنْ لي فِيمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فيَقولُ: وعِزَّتي وجَلَالِي، وكِبْرِيَائِي وعَظَمَتي لَأُخْرِجَنَّ منها مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ."الراوي : أنس بن مالك - صحيح البخاري.
وفيه: دليلٌ على أنَّ أهلَ المَعاصي من أُمَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُخلَّدونَ في النَّارِ.الدرر السنية.
"يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يقولُ اللَّهُ تَعَالَى: أخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ. فيُخْرَجُونَ منها قَدِ اسْوَدُّوا، فيُلْقَوْنَ في نَهَرِ الحَيَا، أوِ الحَيَاةِ - شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في جَانِبِ السَّيْلِ، ألَمْ تَرَ أنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً." الراوي : أبو سعيد الخدري- صحيح البخاري.
وهذا الحَديثُ نصٌّ في أنَّ الإيمانَ في القُلوبِ يَتفاضَلُ، وأنَّ أهلَ الإيمانِ يَتفاضَلون في درَجاتِ إيمانِهم. وفيه أيضًا: أنَّ مُرتكِبَ المعاصي مُعرَّضٌ للعُقوبةِ في الدَّارِ الآخِرةِ، ودُخولِ النَّارِ، إلَّا أنْ يَعفُوَ اللهُ عنه.الدرر السنية.
" إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْها، وآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فيَقولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيها، فيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فيَقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُها مَلْأَى، فيَقولُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيها فيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فيَقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُها مَلْأَى، فيَقولُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فإنَّ لكَ مِثْلَ الدُّنْيا وعَشَرَةَ أمْثالِها -أوْ: إنَّ لكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثالِ الدُّنْيا- فيَقولُ: تَسْخَرُ مِنِّي -أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي- وأَنْتَ المَلِكُ! فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، وكانَ يقولُ: ذاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً."الراوي : عبدالله بن مسعود -صحيح البخاري.
فائدة هامة في مفهوم عدل الله:
إقامة العدل بين العباد، إنما يتحقق كاملا في الآخرة عندما توضع موازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا. وأما في الدنيا فقد يموت المظلوم بمظلمته، ويموت الظالم بظلمه، دون أن يقام العدل بينهما، حتى تُقتَصَّ بينهم المظالم يوم القيامة.
وكذلك
فإن المحسنين في الدنيا يموت بعضهم دون أن يرى جزاء إحسانه فيها، حتى يُجزَى بذلك
يوم القيامة! وذلك أن الدنيا ليست بدار جزاء، وإنما هي دار عمل، بعكس الآخرة فهي
دار جزاء وليست دار عمل.
وهذا لا يتعارض مع اتصاف الله تعالى بالعدل مطلقًا، فهو سبحانه
متصف بذلك أزلا وأبدًا، وإن كان ظهور آثاره للعباد في الدنيا يتفاوت، حتى يظهر
جليا للجميع، ويرى حق اليقين، في الآخرة، حيث" تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "البقرة:281، آل
عمران:161، وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى" الْيَوْمَ
تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ "غافر:
17.إسلام
ويب.
المتن - وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ،وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَقَدْ رَجَمَتْ الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ.
الشرح:
الزاني المحصن:هو الذي قد تزوج ثم زنا بعدما تزوج زواجًا شرعيًّا ودخل بامرأته . ولا يلزم في إقامة حد الرجم أن يكون - الرجل أو المرأة - متزوجًا حال فعل الزنا ، فمن طلق أو ماتت زوجته بعد الدخول بها ، فإنه محصن إذا توفرت فيه بقية الشروط ، وكذا من طلقت أو مات زوجها ، فإنها محصنة .
جاء في الموسوعة الفقهية :2/227" وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ , فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا , وَزَنَى رُجِمَ " انتهى .
فتوى اللجنة الدائمة:من تزوج بزوجة ثم زنا أقيم عليه حد الرجم، سواء كانت زوجته باقية في عصمته، أم ماتت؛ لأنه صار بوطئه زوجته محصنًا، وكذا الحكم في المرأة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.المصدر:اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:22/38: عبد الله بن قعود ... عضو عبد الله بن غديان ... عضو عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس.
حد الرجم للزاني للمحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع.
فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البيِّنة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد.
حكم الزاني المحصن فإن حكمه الرجم بالحجارة حتى الموت ، وقد ذُكر في آية قرآنية نزلت وتليت وعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ " رواه البخاري : 6442- ومسلم : 1691 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " أَبِكَ جُنُونٌ ؟ " قَالَ : لَا قَالَ "فَهَلْ أَحْصَنْتَ " قَالَ : نَعَمْ .فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ " .رواه البخاري : 6430 - ومسلم : 1691 .
وفي رواية: عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنْصَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَن رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بالمُصَلَّى بالمَدِينَةِ، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ جَمَزَ حتَّى أدْرَكْنَاهُ بالحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ حتَّى مَاتَ."الراوي : أبو هريرة وجابر-المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5271.
"أَذْلَقَتْه الحِجارةُ" أي: أقْلَقتْه وأَوجَعَتْه، "جَمَزَ" أي: أسرَعَ هارِبًا مِن القَتلِ، فأدْرَكوه بالحَرَّةِ فَرَجَمْوه حَتَّى ماتَ، والحَرَّةُ: مَكانٌ مَعروفٌ بالمَدينةِ مِن الجانِبِ الشَّماليِّ مِنه.الدرر السنية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَما إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ أحَدُهُمَا: اقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وقالَ الآخَرُ -وهو أفْقَهُهُمَا-: أجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وأْذَنْ لي أنْ أتَكَلَّمَ، قالَ: تَكَلَّمْ، قالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفًا علَى هذا -قالَ مَالِكٌ: والعَسِيفُ الأجِيرُ - زَنَى بامْرَأَتِهِ، فأخْبَرُونِي أنَّ علَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ منه بمِائَةِ شَاةٍ وجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إنِّي سَأَلْتُ أهْلَ العِلْمِ، فأخْبَرُونِي أنَّ ما علَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ علَى امْرَأَتِهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بيْنَكُما بكِتَابِ اللَّهِ، أمَّا غَنَمُكَ وجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وغَرَّبَهُ عَامًا، وأُمِرَ أُنَيْسٌ الأسْلَمِيُّ أنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا."الراوي : أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6633.
وفيه: أنَّ الرَّجُل إذا كانَ مُحصَنًا فحَدُّه الرَّجمُ، وإنْ لَم يكُن مُحصَنًا وَزَنى فإنَّه يُجلَدُ مائةَ جَلدةٍ ويُغَرَّبُ عامًا.
وفيه: أنَّ من أقَرَّ بالحدِّ وجب على الإمامِ إقامتُه عليه، ولو لم يعتَرِفْ مُشارِكُه في ذلك.الدرر السنية.
" أنَّ امرأةً يعني من غامدٍ أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت إنِّي قد فجرتُ فقال ارجِعي . فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقالت : لعلَّك أن ترُدَّني كما رددتَ ماعزَ بنَ مالكٍ ! فواللهِ إنِّي لحُبلَى . فقال لها : ارجِعي فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقال لها : ارجِعي حتَّى تلِدي . فرجعت ، فلمَّا ولدت أتته بالصَّبيِّ فقالت : هذا قد ولدتُه ، فقال لها : ارجِعي فأرضعيه حتَّى تَفطميه . فجاءت به وقد فطمته وفي يدِه شيءٌ يأكلُه ، فأمر بالصَّبيِّ فدُفِع إلى رجلٍ من المسلمين ، وأمر بها فحُفِر لها ؛ وأمر بها فرُجِمَت . وكان خالدٌ فيمن يرجمُها فرجمها بحجرٍ فوقعت قطرةٌ من دمِها على وجنتِه ، فسبَّها . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مهلًا يا خالدُ فوالَّذي نفسي بيدِه ! لقد تابت توبةً لو تابها صاحبُ مُكسٍ لغُفِر له . وأمر بها فصلَّى عليها ودُفِنت "الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم : 4442- خلاصة حكم المحدث : صحيح.
صاحبُ مُكسٍ: والْمُكْسُ: الْجبايَةُ،الذي يفرض على الناس ضرائب بغير حق. وغَلَبَ استعمالُه فيما يَأخُذه أعوانُ الظَّلمةِ عِند البيعِ والشِّراءِ.
في الحديثِ: أنَّ الحدودَ تُكفِّرُ الذُّنوبَ.
وفيه: أنَّ توبةَ الزَّاني لا تُسقِطُ عنه حدّ الزِّنا.
وفيه: بيانُ عِظمِ التَّوبةِ، وأنَّها تَجُبُّ الذَّنبَ وإنْ عَظُمَ.
وفيه: بيانُ حدِّ الزَّاني إذا كان مُحْصَنًا.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّمُ التَّثَبُّتَ مِنَ الأمرِ قدْرَ المستطاعِ خصوصًا فيالحدودِ.الدرر السنية.
"............جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ."الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي-صحيح مسلم.
*هل تطبيق الحد مُكَفِّر للذنب :
عن عبادة بن الصامت قال:كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ، فَقالَ" تُبَايِعُونِي علَى أَنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، فمَن وَفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللهِ، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فأمْرُهُ إلى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عنْه، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".صحيح مسلم
" فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له "فَعُوقِبَ بِه في الدُّنْيا بِأَنْ أُقيمَ عليه الحَدُّ، فَهو، أي: العِقابُ كَفارَّة لَه فَلا يُعاقَبُ عليه في الآخِرةِ وطَهور يُطَهِّره اللهُ به مِن دَنَسِ المَعصيةِ.
ومَن سَتَرَه اللهُ فَذَلِكَ مُفَوَّض إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَذَّبَه بِعَدْلِه، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَه بِفَضلِه.الدرر السنية.
*هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد ؟
إن صدق في التوبة ، وأكثر من الاستغفار فلا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد ، بل التوبة كافية إن شاء الله تعالى .
قال تعالى"وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"الفرقان: 68 :70.
يَرْوي بُرَيْدةُ بنُ الحُصَيْبِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ماعِزَ بنَ مالِكٍ الأسْلَمِيَّ رَضيَ اللهُ عنه :جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ.............."صحيح مسلم.
فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا به، فارجموه.
قال النووي :
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر :
ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ . . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ ." فتح الباري " 12 / 124 ، 125 .
*ولي الأمر أو من ينوبة فقط هو الذي له حق إقامة الحد :
من وقع في الزنا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، وينبغي أن يستر نفسه بستر الله- عز وجل- ولا يُطالب بإقامة الحد عليه، ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود؛ لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء/الرئيس: عبد/العزيز بن عبد الله بن باز/ عضو: عبد الله بن غديان/عضو: صالح الفوزان/عضو: عبد العزيز آل الشيخ.
المجلس التاسع والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
المتن وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،أَوْأَبْغَضَهُ لِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ،أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ،كَانَ مُبْتَدِعًا حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا،وَيَكُونُ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.
الشرح:
من عقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والذب عنهم، واعتقاد ما ثَبتَ لهم من الفضل والأجر، فإن حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، ومات على الإسلام، هذا أصح ما قيل في تعريف الصحابي. من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ولو لحظة، ثم مات على الإسلام هذا هو الصحابي،وهذا أولى من قول "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم" ليشمل العميان، كعبد الله ابن أم مكتوم، فإنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يرهلأنه أعمى، ولكنه لم يره، فهو صحابي،كل الصحابة عدول لا تبحث عنهم. أما من بَعْدَهم لا بدأن يُبْحَث عنهم هل هو عدل أو ليس بعدل، هل هو ثقة أو ليس بثقة، هل هو ضابط أو ليس بضابط، كل واحد من رواة الحديث يبحث عنه . ويشمل ذلك صغار الصحابة وأطفالهم الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم فهم صحابة، ولكنهم يتفاوتون؛ يختلفون في الصحبة يختلفون كما سبق وفصلنا.فكانوا رضي الله عنهم وأرضاهم خيرَ صَحْبٍ لخيرِ مَن مشى على وجهِ الأرضِ -رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة الكرام هم الذين نقلوا إلينا الإسلام، وقد أثنى الله عليهم في القرآن ورضي عنهم ورضوا عنه، وحثنا على الاستغفار لهم والترحم عليهم"وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"الحشر:10.
وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني: عابهم أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم أو نحو ذلك، فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدى على حرمة الصحابة رضي الله عنهم.
قال صلى الله عليه وسلم" لا تَسُبُّوا أصْحابِي؛ فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ".الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح البخاري.
وفي الحَديثِ: تَفْضيلُ الصَّحابةِ كلِّهم على جَميعِ مَن بعْدَهم.الدرر السنية.
"سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ...."....." الراوي : عبدالله بن مسعود -صحيح البخاري.
فاضَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، كما فاضَلَ في أحاديثَ مُتعَدِّدةٍ بين أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم.فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَقاصدِ التَّشْريعِ، وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ وتابَعوا مَسيرةَ الجِهادِ، وهكذا إلى أنْ يَتباعدَ الزَّمانُ عنْ زَمانِ النُّبوَّةِ، فيَبْعُدونَ عن الهَدْي والسُّنَّةِ وصَحيحِ الدِّينِ شَيئًا فَشيئًا.وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.الدرر السنية.
يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
"من كان منكم متأسيًا، فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه؛ فاعرِفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"؛جامع بيان العلم وفضله: 2/ 947.
قال الطحاوي في عقيدته، عن الصحابة، وحبهم دين وإيمانٌ، وحبهم دين وإيمانٌ وإسلام، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيان، فبغض الصحابة من علامات النفاق، ومن علامات خبث القلوب، والله تعالى أثنى على المؤمنين في دعائهم لمن سبقهم من المؤمنين، وأنه ليس في قلوبهم غلٌّ لهم، قال الله تعالى" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "الحشر: 10 .
قال الإمام أبو زُرْعة الرازي - رحمه الله "إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ- فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ, وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ- عِنْدَنَا حَقٌّ, وَالْقُرْآنَ حَقٌّ, وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ-, وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ, وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ"رواه الخطيب في الكفاية والحافظ ابن حجر في الإصابة..ا.هـ.الإصابة - ابن حجر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله "مَا يُنْقَلُ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَثَالِبِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ كَذِبٌ، إِمَّا كَذِبٌ كُلُّهُ، وَإِمَّا مُحَرَّفٌ قَدْ دَخَلَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَا يُخْرِجُهُ إِلَى الذَّمِّ وَالطَّعْنِ، وَأَكْثَرُ الْمَنْقُولِ مِنَ الْمَطَاعِنِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَرْوِيهَا الْكَذَّابُونَ الْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ... النَّوْعُ الثَّانِي: مَا هُوَ صِدْقٌ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الأُمُورِ لَهُمْ فِيهَا مَعَاذِيرُ تُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ ذُنُوبًا وَتَجْعَلُهَا مِنْ مَوَارِدِ الاجْتِهَادِ الَّتِي إِنْ أَصَابَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.
وَالصَّحَابَةُ أَحَقُّ بِكُلِّ مَدْحٍ وَنَفْيِ كُلِّ ذَمٍّ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الأُمَّةِ" منهاج السنة النبوية.
فيجب الإمساك عما شجر بين الصحابة من فتن، مع اعتقاد عدم عصمتهم وما شجر بينهم من باب الاجتهاد ولا نخوض فيه.
اللهم احشرنا مع نبيك وأهل بيته المطهرين، وصحابته الغر الميامين.