الخميس، 28 يوليو 2016

02- قراءة متن القواعد المثلى -الفصل الثاني من قاعدة 1 إلى 7-الفصل الثالث 3 قواعد

المجلس الرابع
من مجالس قراءة متن
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى
الفصل الثاني
قواعد في صفات الله تعالى القاعدة الأولى
صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك. وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.

أما السمع: فمنه قوله تعالى"لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" سورة النحل، الآية: 60. والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. إما صفة كمال، وإما صفة نقص. والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز. فقال تعالى"وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ" سورة الأحقاف، الآية: 5.. وقال تعالى"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" سورة النحل، الآيتان: 20، 21.. وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه"يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً"سورة مريم، الآية: 42.، وعلى قومه"أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ" سورة الأنبياء، الآيتان: 66، 67..
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.
وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصمم ونحوها؛لقوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ"
سورة الفرقان، الآية: 58.. وقوله عن موسى"فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى" سورة طه، الآية: 52. وقوله"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" سورة فاطر، الآية: 44. . وقوله"أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" سورة الزخرف، الآية: 80.وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال:"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"رواه البخاري، كتاب الفتن (7131)،. وقال: " أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً" رواه البخاري، كتاب المغازي -4202-، ومسلم، كتاب الذكر -2704-..
وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى"وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" .
سورة المائدة، الآية: 64 . وقوله"لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ"سورة آل عمران، الآية: 181 .
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه: "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
سورة الصافات، الآيات: 180 - 182. وقال تعالى"مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" سورة المؤمنون، الآية: 91.
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها،كقوله تعالى"وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"
سورة الأنفال، الآية: 30 . وقوله"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً" سورة الطارق، الآيتان: 15، 16. وقوله"وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.وقوله"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ"سورة النساء، الآية: 142. وقوله"قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" سورة البقرة، الآيتان: 14، 15.
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى"وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
سورة الأنفال، الآية: 71.. فقال"فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقاً.
وبهذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.



o o o o o o o
المجلس الخامس
من مجالس قراءة متن
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى
الفصل الثاني
قواعد في صفات الله تعالى
القاعدة الثانية من قواعد الصفات
باب الصفات أوسع من باب الأسماء

وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثانية من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى"وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"71.
ومن أمثلة ذلك: أن من صفات الله تعالى المجيء، والإتيان، والأخذ والإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى"وَجَاءَ رَبُّك"72. وقال"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ"73. وقال"فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ"74. وقال"وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"75. وقال"إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"76. وقال"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ "77. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"78.
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به.
______________
(71) سورة لقمان، الآية: 27.
(72) سورة الفجر، الآية: 22.
(73) سورة البقرة، الآية: 210.
(74) سورة آل عمران، الآية: 11.
(75) سورة الحج، الآية: 65.
(76) سورة البروج، الآية: 12.
(77) سورة البقرة، الآية: 185.
(78) رواه البخاري، كتاب التهجد (1145)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين (758).
 o o o o o o o
القاعدة الثالثة من قواعد الصفات
صفات الله تعالى صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية:
فالثبوتية: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً)(79).
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم ؛رسوله ؛يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مُرْسِلِه، وهو الله - عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بياناً، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.

والصفات السلبية: ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
فيجب نفيها عن الله تعالى - لما سبق - مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل1
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ
ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا


* مثال ذلك: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت)(80).
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
* مثال آخر: قوله تعالى:(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(81).نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
* مثال ثالث: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(82). فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً). لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.
وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
__________

1- لايظلمون لضعفهم وعدم قدرتهم على ظلم أحد (80) سورة الفرقان، الآية: 58.
(81) سورة الكهف، الآية: 49.
(82) سورة فاطر، الآية: 44.
 o o o o o o o
المجلس السادس
من مجالس قراءة متن
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى
تابع الفصل الثاني
قواعد في صفات الله تعالى
القاعدة الرابعة من قواعد الصفات
الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.
ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالباً إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"83)، "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"84.
الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله"أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً"85.
الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ"86. وقوله"وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ"87.

-----------
(83) سورة الشورى، الآية: 11.
(84) سورة الإخلاص، الآية: 4.
(85) سورة مريم، الآيتان: 91، 92.
(86) سورة الأنبياء، الآية: 16.
(87) سورة ق، الآية: 38.

o o o o o o o
 القاعدة الخامسة:
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين:ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"88. وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجزعن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانـه - لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة ، كما يشير إليه قوله تعالى : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشـَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً"89.

__________

(88) سورة يس، الآية: 82.
(89) سورة الإنسان، الآية: 30.
  
o

القاعدة السادسة:
يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين: أحدهما: التمثيل. والثاني: التكييف.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(90). وقوله: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(91). وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(92). وقوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(93).
وأما العقل فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبياناً في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً.
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات،لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(94).
وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(95). وقوله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(96). ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له،أو بالخبر الصادق عنه،وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.
وأيضاً فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟
إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك.
وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.
وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان، أو تقديراً باللسان، أو تحريراً بالبنان.
ولهذا لما سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(97) كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول". وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(98).
____________
(90) سورة الشورى، الآية: 11.
(91) سورة النحل، الآية: 17.
(92) سورة مريم، الآية: 65.
(93) سورة الإخلاص، الآية: 4.
(94) سورة الشورى، الآية: 11.
(95) سورة طه، الآية: 110.
(96) سورة الإسراء، الآية: 36.
(97) سورة طه، الآية: 5.
(98) سورة فصلت، الآية: 36.


o 
المجلس السابع
من مجالس قراءة متن
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى
الفصل الثاني
تابع قواعد في صفات الله تعالى

القاعدة السابعة:
صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها.
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث" "انظر القاعدة الخامسة في الأسماء).
ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول:التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوها.
الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك (انظر القاعدة الثالثة في الأسماء).
الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها - على الترتيب - قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(99) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". الحديث(100). وقول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً"(101). وقوله"إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"102).

_____________

(99) سورة طه، الآية: 5.
(100) سبق تخريجه.
(101) سورة الفجر، الآية: 22.
(102) سورة السجدة، الآية: 22.

***********************
الفصل الثالث
قواعد في أدلة الأسماء والصفات

القاعدة الأولى:
الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب أو السنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه، مع إثبات كمال ضده، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معناه فيفصل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول. وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده.
فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة، أو تضمن، أو التزام.
ومنه كل صفة دل عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين عباده يوم القيامة، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(103).
ومنه: الوجه، والعينان، واليدان ونحوها.
ومنه الكلام، والمشيئة، والإرادة بقسميها: الكوني، والشرعي. فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
ومنه الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة ونحوها(104).
ومما ورد نفيه عن الله سبحانه لانتفائه وثبوت كمال ضده: الموت، والنوم، والسنة، والعجز، والإعياء، والظلم، والغفلة عن أعمال العباد، وأن يكون له مثيل أو كفؤ ونحو ذلك(2).
ومما لم يرد إثباته ولا نفيه لفظ (الجهة) فلو سأل سائل هل نثبت لله تعالى جهة؟
قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتاً ولا نفياً، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط به.
فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضاً؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
ودليل هذه القاعدة السمع والعقل.
فأما السمع فمنه قوله تعالى:(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(105)، وقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(106)، وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(107)، وقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(108)، وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(109)، وقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)(110).
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن والسنة.
وكل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة؛ لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والرد إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبرعن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟
وأين الإيمان بالقرآن لمن لم يرد النزاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله به في القرآن؟
وأين الإيمان بالرسول الذي أمر به القرآن لمن لم يقبل ما جاء في سنته؟
ولقد قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(111). ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن.
وأما العقل فنقول: إن تفصيل القول فيما يجب أو يمتنع أو يجوز في حق الله تعالى من أمور الغيب التي لا يمكن إدراكها بالعقل، فوجب الرجوع فيه إلى ما جاء في الكتاب والسنة.
___________

(103) سورة إبراهيم، الآية: 27.
(104) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: أدلة هذه مذكورة في مواضعها من كتب العقائد.
(105) سورة الأنعام، الآية: 155.
(106) سورة الأعراف، الآية: 158.
(107) سورة الحشر، الآية: 7.
(108) سورة النساء، الآية: 80.
(109) سورة النساء، الآية: 59.
(110) سورة المائدة، الآية: 49.
********************************* 
 *القاعدة الثانية:
الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(112). وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(113). وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(114). وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(115). وقال تعالى:( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)(116). الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.
___________
(112) سورة الشعراء، الآيات: 193 - 195.
(113) سورة يوسف، الآية: 2.
(114) سورة الزخرف، الآية: 3.
(115) سورة البقرة، الآية: 75.
(116) سورة النساء، الآية: 46.
******************************* 
   *القاعدة الثالثة:
ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
وقد دل على ذلك: السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(117). وقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ)(118).وقـوله -جـل ذكره- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(119).
والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكر الإنسان بما فهمه منه.
وكون القرآن عربياً ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.
وأما العقل: فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتاباً أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدها ضرورة مجهول المعنى، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء؛ لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(120).
هذه دلالة السمع والعقل على علمنا بمعاني نصوص الصفات.
وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية،فقد سبقت في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلاً أحياناً، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله - عز وجل.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ "العقل والنقل" ص116 جـ1 المطبوع على هامش (منهاج السنة): "وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله - إلى أن قال ص118 -: وحينئذٍ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. أهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد - رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم.
__________
(117) سورة ص، الآية: 29.
(118) سورة الزخرف، الآية: 3.
(119) سورة النحل، الآية: 44.
(120) سورة هود، الآية: 1.
انتهى المجلس السابع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق