ابْدَأْ بنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا
- أَعْتَقَ رَجُلٌ مِن بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا له عن دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ فَقالَ: لَا، فَقالَ: مَن يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بنُ عبدِ اللهِ العَدَوِيُّ بثَمَانِ مِئَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بهَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: ابْدَأْ بنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فإنْ فَضَلَ شيءٌ فَلأَهْلِكَ، فإنْ فَضَلَ عن أَهْلِكَ شيءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فإنْ فَضَلَ عن ذِي قَرَابَتِكَ شيءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يقولُ: فَبيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 997 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر.
أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا له، ولَمْ يَكُنْ له مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: مَن يَشْتَرِيهِ مِنِّي فاشْتَراهُ نُعَيْمُ بنُ النَّحّامِ بثَمانِ مِئَةِ دِرْهَمٍ فَسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ يقولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا، ماتَ عامَ أوَّلَ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6716 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
الشرح:
رتَّبَ الإسلامُ أولوياتِ النَّاسِ في النَّفقةِ والصَّدقةِ، وعلَّمَنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ حتَّى تسيرَ الحياةُ بصُورةٍ طيِّبةٍ، ولا يُظْلَمَ فيها أحدٌ، ولا تَضْطرِبَ الحُقوقُ والواجباتُ عند النَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أعتَقَ رجُلٌ مِن بني عُذْرةَ"، وهو حَيٌّ من قبيلةِ قُضاعةَ، "عبْدًا له عن دُبُرٍ"، أي: قرَّرَ الرَّجلُ أنَّه بعدَ أنْ يموتَ يُصْبِحُ مَملوكُه حُرًّا، "فبلَغَ ذلك رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: ألكَ مالٌ غيرُه؟" فقال الرَّجلُ: "لا"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "مَن يَشتريه مِنِّي؟"، أي: أراد النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيعَه للرَّجلِ لكونِه فقيرًا مُحتاجًا للمالِ؛ فبَيعُه والانتفاعُ بمالِه أوْلى من عِتْقِه، "فاشتراهُ نُعيمُ بنُ عبدِ اللهِ العَدويُّ بثمانِ مِئةِ دِرْهمٍ، فجاء بها رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فدفَعَها إليه"، أي: أعطاها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للرَّجلِ، ثمَّ قال "ابدَأْ بنفْسِك فتصدَّقْ عليها"، أي: ابدَأْ بهذا المالِ بالنَّفقةِ على نفْسِك، "فإنْ فضَلَ شَيءٌ فلِأهْلِك"، أي: فهو لأهْلِك، فتُنْفِقُه عليهم، "فإنْ فضَلَ عن أهْلِك شَيءٌ فلِذي قَرابتِك"، أي: لأقربائِك الَّذين ليسوا من أهْلِك، "فإنْ فضَلَ عن ذي قَرابتِك شَيءٌ فهكذا وهكذا"، أي: تَتصدَّقُ به في وُجوهِ الخيرِ بما هو أوْلى فأوْلى، كما بيَّنَ المُشارَ إليه بقولِه "يقول: فبينَ يدَيْك، وعن يمينِك، وعن شِمالِك"، و لا تَقتصِرْ على جِهةٍ واحدةٍ. وبتأمُّل هذا التَّرتيبِ يُعلَمُ أنَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدَّمَ الأوْلى فالأوْلى، والأقرَبَ فالأقربَ، حيثُ أمَرَه بأنْ يبدَأَ بنفْسِه، ثمَّ بأهْلِه؛ من الزَّوجةِ والولدِ أو الوالدينِ، ثمَّ الأقاربِ، ثمَّ ما بقِيَ فيُمكِنُه التَّصرُّفُ فيه.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ الصَّدقةُ على النَّفسِ، ثمَّ الأهْلِ، ثمَّ الأقرباءِ.
وفيه: أنَّ الحُقوقَ إذا تزاحَمَت قُدِّمَ الأوكدُ فالأوكدُ.
وفيه: أنَّ الأفضلَ في صَدقةِ التَّطوُّعِ أنْ يُنوِّعَها الإنسانُ في جِهاتِ الخيرِ، بحسَبِ المصلحةِ، ولا يجعْلَها في جِهَةٍ بعينِها.الدرر السنية-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق