إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ
قال الإمام مسلم في صحيحه"وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، أَنَّ عُمَرَ ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ عُمَرَ ، إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ"صحيح مسلم/كتاب السَّلَامِ/ بَابُ الطَّاعُونِ وَحديث رقم 4233./الطِّيَرَةِ وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَاشرح الحديث من فتح المنعم:
المعنى العام
من المعلوم أن الأمراض ابتلاء من الله تعالى لمخلوقاته، واختبار لهم أيصبرون؟ أم يتبرمون؟ أيشكرون على الضراء؟ أم يسخطون، أيذكرون فضل نعمة الصحة؟ أم يتناسون وينسون؟ أيلجئون إلى الله تعالى؟ فيطلبون منه رفع البلاء؟ أم يلجئون إلى معلوماتهم البسيطة وأعشابهم وأطبائهم؟ أيلجئون إلى الأسباب العادية وحدها؟ أم يلجئون إلى مسبب الأسباب، ورب السبب والمسبب جميعاً؟ إن العرب قبل الإسلام كانوا إذا مسهم الضر في البحر، ضل من يدعون إلا إياه، فلما ينجيهم إلى البر يكفرون، وإن فرعون وقومه لما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فلما كشف عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون.
جاء الإسلام حريصًا على أن يربط العبد بربه في السراء والضراء، وأن يؤكد له أن المرض والشفاء بيد الله، وأن الأسباب إنما هي من الله، ونتائجها بقدر الله، فلا يعتمدوا الأسباب وحدها، ولا يتواكلوا ويبعدوا عن اتخاذها بل عليهم أن يتداووا، ثم يتوكلوا على الله ويدعوه، كما جاء في حديث اعقلها وتوكل عليهم أن لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، وأن يحذروا مواطن الضرر، وأن يفوضوا مع ذلك نتائج الأمور كلها إلى الله.
كانت الجرعة التي سقاهم إياها الإسلام، ليسندوا الأشياء إلى الله كبيرة لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر من أعدى الأول؟ يدخل الجنة سبعون ألف بغير حساب، لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون فغلب كثير من السابقين جانب التوكل، والتفويض إلى قدر الله، على جانب الحذر والحيطة والأخذ بالأسباب، وغلب الآخرون الجانب الآخر.
ظهر هذان الاتجاهان حين خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام لزيارتها، بعد أن فتحها جند الإسلام، وقسمت إمارات: الأردن وحمص، ودمشق، وفلسطين، وإجنادين، وأمر عليها أبا عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة.
خرج الأمراء ووجهاء البلاد لاستقبال أمير المؤمنين خارج البلاد، في مدينة تسمى سرغ وكان وباء الطاعون قد انتشر كالنار في الهشيم، بين الناس في الشام، فأخبر أمراء الشام أمير المؤمنين بذلك، ونصحه بعضهم بالعودة إلى المدينة وعدم دخول الشام، هو ومن معه من صفوة الصحابة وسابقيهم من مهاجرين وأنصار، خوفاً عليهم من العدوى، وحذراً من الإلقاء بهم إلى التهلكة، وأشار عليه آخرون بالدخول، وإنجاز ما قدم لأجله، والتوكل على الله فكل شيء بأمره وقدره.
وضرب عمر المثل في الشورى، فلم يقطع برأي، ونادى عبد الله بن عباس، وأمره أن يدعو إليه المهاجرين الأولين، فدعاهم إليه، فاستشارهم في الأمر، فأشار بعضهم بعدم الدخول، وأشار بعضهم بالدخول، فأغضب عمر اختلافهم، فصرفهم، وأمر ابن عباس أن يدعو إليه الأنصار، فدعاهم إليه، فاستشارهم، فاختلفوا كما اختلف المهاجرون، قال بعضهم: قد جئت لأمر، فلا ترجع عنه وامض لما جئت به، وادخل، وتوكل على الله، وقال بعضهم: إن معك خيرة الصحابة وكبارهم، فلا تعرضهم للوباء، ولا تدخل بهم عليه، فازداد عمر غضباً لاختلافهم، فصرفهم، وأمر ابن عباس أن يدعو إليه كبار قريش الذين أسلموا حديثاً، عند فتح مكة، فدعاهم إليه، فاستشارهم، فأجمعوا جميعاً على الرجوع، لم يشذ منهم أحد، فقرر عمر رضي الله عنه الرجوع بمن جاء معه، وأمر المنادي أن ينادي في الناس: إن أمير المؤمنين قد عزم على العودة إلى المدينة في الصباح، فاستعدوا للسفر، وكان أبو عبيدة قد رجح عنده أن الدخول أفضل، فقال لعمر: أترجع خوفًا من الوباء؟ وفرارًا من قدر الله؟ وكان عمر قويًا في الحق، حازمًا في اتخاذ القرار، لا يحب أن يخالفه أحد، فأجاب بشدة: لو غيرك قال هذا يا أبا عبيدة لأدبته، كيف يخفى عليك وأنت من أنت أمر الحيطة والحذر وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، فإن دخلنا فبقدر الله، وإن رجعنا فبقدر الله، أخبرني يا أبا عبيدة: لو نزلت بإبلك في أرض، يمينها خصبة، وشمالها جدبة، إن وجهت إبلك إلى الخصبة رعيت بقدر الله، وإن وجهتها إلى الجدبة لم ترع، وبقدر الله، ولم يكن أحد يحفظ الحديث الذي يقطع النزاع، والذي جاء به عبد الرحمن بن عوف في الليل، وكان حين المنازعة غائباً، فلما جاء في الليل قال لعمر وصحابته: إن عندي علماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفصل في القضية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الطاعون عذاب بعثه الله على من كان قبلكم، فإذا انتشر بأرض فلا يخرج منها من كان فيها، ولا يدخلها من كان خارجها.
ورجع أبو عبيدة وأصحابه إلى بلادهم بلاد الوباء، ورجع عمر بأصحابه إلى المدينة، وكان قدر الله، توفي في هذا الطاعون طاعون عمواس أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وامرأته وابنه، وخمسة وعشرون ألفًا، وفيهم من الصحابة كثيرون.
رضي الله عنهم أجمعين.
المباحث العربية
"عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد" ظاهر هذه الرواية أن سعد بن أبي وقاص هو الذي سأل أسامة عما سمع، وفي الرواية الرابعة أن رجلاً سأل سعد بن أبي وقاص عن الطاعون؟ فأجاب أسامة الرجل، وفي الرواية السادسة أن أسامة حدث سعداً وفي ملحقها أن أسامة وسعدًا تحدثا ولا تعارض، فالرجل سأل سعدًا، يظنه العليم بالخبر، فتطوع أسامة بالجواب للرجل ولسعد، ووافق سعد أسامة وصدقه، فنسب إلى كل منهما الجواب، ونسب إلى سعد وإلى الرجل السؤال.
" ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون"؟ أي في الدخول والخروج إلى ومن بلد الطاعون؟ والطاعون فاعول من الطعن، يقال: طعن فهو مطعون وطعين، أي أصابه الطاعون.
والطاعون وباء معين، لأن الوباء هو المرض الذي يعم الكثيرين من الناس في جهة من الجهات، مغاير للمعتاد، فالمعتاد أمراض مختلفة، أما الوباء فهو مرض واحد ينتشر بكثرة بشكل واحد، وأعراض واحدة، وقد كثر إطلاق الوباء على الطاعون، كأنهما مترادفان، حتى كانت عبارة اللغويين توهم ذلك.
قال الخليل: الطاعون الوباء، والصحيح أن الوباء يعم أمراضًا، إن سميت طاعونًا فمن حيث شبهها به في الهلاك، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، وهذا التشابه في الإطلاق هو الذي جعل العلماء يطلقون الطاعون على أمراض ذات أعراض مختلفة، فصاحب النهاية يقول: الطاعون المرض العام، الذي ينسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان.
وأبو بكر بن العربي يقول: الطاعون الوجع الغالب، الذي يطفئ الروح، كالذبيحة، سمي بذلك لعموم مصابه، وسرعة قتله، والداودي يقول: الطاعون حبة تخرج من الأرقاع، وفي كل طي من الجسد.
والقاضي عياض يقول: الطاعون في الأصل القروح الخارجة في الجسد.
وابن عبد البر يقول: الطاعون غدة، تخرج في المراق -أي في الأجزاء الرقيقة اللينة الجلد- والآباط، وقد تخرج في الأيدي، والأصابع وحيث شاء الله.
والنووي في الروضة يقول: قيل: الطاعون انصباب الدم إلى عضو، وقال آخرون: هو هيجان الدم وانتفاخه.
والمتولي يقول: هو قريب من الجذام، من أصابه تآكلت أعضاؤه، وتساقط لحمه.
والغزالي يقول: هو انتفاخ في جميع البدن من الدم مع الحمى، أو انصباب الدم إلى بعض الأطراف، فينتفخ ويحمر، وقد يذهب ذلك العضو، والنووي يقول في التهذيب: هو بثر وورم مؤلم جدًا، يخرج مع لهب، ويسود ما حواليه، أو يخضرن أو يحمر حمرة شديدة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان وقيء، ويخرج غالباً في المراق والآباط، وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد، وقال جماعة من الأطباء، منهم أبو علي بن سينا: الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالاً، يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط، أو خلف الأذن، أو عند الأرنبة، قال: وسببه دم رديء، مائل إلى العفونة والفساد، يستحيل إلى جوهر سمي، يفسد العضو، ويغير ما يليه، ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة، فيحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان، وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، وأردؤه ما يقع في الأعضاء الرئيسية، والأسود منه قل من يسلم منه، وأسلمه الأحمر، ثم الأصفر.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: هذا ما بلغنا من كلام أهل اللغة وأهل الفقه والأطباء في تعريفه، والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم، أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده، وإن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء، يسمى طاعوناً بطريق المجاز، لاشتراكهما في عموم المرض، أو كثرة الموت.
اهـ ثم حاول الحافظ ابن حجر أن يوفق بين ما قاله عن حقيقة الطاعون ومنشئه وبين حديث فناء أمتي بالطعن والطاعون.
قيل: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم من الجن أخرجه أحمد، والحاكم وابن خزيمة وصححاه والطبراني، ودافع عن صحة الحديث بما لا يسلم له، وقال: كون الطاعون من طعن الجن لا يخالف ما قال الأطباء، من كونه ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه، لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة، فتحدث منها المادة السمية، ويهيج الدم بسببها أو ينصب وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل، وإنما يعرف من الشارع، فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم.
قال الكلاباذي في معاني الأخبار: يحتمل أن يكون الطاعون على قسمين، قسم يحصل من غلبة بعض الأخلاط، من دم أو صفراء محترقة، أو غير ذلك وقسم يكون من وخز الجني، كما تقع الجراحات من القروح التي تخرج في البدن من غلبة بعض الأخلاط، وإن لم يكن هناك طعن، وتقع الجراحات أيضاً من طعن الإنس.
اهـ قال: ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن وقوعه غالباً في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواء، وأطيبها ماء، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض، لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى، وهذا يذهب أحياناً، ويجيء أحياناً، ويجيء أحياناً على غير قياس ولا تجربه، فربما جاء سنة على سنة، وربما أبطأ سنين، وبأنه لو كان كذلك لعم الناس والحيوان والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير، ولا يصيب من هم بجانبهم ممن هو في مثل مزاجهم، ولو كان كذلك لعم جميع البدن، وهذا يختص بموضع من الجسد، ولا يتجاوزه، ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط، وكثرة الأسقام، وهذا في الغالب يقتل بلا مرض، فدل على أنه من طعن الجن.
اهـ وهذا الذي قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله- غير مقبول، وما استدل به مردود معارض، والجن المشهور اصطلاحاً بأنه خلق من خلق الله، وجنس من مخلوقاته كالإنس، وأنه يرانا من حيث لا نراه، وأنه يعيش معنا، وعلى أرضنا، لا سلطان له علينا إلا بالوسوسة، وصدق الله العظيم إذ يقول " قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم"إبراهيم: 22. ولو أن للجن أن يطعن الإنس بغير سلاح لكتموا أنفاس بني آدم جميعًا في لحظات، ولو أن للجن قدرة على طعن الإنس لطعن في أصعب الفصول كأعدلها، وفي أفسد البلاد هواء كأصحها، وفي أخبث الماء كأطيبه، إذ لا فرق عنده، ولدام في الأرض بدوام عبث الجن وإفساده، ولعم الناس والحيوان، لأن الجن إذا قدروا على طعن الإنسان قدروا على طعن الحيوان، وعلى طعن الإنسان في كل مكان لا مكان دون مكان، فكل ما قاله الحافظ كدليل، لا ينتج الدعوى، ولا يفيد في الاستدلال، ولو أنه حين ردد أسباباً للمرض غير معقولة، وغير منتجة رد ذلك كله إلى قدرة الله تعالى لكان خيرًا.
ثم إن الحديث الذي حاول الحافظ تصحيحه غير صحيح ولا يعمل بمثله في العقائد، وعلى فرض صحته فالجن في اللغة كل ما استتر، والميكروب أو الفيروس مخلوقات خفية، لا ترى بالعين المجردة، وهي في الطب والعقل والإدراك هي سبب الآلام والوخز، وكون الوباء ينتشر في الكثيرين له أسبابه المعروفة بالعدوى، وكونه يصيب شخصاً ولا يصيب من بجواره له تعليله الطبي والعقلي وسيأتي مزيد لهذه المسألة عند الكلام على أنه عذاب من عند الله، وأنه لا يدخل إليه خارج عنه، ولا يخرج عنه من هو داخل فيه.
" الطاعون رجز -أو عذاب- أرسل على بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم" الرجز، ووقع رجس بالسين، وبالزاي هو المعروف، وهو العذاب، وبالسين هو الخبيث أو النجس أو القذر، وجزم الفارابي والجوهري بأنه بالسين يطلق على العذاب أيضاً، ومنه قوله تعالى " كَذَظ°لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"الأنعام: 125. وحكاه الراغب أيضًا، والرواية هنا على الشك من الراوي فيما سمع، هل سمع لفظ رجز أو لفظ عذاب وفي الرواية الثالثة إن هذا الطاعون رجز بدون شك، وفي الرواية الثانية الطاعون آية الرجز أي علامة العذاب، على معنى أن آلامه والموت به عذاب على العاصين، والمرض نفسه علامة على هذا الألم، ففي الرواية الخامسة إن هذا الوجع أو السقم رجز.
والرواية هنا أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم بالشك من الراوي، وبنو إسرائيل كانوا قبلنا، لكنهم بعض من كان قبلنا، فالتنصيص على بني إسرائيل أخص، والمراد أيضاً بعض بني إسرائيل، لا كلهم، ففي الرواية الرابعة أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل وفي الرواية الخامسة عذب به بعض الأمم قبلكم أي بعض أمة من الأمم قبلكم ثم بقي بعد أي بعد هذا الابتلاء، أي بقي ميكروبه غير مصيب ومؤثر على أحد، أو بقي أمره والابتلاء به متوقعاً بأهل الأرض فيذهب كوباء من الأرض المرة، ويأتي كوباء الأخرى والظاهر أن المراد بقاء ميكروبه، ففي الرواية السادسة إن هذا الوجع رجز، أو عذاب، أو بقية عذاب، عذب به أناس من قبلكم ويرى بعض العلماء أن الإشارة إلى من قبلنا من غير بني إسرائيل إشارة إلى ما وقع في قوم فرعون، أيام موسى عليه السلام، إذ أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشاً، ثم ليخضب كفه في دمه، ثم ليضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط عن ذلك؟ فقالوا: إن الله سيبعث عليكم عذاباً، وإنما ننجو منه بهذه العلامة، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفاً، فقال فرعون عند ذلك لموسى " قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ"الأعراف: 134. الآية فدعا، فكشفه الله عنهم قال الحافظ ابن حجر: وهذا الخبر مرسل جيد الإسناد، وأخرج عبد الرزاق في تفسيره، والطبري من طريق الحسن، في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ " قال: فروا من الطاعون "قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ"البقرة: 243. ليكملوا بقية آجالهم.
والإشارة إلى بني إسرائيل إشارة إلى ما جاء في قصة بلعام، اعتماداً على ما أخرج الطبري، من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين، عن سيار: أن رجلاً كان يقال له بلعام، كان مجاب الدعوة، وأن موسى أقبل في بني إسرائيل، يريد الأرض التي فيها بلعام، فأتاه قومه، فقالوا له: ادع الله عليهم.
فقال: حتى أؤامر ربي، فمنع، فأتوه بهدية فقبلها، وسألوه ثانياً، فقال: حتى أؤامر ربي، فلم يرجع إليه بشيء، فقالوا: لو كره لنهاك، ادع عليهم، فدعا عليهم، فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه، فلاموه على ذلك، فقال: سأدلكم على ما فيه هلاكهم، أرسلوا النساء، في عسكرهم، ومروهن أن لا يمتنعن من أحد، فعسى أن يزنوا فيهلكوا، ففعلوا، فوقع الطاعون في بني إسرائيل، فمات منهم سبعون ألفاً في يوم، والمقلل يقول: عشرون ألفاً.
وذكر ابن إسحق أن الله أوحى إلى داود عليه السلام، أن بني إسرائيل كثر عصيانهم، فخيرهم بين ثلاث: إما أن يبتليهم بالقحط، أو بالعدو، أو بالطاعون ثلاثة أيام، فأخبرهم، فقالوا: اختر لنا، فاختار الطاعون، فمات منهم -إلى أن زالت الشمس- سبعون ألفاً، وقيل: مائة ألف، فتضرع داود إلى الله تعالى، فرفعه.
فيحتمل أن تكون أو بمعنى الواو، من قبيل عطف المغاير، ويراد بمن قبلنا، من غير بني إسرائيل ويكون المعنى: أرسل على بني إسرائيل، وعلى أقوام غيرهم ممن كان قبلنا.
" فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" الصحيح أن علة النهي عن القدوم عليه التحرز من العدوى.
فإن السليم إذا دخل أرض وباء معد، لعرض نفسه للعدوى والإصابة، والنهي عن خروج من وقع الطاعون بأرض هو بها، عدم نقل العدوى من مكان الوباء إلى غيره، ومنع انتشاره، وهذا هو المعروف في عرف الطب في أرقى العصور بالعزل الصحي، أو الحجر الصحي، أي محاصرة المرض المعدي في أضيق حدوده، وهذا لا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، ولا مع أن العدوى لا تؤثر بنفسها، بل بإرادة الله تعالى، وسيأتي مزيد لهذه المسألة.
وقيل: إن حكمة النهي عن القدوم عليه أن لا يندم من قدم عليه فأصيب بتقدير الله تعالى، فيقول: لولا أني قدمت هذه الأرض لما أصابني، يا ليتني لم أقدم إليها، مع أنه ربما لو أقام في الموضع الذي كان فيه لأصابه، فأمر أن لا يقدم عليه حسماً لهذا الندم، لا للوقاية الفعلية، ونهي من وقع وهو بها أن يخرج من الأرض التي نزل بها الطاعون، لئلا يقول إذا خرج ونجا: لو أقمت بها لأصابني ما أصاب أهلها، مع أنه لو أقام بها ربما لم يصبه المرض، فالمنع من الخروج لئلا ينجرف إلى اعتماد الأسباب العادية، وينسى أو يقلل من تقدير الله، ويؤيد هذا التعليل ما أخرجه الهيثم بن كليب والطحاوي والبيهقي بسند حسن، عن أبي موسى أنه قال: إن هذا الطاعون قد وقع، فمن أراد أن يتنزه عنه فليفعل، واحذروا اثنتين: أن يقول قائل: خرج خارج فسلم، وجلس جالس فأصيب، فلو كنت خرجت لسلمت، كما سلم فلان، أو لو كنت جلست لأصبت، كما أصيب فلان.
والنهي عن القدوم على الطاعون في بلده مطلق، سواء كان له بهذه البلد حاجة، أو لم يكن، لذا سنجد عمر رضي الله عنه يمتنع عن الدخول، مع أن له به حاجة، أما النهي عن الخروج فقيد بأن يكون السبب والدافع للخروج الفرار من الوباء، فإن كانت هناك حاجة إلى الخروج غير الفرار فلا يدخل في النهي، فالصور ثلاث: الخروج قصد الفرار محضاً، فهذا يتناوله النهي لا محالة، والخروج للحاجة محضاً لا يشوبها قصد فرار، والخروج للحاجة والفرار.
وسيأتي الكلام عن ذلك في فقه الحديث.
ووقع في آخر الرواية الأولى وقال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرار منه فالرواية الأولى رواية محمد بن المنكدر، ولا إشكال فيها، والرواية الثانية رواية أبي النضر، وقد رويت برفع فرار ونصبها في روايات البخاري قال النووي: وقع في بعض النسخ -نسخ مسلم- فرار بالرفع وفي بعضها فراراً بالنصب، وكلاهما مشكل من حيث العربية والمعنى، وقال ابن عبد البر: أهل العربية يقولون: دخول إلا هنا، بعد النفي لإيجاب بعض ما نفي قبل من الخروج، فإنه نهي عن الخروج إلا للفرار خاصة، وهو ضد المقصود، فإن المنهي عنه إنما هو الخروج للفرار خاصة، لا لغيره، وقال الكرماني: الجمع بين قول ابن المنكدر لا تخرجوا فراراً منه وبين قول أبي النضر لا يخرجكم إلا فراراً منه مشكل، فإن ظاهره التناقض، وقد حاول الجمع بما لا يسلم، كما حاول غيره، بأن جعل إلا حالاً من الاستثناء، أي لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا للفرار، وكما حاول القاضي عياض، باللجوء إلى رواية الموطأ لا يخرجكم إلا فراراً بأداة التعريف، وبعدها إفرار بكسر الهمزة، قال: وهو وهم ولحن، وحاول تبرير رواية الموطأ في مكان آخر، فقال: يجوز أن تكون الهمزة للتعدية، يقال: أفره كذا من كذا، أي لا يخرجكم إفراره إياكم.
قال القرطبي في المفهم: هذه الرواية غلط، لأنه لا يقال: أفر، وإنما يقال: فرر.
اهـ والذي نستريح إليه ما قاله جماعة من العلماء، من أن إدخال إلا في هذه الرواية غلط، أو ما قاله بعضهم من أن إلا زائدة، عند من يجيز زيادتها.
والله أعلم.
"كنا بالمدينة، فبلغني أن الطاعون قد وقع بالكوفة" سيأتي قريباً استعراض ما قيل في الطواعين التي وقعت في صدر الإسلام، قال النووي: وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وهو الذي مات فيه المغيرة بن شعبة.
( أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام) سنة ثماني عشرة، وقيل سبع عشرة.
"حتى إذا كان بسرغ" بفتح السين، وسكون الراء بعدها غين، وحكى القاضي وغيره أيضاً فتح الراء، والمشهور إسكانها، ويجوز صرفه، وترك صرفه، وهي قرية في طرف الشام، مما يلي الحجاز، افتتحها أبو عبيدة، وهي واليرموك والجابية متصلات، وبينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة.
" لقيه أهل الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه" وهم خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وكان أبو بكر قد قسم البلاد بينهم، وجعل أمر القتال إلى خالد، ثم رده عمر إلى أبي عبيدة، وكان عمر قد قسم الشام أجنادًا، جمع جند، بضم الجيم وسكون النون، أي مناطق جنود، الأردن جند، وحمص جند، ودمشق جند، وفلسطين جند، وقنسرين جند، وجعل على كل جند أميرًا، وفي رواية لقيه أمراء الأجناد أي استقبلوه خارج بلادهم استقبال ترحيب وتشريف.
" فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام" في رواية للبخاري أن الطاعون قد وقع بأرض الشام ولا مخالفة، فكل طاعون وباء، كما سبق، وفي رواية أن الوجع قد وقع بالشام وكل طاعون وجع.
من غير عكس.
" قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين" أي قال عمر لابن عباس: ادع لي المهاجرين الأولين، قال القاضي: المراد بهم من صلى إلى القبلتين، فأما من أسلم بعد تحويل القبلة فلا يعد فيهم، وفي رواية اجمع لي المهاجرين الأولين.
" فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه" أي خرجت لدخول الشام، ونرى أن تدخل.
" وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء) والمراد من بقية الناس الصحابة، أطلق عليهم ذلك تعظيماً لهم، أي ادعاء أن ليس الناس إلا هم، فعطف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم عطف تفسير، ويحتمل أن يكون المراد ببقية الناس، أي الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم عموماً، والمراد بالصحابة الذين لازموه وقاتلوه معه.
" فقال: ارتفعوا عني" أي قوموا، فاخرجوا، فانصرفوا عني، وفي رواية فأمرهم، فخرجوا عنه.
" ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح" مشيخة بفتح الميم والياء بينهما شين ساكنة وبفتح الميم وكسر الشين وسكون الياء، جمع شيخ، ويجمع أيضاً على شيوخ بالضم والكسر، وأشياخ وشيخة بكسر الشين وفتح الياء، وشيخان بكسر الشين، وسكون الياء، ومشايخ، ومشيخاء بفتح الميم وسكون الشين وضم الياء وفتح الخاء ومدها، وقد تشبع الضمة، حتى تصير واواً.
والمراد من مهاجرة الفتح الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح وقبل الفتح، أو الذين تحولوا إلى المدينة بعد فتح مكة، أطلق عليهم مهاجرة صورة، لأن الهجرة بعد الفتح قد ارتفعت حكماً وفضيلة، لقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وذلك لأن مكة بعد الفتح صارت دار إسلام، فالذي يهاجر منها للمدينة إنما يهاجر لطلب العلم أو الجهاد أو نحو ذلك، لا للفرار بدينه، بخلاف ما قبل الفتح، وكأنه احترز بذلك عن غيرهم من مشيخة قريش، ممن أقام بمكة، ولم يهاجر أصلاً أو أراد من مهاجرة الفتح مسلمة الفتح.
قال النووي: إنا رتبهم هكذا على حسب فضائلهم.
اهـ أي ترتيباً تنازلياً، الأفضل أولاً، ثم الأقل منه فضلاً، ثم الأقل منه فضلاً، فليس إجماع مسلمة الفتح على الرجوع أساس اتخاذه القرار، فقد أشار به بعض كل من الفريقين الأولين، وبالمجموع تكون الأكثرية في جانب الرجوع، على أن مثل عمر يتخذ الاستشارة لإضاءة الطريق، واستطهار الأمر، لا للمشاركة في اتخاذ القرار، وهذا هو ظاهر قوله تعالى"وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ "آل عمران: 159. وقوله تعالى" وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ "... القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"الأنعام: 116. فعمر كان مقتنعاً منذ اللحظة الأولى بالرجوع، لكنه أراد أن لا ينفرد ظاهراً بالقرار، لترتاح نفوس الناس، ولذا كان نقاشه الآتي مع أبي عبيدة إنما يستند إلى العقل والحكمة والدليل، لا على كثرة الموافقين على الرجوع، فلسنا مع القاضي عياض، إذ يقول: وكان رجوع عمر رضي الله عنه لرجحان طرف الرجوع، لكثرة القائلين به، وأنه أحوط، ولم يكن مجرد تقليد لمسلمة الفتح، لأن بعض المهاجرين الأولين وبعض الأنصار أشاروا بالرجوع، وبعضهم بالقدوم عليه، وانضم إلى المشيرين بالرجوع رأي مشيخة قريش، فكثروا القائلين به، مع ما لهم من السن، والخبرة، وكثرة التجارب، وسداد الرأي.
اهـ ولسنا مع الرأي الذي حكاه القاضي عياض: إذ يقول: وقيل: إنما رجع عمر لحديث عبد الرحمن بن عوف، لما في الرواية الثامنة، قالوا ولأن عمر لم يكن ليرجع لرأي دون رأي.اهـ. وهذا الرأي فاسد من وجوه: الأول: أن قرار العودة ونداء عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، كان سابقاً على مجيء عبد الرحمن بن عوف إذ بات ليلة، وهو على ذلك، وقولهم: إن المراد من نداء عمر إني مصبح مسافر إلى الشام وإلى الوجهة التي خرجت من المدينة نحوها، وهذا القول تأويل فاسد، ومذهب ضعيف، كما قال النووي.
الثاني: أن المناقشة مع أبي عبيدة كانت بعد القرار، ولو كان حديث عبد الرحمن بن عوف سابقاً عليها لما كانت المناقشة، وحسم الحديث الموقف.
الثالث: أن وقع الحديث على عمر هو أن حمد الله أن اتفق الحديث مع القرار، وشكر الله على موافقة اجتهاده، واجتهاد معظم الصحابة لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: وأما قول سالم بن عبد الله: إن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن بن عوف فيحتمل أن سالماً لم يبلغه ما كان عمر عزم عليه من الرجوع قبل حديث عبد الرحمن له، ويحتمل أنه أراد أنه لم يرجع إلا بعد حديث عبد الرحمن.
والله أعلم.اهـ ويرى الحافظ ابن حجر أن حصر سالم لسبب رجوع عمر في الحديث، لم يرد به نفي السبب الأول، وهو اجتهاد عمر، وإنما مراده أنه لما سمع الخبر رجح عنده ما كان عزم عليه، فحصر سالم سبب الرجوع في الحديث لأنه السبب الأقوى، وكأنه يقول: لولا وجود النص لأمكن إذا أصبح أن يتردد في ذلك، أو يرجع عن رأيه، فلما سمع الخبر استمر على عزمه الأول، ولولا الخبر لما استمر.
اهـ ولسنا معه في هذا، لما عرفناه عن عمر ومضاء عزمه وقوة إرادته، وحجته على أبي عبيدة، التي لا تقبل التردد.
( إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه) قال النووي، هو بإسكان الصاد فيهما، أي مسافر راكب على ظهر الراحلة، راجع إلى وطني، فأصبحوا على ظهركم، وتأهبوا له.
اهـ وفي رواية إني ماض لما أرى، فانظروا ما آمركم به، فامضوا له، قال: فأصبح على ظهر.
( فقال أبو عبيدة بن الجراح) وهو إذ ذاك أمير الشام، وفي رواية وقالت طائفة، منهم أبو عبيدة.
( أفرارا من قدر الله) ؟ فراراً منصوب على المفعول له، أي أترجع يا عمر بمن معك فراراً؟ أو على المصدر، أي أتفرون فراراً؟.
( لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) لو شرطية، وجوابها محذوف، أي لعاقبته، أو لكان أولى منك بذلك الفهم، أو لم أتعجب منه ولكني أتعجب منك، مع علمك وفضلك، كيف تقول هذا؟ ويحتمل أن يكون الجواب: لأدبته، ويحتمل أن تكون لو هنا للتمني، فلا تحتاج إلى جواب، أي كنت أتمنى أن يقولها غيرك ممن لا فهم له، فأعذره.
( وكان عمر يكره خلافه) أي يكره أن يخالفه أو يناقشه في قراره أحد، فكره أن يناقشه أبو عبيدة، فلامه أو عنفه بهذا الأسلوب.
( نعم.نفر من قدر الله إلى قدر الله) أطلق عليه الفرار لشبهه به في الصورة، وإن كان ليس فراراً شرعياً، أراد أنه لم يفر من قدر الله حقيقة، وذلك لأن الأمر الذي فر منه، أمر خاف على نفسه منه، فلم يهجم عليه، والذي فر إليه، أمر لا يخاف على نفسه منه، إلا الأمر الذي لا بد من وقوعه، سواء كان مسافراً أو مقيماً، وفي رواية إن تقدمنا فبقدر الله، وإن تأخرنا فبقدر الله.
( أرأيت لو كانت لك إبل، فهبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟) العدوتان بضم العين وكسرها مع سكون الدال، تثنية عدوة، وهي المكان المرتفع من الوادي، أو شاطئ الوادي وفي رواية للبخاري إحداهما خصيبة على وزن عظيمة، ورواية مسلم خصبة بسكون الصاد بغير ياء وجدبة بفتح الجيم وسكون الدال، ضد الخصبة، وقال صاحب التحرير، الجدبة هنا بسكون الدال وكسرها، قال: والخصبة كذلك، وهبطت بفتح الطاء، والضمير للإبل.
وهذا الدليل من القياس الواضح الجلي، الذي لا شك في صحته، ولا ينازع فيه أحد، مع مساواته لمسألة النزاع، أي إن الله تعالى أمر بالاحتياط والحزم ومجانبة أسباب الهلاك، كما أمر سبحانه وتعالى بالتحصن من سلاح العدو، وتجنب المهالك، وإن كان كل واقع بقضاء الله وقدره، السابق في علمه.
وفي ملحق الرواية أرأيت أنه لو رعى الجدبة، وترك الخصبة، أكنت معجزه؟ بضم الميم وفتح العين وتشديد الجيم المكسورة، أي أكنت تتهمه بالعجز؟ قال: نعم اتهمه بالعجز وسوء التصرف، قال: فسر إذا أنت يا أبا عبيدة إلى البلد التي خرجت منها بالشام، وسأسير أنا إلى البلد التي خرجت منها، وهي المدينة.
ومقصود عمر رضي الله عنه أن الناس رعية لي، استرعانيها الله تعالى، فيجب على الاحتياط لها، فإن تركت الاحتياط نسبت إلى العجز والتقصير، واستوجبت العقوبة.
( فسار حتى أتى المدينة، فقال: هذا المحل، أو قال: هذا المنزل، إن شاء الله) هما بمعنى، والمحل بفتح الحاء وكسرها، والفتح أقيس.
( إضافة) قال النووي: قال أبو الحسن المدائبني: كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسة: طاعون شيرويه بالمدائن، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في سنة ست من الهجرة، ثم طاعون عمواس -بفتح العين، وبفتح الميم وتسكينها، قيل سمي بذلك لأنه عم، وواسى، وهي قرية معروفة بالشام، في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان بالشام، مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً، ويقال: ثلاثة وسبعون ابناً، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابناً، ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين.
وذكر ابن قتيبة عن الأصمعي: أن أول طاعون كان في الإسلام طاعون عمواس بالشام في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيه توفي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل وامرأتاه وابنه، رضي الله عنهم، ثم الطاعون الجارف في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين، ثم طاعون الفتيات، لأنه بدأ في العذارى والجواري بالبصرة، وبواسط وبالشام والكوفة، وكان الحجاج يومئذ بواسط، في ولاية عبد الملك بن مروان، وكان يقال له: طاعون الأشراف، لما مات فيه من الأشراف، ثم طاعون عدي بن أرطاة، سنة مائة، ثم طاعون غراب سنة سبع وعشرين ومائة، ثم طاعون مسلم بن قتيبة، سنة إحدى وثلاثين ومائة، ولم يقع بالمدينة ولا بمكة طاعون.
اهـ قال النووي: وكان طاعون عمواس -موضوع حديثنا- سنة ثماني عشرة، وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس، نسب الطاعون إليها، لكونه بدأ فيها.
والله أعلم.
*فقه الحديث
قال النووي: في هذه الأحاديث منع القدوم على بلد الطاعون، ومنع الخروج منه فراراً من ذلك، أما الخروج لعارض فلا بأس به.
قال: وهذا الذي ذكرناه هو مذهبنا ومذهب الجمهور، قال القاضي: وهو قول الأكثرين، قال: حتى قالت عائشة: الفرار منه كالفرار من الزحف، قال: ومنهم من جوز القدوم عليه، والخروج منه فراراً.
قال: وروي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنه ندم على رجوعه من سرغ وعن أبي موسى الأشعري ومسروق والأسود بن هلال أنهم فروا من الطاعون، وقال عمرو بن العاص: فروا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال، فقال معاذ: بل هو شهادة ورحمة.
قال: ويتأول هؤلاء النهي على أنه لم ينه عن الدخول عليه والخروج منه مخافة أن يصيبه غير المقدر، لكن مخافة الفتنة على الناس، لئلا يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار، إنما كانت بفراره، قالوا: وهو من نحو النهي عن الطيرة والقرب من المجذوم.
قال: وقد جاء عن ابن مسعود أنه قال: الطاعون فتنة على المقيم والفار، أما الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت، وإنما فر من لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله.
قال النووي: والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم عليه، والفرار منه، لظاهر الأحاديث الصحيحة.
قال العلماء: وهو قريب المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا.اهـ وحكى البغوي في شرح السنة عن قوم أنهم حملوا النهي على التنزيه، فهو مكروه، والقدوم جائز لمن غلب عليه التوكل، والانصراف عنه رخصة، وتمسكوا بما جاء عن عمر أنه ندم على رجوعه من سرغ، كما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بأنه سمع عمر منفرداً يقول: اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ قال القرطبي في المفهم: لا يصح هذا عن عمر، قال: وكيف يندم على فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم؟ ويرجع عنه؟ ويستغفر منه؟.
ومال الحافظ ابن حجر إلى صحة الحديث، ووجهه بأنه يحتمل أن يكون سبب ندمه أنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين، فلما وصل إلى قرب البلد المقصود رجع، مع أنه كان يمكنه أن يقيم بالقرب من البلد المقصود، إلى أن يرتفع الطاعون، فيدخل إليها ويقضي حاجة المسلمين، قال: ويؤيد ذلك أن الطاعون ارتفع عنها عن قرب، فلعله كان بلغه ذلك، فندم على رجوعه إلى المدينة.
ثم قال الحافظ ابن حجر: الخروج من بلد الطاعون بقصد الفرار المحض يتناوله النهي لا محالة، ومن خرج لحاجة متمحضة، لا لقصد الفرار أصلاً فلا يدخل في النهي، ويتصور ذلك فيمن تهيأ للرحيل من بلد كان بها، إلى بلد إقامته مثلاً، ولم يكن الطاعون وقع، فاتفق وقوعه أثناء تجهيزه، وأما الخروج لمن عرضت له حاجة، ثم ضم إليها الفرار، فهو محل النزاع.
وقد ذكر العلماء عللاً وحكماً للنهي عن الخروج من بلد الطاعون، منها أن الطاعون في الغالب يكون عاماً في البلد الذي يقع به، فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن بها، فلا يفيده الفرار، لأن المفسدة إذا تعينت -بحيث لا يقع الانفكاك عنها- كان الفرار عبثاً، فلا يليق بالعاقل، أقول: وهذه العلة غير مسلمة، فلا أحد يقطع بإمكان الانفكاك أو عدم إمكانه.
ومنها أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه -بالمرض المذكور أو بغيره- ضائع المصلحة، لفقد من يتعهده حياً وميتاً.
أقول: وهذه العلة غير مسلمة، إذا واجب القادرين على الخروج أن يساعدوا العاجزين ليخرجوهم معهم، كما لو قام حريق في بيت، فالواجب على القادرين أن يحملوا معهم العاجزين ويفروا، ولا يطلب من القادرين البقاء تضامناً مع العاجزين.
ومنها: أنه لو شرع الخروج، فخرج الأقوياء، لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء، وقد قالوا: إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف، لما فيه من كسر قلب من لم يفر، وإدخال الرعب عليه بخذلانه.
أقول: وقياس الفرار من الطاعون على الفرار من الزحف غير سليم، فإن من لم يفر من الزحف سيقاتل الأعداء، وقد يغلبهم وينتصر عليهم، فالفرار يضيع هذه الفائدة المرجوة، بخلاف الطاعون.
ومنها: ما ذكره بعض الأطباء أن المكان الذي يقع به الوباء تتكيف أمزجة أهله بهواء تلك البقعة، وتألفها، وتصير لهم كالأهوية الصحيحة لغيرهم، فلو انتقلوا إلى الأماكن الصحيحة لم يوافقهم، فمنعوا من الخروج لهذا.
أقول: وهذا تعليل لا يقبله العقل، ويستلزم أن المريض في بيئة لا يخرج إلى بيئة أخرى أنظف وأنقى من التي هو بها.
وكأن هذه التعليلات كلها محاولة من جانب أصحابها لأن يستبعدوا أن النهي عن الخروج إنما هو لحماية من هم خارجون عن بلده، من انتقال العدوى إليهم، وأن النهي لمحاصرة الوباء في أضيق حدوده، مع أن هذا هو المعروف في الطب بالحجر الصحي.
ولعلهم يخافون اعتقاد تأثير العدوى بنفسها، مع أنها سبب مؤثر ككل الأسباب المؤثرة بقدرة الله تعالى.
*ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم
1- قال النووي: ما جاء في هذه الأحاديث من أنه أرسل على بني إسرائيل أو من كان قبلكم عذاباً لهم، يدل هذا الوصف ( كونه عذاباً) على أنه مختص بمن كان قبلنا، وأما هذه الأمة فهو لها رحمة وشهادة، ففي الصحيحين المطعون شهيد وفي البخاري أن الطاعون كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء، فجعله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابراً، يعلم أن لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد وفي حديث آخر الطاعون شهادة لكل مسلم وإنما يكون شهادة لمن صبر، كما بينه في الحديث المذكور.
اهـ وعند أحمد الطاعون شهادة للمؤمنين، ورحمة لهم، ورجس على الكافر.
وتعقب هذا بأن الطاعون قد يكون عذاباً للعصاة من المؤمنين، ففي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبيهقي لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم وفي الموطأ بلفظ ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت وعند الحاكم إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله وعند الطبراني ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء وعند الحاكم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت وعند أحمد لاتزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب ففي هذه الأحاديث -على ما في بعضها من ضعف- أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية، فكيف يكون شهادة؟.
قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يقال: بل تحصل له درجة الشهادة، لعموم الأخبار الواردة، ولا سيما حديث أنس الطاعون شهادة لكل مسلم ولا يلزم من حصول درجة الشهادة لمن اجترح السيئات، مساواته بالمؤمن الكامل في المنزلة، لأن درجات الشهداء متفاوتة، كنظيره من العصاة إذا قتل مجاهداً في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، مقبلاً غير مدبر، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا، ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة، ولا سيما وأكثرهم لم يباشر تلك الفاحشة، وإنما عمهم -والله أعلم- لتقاعدهم عن إنكار المنكر.
وقد أخرج أحمد وصححه ابن حبان القتل ثلاثة.
رجل جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد المفتخر، في خيمة الله، تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتلهم حتى يقتل، فانمحت خطاياه -إن السيف محاء للخطايا- ورجل منافق، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتله حتى يقتل، فهو في النار، إن السيف لا يمحو النفاق ثم قال الحافظ ابن حجر: وأما الحديث الآخر الصحيح إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين فإنه يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التبعات، وحصول التبعات لا يمنع حصول درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن الله يثيب من حصلت له ثواباً مخصوصا، ويكرمه كرامة زائدة.
بل جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة، فأخرج أحمد بسند حسن يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقال: انظروا فإن كان جراحهم كجراح الشهداء، تسيل دماً، وريحها كريح المسك، فهم شهداء، فيجدونهم كذلك وعند أحمد أيضاً والنسائي بسند حسن يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا ( الذين ماتوا بالطاعون) قتلوا كما قتلنا ( أي فهم مثلنا شهداء) ويقول الذين ماتوا على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم، كما متنا، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم، فإذا جراحهم أشبهت جراحهم وفي رواية زيادة فيلحقون بهم.
والتحقيق أن الطاعون وإن كان عذاباً لعصاة المؤمنين فهو رحمة بهم من عذاب الآخرة.
والله أعلم.
2- وفي قصة عمر رضي الله عنه، الرواية الثامنة وما بعدها الاحتراز من المكاره وأسبابها.
3- والتسليم لقضاء الله عند حلول الآفات، وعدم القدرة على دفعها.
قال النووي: وهذان المأخذان واضحان من موقفي الصحابة من المشاورة، وهما مستمدان من أصلين في الشرع، أحدهما التوكل والتسليم للقضاء، والثاني الاحتباط والحذر، ومجانبة أسباب الإلقاء باليد إلى التهلكة.
4- وفي الحديث خروج الإمام بنفسه إلى ولاياته في بعض الأوقات، ليشاهد أحوال رعيته، ويزيل ظلم المظلوم، ويكشف كرب المكروب، ويسد خلة المحتاج، ويقمع أهل الفساد، ويخافه أهل البطالة، والأذى والولاة، ويحذروا تجسسه عليهم، واطلاعه على أحوالهم وقبائحهم، فينكفوا، ويقيم في رعيته شعائر الإسلام، ولغير ذلك من المصالح.
ذكره النووي.
5- تلقى الأمراء ووجوه الناس الإمام عند قدومه، وإعلامهم إياه بما حدث في بلادهم من خير أو شر أو وباء، أو رخص أو غلاء وغير ذلك.
6- واستحباب مشاورة الإمام أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة، وتقديم أهل السابقة في ذلك.
7- تنزيل الناس منازلهم، وتقديم أهل الفضل على غيرهم.
8- جواز الاجتهاد في الحروب ونحوها، كما يجوز في الأحكام.
9- قبول خبر الواحد، فإنهم قبلوا خبر عبد الرحمن بن عوف.
10- صحة القياس، وجواز العمل به.
11- ابتداء العالم بما عنده من العلم قبل أن يسأله، كما فعل عبد الرحمن بن عوف.
12- مشروعية المناظرة.
13- الرجوع إلى النص عند الاختلاف، وأن النص يسمى علماً.
14- وأن الاختلاف لا يوجب حكماً، إنما الاتفاق هو الذي يوجبه.
15- وأن العالم قد يكون عنده ما لا يكون عند غيره ممن هو أعلم منه.
والله أعلم- هنا -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق