الأربعاء، 10 مارس 2021

تنبيه الأنام لما صح وما لم يصح في شهر شعبان

 

تنبيه الأنام لما صح وما لم يصح في شهر شعبان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"آل عمران:102.

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".النساء :1.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"الأحزاب :70 / 71.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
ثم أَمَّا بَعْدُ:

يحاول تيار البدع والضلال ، أن يسوق الأمة الإسلامية بعصاه ليلقي بها في مهاوي الضياع والفناء .وهذا التيار أعاق الأمة الإسلامية من العودة إلى الطريق الصحيح ، الذي أرشدنا إليه النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مصداقًا لقول الله عز وجل " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" .سورة يوسف / آية : 108 .
وهذا الطريق القويم لا يمكن العودة إليه إلا بالعودة إلى كتاب الله عز وجل ، وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم .
ورحم الله القائل :
العلم قال الله ، قال رسوله قال الصحابة ليس خُلف فيه .
وما هذه الفوضى التي انتشرت بين الناس ، فأصبحوا في حيرة وضياع وتيه وغموض وارتجال بين السنة والبدعة ، إلا لأنهم أرادوا أن يقيموا دين رب العالمين ، وينصروه بغير طريق السلف الصالح .
فهذه لفتة ناصح للتشمير عن السواعد ،والاستعانة بالله ، لتعلم دين الله كما تعلمه السلف الصالح .وتَتَبُّعًا لهذا الطريق القويم ، نقدم بُحَيْثًا صغير الحجم ، عظيم القدر والنفع بحول الله وقوته . وفيه إرشاد إلى المشروع في شهر شعبان ، والتحذير مما ابتُدِعَ فيه ، راجين من الله التوفيق والسداد والقبول .

هدي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
عند رؤية هلال كل شهر
~~~~~~~~~~~~
قال الإمام الحافظ محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ الترمذيّ في سننه :
حدثنا محمد بن بَشَّارٍ ، قال : حدثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ ، قال حدثنا سليمانُ بن سُفيانَ المدِينيُّ ، قال : حدثني بلالُ بن يحيى بن طلحةَ بن عُبيدِ اللهِ ، عن أبيه ، عن جَدِّه طلحةَ ابن عُبيدِ اللهِ ؛
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ إذا رَأى1 الهلالَ قالَ اللَّهمَّ أهلِلهُ علَينا باليُمنِ2، والإيمانِ3، والسَّلامَةِ4، والإسلامِ5، ربِّي وربُّكَ اللَّهُ6"سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / 45 ـ كتاب : الدعوات / 51 ـ باب : ما يقول عند رؤية الهلال / حديث رقم : 3451 / ص : 784 / صحيح .

1 - قوله :كانَ إذا رَأى الهلالَ : وهو ـ أي الهلال ـ يكون من الليلة الأولى والثانية والثالثة ، ثم هو قمر .
2 -للَّهمَّ أهلِلهُ علَينا باليُمنِ" أي أطلعه علينا مقترنًا بالبركة .
3 - " والإيمان " : أي بدوام الإيمان .
4 - " والسلامة " : أي ـ السلامة عن كل مضرة وسوء
5 - " والإسلام " : أي بدوامه .
6- " ربِّي وربُّكَ اللَّهُ " لما توسل به ـ أي بالهلال ـ لطلب اليمن والإيمان ، دل على عظم شأن الهلال ، فقال "ربِّي وربُّكَ اللَّهُ " تنزيهًا للخالق أن يُشارك في تدبير ما خلق . تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي / ج : 8 / كتاب : الدعوات / باب : ما يقول عند رؤية الهلال / ص : 451 / بتصرف .

حال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شهر شعبان

*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
إن شهر شعبان من الأشهر المصطفاة ،فشهر شعبان ترفع فيه الأعمال .
وإذا تأملنا أحوالنا وجدنا العجب العجاب ،والبون الشاسع بين الواقع والصواب ، فللناس ألوان وأشكال في استقبال الأشهر المصطفاة .فمنهم من يستقبلهابالاحتفالات، والمظاهر ، والأغاني ،والأنوار ، والبدع ، ..... .
وهل سألنا أنفسنا عن واقعنا هذا ، أهو صواب ؛أم ميل عن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ !
علمنا أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال ، فما هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الشهر المصطفى لرفع أعمال العباد .وما الواقع الذي أختاره لنفسي حال رفع
عملي لملك الملوك ؟ !

هل أختار أن أكون على معصية ، أم على طاعة زائفة في صورة بدعة ، أم على طاعة خالصة ؟ ! الحال الأمثل الذي يكون عليه العباد ، هو حال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فما هو حال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في شعبان ؟

ـ عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال : قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ ؟ ! قالَ " ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ"الراوي : أسامة بن زيد - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي- الصفحة أو الرقم: 2356 - خلاصة حكم المحدث : حسن=الدرر=
وقد بيِّنَ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؛ الحكمة من إكثار الصوم في هذا الشهر ، وهي :
أ ـ غفلة الناس عن هذا الشهر .
ب ـ رفع الأعمال فيه إلى الله .

ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ". الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1969 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر=



*قالت ـ أي : عائشة ـ "ما رأيتُ النَّبيَّ في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ ، كان يصومُه إلا قليلًا ، بل كان يصومُه كلَّه"الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 1024 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =

كُلّه : أي أكثره .حاشية صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1

ـ عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت "ما رأيتُّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبانَ ورَمَضَانَ" الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية - المحدث : الألباني - المصدر : مختصر الشمائل-الصفحة أو الرقم: 255 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =



هذا هو حال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهديه في شعبان ، كان يحب أن يرفع عمله وهو صائم ، الله الله على الصوم ،فالصوم له تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة .فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها مـا استلبته منها أيدي الشهوات.
* فالصوم من أكبر العونِ على التقوى

قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".سورة البقرة / آية : 183 .
*الصوم جُنَّة :

فعن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له " ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ ؟ . قلتُ : بلَى يا رسولَ اللهِ ! قال : الصَّومُ جُنَّةٌ ، و الصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ"الراوي : معاذ بن جبل - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 983 - خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره=الدرر =

جُنَّة : ستر ـ من النار ـ . أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات التي هي سبب لدخول النار .فالصوم ترويض للنفس ، وتعويد لها على الانقياد لله سبحانه وتعالى .

* الصيـام لا مثـلَ لـه :
أنشأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم غزوةً فأتيتُه فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ادْعُ اللهَ لي بالشَّهادةِ ،=الدرر= فقال "اللهمَّ ! سَلِّمْهم وغَنِّمْهم . فغزَوْنا ، فسَلِمْنا وغنِمْنا ، حتى ذكر ذلك ثلاثَ مراتٍ ، قال : ثم أتيتُه فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! -إني - أتيتُك تَتْرَى ثلاثَ مراتٍ أسألُك أن تدعوَ اللهَ لي بالشهادةِ ، فقلتُ : اللهمَّ ! سَلِّمْهم وغَنِّمْهم ، فسَلِمْنا وغنِمْنا يا رسولَ اللهِ ! فمُرْني بعملٍ أدخلُ به الجنَّةَ ؟ فقال " عليك بالصومِ ؛ فإنه لا مِثلَ له " . قال : فكان أبو أمامةَ لا يُرَى في بيتِه الدُّخَانُ نهارًا ؛ إلا إذا نزل بهم ضَيفٌ ، - فإذا رأوُا الدُّخانَ نهارًا ؛ عرَفوا أنه قد اعتراهم ضَيفٌ -الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الموارد-الصفحة أو الرقم: 769 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر=


* الصيام من مظاهر حسن الخاتمة ، وسبب لدخول الجنة :
ـ فعـن حذيفـة ـ رضي الله عنه ـ قـال : أسـندتُّ النبـيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلـى صـدري فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم
"
مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ ، و من صامَ يومًا ابْتغاءَ وجْه اللهِ خُتِمَ له به دخلَ الجنةَ ، ومَن تصدَّقَ بصدقةٍ ابْتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له بِها دخل الجنةَ" الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب-
الصفحة أو الرقم: 985 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر=






ـ عن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم"ما من عبدٍ يصومُ يومًا في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، إلَّا بعَّدَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بذلِكَ اليومِ وجهَهُ عنِ النَّارِ ، سبعينَ خريفًا" الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 2247 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =


*الصيام ثوابه جزيل :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم"إنَّ ربَّكم يقولُ : كلُّ حَسَنةٍ بعشرِ أمثالِها ، إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ، والصَّومُ لي وأَنا أجزي بِهِ، الصَّومُ جنَّةٌ منَ النَّارِ. ولخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ مِن ريحِ المسكِ، وإن جَهِلَ على أحدِكُم جاهلٌ وَهوَ صائمٌ فليقُلْ : إنِّي صائمٌ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 764 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر -

.
والصَّومُ لي وأَنا أجزي بِهِ :فأجره واسع بدون حساب معين.

جُنَّة : ستر ـ من النار ـ . أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات .



*الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة :
عن عبد الله بن عمروـ رضي الله عنهما ـ ؛ أن
رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " "الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ ، يقولُ الصيامُ : أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه ، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه ، فيَشْفَعانِ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 3882 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر=

دعوة للنجاة

*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
هيا إلى توبة نصوح ، ثم نُتْبِعها بصومٍ مثمرٍ للتقوى المؤدية لكل خير .فهي دعوة للنجاة وتبديل السيئات حسنات ، والفوز والفلاح .
قال تعالى "
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " .سورة الفرقان / آية : 70 .
وقال تعالى
" فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ "القصص: 67 .
وقال تعالى "
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا"سورة مريم / آية : 60 .

ألا من مُشَمِّر للجنة
هيا نعيش شعبان كما كان يعيشه الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ونهئ أنفسنا ونطهرها من دنس الذنوب والمعاصي تمهيدًا لاستقبال رمضان والفوز به ، عسى أن تكون حسن خاتمة .
*قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم
" إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمله " . قيل : كيف يستعمله ؟ .قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم "يوفقه لعمل صالح قبل الموتِ ثم يقبضه عليه " .
رواه أحمد والترمذي عن أنس . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 305 / ص : 117 .

ما ورد في ليلة النصف من شعبان
*.*.*.*.*.*.*.*
ـ عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال

"يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ ، أو مُشاحِن"رواه الطبراني ، وابن حبان . وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـفي صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / 9 ـ كتاب : الصوم / 8 ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم:
1026 / ص : 597 ، حسن صحيح .
وليس معنى هذا أن نخص هذه الليلة بعبادة معينة - صيام ، قيام ، ..... - ولكن نفعل كما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ،وهو صيام أغلب شهر شعبان بما فيه هذه الليلة دون تخصيص .

*تحذير من البدع التي اعتادها بعض الناس
في هذه الليلة :
مجلة التوحيد / شعبان : 1413 :
ـ الاجتماع لها والاحتفال بها إحياءً لذكرى تحويل القبلة .
وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك والرد عليه .
وليس لذلك أصل في الشرع ، ويكفي في ذلك قوله تعالى

"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ." . سورة المائدة / آية : 3 .
ولو كان يُشْرَع الاحتفال بها لأرشد إليه النبي ـ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو فعله بنفسه ، ولو وقع شيء منه لنقله الصحابة ولم يكتموه .


ـ تخصيصها بالصلاة ، وقد قال الحافظ العراقي :
" حديث صلاة النصف من شعبان ، موضوع على رسول الله ، وكذب عليه " . ا . هـ .
ـ وقال النووي في كتاب المجموع :
" الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، فلا يُغْتَرُّ بذكرهما في كتاب " قوت القلوب " ،
و " إحياء علوم الدين " ،ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ". ا . هـ
ـ وكذا نَبَّه على ضعف هذه الأحاديث
" ابن الجوزي "و " القرطبي " و " ابن القيم "و "الفيروز أبادي " .
ـ تخصيص يومها بالصيام ، وليلتها بالقيام
وليس على ذلك دليل يجوز الاحتجاج به .ويجب التنبيه على ضعف الحديث الوارد في ذلك وهو : عن علي ..... :إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها وصوموا نهارها " .حديث ضعيف / رواه ابن ماجه .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخالألباني / 5 ـ كتاب : إقامة الصلاة والسنة فيها /( 191 ) ـ باب : ما جاء في ليلة النصف من شعبان / حديث رقم : 1388 / ص : 247 / ضعيف جدًا أو موضوع.
وقال محشيه : وفي الزوائد إسناده ضعيف ، لضعفابن أبي بسرة ، وقال فيه أحمد وابن معين :"يضع الحديث" . ا . هـ .السنن والمبتدعات للشقيري / ص : 128 .
ـ الوَقِيد وإيقاد النار ليلة النصف من شعبان:
لم يصح فيه شيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلي آله وسلم ـ .
ـ ما اعتاده الناس من قراءة دعاء مخصوص بعد الغروب ويوزعون في ذلك كُتيبًا ، وكذا قراءة سورة " يس "ولا يثبت في ذلك شيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .



شبهات والرد عليها
*حكم التطوع بعد النصف من شعبان:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم" إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا " .سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / 6 ـ كتاب :
الصوم ... / ـ باب : ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثانيمن شعبان / حديث رقم : 738 / ص : 183 / صحيح .
اختلف العلماء في صيام التطوع بعد انتصاف شعبان، فذهب الجمهور إلى جوازه .

قال الترمذي:
ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم :
أن يكون الرجل مفطرًا ، فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم لحال شهر رمضان .
صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / ص : 225 / تعقيبًا على الحديث .
فلا حرج في الصيام بعد انتصاف شعبان لمن بدأ الصيام في النصف الأول من شعبان .
*وقد أجاب ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" على من ضَعَّفَ الحديثَ ، فقال ما محصله :
إن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ، وإنَّ تفرد العلاء بهذا الحديث لا يُعَدُّ قادحًا في الحديث لأن العلاء ثقة ، وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وكثير من السنن تفرد بها ثقاتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبلتها الأمة وعملت بها . . ثم قال :
وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان , فَلا مُعَارَضَة بَيْنهمَا , وَإِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله , وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي , وَحَدِيث الْعَلاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف , لا لِعَادَةٍ , وَلا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله اهـ

*وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال :
هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني ، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف ، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز :15/385.
هنا

ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة :
كحديث عائشة :
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت " كان رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصومُ
حتى نقولَ لا يفطرُ ، ويفطر حتى نقولَ لا يصوم ،وما رأيتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ استكمل صيامَ شهرٍ قطّ إلا شهرَ رمضانَ ،ومارأيتُهُ في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبان " .رواه البخاري ومسلم وأبو داود . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / 1 ـ كتاب : الصوم / 8 ـ باب ـ : الترغيب في صومشعبان / حديث رقم : 1024 / ص : 595 .

وكحديث أبي هريرة :
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا يتقدَّمَنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين إلا أن يكونَ رجلٌ كان يصوم صَوْمَه فليصم ذلك اليوم " .صحيح البخاري . متون / 3 ـ كتاب : الصوم /14 ـ باب : لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين / حديث رقم : 1914 / ص : 216 .
ففيه النهي عن صوم يوم أو يومين فقط في آخر شعبان ، إلا أن يكون صومًا اعتاده فلا بأس .

وكحديث أم سلمة :
ـ عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" ما رأيتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان " .
رواه الترمذي . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /( 9 ) ـ كتاب : الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 1025 / ص : 596 .

*النهي عن صيام يوم الشك:
عن صلة بن زُفَر قال : كنا عند عمار بن ياسر
[ في اليوم الذي يُشَك فيه ]
(1) فأتى بشاة مَصلِية فقال : كلوا ، فتنحى بعض القوم ،فقال : إني صائم . فقال عمار : من صام اليوم الذي شُكَّ فيه ، فقد عصى أبا القاسم .
صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / كتاب : الصوم / ( 3 ) ـ باب :كراهة صوم يوم الشك / حديث رقم : 553 / ص : 210 .
( 1 ) ما بين الحاصرتين [ ] زيادة من هامش المخطوطة : 94 / 1 ، ووافقت رواية " صحيح ابن ماجه " : 1 / 275 .

ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا يتقدَّمَنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين إلا أن يكونَ رجلٌ كان يصوم صَوْمَه فليصم ذلك اليوم " .صحيح البخاري / 3 ـ كتاب : الصوم / 14ـ باب : لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين / حديث رقم : 1914 / ص : 216 .

* يوم الشك : هو يوم 30 شعبان - فقد يكون متممًا لشعبان أو أول رمضان - .

* إذا صادف يوم الشك عادة - صيام اثنين وخميس أو صوم يوم وفطر يوم - ، فلا حرج في صيامه .
ونستأنس بهذه الفتوى للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
حكم صيام يوم الشك إذا وافق عادة أو صومًا واجبًا
السؤال: إذا وافق يوم الشك يومًا فيه صيام
فما حكم صيامه؟

الجواب: إذا وافق يوم الشك اليوم الذي فيه صيام، لا على أنه صيام يوم الشك، فلا بأس بصيامه،كأن صادف يوم الاثنين يوم الشك،وعادته أنه يصوم الاثنين، فلا بأس بأن يصوم، أما أن يصومه على أنه من باب الاحتياط لرمضان فهذا ممنوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه"، وكذلك إذا صام أيامًا من رمضان الماضي أو أيام نذرأو كفارة. وفي حديث للعلاء بن عبد الرحمن :
"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، فمن العلماء من صححه ومنهم من ضعفه، والمراد به النهي عن الصيام بعد النصف إذا لم يكن له عادة، ولم يكن صام من أول الشهر، أما إذا صام من أول الشهر واستمر فلا بأس بذلك.

o الخلاصة :
ـــــ
للجمع بين هذه الروايات : فالحكم هو :
النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله ـ أي وصل النصف الثاني من شعبان بالنصف الأول منه ـ أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس فوافقه .
رياض الصالحين / تحقيق الشيخ الألباني / 8 ـ كتاب : الفضائل / 219 ـ باب : النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الإثنين والخميس فوافقه / ص : 412 .
 
مسائل تتعلق بصيام التطوع

ـ النية :
ذهب الجمهور إلى جواز إنشاء نية صيام التطوع أثناء النهار ، لمن لم يأتِ بما ينافي الصوم من أكل وشرب و ..... ، وأراد أن يصوم ، وأنه لا يشترط تبييتها من الليل كصيام الفرض .
فعن عائشة أم المؤمنين قالت : دخل عليَّ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم فقال " هل عندكم شيء ؟ " . فقلنا : لا . قال " فإني إذن صائم " . صحيح مسلم / 13 ـ كتاب : الصيام / 32 ـ باب : جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال ... / حديث رقم : 170 ـ 1154 / ص : 276 .
ـ المتطوع أمير نفسه :
المتطوع أمير نفسه إن شاء أتم صومه ، وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه .
ـ عن أم هانئ قالت : كنتُ قاعدة عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأُتِيَ بشراب ، فَشَرب منه ، ثم ناولني فشربتُ منه فقلتُ : إني أذنبتُ فاستغفر لي .قال صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " .قالـت : كنتُ صائمة فأفطرتُ .فقال صلى الله عليه وسلم " أَمِنْ قضاء كنتِ تَقْضِينَهُ ؟ " .قالت : لا . قال صلى الله عليه وسلم " فلا يَضُرُّكِ " .صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصوم / 34 ـ باب:إفطارالصائم المتطوع / حديث رقم : 584 ـ 734 / ص : 223 .

ـ عن شعبة أنه قال : كنتُ أسمعُ سِمَاكَ بن حرب يقول :
أحد بني أمِّ هانئ حدثني ، فلقيت أنا أفضلهم ،وكان اسمه : جَعْدَة ، وكانت أم هانئ جَدَّته فحدثني عن جدته : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها ،فدعا بشراب فشرب ، ثم ناولها فشربت ،فقالت : يا رسول الله ، أما إني كنتُصائمة ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم " الصائمُ المتطوع أمين نفسِهِ ، إن شاء صامَ ، وإن شاء أفْطَر " . صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصوم / 34 ـ باب : إفطار الصائم المتطوع / حديث رقم :585 ـ 735 / ص : 223 .

ـ عن عائشة أم المؤمنين قالت :كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأتينيفيقول " أَعِنْدَكِ غدَاء ؟ " فأقول : لا . فيقول " إني صائم " .قالت : فأتاني يومًا فقلت : يا رسول الله ، إنه قد أُهديت لنا هدية .قال " وما هِيَ ؟ " . قلت : حَيْسٌ . قال " أما إنِّي أصبحتُ صائمًا " . قالت : ثم أكل . صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصيام / 34 ـ بابإفطارالصائم المتطوع / حديث رقم : 587 ـ 737 / ص : 224 .
الحَيْس : هـو التمر مع السمن والأقط .

ـ أَكْل الناسي وشربه لا يُفْطِر :
من أكل أو شرب ناسيًا ، فإنه يتم صومه ولاقضاء عليه ، ويستوي في ذلك الفرض والنفل لعموم الأدلة عند الجمهور
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم" من نسي وهو صائمٌ ، فَأَكَلَ أو شَرِبَ ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ . فإنما أطعمه اللهُ وسَقَاهُ " . رواه مسلم / ج : 8 / 13 ـ كتاب : الصيام / 33 ـ باب : أكل الناسي وشربه ... /حديث رقم : 171 ـ 1155 / ص : 51 . مؤسسة قرطبة .


ـ استئذان الزوج :
لا يجوز للمرأة أن تصوم صيام تطوع في حضور زوجها بغير إذنه .
عن أبي هريرة ـ
رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم" لا تَصُمِ المرأةُ وبعلُهَا شاهدٌ إلا بإذنِهِ ..... " .صحيح مسلم / ج : 7 / 12 ـ كتاب : الزكاة / 26 ـ باب : ما أنفق العبد من مال مولاه / حديث رقم :84 ـ 1026 / ص : 159 .
قال النووي في شرح الحديث :
" هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين ، وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا .
وسببه : أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام ، وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب
على التراخي " . ا . هـ .
" وهذا للزوج المقيم في البلد - وزوجها شاهد - ، أما إذا كان مسافرًا فلها الصوم " . ا . هـ . بتصرف .
ـ جواز التطوع قبل قضاء رمضان :
قضاء الفوات من رمضان ـ بعذر شرعي ـ لا يجب على الفور ، وإنما وجوبه على التراخي وجوبًا مُوسَّعًا .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالتْ : إنكانتْ إحدانا لَتُفْطِرُ زمانِ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فما تقدِرُ علىأن تقضِيَهُ مع رسول الله ـ صلى الله عليهوسلم ـ حتى يأتِيَ شعبانُ .صحيح مسلم / ج : 8 / 13 ـ كتاب : الصيام / 26 ـ باب قضاء رمضان في شعبان / حديث رقم : 1146 / ص : 32 .
قال الحافظ في الفتح : 4 / 191 :

" وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان ..... " . ا . هـ .
لكن يستحب المبادرة بالقضاء ، لعموم قوله تعالى "أُولَظ°ئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"المؤمنون :61.
صحيح فقه السنة ... / ص : 129 .

إذا أُخِّرَ القضاء حتى دخل رمضان الذي بعده ، فإنها تصوم رمضان الذي ورد عليها ـ كما أُمِرت ـ فإذا أفطرت في شوال قضت الأيام التي كانت عليها فقط ولا مزيد على هذا ،فلا يجب إطعام ولا غيره ، لعدم ثبوت شيء مرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك ولا يجب التتابع في القضاء .صحيح فقه السنة ... / ص : 129 .
فمذهب جماهير السلف والخلف : جواز تأخير قضاء رمضان لمن أفطر بعذر مطلقًا .
ثم اختلفوا في جواز التطوع قبل قضاء رمضان . ولا يصح دليل في المنع من صيام التطوع قبل القضاء ، بل يدل على الجواز ، أن الله سبحانه أطلق القضاء بقوله تعالى "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ..". سورة البقرة / آية : 185 .
ثم إن القضاء واجب يتعلق بوقتٍ مُوَسَّعٍ ،فجاز التطوع في وقته قبل فعله كالصلاة يُتطوع في أول وقتها والله أعلم . صحيح فقه السنة ... / ص : 141 . 
 
تحويل القِبلة
القِبْلَة :
هي الجهة التي يولِّي الإنسان وجهه شطرها في صلاته أو في أثناء العبادة .
وعن قبلة الأنبياء السابقين ، يقول الشيخ" أبو الوفاء درويش " في كتابه القبلة :
" ليس لدينا نصوص صحيحة نعرف منها أين كانت القبلة التي كان آدم وذريته ، ونوح ومن معه ، يولُّون وجوهَهُم شطرها .
أما عن قبلة إبراهيم عليه السلام : ليس لدينا نصوص تدلنا على القبلة التي كان يتجه إليها إبراهيم عليه السلام قبل أن يرفع القواعد من البيت .وأما بعد أن بَنَى البيتَ الحرامَ المبارك ببكة ،فلاشك أن البيت كان قبلته وقبلة "إسماعيل "عليهما السلام ، وقبلة العرب بعد ذلك " .
* واختلف العلماء في تحديد الجهة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها عند صلاته بمكة .
ورجح ابن حجر العسقلاني في فتح الباري /المجلد الأول / ص : 119 / قول ابن عباس الآتي :
فقال ابن عباس وغيره : كان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ، لكنه لا يستدبر الكعبة ، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس .
قال العسقلاني : وقد صححه الحاكم وغيره
* وورد في كتاب صفة صلاة النبي للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله / ص : 76 :
" كان صلى الله عليـه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ـ والكعبة بين يديه ـ قبل أن تنزل هذه الآية " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ".سورة البقرة / آية : 144 .
فلما نزلت استقبلَ الكعبة ، فبينما الناس بقباء في صلاة الصبح ؛ إذ جاءهم آتٍ فقال :إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة ، [ ألا ] فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام ،فاستداروا ، [ واستدار إمامهم حتى اسـتقبل بهم
القبلة ] " .
* فعن ابن عمر ، قال :
بينما الناس في صلاة الصبح بِقُبَاء إذ جاءهم آتٍ فقال : إنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزِلَ عليه الليلةَ . وقد أُمر يستقبل الكعبة فاستقبِلوها . وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .
صحيح مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / 2 ـ باب : تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة / حديث رقم : 13ـ 526 / ص : 128 .

تحويل القِبْلَة :
اقتضت حكمة الله عز وجل أن يبعث على الناس في عهد النبوة بين الفينة والفينة ريحَ فتنة يبتلي بها النفوس ؛ ليظهرَ الصادقَ في إيمانه ، الذي لا تزلزله الفتن ، ولا تنال منه الزعازع ، من المنافق الذي لا يلبث أن يتكشف ما فينفسه من ظلمات الشكوك ، وعوامل الهزيمة فيذوب في الفتنة كما يذوب الملح في الماء .
فكان تحويل القبلة من هذه الابتلاءات الكبرى التي أراد الله بها هز المجتمع الإسلامي لتتساقط عن شجرته المباركة الأوراق اليابسة والثمرات العفنة ، ولا يبقى إلا القوي الجيد الذي له من صلابة الإيمان وقوة اليقين ونور البصيرة ما يَرُد عنه مضلات الفتن وينجيه من بوائِقِها .
* فعن البراء بن عازبٍ أن النبي ـ صلى الله عليه
وسلم
ـ كان أولَ ما قَدِمَ المدينةَ نزل على أجداده أو قال : أخوالهِ من الأنصار ، وأنه صلى قِبلَ بيت المقدسِ ستة عَشَرَ شهرًا ، أو سبعة عشرَ شهرًا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبلَ البيتِ ، وأنه صلى أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال :أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قِبَلَ مكةَ ، فداروا كما هم قِبَلَ البيتِ وكانت اليهودُ قدأعجبهم إذ كان يصلي قِبَلَ بيتِ المقدسِ وأهلُ الكتابِ . فلما ولى وجهه قِبَلَالبيتِ أنكروا ذلك .

صحيح البخاري . متون / 2 ـ كتاب : الإيمان / 30 ـ باب :الصلاة من الإيمان ... / حديث رقم : 40 / ص : 15 .

ولما كان شأن ذلك التحويل عظيمًا حيث اتخذ منه أعداء الإسلام فرصة للطعن وإثارةالشكوك ، كقولهم : إن كانت القبلة الأولى حقًا ،فقد تركها ، وإن كانت الثانية هي الحق ،فقد كان على باطل .
وكقولهم : إن محمدًا مضطرب في أمره ، ينقض اليوم ما أبرم بالأمس ، يصلي كل يوم إلى قبلة . إلى غير ذلك من العبارات التي كانوا يريدون بها بلبلة الأفكار والتأثير على ضعفاء الإيمان من المسلمين ، وقد بلغوا من ذلك بعض ما أرادوا ، فارتد الناس من ضعفة الإيمان عن دينهم .

ونظرًا لما صاحب أمر التحويل من الإرجاف والطعن ، فقد نزلت قبله آيات كثيرة تتحدث عن النسخ الذي كاناليهود ينكرونه .
" مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قدِيرٌ " .سورة البقرة / آية : 106 .
كما تحدثت ـ الآيات ـ عن رغبة أهل الكتاب في أن يردوا المؤمنين كفارًا مثلهم من بعد ما تبين لهم الحق ، قال تعالى "وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء " . سورة النساء / آية : 89 .
* ثم ذكرت الآيات بعد ذلك أن اليهود والنصارى يختلف بعضهم على بعض ويشهدون بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء وهم يتلون الكتاب ، قال تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ " . سورة البقرة / آية : 113 .

* وإنه من تمام النعمة على الأمة التي تعد شريعتها متصلة بشريعة إبراهيم ـ عليه السلام ومجددة لها أن تكون قبلتها هي قبلة إبراهيم ـ عليه السلام ـ لتتم لها الهداية والنعمة
فقد ذكر سبحانه ما قام به " إبراهيم " من رفع قواعدالبيت الحرام بمعونة ولده " إسماعيل " عليهما السلام ودعائهما بعد الفراغ من ذلك بأن يتقبل الله عملهما ، وأن يجعل ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه وأن يريهما مناسكهما ويتوب عليهما ، وأن يبعث في هذه الأمة المسلمة رسولًا منها يتلو عليهم آيات الله ،ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة قال تعالى "
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
سورةالبقرة / آية : 127 : 129 .
* ثم أخبر أن ملة إبراهيم وهي الإسلام الذي يقوم على التوحيد الخالص من كل شائبة ، لا يرغب عنها إلا كل سفيه أحمق ، وأن إبراهيم وصى بها بنيه ، وكذلك يعقوب عليهما السلام قال تعالى "وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ*أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" سورة البقرة / آية : 130 : 133 .

* وإنه لمن تمام النعمة على الأمة التي تعد شريعتها متصلة بشريعة إبراهيم عليه السلام ، ومجددة لها أن تكون قبلتها هي قبلة إبراهيم لتتم بها الهداية والنعمة ، تحقيقًا لقول الله تبارك وتعالى" وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ".سورة البقرة / آية : 150 .
* فمن تمام النعمة التوجه لقبلة إبراهيم ـ عليه السلام ـ . قال تعالى "
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" .سورة البقرة / آية : 150.

* ثم أمرهم بما لا يتم كل ذلك إلا به ، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة ، وأخبرهم أنه مع الصابرين ، قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " .سورة البقرة / آية : 153 .
ولنرجع إلى شرح بقية الحديث من قول البراء بن عازب ـ رضي الله عنه" فصلى مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل ولم يعرف اسم ذلك الرجل ، ولا القوم الذين مر بهم وهم يصلون في مسجدهم ، ولكنهم على كل حال ليسوا أهل قباء ، فإن أهل قباء لم يعلموابتحويل القبلة إلا في صلاة الصبح .
كما جاء في حديث ابن عمر : بينما الناس في صلاة الصبح بِقُبَاء إذ جاءهم آتٍ فقال :إنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزِلَ عليه الليلةَ . وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .
صحيح مسلم / 5 ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / 2 ـ باب :تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة / حديث رقم :13 ـ 526 / ص : 128 .

* وقد اختلف في أول صلاة صلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الكعبة بعد التحويل ،فحديث " البراء بن عازب " هنا يفيد أنها صلاة العصر .

* وَرُوِيَ عن ابن سعيد بن المعلى أنها صلاةالظهر ، وأنه هو وصاحب له كانا أول من صلى مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى القبلة الجديدة .
وَرُوِيَ كذلك أن الأمر بالتحويل نزل بعد ماصلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين من الظهر ، فاستدار في الصلاة ، وكان ذلك في مسجد بني سلمة ، فسمي
المسجد " ذا القبلتين " .

* ويؤخذ من حديث البراء بن عازب جملة من الأحكام الأصولية والفرعية ، ذكرها العلامة ابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام عند الكلام على حديث ابن عمر المتقدم ، ونحن نجملها فيما يأتي :
ـ قبول خبر الواحد ، وعادة الصحابة في ذلك اعتداد بعضهم بنقل بعض ، وورد عنهم
في ذلك ما لا يُحصى ، ومعنى ذلك أن خبر الواحد العدل ، يفيد العلم بمضمونه ويجب العمل به ، خلافًا للمتكلمين من المعتزلة وغيرهم .

ـ جواز نسخ السُّنة بالكتاب ، فإنما الصلاة إلى بيت المقدس إنما كانت بالسنة ، إذ لا نص في القرآن على ذلك ، وتحويل القبلة إلى الكعبة إنما كان بالكتاب .
ـ دلَّ الحديثُ على أن حكم " الناسخ " لا يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له ، فإنهم بنوا ـ صلاتهم ـ على ما فعلوه من الصلاة
جهة بيت المقدس ، ولو ثبت الحكم في حقهم قبل بلوغ الخبر إليهم ؛ لكانت صلاتهم إلى بيت المقدس باطلة ، فلا يجوز البناء عليها ، بل كان يجب استئنافها، أي : إعادتها من جديد .
ـ فيه دليل على جواز تنبيه من ليس في الصلاة لمن هو فيها ، وأن يَفْتَح عليه القراءة .
5 ـ قال الطحاوي : في هذا دليل على أن من لم يعلم بفرض الله تعالى ، ولم تبلغه الدعوة ، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره ، فالفرض غير لازم له ، والْحُجَّة غير قائمة عليه .
تعقيب :
ـ نقل الإمام القرطبي عن أبي حاتم البستي قال : صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا أيام ، وذلك أن قدومه صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة ، خلت من شهر ربيع الأول ، وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف الأول من شعبان
ـ ويحكي ابن كثير في البداية والنهاية ، وكذلك في تفسيره أن ذلك كان في رجب سنة اثنتين على رأس ستة عشر شهرًا .على أن الخلاف في وقت التحويل لا يهمنا بقدر ما يهمنا ما يفعله الناس في المواسم بما طغى على ما وقع فيها من أحداث هامة من أمر الإسلام .
مجلة التوحيد العدد الخاص بشعبان : 1414 هـ ، 1415 هـ
 
البدع وأقسامها
تعريف البدعة :
هي طريقة في الدين مُخْتَرَعةٍ ، تضاهي الشرعِيَّة ، يُقصَدُ بالسلوكِ عليها المبالغةُ في التعبُّدِ للهِ سبحانه . علم أصول البدع ... / ص : 24 .
" فمن أحدث شيئًا يتقرب به إلى الله تعالى من قولٍأو فعلٍ ، فقد شَرَعَ من الدين ما لم يأذن به الله ،فَعُلِمَ أنَّ كلَّ بدعةٍ من العبادات الدينية لاتكون إلا سيئة " .
علم أصول البدع/علي حسن علي عبد الحميد الحلبي الأثري / ص : 101 .
أقسام البدع :
أ ـ البدع الحقيقية . ب ـ البدع الإضافية .
أ ـ البدع الحقيقية :
قال العلامة الشاطبي في " الاعتصام " 1 / 286 :
" إن البدعةَ الحقيقيةَ هي التي لم يَدُل عليها دليلشرعيٌّ ؛ لا من كتابٍ ولا سنةٍ ، ولا إجماعٍ ، ولا استدلالٍ معتبرٍ عند أهل العلم ، لا في الجملةولا في التفصيل " ا.هـ
علم أصول البدع ... / ص : 147 .
وعليه ؛ فإن البدعة الحقيقية أعظمُ وزرًا ؛ لأنهامخالَفَةٌ مَحْضَةٌ ، وخروج عن السنةِ ظاهرٌ ؛كالقول بالقَدَرِ ،وإنكار تحريم الخمر ، ..... وما أشبه ذلك .علم أصول البدع ... / ص : 148 .
ب ـ البدع الإضافية :
البدعة الإضافية هي التي لها أصل من الدين ولكن أضيف إليها هيئات ، أو أزمنة ، أو ..... ،ليس من الدين .
فالبدعـة الإضافيـة لهـا شـائبتان :
إحداهما : لها من الأدلة مُتَعَلَّقٌ ، فلا تكون من تلك الجهةِ بدعةً .
والأخرى : ليس لها مُتَعَلَّقٌ ؛ إلا مثل ما للبدعةِ الحقيقيـة .
فالبدعة الإضافية بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنةٌ ،لأنها مستندةٌ إلى دليلٍ ـ لكنه عام ـ وبالنسبةإلى الجهةالأخرى بدعةٌ ، لأنها مستندة إلى شبهةٍ ،لا إلى دليل ، أو غير مستندة إلى شيءٍ .
فالدليل عليها من جهة الأصل قائم ، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يَقُمْ عليها ، مع أنها محتاجةٌ إليه .
علم أصول البدع ... / ص : 148 .

هذا وإن صاحب البدعة الإضافية يتقربُ إلىاللهِ تعالى بمشروعٍ وغيرِ مشروع ، والتقرب يجب أن يكون بمحضِ المشروع ، فكما يجب أنيكون العملُ مشروعًا باعتبار ذاته ، يجبُأن يكونَ مشروعًا باعتبار كيفيته ، كما يفيده
الحديث : قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم
" من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا ؛ فهو ردٌّ " .مسلم .
فالمبتدع بدعةً إضافيةً قد خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا ، وهو يرى أن الكلَّ صالح .علم أصول البدع ... / ص : 152 / بتصرف يسير.
 
أمثلة البدع الإضافية :

ـ تخصيص نصف شعبان بصيام وقيام :
فأصل الصيام مشروع وأصل القيام مشروع ولكن تخصيص هذا اليوم وليلته بعبادات معينة فهذا مما لا دليل عليه .

ـ عن سعيد بن المسيب : أنه رأى رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثرُ فيهما الركوع والسجود فنهاه .
فقال : يا أبا محمد ! يعذبني الله على الصلاة ؟ !
قال " لا ، ولكن يعذبُك على خلاف السنة " .
رواه البيهقي وغيره بسند حسن .

قال شيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في إرواء الغليل : 2 / 236 ، بعد إيراده هذا الأثر :
" وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى ، وهو سلاحٌ قويٌّ على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرًا من البدع باسم أنها ذِكرٌ وصلاةٌ ! ! ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكـر والصلاة ! !وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك " . ا . هـ .
علم أصول البدع / للشيخ : علي حسن عبد الحميد / ص : 72 .
ـ عن عمر بن سلمة الهَمْدَاني ـ رحمه الله ـ قال " كنا نجلس على باب " عبد الله بن مسعود " قبل صلاة الغداةِ ، فإذا خرج مَشَيْنا معه إلى المسجد . فجاءنا " أبو موسى الأشعري " ، فقال : أَخَرَجَ إليكم " أبو عبد الرحمن " بعد ؟ قلنا : لا .فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعًا . فقال له " أبو موسى " يا " أبا عبد الرحمن "
إني رأيتُ في المسجد آنفًا أمْرًا أنكرتُهُ ! ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا
.
قال : فما هو ؟
فقال - أي أبي موسى - : إنْ عشتَ فستراه .
قال أبو موسى : رأيتُ في المسجد قوْمًا حِلَقًا ،جلوسًا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلْقة رجل ،وفي أيديهم حصى فيقول : سبَّحوا مائة ،فيسبحون مائةً .
قال ـ أي : عبد الله بن مسعود - أبو عبد الرحمن ـ :
فماذا قلتَ لهم ؟

قال - أي : أبي موسى الأشعري : ما قلتُ لهم شيئًا
انتظارَ رأيك .

قال - ابن مسعود : أفلا أمرتَهم أن يَعُدُّوا سيئاتهم
وضَمِنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ !
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حَلْقةً من تلك
الحِلَق ، فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم
تصنعون ؟

قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح .
قال : فَعُدُّوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويْحَكُم يا أمة محمد ! ما أَسْرعَ هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ متوافرون وهذه ثيابه لم تَبْل ،وآنيته لم تُكْسَرْ ، والذي نفسي بيده إنكم لعلىملة هـي أهـدى مـن ملة محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! ! !
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله
ـ
صلى الله عليه وسلم ـ حدثنا " إن قومًا يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ،يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السهم من الرَّمِيَّة " .

" وايم الله " ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم .
.فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج .
أخرجه الدارمي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / مجلد رقم :5/حديث رقم : 5002
" وايم الله "  كلمة قسم . همزتها همزة وصل . المعجم الوجيز / ص :31 .
 
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :
وإنما عُنيتُ بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات ، فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة ، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه ، اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! وهذا كفر لا يقع فيه مسلم ، وإنما المنكَر ما أُلصِق به من الهيئات والتجمعات التي لم تكن مشروعة على عهد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وإلا فما الذي أنكره ابنُ مسعود ـ رضي الله عنه ـ على أصحاب تلك الحلقات ؟ ! إلا التجمع في يوم معين ، والذكر بعدد لم يرد ، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحَلْقة ، ويأمرهم به من عند نفسه ، وكأنه مُشرِّع عن الله تعالى .
قال تعالى " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ ... " .
سورة الشورى / آية : 21 .
ـ زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلاً وقولاً إنما هي التسبيح بالأنامل .
* ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث ، أن العبرة ليست بكثرة العبادة ، وإنما بكونها على السنة ، بعيدة عن البدعة
وقد أشار إلى هذا ابن مسعود بقوله :
" اقتصاد في سنة ، خيرٌ من اجتهادٍ في بدعة " .
* ومن الفوائد أن البدعة الصغيرة بريدٌ إلى البدعة الكبيرة ، ألا ترى أن أصحاب الحلقات صاروا بعدُ مِنَ الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد " علي بن أبى طالب " ؟
فهل من مُعْتَبِر ؟ نظم الفرائد : ج : 1 / ص : 211 .
 
شبهة والرد عليها
قد يقول قائل : تخصيص شهر رجب بصيام من باب " السنة الحسنة" لقول الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ..... " . ـ الحديث ـ .
ولرد هذه الشبهة نورد الحديث مع توضيح مراد الشارع منه :

ـ عن المُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيه ؛ قال : كُنَّا عِنْدَ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في صَدْرِ النَّهَارِ .

قال : فجاءهُ قومٌ حفاةٌ عراةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ "1"أوِ الْعَبَاءِ ،مُتَقَلِّدِي السُّيُوف . عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ "2" وَجْهُ رَسُولِاللهِ ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ . فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ . فَأَمَرَ
بِلالاً
فَأَذَّنَ وَأَقَامَ . فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَال :


" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ." . سورة النساء / آية : 1 .
إلى آخر الآية . " إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " .
والآيَةَ التي في الحَشْرِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللهَ ..." . سورة الحشر / آية : 18 .

تَصَدَّق "3" رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ ،مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حتى قَالَ - ولَوْ بِشَقِّ تَمْرَةٍ .

قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا . بَلْ قَدْ عَجَزَتْ .
قالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَينِ مِنْ طَعَامٍ وثِيَابٍ . حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسْولِ اللهِ– صلى الله عليه
وسلم – يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ "4" .
فقالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا ،وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ . مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ " .
ومَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنةً سَيئةً ، كانَ عليهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعْدِهِ . مِنْ غَيْرِ
أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " .صحيح مسلم / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 20 ) ـ باب : الحث علىالصدقة ولو بشق تمرة ... / حديث رقم : 69 ـ ( 1017 ) / ص : 241 .
" 1 " الجَوْب : القَطْعُ . النمار : جمع نَميرة وهي كساء من صوفٍ مخطط .
مجتابيها : أي لابسيها قد خرقوها في رؤوسِهم - أي خرقوها وقوروا وسطها- .
"2 " تمعر : تغير .
" 3 " تصدق : أي ليتصدق فهو خبر بمعنى الأمر .

" 4"مُذْهَبة : الصفاء والاستنارة .
* من شرح الحديث بصحيح مسـلم :
من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ..... .
فيه الحث على الابتداء بالخيرات ، وسن السنن الحسنات ،
والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات .
وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله :
"فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها ، فتتابع الناس "
وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير ، والفاتح لباب هذا الإحسان .
وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ،
وأن المراد به المحدثات الباطلة ، والبدع المذمومة .
ا . هـ. من سن سنة حسنة :
نجد أن السُّنَّة الحسنة في هذا الحديث هي الصدقة وهي لها أصل في الدين ولكن الحث عليها بالعمل - القدوة-..... فيقتدي به الناس ، يعتبر سنة حسنة .
وليس إذًا معنى السنة الحسنة أن نبتدع في دين الله أي عبادات ونقول من سن في الإسلام سنة حسنة .
فلا يخصص شهر رجب بصيام ونقول من سن في الإسلام سنة حسنة ..... .
ولا نحتفل بليلة النصف من شعبان ونحييها ونخصها بعبادات معينة تحت ستار من سن في الإسلام سنة حسنة .
فلا عبادة إلا بنص صحيح
بفهم السلف الصالح . 
 
طريق الخلاص من البدع


بعد أن ظهر جليا أن كل بدعة ضلالة ، فما هو طريق الخلاص من البدع التي هي مفتاح الضلال ؟
فالجواب ما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" تركتُ فيكم شيئين ، لن تضلوا بعدهما : كتاب الله ، وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض " .
رواه الحاكم عن أبي هريرة / صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / تحقيق
الشيخ الألباني /
ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 / صحيح .
* عن جابر بن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول :" يا أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا :كتاب الله ، وعترتي ؛ أهل بيتي " . سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / 46 ـ كتاب : المناقب مناقب أهل بيت النبي صلى ... / عن رسول الله ..... / 32 ـ باب : حديث رقم : 3786 / ص : 855 / صحيح .
فالبدع في حقيقتها سمٌّ ناقعٌ ، فالحذر الحذر من هذا السُّمِّ ؛
فإنه قاتل ، ومِلْ مع الحقِّ حيث كان ،
وكنْ متيقِّظًا لخلاص مُهْجَتِك بالاتباع ، وترك الابتداع .
إذًا " الطريق الوحيد للخلاص من البدع
وآثارها
السيئة هو الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادًا وعِلمًا وعملاً " .
محوطًا ذلك كلُّه بالاهتداء بهَدْي السلف وفهمِهِم ونهجِهِم وتطبيقِهِم لهذين الوحيين الشريفين ؛ فَهُمْ ـ رحمهم الله ـ أعظمُ الناس حبًّا ، وأشدُّهم اتباعًا ، وأكثرُهم حرصًا ، وأعمقهم علمًا ، وأوسعُهم دراية .
وترجع أهمية هذا الأمر : أنه الشرط الثاني لقبول أي عبادة .....
فشرطي قبول أي عمل صالح هما :أن يكون هذا العمل :
1 ـ خالصًا لله .
2 ـ صوابًا على نهج رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
وهذا الطريق يسير على من يسَّره اللهُ له ، وسهلٌ على من سَهَّلَهُ اللهُ عليه ، لكنه يحتاج إلى جهود علمية ودَعَويَّةٍ متكاتفةٍ متعاونةٍ ، ساقُها الصِّدْقُ ، وأساسُها الحبُّ والأخوَّةُ ـ بعيدًا عن أيِّ حزبيةٍ أو تكتُّلٍ أو تمحْوِرٍ ـ ومنطَلَقُها
العملُ بأمره تعالى "
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" .

سورة المائدة / آية : 2 .

والله الهادي ـ وحده ـ إلى سواءِ السَّبيل .
فهنيئًا لمن وفَّقَهُ اللهُ في عبادته لاتِّباع سنة نبيه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولم يخالطها ببدعةٍ ، إذن ؛ فَلْيُبْشِرْ بتقبل الله عز وجل لطاعته ، وإدخاله إياه في جنته . جعلنا اللهُ من المتبعين للسنن كيفما دارتْ ، والمتباعدينَ
عن الأهواء حيثما مالتْ ؛ إنه خير مسئول ،وأعظم مأمول . وصلى الله تعالى وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه .
كلمـــة ذهبيـــة


" اقتصادٌ في سنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعةٍ " .
هذه الكلمة الذهبية صحَّت عن غيرِ واحدٍ من الصحابةِ ـ رضي الله عنهم ـ ، منهم : أبو الدرداء ، وعبد الله بن مسعود .
ووردت أيضًا عن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه ؛ كما في " الحُجَّة في بيان المحجة " . 1 / 111 ؛ بلفظ :
" وإن اقتصادًا في سبيلٍ وسُنَّةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلافِ سبيلٍ وسُنَّة ، فانظرُوا أنْ يكونَ عملُكم إنْ كان اجتهادًا أو اقتصادًا أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم صلوات الله عليهم " . رواه اللاكائي ..... .

وهي كلمة تعطي منهاجًا عظيمًا للمسلم الذي يريد الاتباع الصحيح في أعماله وأقواله الشرعية .
وهذه الكلمة مأخوذة من عدة أحاديث نبوية صحيحة منها : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
" إياكم والغلو في الدين " . والغلو مجاوزة الحد .
* فعن ابن عباس ؛ قال : قال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ غداة يوم العقبة وهو على ناقته :
" ..... إياكم والغلو في الدين ، ..... " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 25 ـ كتاب : المناسك / 63 ـ باب : قدر حصى الرمي / حديث رقم : 3029 / ص : 513 / صحيح .


ومنها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
* عن عائشة قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومها وإن قل " .
صحيح مسلم . متون / 6 ـ كتاب : صلاة المسافرين وقصرها / 30 ـ باب : العمل الدائم من قيام الليل وغيره / حديث رقم : 218 ـ 783 / ص : 188 .
وغيرها من الأحاديث .
وقد طبق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعون ـ
رحمهم الله تعالى ـ هذه القاعدة تطبيقًا دقيقًا ، فكانوا
جد حريصين على اتباع السنة ولو بقليل عملٍ ،
ومن ثَمَّ ابتعدوا عن البدعة ابتعادًا كثيرًا ، ونفروا عنها ومنها ، ولو توهَّم متوهمٌ أن في هذه البدعة اجتهادًا وزيادة خير ؛ ـ تذكر قول ـ أبي الأحوص وهو يقول لنفسه :
" يا سلام نَمْ على سُنَّةٍ ، خيرٌ من أن تقوم على بدعة " .
علم أصول البدع / علي حسن على عبد الحميد .
" ألهمنا الله وإياكُم حُسن المتابعة ، وجنبنا الهوى والمخالفة "
آمين . علم أصول البدع / ص : 88 .
 
وهذا رابط مباشر لتحميل البحث ككل
على ملف وورد
هنا

وهنا

= وهنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق