الخميس، 10 يونيو 2021

فقه سجود السهو

 

فقه سجود السهو
مقدمة
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"آل عمران:102.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".النساء:1.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"الأحزاب:71،70.

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِمُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ثم أَمَّا بَعْدُ:
إن المؤمن في هذه الحياة القصيرة الفانية عليه أن يشغل أوقاته بذكر الله عز وجل ، وبعمل الطاعات وتجنب المعاصي والمنكرات والملهيات وتضييع الأوقات فيما لا يقربه إلى الله عز وجل .
والعلم الشرعي بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والعمل بهذا العلم هما العُدَّة لكل مؤمنٍ في هذه الحياة الدنيا ، وسبيلا نجاته في الآخرة ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا .
روى الشيخان من حديث معاوية ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال " من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين " . رواه البخاري : 77 ، ومسلم : 1037 ، 98 . فالخير كل الخير في معرفَةِ أمور الدين وفقهها ، لا سيما أعظم الأركان بعد الشهادتين وهي " الصلاة " .
وهذا بحث لطيف في شرح باب من أبواب فقه الصلاة ، هو باب " سجود السهو " .
فهذا الباب من أبواب فقه الصلاة مما يحتاج إليه عموم المسلمين ، لأنه ما مِنْ مسلمٍ مصلٍّ إلا ويسهو .
لذا شرعنا في تجميع هذا البحث على المنهج المختار من ذِكْر الآيات إن كانت في الباب ، وذكر الأحاديث النبوية وبيان صحيحها من ضعيفها ، وذكر أقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من علماء أهل السنة والجماعة ، ثم ترجيح ما رجحه الدليل ، مع مراعاة أدب فقه الخلاف .
ويلزم للباحث في الأحكام الشرعية أن يجمع بين الفقه والحديث فإن كلاًّ منهما يحتاج إلى صاحبه .
" فالحديث " الصحيح بمنزلة الأساس الذي هو الأصل ، و " الفقه " بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع . وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار ، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب .
هذا ، وإنني أعترف بأن الخطأ والزلل هما صفتا مَنْ خَلَقَهُ اللهُ من عَجَل ، ولكني نَصَرْتُ ما أظنه الحق بمقدار ما علمتُ منه ، فمن وجد خيرًا فمن الله عز وجل ، ومن وجد غير ذلك فمن نفسي والشيطان .
نسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل ، إنه سميعٌ مُجيبٌ .
ونسأله سبحانه أن ينفع به جامعه ، وناسخه ، وشارحه ، ودَارِسه ، ومُدَرِّسه ، وكل مَنْ شارك فيه بأي صورة "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " سورة الشعراء / آية : 88 ، 89 . وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


*******************
سجود السهو
· تعريفه :
" السهو " لغة :
نسيان الشيء والغفلة عنه ، وذهاب القلب عنه إلى غيره .
" سجود السهو " اصطلاحًا :
هو ما يكون في آخر الصلاة أو بعدها ، لجبر خلل بالنقص أو الزيادة .

o فائدة :
ـــــ
* ليس على الساهي حرج ، ولا إثم .
قال تعالى "... رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا .....". سورة البقرة / آية : 286 .

وعن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" إنَّ الله تجاوزَ عن أُمتي الخطأَ والنسيانَ ، وما اسْتُكْرِهوا عَلَيْهِ " . صحيح سنن ابن ماجه / ج : 1 / باب 16 : طلاق المكره والناسي / حديث رقم : 1662 / ص : 347 . الإرواء : 82 .
* ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسهو في الصلاة .وصح عنه أنه قال " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ،فإذا نسيت فذكِّروني " . صحيح الجامع / الوجيز / ص : 125 . وقد وقع " السهو " من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لِحِكَم كثيرة منها :
ـ بيان أنه بشر ، يقع منه ما يقع من غيره ، إلا أنه لا يُقَرُّ عليه ، عصمة لمقام النبوة .
ـ ومنها : التشريع للأمة في مثل هذه الحوادث .
ـ ومنها : التسلية والتعزي لمن يقع منه ، فإنه حين يعلم أنه وقع من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فليس عليه حزن أن يخشى الخلل في دينه ، أو النقص في إيمانه ، .....

ـ ومنها: بيان جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام في أفعالهم البلاغية ، إلا أنهم لا يُقرُّونَ عليه . أما الأقوال البلاغية فالسهو فيها ممتنع على الأنبياء ، ونقل في ذلك الإجماع . تيسير العلام / ج : 1 / ص : 231 ، 235 . ·
*
مشروعية سجود السهو :

اتفق العلماء على مشروعية سجود السهو لمن وقع له في الصلاة ما جرى من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو نحوه على وجه السهو .
وقد صح في مشروعية سجود السهو عدة أحاديث عليها مدار أحكامه ، سنذكرها في مواضعها المناسبة لأحكامها . ولكن نذكر منها على سبيل المثال والاستئناس ما يثبت مشروعية سجود السهو .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" إذا نُودِيَ بالصلاةِ أدبرَ الشيطانُ له ضُراطٌ حتى لا يَسمَعَ الأذانَ ، فإذا قُضِيَ الأذانُ أقبلَ ، فإذا ثُوِّبَ بها أدبَرَ ، فإذا قُضِيَ التثويبُ أقبلَ حتى يَخطِرَ بينَ المرءِ ونفسِه يقولُ : أُذْكُرْ كذا وكذا ـ ما لم يكنْ يَذكُرُ ـ حتى يَظَلَّ الرجلُ إنْ يَدري كم صَلَّى . فإذا لم يَدْرِ أحدُكم كم صلَّى ـ ثلاثًا أو أربعًا ـ فليَسجُدْ سجدتين وهو جالسٌ " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / كتاب السهو / باب : 6 / حديث رقم : 1231 / ص : 124 .


· مشروعية سجود السهو في صلاة الفرض والنفل :
يُشرع ـ سجود السهو ـ في صلاة الفرض وفي صلاة النفل . لكن بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود ، احترازًا من صلاة الجنازة ، فإن صلاة الجنازة لا يشرع فيها سجود السهو ، لأنها ليست ذات ركوع وسجود ، فكيف تجبر بالسجود ؟ ! الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 462 .وورد في المغني / ج : 2 / ص : 224 .
لا فرق بين النافلة والفرض في سجود السهو . أنه يشرع فيهما في قول عوام أهل العلم . ولنا عموم قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " . رواه مسلم / ج : 2 / حديث رقم : 398 / ص : 126 . ا . هـ .
فإن قال قائل : هل توجبون سجود السهو في صلاة النفل فيما لو ترك واجبًا من واجبات الصلاة ؟ الجواب : نعم نوجبه .
فإن قال : كيف توجبون شيئًا في صلاة نفل ، وصلاة النفل أصلًا غير واجبة ؟

نقول : إنه لما تلبس بها وجب عليه أن يأتي بها على وفق الشريعة ، وإلا كان مستهزئًا ، وإذا كان لا يريد الصلاة فمن الأصل لا يصلي ، أما أن يتلاعب فيأتي بالنافلة ناقصة ثم يقول " لا أجبرها " ، فهذا لا يوافق عليه . الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 463 .
ودليل ذلك : قول البخاري في ترجمة الباب " وسجد ابن عباس بعد وتره " . معلقًا .
ووصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي العالية قال " رأيت ابن عباس يسجد بعد وتره سجدتين " .
وتعلق هذا الأثر بالترجمة من جهة أن ابن عباس كان يرى أن الوتر غير واجب ويسجد مع ذلك فيه .الفتح / ج : 3 / ص : 126 .

· عدم مشروعية " سجود السهو " عن " حديث النفس "
لا يشرع لحديث النفس سجود سهو ، لأن الشرع لم يرد به ، ولأنه لا يمكن التحرز منه . المغني / ج : 2 / ص : 223 .

· عدم مشروعية " سجود السهو " عن " الترك العمد "
لا يُشرع ـ سجود السهو ـ في العمد ، وذلك لأن العمد إن كان ترْكُ واجب أو ركن ، فالصلاة باطلةٌ لا ينفع فيها سجود السهو ، وإن كان ترك سنة فالصلاة صحيحة . الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 462 .

· فضل سجود السهو :
عن أبي سعيد الخُدريِّ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فليلقِ الشكَّ وليبنِ على اليقين ، إذا استيقنَ التمامَ سجدَ سجدتين ، فإن كانت صلاتُهُ تامَّةً كانت الركعةُ نافلةً والسجدتانِ ، وإن كانت ناقصةً كانت الركعةُ تمامًا لصلاتِه وكانت السجدتان مُرْغِمَتَي الشيطان " . صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / باب : 198 / حديث رقم : 900 / ص : 191 .
" المرغمتان " قال ابن الأثير : يقال " أرغم الله أنفه " أي ألصقه بالرغام وهو التراب . هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره .
والمعنى : المذلتان للشيطان . عون المعبود / ج : 3 / ص : 233 .

· هل لسجود السهو تكبير أو تسليم أو قيام ؟
نعم ، له تكبير وتسليم ، ولكن ليس له قيام .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : صلى بنا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إحدى
صلاتي العشيِّ ، ... ... ... ، فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ، ثم سَلَّم ، ثم كَبَّرَ وسجد مثل سجوده أو أطْوَلَ ثم رفع وكبر ، وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر .
قال : فقيل لمحمد - هو محمد بن سيرين الأنصاري - سلم في السهو ؟
فقال : لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نُبِّئتُ أن عمران بن حُصين قال : ثم " سلم " . صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / باب : 196 / حديث رقم : 886 / ص : 188 .
وورد في رواية مسلم : ..... فَأَتَمّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما بقيَ من الصلاة ، ثم سجد سجدتينِ ، وهو جالس ، بعد التسليم ."صحيح مسلم / ج : 5 / حديث رقم : 1290 / ص : 71 .
· هل يشترط لسجود السهو بعد السلام تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود ؟
الجمهور على الاكتفاء ـ بتكبير السجود ـ ، ـ إذا كان ما يلزم ؛ سجود سهو فقط ـ .
أما إذا كان ما يلزم ؛ إتمام ما بقي من عدد الركعات ، فلابد من تكبيرة الإحرام ثم إتمام ما بقي ثم التسليم ثم سجود السهو مع الاكتفاء بتكبير السجود .
عون المعبود / ج : 3 / ص : 221 .

· حكم سجود السهو :لأهل العلم في حكم سجود السهو في الصلاة عند وجود سببه ، قولان :
الأول : أنه واجب .

سجود السهو واجب ، لأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم به " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " . مسلم . الإرواء / ج : 2 / حديث رقم : 398 / ص : 126 .
ولمواظبته عليه كلما نسي ، ولم يُخِلّ به مرة واحدة . الوجيز / ص : 128 .
فسجود السهو واجب ، إذا كان السهو في ركن من أركان الصلاة ، أو في واجب من واجبات الصلاة .
أما إذا كان السهو في سنن الصلاة ، ففيه خلاف :

الثاني : أنه مستحب . والراجح : الوجوب . صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 464 .
أ ـ ..... أما السنن فلا سجود فيها للسهو ..... ، لأنها لو تركت عمدًا ؛ لما ضرَّ الصلاة ذلك شيئًا ، ولا كان نقصٌ ولا إثم في تركها .المنخلة النونية / مراد شكري / ص : 39 .

ب ـ من ترك سنة ناسيًا يسجد للسهو ، لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
" لكل سهو سجدتان " .صحيح سنن أبي داود / حسن / الوجيز / ص : 129 .

وهو " سنة " ، ولا يكون واجبًا لئلا يزيد الفرع على أصله .الوجيز / ص : 129 . وقال في الحاشية ـ مصدر هذا الرأي ـ السيل الجرار 275 / 1.
· تكرار السهو في نفس الصلاة :
إذا تكرر السهو للمصلي في الصلاة ، فإنه لا يتكرر لذلك سجود السهو ، فلا يلزمه إلا سجدتان ، عند جمهور العلماء ، لأنه لم يُنْقَلْ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ولا عن أحد من أصحابه أنهم كرروا السجود لتكرار السهو ، مع أن تكرار السهو ممكن من كل مصلٍّ .
ولأنه لو لم تتداخل لسجد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عقب السهو .
فلما أخَّر إلى آخر صلاته دلَّ على أنه إنما أخَّر ليجمع كل سهو في الصلاة .صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 467 .
ـ ولتمام الفائدة ، ولمعرفة مواضع " السهو " وما يترتب على ذلك ، نذكر أركان الصلاة وواجباتها وسننها مع اعتبار اختلاف العلماء في ذلك ، ولا مشاحة في الاصطلاح .

· أركان الصلاة ، وواجباتها ، وسننها :
" الركن " تبطل الصلاة بتركه عمدًا ، ويؤتَى به ـ وجوبًا ـ عند الترك سهوًا ويسجد للسهو منه .المنخلة النونية / ص : 36 .

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهرَ فسلَّمَ في الرَّكعتينِ فقيلَ لَهُ نَقَصْتِ الصَّلاةُ؟ فصلَّى رَكعتينِ ثمَّ سجدَ سجدتين."صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / حديث رقم : 890 / ص : 189 .
" الواجب " يأثم تاركه عمدًا لا سهوًا .
وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ، ثم يكمل صلاته ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم . وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه ، سقط ، فلا يرجع إليه ، فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم .ملزمة سجود السهو للعثيمين / ص : 6 ، 7 .

دليل ذلك : عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم"إذا قام أحدُكم من الركعتينِ فلم يَستتمَّ قائمًا فلْيجلسْ فإنِ استتمَّ قائمًا فلا يجلسْ وليسجدْ سجدتينِ" . صحيح . الإرواء 2 / 109 . أبو داود .

ومما ينبغي التنبيه إليه أنه ليس في الحديث التفريق بين أن يكون إلى القيام أقرب فيقوم ، أو إلى الجلوس فيجلس ، وإنما كما هو ظاهر " فإن ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس " . وإن كان قريبًا من القيام .الوجيز / ص : 126 .

" السنة " ترك شيء من سنن الصلاة لا يؤثر في صحة الصلاة ، سواء كان هذا الترك عمدًا أم سهوًا .

دليل ذلك : ترك الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ للتسليمة الثانية - فهي سنة - ولم يسجد للسهو ... .
عن عائشة "أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يُسلِّمُ في الصَّلاةِ تَسليمةً واحدةً تِلقاءَ وجهِهِ ، ثمَّ يميلُ إلى الشِّقِّ الأيمنِ شيئًا " .صحيح . صحيح الترمذي / الوجيز / ص : 97 .


·أركان الصلاة :
1 ـ تكبيرة الإحرام 2 ـ القيام في الفرض للقادر عليه
3 ـ قراءة الفاتحة في كل ركعة 4 ـ الركوع .
5 ـ الطمأنينة فيه 6 ـ الاعتدال بعد الركوع .
7 ـ الطمأنينة فيه 8 ـ السجود .
9 ـ الطمأنينة فيه 10 ـ الجلوس بين السجدتين .
11 ـ الطمأنينة فيه 12 ـ التشهد الأخير .
13 ـ الصلاة على النبي بعد التشهد الأخير .
14 ـ التسليمة الأولى .


· واجبات الصلاة:

1 ـ تكبيرات الانتقال ، وقول " سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد " .
2 ـ التشهد الأول .

· سنن الصلاة :
وسننها قسمان : قولية وفعلية .
فأما القولية فهي :
1 ـ دعاء الاستفتاح .
2 ـ الاستعاذة .
3 ـ التأمين .
4 ـ القراءة بعد الفاتحة . وتسن القراءة في الأخريين أحيانًا
5 ـ التسبيح في الركوع والسجود .
6 ـ الزيادة في الاعتدال على قول : ربنا ولك الحمد ، بإحدى الزيادات ـ الواردة في السنة الصحيحة ـ .
7 ـ الدعاء بين السجدتين .
8 ـ الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعد التشهد الأول لفعله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ذلك .
9 ـ الدعاء بعد التشهد الأول والثاني سواء . نظم الفرائد / ج : 1 / ص : 347 .
10ـ التسليمة الثانية .

السنن الفعلية :
1 ـ رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع والرفع منه ، وعند القيام من التشهد الأول ، ويُسَن رفعهما أحيانًا عند كل خفض ورفع .
2 ـ وضع اليمين على الشمال فوق الصدر .
3 ـ النظر إلى موضع السجود .
4 ـ هيئات الركوع - وضع الظهر ـ وضع اليدين على الركبتين ..... - .
5 ـ تقديم اليدين على الركبتين في النزول للسجود .
6 ـ أن يفعل في سجوده ما تضمنته الأحاديث من الهيئات - التفريج بين اليدين حتى يبدو بياض إبطيه ، ضم الأصابع ، استقبال القبلة بكفيه وأصابعه ، رص العقبين - .
7 ـ الافتراش .
8 ـ أن لا ينهض من السجود حتى يستوي جالسًا - جلسة الاستراحة .
9 ـ أن يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة .
10 ـ التورك .
11 ـ الجلوس بين السجدتين إما إقعاءً وإما افتراشًا .
الوجيز / ص : 90 : 100 / بتصرف .
* لتفصيل أركان الصلاة وواجباتها وسننها وأدلة ذلك ، يرجع إلى: كتاب الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز من ص : 86 : 100 .

· أنواع السهو :
السهو الوارد في السنة أنواع " زيادة ، ونقص ، وشك " .
كلها وردت عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " الزيادة " و " النقص " من فعله ، و " الشك " من قوله عليه الصلاة والسلام . الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 461 .

· موضع سجود السهو :
اختلف العلماء في كيفية الأخذ بأحاديث السهو .
هل السجود قبل السلام أم بعده وما تفصيل ذلك ؟

* قال القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ ، وجماعة من أصحابنا :
ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين ، وغيرهم من العلماء : أنه لو سجد قبل السلام ، أو بعده للزيادة أو النقص ، أنه يجزئه ، ولا تفسد صلاته ، وإنما اختلافهم في الأفضل والله أعلم . صحيح مسلم / ج : 5 / ص : 59 .

* وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في رسالته " سجود السهو " : ص : 66 :

ـ أفاد المؤلف - أي صاحب المتن : أن كون السجود قبل السلام أو بعده على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الوجوب ، وأن الرجل لو سجد قبل السلام فيما موضِعُه بعد السلام فلا إثم عليه .
ولو سجد بعد السلام فيما موضِعُه قبل السلام فلا إثم عليه ـ على الراجح ـ .

ـ ما هو الأفضل : الذي قبل السلام أو بعده ؟
ما كان للزيادة ؛ فهو بعد السلام ، وما كان عن نقص ؛ فهو قبل السلام ـ على الراجح ـ هذا في الزيادة والنقص.
وأما في الشك فما بَنَى الإنسان فيه على غالب ظنِّه فهو بعد السلام وما بنى فيه على اليقين فهو قبل السلام .ا . هـ .
 
وتفصيل ذلك وأدلته من رسالة صغيرة للعثيمين في "سجود السهو " / ص : 5 :
أولاً : " النقص " :
أ ـ نقص " الأركان " :
إذا نقص المصلي ركنًا من صلاته ، فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له ، سواء تركها عمدًا أم سهوًا لأن صلاته لم تنعقد .
وإن كان غير تكبيرة الإحرام ، فإن تركه متعمدًا بطلت صلاتُه .
وإن تركه سهوًا ، فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغيت الركعة التي تركه منها ، وقامت التي تليها مقامها . وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك ، فيأتي به وبما بعده ، وفي كلتا الحالتين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام .
مثال ذلك : شخص نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى فذكر ذلك وهو جالس بين السجدتين في الركعة الثانية ، فتُلْغَى الركعة الأولى وتقوم الثانية مقامها فيعتبرها الركعة الأولى ويكمل عليها صلاتَهُ ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
مثال آخر : شخص نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى فَذَكَرَ ذلك بعد أن قام من الركوع في الركعة الثانية ، فإنه يعود ويجلس ويسجد ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .

ب ـ نقص الواجبات :
إذا ترك المصلي واجبًا من واجبات الصلاة متعمدًا بطلت صلاتُه . وإن كان ناسيًا وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة ، أتى به ولا شيء عليه .
وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه ، سقط ، فلا يرجع إليه فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم
مثال ذلك : شخص رفع من السجود الثاني في الركعة الثانية ليقوم إلى الثالثة ناسيًا التشهد الأول فذكر قبل أن ينهض فإنه يستقر جالسًا فيتشهد ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه .
وإن ذكر بعد أن ينهض قبل أن يستتم قائمًا رجع فجلس وتشهد ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
وإن ذكر بعد أن استتم قائمًا سقط عنه التشهد فلا يرجع إليه ، فيكمل صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم . ملزمة العثيمين الصغيرة / ص : 7 .
الدليل : من تيسير العلام شرح عمدة الأحكام :
عن عبدِ الله بنِ بُحَيْنَةَ ـ وكان من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وعلي آله وسلم :
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى بهِمُ الظَّهْرَ، فَقَامَ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ معهُ حتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وهو جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ."رواه البخاري / كتاب : تيسير العلام / ج : 1 / حديث رقم : 102 / ص : 237 .
ما يؤخذ من الحديث :
ـ وجوب سجود السهو لمن سها في الصلاة وترك التشهد الأول .
ـ أن التشهد الأول ليس بركن ، ولو كان ركنًا ، لما جبر النقص به سجود السهو ـ فقط ـ ولم يكن بد من الإتيان به كسائر الأركان .
ـ أن تعدد السهو يكفي له سجدتان ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ترك ـ هنا ـ الجلوس والتشهد معًا .
ـ أن سهو الإمام لاحق للمأمومين ، لأنهم تركوا التشهد عمدًا ، والمتعمد ليس عليه سهو لترك الواجب ، وإنما تبطل صلاته في غير مثل هذه الصورة .
ـ أهمية متابعة الإمام ، حيث أقرهم النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على متابعته وتركهم الجلوس
مع علمهم بذلك .تيسير العلام / شرح عمدة الأحكام /

ثانيًا " الزيادة " :
إذا زاد المصلي في صلاتِهِ قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا متعمدًا بطلت صلاتُه .
وإن كان ناسيًا ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إلا سجود السهو ، وصلاته صحيحة .
وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع عنها ووجب عليه سجود السهو ، وصلاته صحيحة .
مثال ذلك : شخص صلى الظهر ـ مثلًا ـ خمس ركعات ، وذكر الزيادة وهو في أثناء الركعة الخامسة ، فعليه أن يجلس في الحال ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
وإن ذكر الزيادة وهو في التشهد فيكمل التشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
فإن لم يذكر الزيادة إلا بعد السلام سجد للسهو وسلم .
الدليل : عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه "
أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فقِيلَ له: أَزِيدَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: وما ذَاكَ؟ قالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ ما سَلَّمَ.
وفي رواية "
فَثَنَى رِجْلَيْهِ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ" الدرر =
رواه الجماعة : أي البخاري ومسلم والترمذي ..... .
ملزمة سجود السهو الصغيرة / العثيمين / ص : 3 ، 4 .
ورد في فتح الباري / ج : 3 / كتاب السهو / ص : 114 ..... تعليقًا على هذا الحديث :
..... وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ . ا . هـ .

ـ السلام قبل تمام الصلاة :
السلام قبل تمام الصلاة من " الزيادة " في الصلاة .
ووجه كونه من الزيادة أنه زاد تسليمًا في أثناء الصلاة .
فإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته متعمدًا بطلت صلاتُه .
وإن كان ناسيًا ولم يذكر إلا بعد زمن طويل ، أعاد الصلاة من جديد .
وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين وثلاث ، فإنه يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
رسالة العثيمين الصغيرة في سجود السهو .
بينما علق الشيخ آل بسام على حديث ذي اليدين -الآتي - بأنه يؤخذ من الحديث : صحة بناء ما ترك من الصلاة على أوَّلها ، ولو طال الفصل .
تيسير العلام ... آل بسام تعليقًا على حديث ذي اليدين / حديث رقم : 101 / ص : 233 ، ... / بتصرف .

فعن أبي هريرة قال :صَلَّى لَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ العَصْرِ، فَسَلَّمَ في رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو اليَدَيْنِ فَقالَ: أقُصِرَتِ الصَّلَاةُ يا رَسولَ اللهِ، أمْ نَسِيتَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: كُلُّ ذلكَ لَمْ يَكُنْ فَقالَ: قدْ كانَ بَعْضُ ذلكَ، يا رَسولَ اللهِ، فأقْبَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى النَّاسِ فَقالَ: أصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ فَقالوا: نَعَمْ، يا رَسولَ اللهِ، فأتَمَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وهو جَالِسٌ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ.."رواه مسلم / ج : 5 / باب : السهو والسجود له / حديث رقم : 1290 / ص : 71 .
ما يؤخذ من الحديث :

ـ أن الخروج من الصلاة قبل إتمامها ـ مع ظن أنها تمت ـ لا يقطعها ، بل يجوز البناء عليها ، وإتمام الناقص منها . تيسير العلام / ص : 235 .

ـ إثبات سجود السهو ، وأنه سجدتان ، وأنه يكبر لكل واحدة منهما ، وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود ، فلو خالف المعتاد لبينه ، وأنه يسلم من سجود السهو ، وأنه لا تشهد له .
وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات ، إذا كانت في الصلاة سهوًا لا تبطلها ، كما لا يبطلها الكلام سهوًا . صحيح مسلم / ج : 5 / ص : 73 ، 74 .

* وقال في تيسير العلام / ج : 1 / ص : 236 :
ـ الحركة التي من غير جنس الصلاة لا تبطل الصلاة ولو كثرت ، إذا وقعت من الجاهل والناسي .
ـ أن سجود السهو لا يتعدد ولو تعددت أسبابه ، فإن النبي سلم ونقص الصلاة * ، ومع ذلك اكتفى بسجدتين . ا . هـ .

* سلم ونقص الصلاة : أي أن هناك سهو بالزيادة :وهو التسليم لأنه لابد أن يسلم مرة أخرى ليتم الصلاة الناقصة.وسهو بالنقصان: وهو صلاة العصر ركعتين بدلًا من أربع .

* وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في رسالته الصغيرة لسجود السهو/ ص : 5 :
وإذا سلم الإمام قبل تمام صلاته وفي المأمومين من فاتهم بعض الصلاة فقاموا لقضاء ما فاتهم ثم ذكر الإمام أن عليه نقصًا في صلاته فقام ليتمها فإن المأمومين الذين قاموا لقضاء ما فاتهم يخيرون بين أن يستمروا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسهو ، وبين أن يرجعوا مع الإمام فيتابعوه ، فإذا سلم قضوا ما فاتهم وسجدوا للسهو بعد السلام . وهذا أولى وأحوط .
ا . هـ . 
 ثالثًا " الشك " :
الشك : هو التردد بين أمرين أيهما الذي وقع .
والشك لا يلتفت إليه في العبادات في ثلاث حالات :
الأولى : إذا كان مجرد وهم لا حقيقة له ، كالوساوس .
الثانية : إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيها شك .
الثالث : إذا كان بعد الفراغ من العبادة ، فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه .
مثال ذلك : شخص صلى الظهر فلما فرغ من صلاته شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا ، فلا يلتفت
لهذا الشك ، إلا أن يتيقن أنه لم يصلِ إلا ثلاثًا ، فإنه يكمل صلاته ، ثم يسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم .
وأما الشك في غير هذه المواضع الثلاثة ، فإنه معتبر .
ولا يخلو الشك في الصلاة من حالين :
* " الحال الأول " :
أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم .
مثال ذلك :
شخص يصلي الظهر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ، لكن ترجح عنده أنها الثالثة ، فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم .
دليل ذلك :
ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال "
إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فليتحرَّ الصَّوابَ فليُتمَّ عليهِ ثمَّ ليسلِّم ثمَّ ليسجُدْ سَجدتَينِ "الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 1020 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر=


* " الحال الثانية " :
أن لا يترجح عنده أحد الأمرين ، فيعمل باليقين وهو " الأقل " فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم .
مثال ذلك :
شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة ، فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول ويأتي بعده بركعتين ويسجد للسهو ويسلم .
الدليل :
عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال "
إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ* له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا * تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ".الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 571 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر=



*شَفَعْنَ له صَلاتَهُ : أي أن " سجدتي السهو " شفعن له صلاته .
*كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ: أي أن " سجدتي السهو " كانتا ترغيمًا للشيطان . أَيْ إِذْلَالًا لَهُ وَإِغَاظَةً.
رسالة " سجود السهو " الصغيرة للعثيمين / ص : 8 ، 9 .
o فائدة :
ــــ
إذا شك ـ شخص ـ في صلاته فعمل باليقين أو بما ترجح عنده حسب التفصيل المذكور ، ثم تبين له أن ما فعله مطابق للواقع وأنه لا زيادة في صلاته ولا نقص؛ سقط عنه سجود السهو ، لزوال موجب السجود وهو الشك .
وقيل : لا يسقط عنه ليراغم به الشيطان لقول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم"
وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ" ، ولأنه أدى جزءًا من صلاته شاكًّا فيه حين أدائه ، وهذا هو " الراجح " .
مثال ذلك :
شخص يصلي فشك في الركعة أهي الثانية أم الثالثة ولم يترجح عنده أحد الأمرين ، فجعلها الثانية ، وأتم عليها صلاته ، ثم تبين له أنها هي الثانية في الواقع .
الرأي الأول المرجوح : لا سجود عليه .
الرأي الثاني الراجح : عليه سجود ـ للسهو ـ قبل السلام .
رسالة العثيمين الصغيرة / ص : 10 / بتصرف يسير .

· إذا سها الإمامُ وجب على المأموم متابعته في سجود السهو :
إذا سها الإمامُ وجب على المأموم متابعته في سجود السهو، سواء سها المأموم أم لم يسه ، لعموم قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم"إنَّما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ به، فلا تَخْتَلِفُوا عليه، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا، وإذَا قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ، وإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وإذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ، وأَقِيمُوا الصَّفَّ في الصَّلَاةِ، فإنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِن حُسْنِ الصَّلَاةِ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 722 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =


وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده ، فيجب على المأموم متابعته ، إلا أن يكون مسبوقًا ، أي قد فاته بعض الصلاة ، فإنه لا يتابعه في السجود بعده -أي بعد التسليم - لتعذر ذلك ، إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه ، وعلى هذا فيقضي ما فاته ، ويسلم ، ثم يسجد للسهو ويسلم .

لكن المسبوق ، وهو من فاتته ركعة فأكثر ، فإنه يتابع إمامه إذا سجد الإمام قبل السلام ، ولا يتابعه إذا سجد بعد السلام
مثال ذلك :
رجل دخل مع الإمام في الركعة الأخيرة ، وكان على الإمام " سجود سهو " بعد السلام ، فإذا سلم الإمام فليقم هذا المسبوق لقضاء ما فاته ولا يسجد مع الإمام ، فإذا أتم ما فاته
وسلم ، سجد بعد السلام .
رسالة سجود السهو الصغيرة / للشيخ العثيمين / ص : 11 .
مسألة :
لو فُرِضَ أن الإمام لا يَرَى وجوب " سجود السهو " ، والمأموم يرى وجوب " سجود السهو " مثل " التشهد الأول " ، يرى بعض العلماء أنه سُنَّة ـ كما هو مذهب الشافعي ـ ، وليس بواجب فإذا تركه الإمام ، ولكن لم يسجد للسهو بِنَاءً على أنه سُنَّة ، وأن السنة لا يجبُ لها سجود السهو .فهل على المأموم الذي يرى أن سجود السهو واجب ، هل عليه سجود ؟
الجواب : لا .
لأن إمامُهُ يَرَى أنه لا سجود عليه وصلاته مرتبطَة بصلاة الإمام وهو لم يحصل منه خَلَل ، فالمأموم يجب أن يتابع الإمام وقد قام بما يجب عليه .
أما لو كان الإمام يرى وجوب سجود السهو ، ولكن لم يسجد فسَبَّحْنَا به للسجود ، ولكنه لم يسجد ونحن نعلم أنه يرى وجوب السجود ..... اختلف أهل العلم في هذا :
قال بعضهم حينئذ يسجد المأموم إذا أَيَس مِن سجود إمامه ، لأن صلاتَه مُرْتَبِطَة بصلاة الإمام ، والإمام فعل ما يُوجب السجود ـ للسهو ـ ، وتَرَكَ السجود ـ للسهو ـ من غير تأويل ، فوجب على المأموم أن يَجْبُرَ هذا النقص ويسجد .
سجود السهو / للعثيمين / ص : 61 .
وقال البعض الآخر :
إن لم يسجد الإمام لم يسجدوا لما فيه من مخالفة الإمام .
صحيح فقه السنة / ج : 1 .

· إذا سها المأموم خلف إمامه :
إذا سها المأموم خلف الإمام ، فإن الإمام يحمل عنه سهوه ، وليس عليه سجود للسهو عند أكثر أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم .
ـ قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل : 2 / 132 :
" نحن نعلم يقينًا أن الصحابة الذين كانوا يقتدون به صلى الله عليه وسلم كانوا يسهون وراءه سهوًا يوجب السجود عليهم لو كانوا منفردين ، هذا الأمر لا يمكن لأحد إنكاره ، فإذا كان كذلك فلم ينقل أن أحدًا منهم سجد بعد سلامه صلى الله عليه وسلم ولو كان مشروعًا لفعلوه ، ولو فعلوه لنقلوه ، فإذا لم يُنْقَلْ دلَّ على أنه لم يشرع ، وهذا ظاهر
ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد يؤيد ذلك ما ورد في حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه تكلم في الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم جاهلًا بتحريمه ثم لم يأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسجود السهو " .ا . هـ .
صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 470 .
ـ وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله :
وإذا سها المأموم دون الإمام ، ولم يفته شيء من الصلاة ، فلا سجود عليه ، لأن سجوده يؤدي إلى الاختلاف على الإمام واختلال متابعته ، ولأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تركوا التشهد الأول حين نسيه النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهو واجب مثل سجود السهو - فقاموا معه ولم يجلسوا للتشهد مراعاة للمتابعة وعدم الاختلاف عليه .
فإن فاته شيء من الصلاة فسها مع إمامه أو فيما قضاه بعده ، لم يسقط عنه السجود ، فيسجد للسهو إذا قضى قبل السلام أو بعده حسب التفصيل السابق .
مثال ذلك :
مأموم نسي أن يقول " سمع الله لمن حمده " وهو واجب ، ولم يفته شيء من الصلاة ـ أي لم يفته ركن ـ فلا سجود عليه ، فإن فاتته ركعة أو أكثر قضاها ثم سجد للسهو قبل السلام
.رسالة سجود السهو الصغيرة / للعثيمين / ص : 12 / بتصرف . oفائدة :
ــــــــ
ـ إذا اجتمع على المصلي سهوان ، موضع أحدهما قبل السلام ، وموضع الثاني بعده ، فقد قال العلماء : يُغَلَّبُ ما قبل السلام ، فيسجد قبله .ملزمة العثيمين / ص : 14 .
ـ لو قرأ ـ القرآن ـ وهو راكع أو ساجد نسيانًا ، هل يجب أن يسجد للسهو ، أو يسن ؟ .
الجواب : جمهور أهل العلم : لا يرون الوجوب .ا . هـ .
الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 531 .

· ومن كتاب : " القول المبين في أخطاء المصلين " لمشهور حسن سلمان / ص : 142 : 144 :
من أخطاء العوام في الصلاة :
ـ قول بعضهم عند سهوه في الصلاة ، في سجود السهو :
" سبحان من لا يسهو ولا ينام " .
ولا يوجد لهذا القول أصل يعتمد عليه في الشرع .

ـ قال صاحب السنن والمبتدعات / ص : 74 ، 75 :
" ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذِكْر خاص لسجود السهو ، بل أذكاره كسائر أذكار سجود الصلوات " .
وأما ما يقال من أنه يقول فيه " سبحان من لا يسهو ولا ينام " فلم يفعله النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولا أصحابه ، ولم يدل عليه دليل من السنة أَلْبتَّة ، وإنما هو منام رآه بعض كبار مخرفي الصوفية ، فلا تلتفتوا إليه ، وخذوا دينكم من كتب السنة الصحيحة ، وما عداه فردوه إلى قائله ، ثم إثبات هذا في المؤلفات ، وجعله دينًا وشرعًا ، ضلال كبير وفساد عريض .

ـ ومن الأخطاء التي تقع لبعض المصلين ـ في الحالة التي ينبغي عليهم أن يسجدوا بعد السلام ـ " تركه حال نسيانه " .
فمن الفقهاء من قال : إذا طال الفصل لم يسجد ، ولم يَبْنِ ، ولم يحدّ هؤلاء طول الفصل لغير قولهم .

وقيل : يسجد ما دام في المسجد ، فإن خرج انقطع .
وقيل : كل منهما مانعٌ من السجود : طول الفصل ، والخروج من المسجد .
وعن أحمد رواية : أنه يسجد ، وإن خرج من المسجد وتباعد ، وهذا هو الأظهر ، فإن تحديد ذلك بمكان أو بزمان لا أصل له في الشرع ، وقاله شيخ الإسلام . ا . هـ .
 

oتعقيب :
ـــــ
*إذا سها المصلي عن سجود السهو وحصل فصل أو نقض للوضوء :
أ ـ إذا وقع فصل طويل ـ مالم ينتقض الوضوء ـ فللعلماء فيه قولان :
الأول : يستأنف ـ أي يعيد ـ الصلاة من جديد :
وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
قالوا : لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل كما لو انتقض وضوؤه .

الثاني : يبني على صلاته ويسجد للسهو ما لم ينتقض الوضوء :
ـ وهو قولٌ لمالك ، والقديم للشافعي ، وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري ، والليث ، والأوزاعي
وابن حزم ، وابن تيمية إلا أنه خصه بما كان بعد السلام .
خصه : أي خص هذا الحكم بسجود السهو الذي بعد الصلاة وسهي عنه.
ـ قالوا : لأن طول الفصل ليس له حد منضبط ، وقد سَلَّمَ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ساهيًا وتكلَّم ، وراجع وخرج من المسجد ودخل بيته ، ثم عرف فخرج ، فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين .
ولأنه مأمور بإتمام صلاته وسجوده للسهو فوجب ، لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
"
مَن نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 684 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

ـ قلت - أي صاحب الكتاب - : وهذا مذهب قوي ، لكن من أراد أن يحتاط لنفسه فيعيد الصلاة ، فله ذلك . والله أعلم .
ب ـ إذا انتقض وضوؤه بعد ما سَلَّم من صلاته الناقصة ، بطلت صلاته بالاتفاق .
فإن كان سها عن السجود ـ بعد السلام ـ لزيادة في صلاته ، جاز أن يسجدها وإنْ حصل حدث - نقض للوضوء - لأنهما ترغيم للشيطان كما قال ابن تيمية .
قلت : يعني يتوضأ ويسجد للسهو . وهذا قوي ومتجه .
صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 466 .

· حكم متابعة الإمام في الخطأ مطلقًا :
ـ الأمر فيه خلاف ، ولكن نورد ما ترجح لدينا مدعم بأقوال العلماء :من شريط الأسئلة المصرية / رقم : 2 / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :
ـ سؤال :
أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
" أن الإمام إذا قام إلى الركعة الخامسة ـ سهوًا ـ فعلى المأمومين عدم المتابعة " .
فهل هذا مُعارض لحديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في الصحيحين : أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " صلى الظهر خمسًا " ـ وتابعه الصحابة ـ .
ـ فأجاب الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :
* لا أشك في ذلك ، ونحن نعرف أن هذا الرأي يُفتي به كثير من العلماء .
نحن نتمنى أن نسمع دليلًا لهذا الرأي حتى نقيمَ له وزنًا . ولكن فيما علمتُ لم نجد له
دليلًا ، بل وجدنا العكس ، وهو ما أشرت إليه من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ . ولعله من المناسب أن نُذَكِّر الحاضرين بحديث ابن مسعود حتى يتبين لهم الموضوع ، لأن السؤال كان مُجْمَلًا .
* حديث ابن مسعود كما في الصحيحين :
- صَلَّى بنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَمْسًا، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، أزِيدَ في الصَّلَاةِ، قالَ: وما ذَاكَ؟ قالوا:صَلَّيْتَ خَمْسًا، قالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أذْكُرُ كما تَذْكُرُونَ وأَنْسَى كما تَنْسَوْنَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 572 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر=


* انتهت القصة إلى هنا . والذين يقولون بأن الإمام إذا قام إلى الخامسة لا يُتَابَع ، يقولون :
" إن هذه الحادثة كانت في وقت لمَّا يتمّ فيه التشريع بعد "
* ونحن نقول جوابًا عن هذا الإشكال أو هذا الجواب :
لو أن الأمر كان كذلك لَبَيَّنَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حُكم هذه المسألة إذا ما وقعت بعد تمام التشريع ، أي بعد نزول قوله تعالى "
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" المائدة : 3.
أما والنبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قد مات وارتفع إلى الرفيق الأعلى دون أن يأتيَ بشيءٍ جديد يُعَدِّل ما فعل أصحابُه معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، الجوابُ الذي حكيناه آنفًا عن أولئكَ الناس ، مردود ، مرفوض ، وبخاصة أنه يوجد لدينا دليلٌ عامٌّ يأمُرُنا فيه رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أن نتابع الإمام متابعةً تامَّةً كاملَةً ، ولا علينا بعد ذلك أصاب أم أخطأ ، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام :
" إنَّما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به ، فلا تختلفوا عليه " .
والحديث تمامه معروف :
" فإذا كبَّرَ فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا ، وإذا صلى قاعدًا أو جالسًا ، فصلوا قعودًا أو جلوسًا أجمعين " .
فنحن نلاحظُ في هذا الحديث أن النبيَّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، جَعَل مِنْ تمامِ الائتمام بالإمام
أن يدعَ المؤتمُّ ما يجبُ عليه أصلًا أن يتحققَ به وإلا كانت صلاتُهُ باطلةً ، ألا وهو : القيام بالنسبة للمستطيع للقيام ، فوجدنا الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح ، قد أسقط هذا الركنَ عن المستطيع له ، لا لشيءٍ إلا تحقيقًا لتمام القدوةِ منه لإمامِهِ ، وعدم التظاهر عليه بمخالفته .
وإذ الأمر كذلك ، فنحن نأخذ من هذا تنبيهًا عظيمًا جدًّا ، أنه إذا قام الإمامُ ساهيًا إلى ركعةٍ خامسة ، فلماذا نقول : لا نتابعه ؟
لأنهم يَرْجعُون إلى الأصل ، وهو أنه من قام إلى الخامسة وهو ذاكرٌ ، فقد بَطُلَتْ صلاتُهُ ، ذلك لأن ـ كما يقولون فـي بعض البلاد " الزائد أخو الناقص " . فَمَنْ صلى المغرب ركعتين عامدًا ، فصلاته باطلة . ومن صلى الرُّباعية خمسًا ، فإذًا صلاته باطلة . فهم يقولون إذا قام الإمام ساهيًا إلى الخامسة ، والمقتدِي ذاكر ، فلا ينبغي أن يتابعه .
ـ نحن نقول :
لا ! بل عليه أن يتابعه بعد أن يُذَكِّرَهُ ، وأن يفتحَ عليه كما هي السنة .فإذا لم يتبيَّن للإمام أنه في الخامسة ، فهو بطبيعة الحال ، لا يرجع ، فينبغي علينا أن نتابعه كما تابعناه فيما هو تَرْكٌ مِنَّا لركن من أركان الصلاة ، وترك ركن من أركان الصلاة مبطلٌ للصلاة ، والقيام إلى الخامسة عمدًا أيضًا مبطلٌ للصلاة ، ولكن الذي رفع الإبطال أيضًا في القضية أو في الصورة الأولى ، هو الذي يرفع الإبطال أيضًا في القضية الأخرى .
ولذلك فمع احترامنا وتقديرنا لإمامنا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لكننا نقول بصراحة : إننا لسنا تيميِّين ، ولو أردنا أن نكون تيميِّين ، أنا شخصيًا لكنتُ من الحنفيين ، خاصة وأن آبائي وأجدادي كذلك كانوا مذهبيّين ، ولكن لمَّا نُبِّهنا بفضل السنة على أنه يجب بل لا يجوز للمسلم أن يُؤْثِر قولَ أحدٍ على ما جاء في الكتاب والسنة ، لذلك نَدَعُ رأي " ابن تيمية " له معتقدين أنه مأجور على كل حال ، لكن لا يجوز لنا بأي حال أن نقلده وأن نُعْرِضَ عن الأدلة الشرعية التي لَفَتْنا النظر إليها آنفًا . ا . هـ .
وقال الشيخ العثيمين في : الشرح الممتع / ج : 3 / ص : 524 :
"... والواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام . وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال
" إنَّما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به ، فلا تختلفوا عليه " .
متفق عليه / من حديث أبي هريرة .

خلاصة فقه سجود السهو


· مشروعية سجود السهو :
يشرع سجود السهو إما وجوبًا أو استحبابًا لزيادة ونقص وشكٍّ سهوًا في صلاة الفرض وفي صلاة النفل بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود .

· حقيقة سجود السهو :
سجود السهو : عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبر الخلل الحاصل في صلاته من أجل السهو .
وأسباب السهو ثلاثة : الزيادة ، النقص ، الشك .

· هل لسجود السهو تكبير أو تسليم أو قيام ؟
نعم ، لسجود السهو تكبير وتسليم ، ولكن ليس له قيام .

· إذا تكرر السهو للمصلي في نفس الصلاة ، فإنه لا يلزمه إلا سجدتان فقط .

· عند ترك ركن من أركان الصلاة سهوًا ، يؤتَى بالركن ، ويُسْجَد للسهو بعد السلام .

·
عند ترك واجب من واجبات الصلاة سهوًا ، وذُكِرَ بعد مفارقة محله قبل الوصول إلى الركن الذي يليه ، رُجِعَ فَأُتِيَ به ، وبعد تمام الصلاة ، يسلم ثم يُسْجَد للسهو ، ثم يُسَلَّم
وإن ذُكِرَ بعد الوصول إلى الركن الذي يليه ، سقط الواجب ، وبعد تمام الصلاة ، يسجد للسهو قبل التسليم .
أما إذا ذُكِرَ قبل مفارقة محله من الصلاة ، أُتِيَ به ، ولا شيء عليه .
· عند ترك سنة من سنن الصلاة سهوًا ، سقطت السنة ، ويُسْتَحَبّ السجود للسهو .

· موضع سجود السهو :
ـ ما كان للزيادة ؛ فهو بعد السلام .
ـ ما كان عن نقص ؛ فهو قبل السلام .
ـ ما كان عن شكٍّ :
* فما بُنِيَ فيه على غالب الظن ؛ فهو بعد السلام .
* وما بُنِيَ فيه على اليقين ؛ فهو قبل السلام .
ـ إذا اجتمع على المصلي سهوان ، موضع أحدهما قبل السلام ، وموضع الثاني بعد السلام ، يُغَلِّب ما قبل السلام ، فيسجد قبله .

· إذا سها الإمام : وجب على المأموم متابعته في سجود السهو ، سواء سها المأموم أم لم يسه . وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده .
· إذا سها المأموم خلف إمامه : فالإمام يحمل عن المأموم سهوه ، وليس على المأموم سجود للسهو .
· حكم متابعة الإمام في الخطأ سهوًا مطلقًا :
الأمر فيه خلاف ، ولكن تبعًا للحديث
" إنَّما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به ، فلا تختلفوا عليه " . فإن الإمام يُتابع مطلقًا .

* * * * *

تذييل

من أسباب السهو في الصلاة ، عدم الخشوع فيها .
والخشوع هو : قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل .
ومحل الخشوع : في القلب . وثمرته : على الجوارح .
فالخشوع في الصلاة يشمل كل كيان العبد : القلب ، والسمع ، والبصر ، والعظم ، والعصب .
ولهذا ؛ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول في ركوعه "
اللَّهُمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، " .رواه مسلم / 771 .
من رسالة : مرضاة الله في الخشوع في الصلاة / ص : 24 .

لذلك حث الشرع على الخشوع في مواضع كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها :
قوله تعالى "
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" .سورة المؤمنون / آية : 1 ، 2 .
وقوله تعالى "
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا". سورة الإسراء / آية : 109 .
وقوله تعالى "
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَظ°هَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " . سورة طه / آية : 14 .
والغفلة تضاد الذكر .
وقوله تعالى "
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ غ› فِيهِ غ› هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " . سورة البقرة / آية : 2 ، 3 .
لم يقل سبحانه : يفعلون الصلاة ، أو يأتون الصلاة ، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة .
فإقامة الصلاة : إقامتها ظاهرًا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها .
وإقامتها باطنًا : بإقامة روحها ، وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقوله ويفعله منها .
فالصلاة مناجاة للرب سبحانه وتعالى .
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :صلى بنا رسول الله "
صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الظهرَ فلما سلَّم نادى رجلًا كان في آخرِ الصُّفوفِ فقال يا فلانُ ألا تتَّقي اللهَ ألا تنظرُ كيف تُصلِّي إنَّ أحدَكم إذا قام يصلِّي إنما يقوم يُناجي ربَّه فلْينظرْ كيف يناجيه إنكم ترون أني لا أراكم إني واللهِ لَأَرى من خلفِ ظهري كما أرى من بين يديَّ"صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / حديث رقم : 541 / ص : 353 .
والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألْبتة .
ـ عن يزيد بن خالد الجُهَني ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال
"إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ مَن توضَّأَ فأحسنَ وضوءَه ثُمَّ صلَّى رَكعَتينِ لا يسهو فيهِما غُفِرَ لَه ما تقدَّمَ مِن ذَنبِهِ" رواه أبو داود . صحيح الترغيب والترهيب / كتاب الصلاة / حديث رقم : 387 / ص : 228 .
ـ عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول "خمسُ صلواتٍ افترضَهن اللهُ عز وجل ، مَن أحسنَ وُضُوءَهن ، وصلاَّهن لوقتِهن ، وأتمَّ ركوعَهن وسجودَهن وخشوعَهن ؛ كانَ له على اللهِ عهدٌ أن يغفرَ له ، ومن لم يفعلْ ؛ فليس له على اللهِ عهدٌ ، إن شاءَ غفرَ له ، وإن شاءَ عذَّبَه" الراوي : عبادة بن الصامت- المحدث : الألباني - المصدر : صفة الصلاة-الصفحة أو الرقم: 35 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
ـ عن عقبةَ بن عامرٍ ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال "
ما من مسلمٍ يتوضأ فيُسبِغُ الوضوءَ ، ثم يقومُ في صلاتِه ، فيعلمُ ما يقول ، إلا انفتَل ، و هو كيومِ ولدَتْه أمُّه " .
رواه الحاكم . صحيح . صحيح الترغيب والترهيب / كتاب : الصلاة / حديث رقم : 544 / ص : 289 .الدرر =
"إذا أتيتَ أَهلَ مصرِكَ فأخبرْهم أنِّي سمعتُ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِهِ العبدُ المسلمُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ المَكتوبةُ فإن أتمَّها وإلَّا قيلَ انظروا هل لَهُ من تطوُّعٍ فإن كانَ لَهُ تطوُّعٌ أُكمِلتِ الفريضةُ من تطوُّعِهِ ثمَّ يفعلُ بسائرِ الأعمالِ المفروضةِ مثلُ ذلِكَ"الراوي : أنس بن حكيم الضبي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 1180 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر=



ـ عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول"إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها ، نِصفُها"الراوي : عمار بن ياسر - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 796 - خلاصة حكم المحدث : حسن= الدرر =

286 .
عُشرُ صلاتِهِ : أي عُشر ثوابها لما أخَلّ بالخشوع والخضوع وغير ذلك .
والمعنى : أن الرجل قد ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا عُشر ثوابها أو تُسْعها ..... .
oفلننتبه :
ـــــــ
ما أكثر من يُصلي من عشرات السنين ، ولكن لا يُقيم الصلاة لذكر الله عز وجل ، ولا ينشغل بها ، بل قد ينصرف من صلاته وما كتب له من ثوابها شيء ، ولا يشعر بالسكينة والطمأنينة بين يدي الله تعالى ، ولذة مناجاته سبحانه ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول " جُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة " .
رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / حديث رقم : 537 .

وغالب المسلمين اليوم ؛ قُرة أعينهم الدنيا بما فيها من مُتَعٍ ، وملذات ، ليسأل كلٌّ منا نفسه : هل يشعر في وقت ما بالشوق للوقوف بين يدي الله تعالى للصلاة ، والتقرب إليه سبحانه ومناجاته ؟ !
ما هو السبيل لتحصيل لذة الصلاة والخشوع فيها ؟
الخشوع يزيد وينقص بحسب الأسباب الجالبة له ؛ ولا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة ، فالدواء في إحضار القلب ؛ هو دفع تلك الخواطر ، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه .
وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرًا خارجًا أو أمرًا في ذاته باطنًا .
أما الخارج ، فما يقرع السمع ، أو يظهر للبصر ..... .
ومَنْ قويت نيته ، وعلت همته ، لم يلهه ما جرى على حواسه ، وعلى المرء أن يعين نفسه باختيار مكان ليس فيه ما يشغله في صلاته .
ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليستعين بها على الآخرة ، فلا يطمعنَّ في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة .
وهمة الرجل مع قرة عينه ، فإن كانت قرة عينه في الدنيا ، انصرف لا محالة إليها همُّهُ ، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ، وَرَدّ القلب إلى الصلاة والتغلب على الأسباب الشاغلة .
فمن الأسباب المعينة على الخشوع :
( 1 ) حضور القلب :
ومعناه ، تفريغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به ، ولا يكون الفكر جائلًا في غيره .
وحضور القلب سببه الهمة ، فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك ، والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلًا بل جائلًا فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا .
( 2 ) التفهم لمعنى الكلام :
وهو أمر وراء حضور القلب ، فربما يكون القلب حاضرًا مع اللفظ ولا يكون مع معنى اللفظ ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم .
وسبيل ذلك : إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى ، والتشمر لدفع الخواطر .
( 3 ) تعظيم الرب جل جلاله :
التعظيم هو أمر وراء حضور القلب والفهم ، إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ، ومتفهم لمعناه ، ولا يكون معظمًا له ؛ فالتعظيم زائد عليهما .
والتعظيم : هي حالة للقلب تتولد من معرفتين :
إحداهما : معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان .
الثانية : معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبدًا مسخرًا مربوبًا .
( 4 ) الهَيْبَة من الله سبحانه :
الهيبة زائدة على التعظيم ، بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم .
والمخافة من العقرب ، وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة ، بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة ، فالهيبة خوف مصدره الإجلال .

( 5 ) الرجاء في الله :
الرجاء زائد على ما سبق ، فكم من معظم ملِكًا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ، ولكن لا يرجو مثوبته ، والرجاء سببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه ، وعميم إنعامه ، ولطائف صنعه ، ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة ، فإذا حصل اليقين والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة .
والعبد ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته ثواب الله عز وجل ، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل .

( 6 ) الحياء من الله :
الحياء زائد على الجملة لأن مستنده الاستشعار بالتقصير في العبادة ، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل
ويقوي ذلك ؛ المعرفة بعيوب النفس وآفاتها ، وقلة إخلاصها ، وخبث دخيلتها ، وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها ، مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل ، والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت ، وهذه المعارف إذا حَصَلَتْ يقينًا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى " الحياء " .
استئناس :
ورد بـ كتاب : تحفة العلماء بترتيب سير أعلام النبلاء / ص : 323 :
بعض الآثار الواردة في خشوع السلف الصالح منها :
ـ عن عمرو بن دينار قال :
" كان ابن الزبير يصلي في الحِجر ، والمنجنيق يصُبُّ توبه فما يلتفت ـ يعني : لمـا حاصروه " .
التوب : حجر المنجنيق . سير أعلام النبلاء : 3 / 369 .
ـ قال ابن شوذب :
" كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في الصلاة : تحدثوا ؛ فلست أسمع حديثكم " سير أعلام النبلاء : 4 / 512 .

ـ عن أبي العالية قال " كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه ، فأتفقد صلاته ؛ فإن وجدتُه يحسنها أقمتُ عليه ، وإن أجده يضيعها رحلتُ ولم أسمع منه ، وقلتُ : هو لِمَا سواها أضيَع " . سير أعلام النبلاء : 4 / 209 .
الخاتمــــة

نسـأل الله حسـنها
إلى هنا انتهى بحث : فقه سجود السهو .
أقدمه تذكرة لي ولكل مصلٍّ ، قُربة إلى الله .
فإن أكن وُفقت فيه للحق والصواب فذلك ما أردت ، وإن كانت الأخرى ، فأسأل الله أن يغفر لي ويعفو عني .
وأسأل الله العظيم أن يضع لهذا البحث القبول في السماء والأرض ، وأن يجعله لي ولناسخه ولدارسه ولكل من شارك فيه ذخرًا ، "
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" . آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق