فهرس البحوث
#ملزمة_شهر_رمضان الطبعة الثالثة
فهرس البحوث المترجمة
فهرس السبيل إلى دراسة فقه إسلامي صحيح
فهرس تيسير القواعد الفقهية
فهرس شرح القواعد الفقهية
فهرس مدخل لدراسة المعتقد الصحيح
انقسامُ الناسِ بحَسَبِ عَقائدِهم
خلْفَ مَعبوداتِهم ،ثم يضرب الصِّراطُ
من أهل العلم من قال جميع الخلق يمرون
على الصراط. لقوله تعالى "
"وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَّقْضِيًّا" مريم : 71.
ومنهم من
قال: الكفار والمشركون
يدخلون جهنم جماعات قبل نصب الصراط.
قال ابنُ رَجَبٍ: اعلَمْ أنَّ النَّاسَ
مُنقَسِمونَ إلى مُؤمِنٍ يَعبُدُ اللهَ وحدَه ولا شَريكَ به شَيئًا، ومُشرِكٌ
يَعبُدُ مَعَ اللهِ غَيرِه، فأمَّا المُشرِكونَ فإنَّهم لا يَمرُّونَ على
الصِّراطِ إنَّما يَقَعونَ في النَّارِ قَبلَ وضعِ الصِّراطِ .ا.هـ. التخويف من النار
والتعريف بحال دار البوار.ص: 235.
فكُلُّ
فرقةٍ من الكُفَّارِ والمُشرِكينَ تَتبَعُ ما كانت تَعبُدُ في الدُّنيا، فتَرِدُ
النَّارَ مَعَ مَعبودِها، ولا يَبقى بَعدَ ذلك إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ وحدَه في الظَّاهرِ سَواءٌ كان
صادِقًا أو مُنافِقًا من هذه الأمَّةِ وغَيرِها، ثُمَّ يَتَمَيَّزُ
المُنافِقونَ عن المُؤمِنينَ بامتِناعِهم عن السُّجودِ، وكَذلك يَمتازونَ عنهم
بالنُّورِ الذي يُقسَمُ للمُؤمِنينَ . القيامة الكبرى؛ لعمر
الأشقر :ص: 275. ويُنظر: التخويف من النار لابن رجب:ص: 236-239.الدرر
السنية/الموسوعة العقدية.
قال صلى الله عليه وسلم "...... يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ:
مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا
مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ في غيرِ
الصُّورَةِ الَّتي يَعْرِفُونَ ، فيَقولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فيَقولونَ:
نَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، هذا مَكَانُنَا حتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا
أتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ في الصُّورَةِ
الَّتي يَعْرِفُونَ، فيَقولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فيَقولونَ: أنْتَ رَبُّنَا
فَيَتْبَعُونَهُ، ويُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قالَ
رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأكُونُ أوَّلَ مَن يُجِيزُ، ودُعَاءُ الرُّسُلِ
يَومَئذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ...."الحديث. متفق عليه.
قال صلى
الله عليه وسلم" يُجمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ في صَعيدٍ واحدٍ، ثمَّ يَطَّلِعُ
عليهم ربُّ العالمينَ، ثمَّ يقالُ: ألَا تَتَّبِعُ كلُّ أُمَّةٍ ما كانوا يَعبُدون، فيَتمَثَّلُ
لصاحِبِ الصليبِ صَليبُه، ولصاحِبِ الصُّوَرِ صُوَرُه، ولصاحِبِ النَّارِ نارُه،
فيتَّبِعون ما كانوا يَعبُدون، ويَبقَى المسلمونَ، فيطَّلِعُ عليهم ربُّ العالمين،
فيقولُ: ألَا تتَّبِعون
الناسَ؟ فيقولون: نَعوذُ باللهِ منكَ، نَعوذُ باللهِ منكَ، اللهُ ربُّنا،
وهذا مكانُنا حتى نَرى ربَّنا، وهو يَأمُرُهم ويُثبِّتُهم، ثمَّ يَتَوارى، ثمَّ يَطَّلِعُ،
فيقول: ألَا تتَّبِعون الناسَ؟ فيقولون: نعوذُ باللهِ منكَ، نعوذُ باللهِ منكَ، اللهُ ربُّنا، وهذا
مكانُنا حتى نَرى ربَّنا، وهو يَأمُرُهم ويُثَبِّتُهم، قالوا: وهل نراه يا رسولَ اللهِ؟ قال: وهل تُضارُّون في رؤيةِ
القمرِ ليلةَ البدرِ؟ قالوا: لا، قال: فإنَّكم لا تُضارُّون في رؤيَتِه تلك
الساعةَ، ثم يَتوارى، ثمَّ
يَطَّلِعُ فيُعَرِّفُهم نفْسَه، فيقولُ: أنا ربُّكم، أنا ربُّكم، اتَّبِعوني،
فيقومُ المسلمون، ويوضَعُ الصراطُ ،........."
الراوي : أبو هريرة
- المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج المسند لشعيب - الصفحة أو الرقم: 8817
- خلاصة حكم المحدث : صحيح.
ولصاحِبِ الصُّوَرِ صُوَرُه : والمقصودُ بالصُّوَرِ
والتَّصاويرِ كُلُّ مَعبودٍ كانَ على هَيئَةٍ مُصوَّرةٍ مِثلُ الأصنامِ وغيرِها.
"فيَتَّبِعون ما كانوا يَعْبُدون"، أي: يَنقسِمُ الناسُ
أقسامًا بحَسَبِ عَقائدِهم خلْفَ مَعبوداتِهم التي كانتْ لهم في الدُّنيا، "ويَبْقى المُسلِمون" لا
يَتَّبِعون أحدًا مِن تلك المَعبوداتِ الباطلةِ، وهم يَنتَظِرون ربَّهم اللهَ
الحقَّ الذي يَعرِفُونه بعَلاماتٍ وأماراتٍ علَّمها لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ،
"فيَطَّلِعُ
عليهم ربُّ العالَمينَ، فيقولُ:
ألَا تتَّبِعون الناسَ؟" أي: تَذْهَبون معهم خلْفَ واحدٍ مِن هذه المَعبوداتِ؟
"فيَقولونَ:
نَعوذُ باللهِ منك، نَعوذُ باللهِ منك"، أي: نَلْتَجِئُ
بالدُّعاءِ إلى اللهِ أنْ يَحْمِيَنا مِن هذا القولِ. "وهو
يأْمُرُهم ويُثَبِّتُهم"، قِيل: إنَّما اسْتَعاذوا منه أوَّلًا؛
لأنَّهم اعْتَقَدوا أنَّ ذلك الكلامَ اسْتِدراجٌ؛ لأنَّ اللهَ لا يَأمُرُ
بالفَحشاءِ، ومِن الفَحْشاءِ اتِّباعُ الباطلِ وأهْلِه.الدرر السنية.
قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه
الله:
"وَمِنْ ذَلِكَ
أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُيِّزُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
بِالسُّجُودِ، قَالَ اللَّهُ" يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ
إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ
ذِلَّةٌ "القلم: 43 .
وَذَلِكَ
أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ، خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا،
وَدُعِيَ الْمُنَافِقُونَ إِلَى السُّجُودِ ، فَأَرَادُوهُ ، فَلَمْ
يَسْتَطِيعُوا، حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، عُقُوبَةً لِتَرْكِهِمُ
السُّجُودَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ" وَقَدْ
كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ" القلم: 43 ؛ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا،
"وَهُمْ سَالِمُونَ "القلم: 43.- أي سالمون - مِمَّا حَدَثَ فِي ظُهُورِهِمْ، مِمَّا حَالَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السُّجُودِ" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة"
:1/ 296..الإسلام سؤال وجواب.
عظم شأن الصلاة في الآخرة:
فقد ورد في الحديث الطويل "إذَا أرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَن أرَادَ
مِن أهْلِ النَّارِ، أمَرَ اللَّهُ المَلَائِكَةَ: أنْ يُخْرِجُوا مَن كانَ
يَعْبُدُ اللَّهَ، فيُخْرِجُونَهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بآثَارِ السُّجُودِ،
وحَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ
مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ،
فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتَحَشُوا فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ،
فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ...." الراوي : أبو هريرة وأبو سعيد الخدري -صحيح البخاري.
"إنَّ
حَوْضِي لأَبْعَدُ مِن أيْلَةَ مِن عَدَنٍ والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَذُودُ
عنْه الرِّجالَ كما يَذُودُ الرَّجُلُ الإبِلَ الغَرِيبَةَ عن حَوْضِهِ قالوا: يا
رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟ قالَ: نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن
آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ." الراوي : حذيفة بن اليمان - صحيح مسلم.
الصراط :
إنَّ من
أُمور الغيبِ التي تقعُ في ذلك اليومِ ويجبُ الإيمانُ بها: الصراط، وهو جسرٌ
مَمدودٌ على مَتْنِ جهنم، يَرِدُهُ الأولون والآخرون، وهو طريقُ أهلِ المحشرِ
لدخولِ الجنةِ، وقد دلَّت الأدلةُ من الكتابِ والسُّنةِ على إثباته، قال تعالى" وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
جِثِيًّا "مريم: 71، 72، فقد ذهبَ أكثرُ المفسِّرين أنَّ المقصود بوُرودِ النار هُنا: المرور على الصراط، وهو
منقولٌ عن ابنِ مسعود وابن عباس وغيرهما.
وهذا الجسر أو الصراط مظلم شديد الظلمة؛
ويدل على ذلك : سأل يهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيْنَ يَكونُ النَّاسُ
يَومَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسَّمَوَاتُ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ قالَ: فمَن أوَّلُ النَّاسِ إجَازَةً؟ قالَ: فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ ..." الحديث . الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى
الله عليه وسلم -صحيح مسلم .
فدَلَّ ذلك على أن العبور على الصراط
يكون في ظلام إلا من أعطاه الله تعالى نورًا يمشي به.
وأهل النفاق يُطفأ نورهم قبل بدء المرور على الصراط ويحال بينهم وبين المؤمنين بسور، كما قال تعالى" يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ
لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا
وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ
وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * "الحديد:13، 14.
المنافقون لا يمرون على الصراط مرورا
كاملًا ويتجاوزنه كالمؤمنين، وإنما إذا توسطوا على الصراط يعطون نورًا، ثم يطفأ
النور فيقولون للمؤمنين
"انتظرونا نستضئْ من نوركم، فتقول لهم الملائكة -على وجه السخرية منهم-:
ارجعوا وراءكم فاطلبوا نورًا، فَفُصِل بينهم بسور له باب، باطنه مما يلي المؤمنين
فيه الرحمة، وظاهره مما يلي المنافقين من جهته العذاب". "التفسير
الميسر" 1/ 539.
قال الحسنِ البصري، أنه كان إذا قرَأ:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ. قال "يُلْقَى على كلِّ مؤمنٍ ومُنافقٍ نورٌ يَمْشون به، حتى إذا انتَهَوا
إلى الصراطِ، طُفِيء نورُ المنافقين، ومضَى المؤمنون بنورِهم، فيُنادُونهم: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إلى قوله: وَلَكِنَّكُمْ
فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ"الحديد: 13، 14. قال الحسنُ: فتلك خَدِيعَةُ اللَّهِ إياهم". "تفسير
الطبري" 7/ 612.
قال صلى الله عليه وسلم "يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ ......إلى، أن قال : فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم،
وقال : فمنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ، ومنهم مَن يُعْطَى
نُورَه فوقَ ذلك، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ، ومنهم مَن
يُعْطَى دون ذلك بيمينِه، حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه،
يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفِئُ مَرَّةً، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه، وإذا طَفِئَ قام،
قال فيَمُرُّ ويَمُرُّونَ على الصراطِ، والصراطُ كحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضٌ،
مَزَلَّةٌ، فيُقالُ لهم، امْضُوا على قَدْرِ نورِكم، فمنهم مَن يَمُرُّ كانْقِضاضِ
الكوكبِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَن
يَمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ ، يَرْمُلُ رَمَلًا، فيَمُرُّونَ على قَدْرِ أعمالِهِم،
حتى يَمُرَّ الذي نورُه على إبهامِ قَدَمِه، تَخِرُّ يَدٌ، وتَعْلَقُ يَدٌ،
وتَخِرُّ رِجْلٌ، وتَعْلَقُ رِجْلٌ، وتُصِيبُ جوانبَه النارُ فيَخْلُصُونَ، فإذا
خَلَصُوا قالوا : الحمدُ للهِ الذي نَجَّانا منكِ بعدَ أن أَرَانَاكِ، لقد أعطانا
اللهُ ما لم يُعْطَ أَحَدٌ"خلاصة حكم المحدث : صحيح -
الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية.
"فيُعْطَون نُورَهم على قدْرِ أعمالِهم" التي كانوا يَعمَلونها في الدُّنيا؛ حتى يَستطِيعوا
المُرورَ على الصِّراطِ، "فمِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ الجبَلِ بيْن يدَيْه"، أي: في سَعتِه وارتفاعِه، فيكونُ هذا النُّورُ أمامَهم
مُضيئًا لهم على الصِّراطِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه فوقَ ذلك"، أي:
يكونُ نُورُه أكبَرَ مِن الجَبلِ، "ومِنهم مَن يُعْطى نُورَه مِثلَ النَّخلةِ
بيَمينِه"، أي: عَمودًا
مِن النُّورِ مِثلَ النَّخلةِ في يَدِه اليُمنى، "ومِنهم مَن يُعطَى دونَ ذلك بيَمينِه، حتى
يكونَ آخِرُ ذلك مَن يُعْطى نُورَه على إبهامِ قدَمِه؛ يُضِيءُ مرَّةً، ويُطفِئُ
مرَّةً، فإذا أضاء قدَّمَه، وإذا طفِئَ قام"، أي: ليس نورًا ثابتًا في الإضاءةِ، فإذا أضاء هذا النُّورُ
الذي هو على إبهامِه مَشى على الصِّراطِ، وإذا طُفِئَ وقَفَ، ولم يمُرَّ حتى
يُضِيءَ مرَّةً أُخرى، فيَمُرَّ على الصِّراطِ، وهذا النُّورُ إنما هو على قدْرِ
ما كانوا عليه في الدُّنيا مِن الأعمالِ الصالحةِ والخيرِ، "قال: فيَمُرُّ ويَمُرُّون على الصِّراطِ"، أي: يَجتازُ الصِّراطَ مَن كان نُورُه على قدْرِ إبهامِه
ومَن كانوا أكثَرَ منه نُورًا. وصِفةُ هذا
الصِّراطِ: أنَّه "كحَدِّ السَّيفِ" في رِقَّتِه وحِدَّتِه، "دَحْضٌ مَزَلَّةٌ" والدَّحضُ والمَزلَّةُ بمعنًى واحدٍ؛ وهو الموضعُ الذي
تَزِلُّ فيه الأقدامُ ولا تَستقِرُّ، ثم يُقال لمَن يَمُرُّ مِن فوقِه: "امْضُوا على قدْرِ نُورِكم"، أي: انْجُوا ومُرُّوا عليه على قدْرِ هذا النُّورِ الذي
أخَذْتُموه. فمِن الناسِ مَن يمُرُّ عليه "كانقِضاضِ الكوكبِ"، أي: كسُقوطِه، وفي هذا إشارةٌ إلى سُرعتِه، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالرِّيحِ"، أي: كسُرعةِ الرِّيحِ، "ومِنهم مَن يمُرُّ كالطَّرْفِ،"، أي: كسُرعةِ طَرْفِ العَينِ، "ومِنهم مَن يمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ،
ويَرمُلُ رمَلًا"،
أي: يَسيرُ في خُطواتٍ مُتقارِبةٍ، "فيمُرُّون على قدْرِ أعمالِهم، حتى يمُرَّ
الذي نُورُه على إبهامِ قَدَمِه: تَخِرُّ يَدٌ، وتَعلَقُ يَدٌ، وتَخِرُّ رِجلٌ،
وتَعلَقُ رِجلٌ"،
أي: فيمُرُّ مِن على الصِّراطِ، فيَسيرُ على قدْرِ هذا النُّورِ؛ فتَضرِبُه النارُ
مرَّةً، ويَسِيرُ مرَّةً، وتَسقُطُ إحدى يَدَيْه ويُمسِكُ بالأُخرى، "وتُصِيبُ جَوانِبَه النارُ"، أي: تَلسَعُ النارُ جانِبَيْه، "فيَخلُصُوا، فإذا خَلَصوا قالوا: الحمْدُ
للهِ الذي نجَّانا منكِ بعدَ الذي أراناكِ، لقد أعْطَانا اللهُ ما لم يُعطِ أحدًا"، أي: فإذا تَحقَّقوا أنَّهم قد نَجَوا منها يَحمَدون اللهَ
عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمةِ العظيمةِ، ويَتصوَّرون أنَّ أحدًا مِن الناسِ لم
يفُزْ بمِثلِها؛ وهذا مِن شِدَّةِ الأهوالِ التي وُصِفَت، وشِدَّةِ الخوفِ مِن
السُّقوطِ والخُلودِ في النارِ. الدرر السنية.
"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"النساء: 115. أي نكله في الآخرة إلى
ما اتكل عليه في الدنيا وانتصر به من الأوثان وغيرها. وأصل الصلى: إيقاد النار
ولزومها وقت الاستدفاء.
الميزان
إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم يوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
الْمِيزَانُ لُغَةً: مَا تُقَدَّرُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، خِفَّةً وَثِقَلًا.
وَشَرْعًا: هُوَ مِيزَانٌ حَقِيقِيٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ يَضَعُهُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِيزَانٌ دَقِيقٌ، لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَلَا يَقْدِرُ قَدْرَ هَذَا الْمِيزَانِ إِلَّا اللَّهُ -سُبْحَانَهُ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّهُ
حَقٌّ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَأَقْوَالُ
السَّلَفِ: قَالَ -تَعَالَى"وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"الْأَنْبِيَاءِ: 47؛ وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: "وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ"الْأَعْرَافِ: 8، 9.
والحمدُ للهِ تَملَأُ الميزانَ:، أي: إنَّها تُوزنُ وتَملأُ الميزانَ بالأجرِ والثَّوابِ، فتُرَجَّحُ كِفَّتُها، وذلك يومَ القيامةِ يومَ تُوزَنُ أعمالُ العبادِ، ويُجازي عليها اللهُ عزَّ وجلَّ، والميزانُ الذي تُوزَنُ به الأعمالُ يَومَ القيامةِ ميزانٌ حَقيقيٌّ لا يُشبِه مَوازينَ الخَلقِ، وهو من أُمورِ الغَيبِ التي يَجِبُ الإيمانُ بها.الدرر السنية.
والعملُ الصالحُ لا يكون صالحًا على الحقيقة إلا بالتوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا بالطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة أفسدها، كما أن الحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها، وإذا دخل في الصلاة أبطلها، كما قال -تعالى"لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك"الزمر:65.
وهذا مِمَّا يدل على أن الشركَ لا تنفعُ معه الحسنات مهما كثرت؛ ولذلك قالت عائشة -رضي اللهُ عنها : قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ - سلى الله عليه وسلم " لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ". صحيح مسلم.
والمراد بالخطيئة: الشرك؛ لأنه مات كافرًا. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلام.
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى .
قال صلى الله عليه وسلم" إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ :فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
ينقسم الناس عند الميزان إلى:
القسم الثاني: مَنْ رجحت سيئاته على حسناته:
وهذا وإن كان مسلمًا دخل النار، وهو تحت مشيئة الله عز وجل، إن شاء الله غفر
له، وإن شاء عذبه، ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة، وإن دخل النار، لا
يخلد فيها، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات على الإسلام لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، وقد يدخل النار على قدر تلك الذنوب وقد يغفرها الله له إذا شاء، قال سبحانه" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"النساء:48.
" مَن مَاتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ. وقُلتُ أنَا: مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ." الراوي : عبدالله بن مسعود- صحيح البخاري.
حَقيقةُ الشِّركِ المُوجِبِ لدُخولِ النارِ:
اتِّخاذُ النِّدِّ مع اللهِ؛ سَواءٌ كان هذا النِّدُّ في الرُّبوبيَّةِ أو
الأُلوهيَّةِ.
ولَمَّا كان الشركُ باللهِ ضِدَّ الإيمانِ بِه؛ قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه: مَن ماتَ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا دخَلَ الجنَّةَ، يعني: مَن
ماتَ وهو مُؤمنٌ باللهِ مُوحِّدٌ له؛ فهذه خَصْلةُ الإيمانِ التي تُوجِبُ
له الجَنَّةَ فيَدخُلُها؛ لأنَّ المُوحِّدِينَ لا بُدَّ لهم مِن دُخولِ
الجنَّةَ آخِرَ الأمرِ؛ فمَنْ كانتْ عليه ذُنوبٌ فإمَّا أنْ يَعفوَ اللهُ
عنه دونَ حِسابٍ، أو يُحاسِبَه على ما قدَّم ثمَّ يُدخِلَه الجَنَّةَ.الدرر السنية.
وقسمٌ ثالثٌ
تتساوى حسناتهم وسيئاتهم، فلا
تزيد كفة الحسنات ولو بحسنةٍ واحدةٍ، ولا تزيد كفة السيئات ولو بسيئةٍ
واحدةٍ، هؤلاء هم أهل الأعراف؛ يكونون في مكانٍ عالٍ مرتفعٍ يرون النار
ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله، وفي النهاية يدخلون الجنة برحمة أرحم
الراحمين. وهذا من تمام عدل الله : أنهم لا يتساوون مع أهل الجنة الذين
ثقلت كفة حسناتهم في دخول الجنة، بل يتأخرون عنهم كما ذكر الله تعالى شأنهم
في سورة الأعراف:
"وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى
الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ
يَطْمَعُونَ " 46 "وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" 47 "وَنَادَى
أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا
أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ "48" أَهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ "49.
فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا، وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين، وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.