الميزان
إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم يوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
الْمِيزَانُ لُغَةً: مَا تُقَدَّرُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، خِفَّةً وَثِقَلًا.
وَشَرْعًا: هُوَ مِيزَانٌ حَقِيقِيٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ يَضَعُهُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِيزَانٌ دَقِيقٌ، لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَلَا يَقْدِرُ قَدْرَ هَذَا الْمِيزَانِ إِلَّا اللَّهُ -سُبْحَانَهُ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّهُ
حَقٌّ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَأَقْوَالُ
السَّلَفِ: قَالَ -تَعَالَى"وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"الْأَنْبِيَاءِ: 47؛ وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: "وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ"الْأَعْرَافِ: 8، 9.
الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها "الراوي : أبو مالك الأشعري- صحيح مسلم.
والحمدُ للهِ تَملَأُ الميزانَ:، أي: إنَّها تُوزنُ وتَملأُ الميزانَ بالأجرِ والثَّوابِ، فتُرَجَّحُ كِفَّتُها، وذلك يومَ القيامةِ يومَ تُوزَنُ أعمالُ العبادِ، ويُجازي عليها اللهُ عزَّ وجلَّ، والميزانُ الذي تُوزَنُ به الأعمالُ يَومَ القيامةِ ميزانٌ حَقيقيٌّ لا يُشبِه مَوازينَ الخَلقِ، وهو من أُمورِ الغَيبِ التي يَجِبُ الإيمانُ بها.الدرر السنية.
ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"خلاصة حكم المحدث : صحيح -الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.
والعملُ الصالحُ لا يكون صالحًا على الحقيقة إلا بالتوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا بالطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة أفسدها، كما أن الحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها، وإذا دخل في الصلاة أبطلها، كما قال -تعالى"لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك"الزمر:65.
وهذا مِمَّا يدل على أن الشركَ لا تنفعُ معه الحسنات مهما كثرت؛ ولذلك قالت عائشة -رضي اللهُ عنها : قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ - سلى الله عليه وسلم " لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ". صحيح مسلم.
والمراد بالخطيئة: الشرك؛ لأنه مات كافرًا. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلام.
ملتقى الخطباء/أحمد بن محمد العتيق.
والحديثُ في حُكمِ انتفاعِ الكافِرِ بأعمالِه الصَّالِحةِ في الآخِرةِ، وأمَّا في الدُّنيا فقد رَوَى مُسلِمٌ في صحيحِه عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مؤمِنًا حسنةً، يُعطى بها في الدُّنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرةِ، لم تَكُنْ له حسنةٌ يُجْزى بها".الدرر السنية.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَظيمَ عَدلِ
اللهِ سُبحانَه وأنَّه لا يَظلِمُ النَّاسَ شيئًا، وأنَّ اللهَ لا يَظلِمُ
مُؤمنًا حَسنةً، والظُّلمُ يُطلَقُ بمعنى النَّقصِ، وحَقيقةُ الظُّلمِ
مُستحيلةٌ مِن اللهِ تعالَى؛ فإنَّه سُبحانه لا يَنقُصُ ثَوابَ حَسنةٍ
عَمِلَها المؤمنُ، فإنَّه يُعطَى بِها في الدُّنيا، بأنْ يُوَسِّعَ عليه
رِزقَه ويُرَغِّدَ عَيْشَه في الدُّنيا على طاعتِه، مَع ما يُدَّخَرُ له في
الآخِرَةِ؛ فَهُو أَحوَجُ ما يَكونُ لِثوابِ تِلك الحَسنةِ، ولا مانعَ مِن
جَزائِه بها في الدُّنيا والآخرةِ، وقد يَحفَظُ الجزاءَ كلَّه له للآخرةِ.
ومع المؤمنِ استَعمَلَ لَفظَ الإعطاءِ لِنِعمِ الدُّنيا، ولَفظَ الجزاءِ
لِنَعمِ الآخرةِ، وهذا يُشيرُ إلى أنَّ ما يُعطى المؤمنُ مِن النِّعمِ في
الدُّنيا ليْس جَزاءً لِحَسناتِه، وإنَّما هو فضْلٌ مِن اللهِ وإحسانٌ
إليه، وأنَّ جَزاءَه الأَوفى سيَجِدُه في الآخرةِ.
وأمَّا الكافِرُ وقدْ ماتَ على كُفرِه، فيُطعَمُ بِحَسناتِ ما عَمِلَ بِها
للهِ في الدُّنيا، أي: بِما فَعَلَه مُتقرِّبًا بِه إلى اللهِ تَعالى
مِمَّا لا تَفتَقِرُ صِحَّتُه إلى النِّيَّةِ، كصِلةِ الأَرحامِ والصَّدقةِ
والضِّيافَةِ، فإنَّه لا يُقبَلُ منه؛ لأنَّه لا يَتوَفَّرُ لَدَيْه
شَرْطُ قَبولِ العَمَلِ، وهُو الإيمانُ باللهِ، ولكنَّ اللهَ لا يَظلِمُه
عَمَلَه، فيُكافِئَه عليه في الدُّنيا، فيُطْعِمَه به مِن غِنًى أو صِحَّةٍ
أو أولادٍ أو نحْوِ ذلكَ، حتَّى إذا أَفْضى إلى الآخِرَةِ لم يَكُنْ له
حَسنةٌ يُجْزَى بِها؛ لأنَّ حَسناتِه الدُّنيويَّةَ مهْما عَظِمَت فعُقوبةُ
الكُفرِ أعظَمُ، فلا جنَّةٌ ولا نَعيمٌ.
وأمَّا إذا فَعَل الكافرُ الحَسناتِ الَّتي لا تَفتقِرُ إلى النِّيَّةِ
-كصِلةِ الرَّحمِ والصَّدقةِ وأمثالِها- ثمَّ أسْلَمَ؛ فإنَّه يُثابُ عليها
في الآخرةِ؛ لِما في البُخاريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
قال"إذا أسلَمَ العبدُ فحَسُنَ إسلامُه، يُكفِّرُ اللهُ عنه كلَّ
سيِّئةٍ كان زَلَفَها".
قالَ: ما لكَ يا عَمْرُو؟ قالَ: قُلتُ: أرَدْتُ
أنْ أشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قالَ:
أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟...الحديث. الراوي :
عمرو بن العاص -
صحيح مسلم
.
"إِذَا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلَامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بمِثْلِهَا".الراوي : أبو هريرة- صحيح البخاري.
عن حكيم بن حزام أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أيْ رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أتَحَنَّثُ بها في الجاهِلِيَّةِ، مِن صَدَقَةٍ، أوْ عَتاقَةٍ، أوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أفيها أجْرٌ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أسْلَمْتَ علَى ما أسْلَفْتَ مِن خَيْرٍ." الراوي : حكيم بن حزام- صحيح مسلم .
قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنُؤاخَذُ بما عَمِلْنا في الجاهِلِيَّةِ؟ قالَ: مَن أحْسَنَ في الإسْلامِ لَمْ يُؤاخَذْ بما عَمِلَ في الجاهِلِيَّةِ، ومَن أساءَ في الإسْلامِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ".الراوي : عبدالله بن مسعود - صحيح البخاري.
وقال النووي -رحمه الله-:
المراد بالإحسان
هنا: الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا
حقيقيًّا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث
الصحيح"الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ"، وبإجماع المسلمين.
والمراد
بالإساءة: عدم الدخول في الإسلام بقلبه، بل يكون منقادًًا في الظاهر مظهرًا
للشهادتين غير معتقد للإسلام بقلبه، فهذا منافق باقٍ على كفره بإجماع
المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام وبما عمل بعد
إظهارها؛ لأنه مستمر على كفره، وهذا معروف في استعمال الشرع، يقولون: حسُن
إسلام فلان: إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص، وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه:
إذا لم يكن كذلك -والله أعلم-.ا.هـ.
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى .
قال صلى الله عليه وسلم" إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ :فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
أقسام الناس عند وزن الأعمال:
ينقسم الناس عند الميزان إلى:
القسم الثاني: مَنْ رجحت سيئاته على حسناته:
وهذا وإن كان مسلمًا دخل النار، وهو تحت مشيئة الله عز وجل، إن شاء الله غفر
له، وإن شاء عذبه، ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة، وإن دخل النار، لا
يخلد فيها، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات على الإسلام لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، وقد يدخل النار على قدر تلك الذنوب وقد يغفرها الله له إذا شاء، قال سبحانه" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"النساء:48.
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَلِمَةً وقُلتُ أُخْرَى: مَن مَاتَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ وقُلتُ أُخْرَى: مَن مَاتَ لا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ الجَنَّةَ".الراوي : عبدالله بن مسعود- صحيح البخاري.
" مَن مَاتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ. وقُلتُ أنَا: مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ." الراوي : عبدالله بن مسعود- صحيح البخاري.
حَقيقةُ الشِّركِ المُوجِبِ لدُخولِ النارِ:
اتِّخاذُ النِّدِّ مع اللهِ؛ سَواءٌ كان هذا النِّدُّ في الرُّبوبيَّةِ أو
الأُلوهيَّةِ.
ولَمَّا كان الشركُ باللهِ ضِدَّ الإيمانِ بِه؛ قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه: مَن ماتَ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا دخَلَ الجنَّةَ، يعني: مَن
ماتَ وهو مُؤمنٌ باللهِ مُوحِّدٌ له؛ فهذه خَصْلةُ الإيمانِ التي تُوجِبُ
له الجَنَّةَ فيَدخُلُها؛ لأنَّ المُوحِّدِينَ لا بُدَّ لهم مِن دُخولِ
الجنَّةَ آخِرَ الأمرِ؛ فمَنْ كانتْ عليه ذُنوبٌ فإمَّا أنْ يَعفوَ اللهُ
عنه دونَ حِسابٍ، أو يُحاسِبَه على ما قدَّم ثمَّ يُدخِلَه الجَنَّةَ.الدرر السنية.
وقسمٌ ثالثٌ
تتساوى حسناتهم وسيئاتهم، فلا
تزيد كفة الحسنات ولو بحسنةٍ واحدةٍ، ولا تزيد كفة السيئات ولو بسيئةٍ
واحدةٍ، هؤلاء هم أهل الأعراف؛ يكونون في مكانٍ عالٍ مرتفعٍ يرون النار
ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله، وفي النهاية يدخلون الجنة برحمة أرحم
الراحمين. وهذا من تمام عدل الله : أنهم لا يتساوون مع أهل الجنة الذين
ثقلت كفة حسناتهم في دخول الجنة، بل يتأخرون عنهم كما ذكر الله تعالى شأنهم
في سورة الأعراف:
"وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى
الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ
يَطْمَعُونَ " 46 "وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" 47 "وَنَادَى
أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا
أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ "48" أَهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ "49.
وقال ابن القيم: "قيل: هو السور الذي يُضْرب بينهم له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب: باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره الذي يلي الكفار من جهته العذاب. والأعراف جمع عرف وهو المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار.."ا.هـ..
ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ:
عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما يَرْوِي عن رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالَى، قالَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ عزَّ وجلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، وإنْ هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ سَيِّئَةً واحِدَةً. وفي رواية: وزادَ: ومَحاها اللَّهُ ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ. "الراوي : عبدالله بن عباس - صحيح مسلم .
هل توزن أعمال الكفار أم لا توزن؟
الجواب: اختلف العلماء فيها، فمن العلماء من قال: إنها لا توزن أصلاً، ولا حاجة لوزنها، قالوا: لأن الكفار ليس لهم أعمال توزن، والله يقول"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ"الفرقان:٢٣، خاصة من الأعمال الصالحة "فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا"الفرقان:٢٣، لا يستفيدون منها شيئًا، فما دامت هباء منثورًا، فلا يستفيد الكافر منها شيئًا، فما الذي يوزن، كله سيئات فهو يقحم في النار مباشرة.
ومن العلماء من قال: إنها توزن وإن لم يكن له شيء من الحسنات إلا أن سيئات الكفار تختلف ويختلف الناس فيها، فمن الناس من سيئاته أعظم وأكبر من غيره، فهذا يجعل له عقوبة أشد، ومن الكفار من تكون عقوبته أقل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي طالب، حيث أنه عمل أعمالاً فخفف عنه العقوبة يوم القيامة،
"أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبو طَالِبٍ، فَقالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، فيُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي منه أُمُّ دِمَاغِهِ."الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح البخاري.
فدل على أن وجود الوزن أن هؤلاء وهؤلاء يوزنون ولكن شتان بين ميزان أهل الإيمان وميزان الكفار. كتاب شرح لامية ابن تيمية.عمر العيد.
فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا، وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين، وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق