الخميس، 16 أكتوبر 2014

الشريط الثاني تفريغ شرح القواعد المثلى من قاعدة 6 أسماء إلى جزء من قاعدة 6 صفات


الشريط الثاني
*المـتـن*
القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين:
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور "أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"1 الحديث رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحدٍ حصره، ولا الإحاطة به.

**************
1عرض الحديث بتخريجه وتحقيقه إضافة من خارج الشريط
3- ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال "اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي"  . إلا أذهب الله عز وجل همه ، وأبدله مكان حزنه فرحا . قالوا : يا رسول الله ! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال : أجل ! ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن .
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1822- خلاصة حكم المحدث: صحيح

* الشرح *

أسماء الله ليست محصورة في عددٍ معين؛ لأن من أسماء الله ما استأثر الله بعلمه ، وما استاثر الله بعلمه لايمكن الإحاطة به.
*المـتـن*

فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة"رواه البخاري، كتاب التوحيد (7392) ومسلم، كتاب الذكر (2677).، فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: "إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة" أو نحو ذلك. إذن فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله: "من أحصاها دخل الجنة" جملةً مكملةً لما قبلها، وليست مستقلة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة.
* الشرح *
سبق أن قررنا الآن أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين ، فإن قال لنا قائلٌ:بل هي محصورة ؛لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول:"إنَّ للهِ تسعة وتسعين اسمًا مَنْ أحصاها دخل الجنة"فذكر أنها تسعة وتسعون اسمًا ثم عاد واستأنف  وقال:"من أحصاها" أي: من أحصى هذه الأسماءُ التسعة ُوالتسعون دخلَ الجنة،وهذا ينقض قولكم بأن أسماء الله غير محصورة!
نقول:هذا لاينقض قولنَا ؛لأننا لسنا نحن الذين قلناه، بل قاله أعلم الناس بربه وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيثُ قال: "أواستأثرت به في علم الغيب عندك"وحينئذٍ  نقول : فلا يُمكن أن يتناقض كلام النبي- صلى الله عليه وسلم-.
 فإن قيل : فما الجواب على حديث:" إن لله تسعة وتسعين اسمًا"؟
  نقول:الجواب أن للهِ أسماء حسنى ، ومنها  تسعة وتسعون  اسمًا ؛ ومن أحصى هذا العدد من الأسماء دخل الجنة ، وهذا لايُنافي أن يكون له أسماءٌ أخرى لم تدخل في هذا الحُكم.
ونظيرُ ذلك أن تقول:" عندي مئةُ درهم أعددتها للصدقة "  هل معنى ذلك أنه ليس عندك إلا هذه المئة؟ لا.لكن المعنى أن عندي مئة  أعددتها لذلك؛ وأن عندي أشياء أخرى ؛ عندي مئات الألوف ؛ماأعددتها للصدقة
ونظير ذلك أن أقول :"عندي ثوبان أعددتهما للجمعة " هل معناه ليس عندي ثياب غيرهما؟ لا؛ لايلزم,هذا مثلها أيضًا.
ونقول:فقول النبي صلى الله عليه وسلم :"مَنْ أحصاها دخل الجنة"جملة مكملةٌ لما قبلها، أي هذه التسعة والتسعين خُصت بأن من أحصاها دخل الجنة،  وليست الجملة الثانية مستقلة عن  الأولى كما يتوهم بعض العلماء.                

*المتن*
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيينُ هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتاوى" ص 383 جـ6 من "مجموع ابن قاسم": تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وقال قبل ذلك ص 379: إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسِّرًا في بعض طرق حديثه. أهـ.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" ص215 جـ11 ط السلفية:
ليست العلة عند الشيخين "البخاري ومسلم"، تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج. أهـ.
* الشرح *

هذا الحديث علله ابن حجر بتفرد الوليد والاختلاف والاضطراب، والتدليس ،واحتمال ،الإدراج ،كلُ هذه عِللٌ تقدح في صحة الحديث الذي فيه عدُّ الأسماء.
 ثم إن هذه الأسماء التي ذُكِرَتْ؛ منها أشياءٌ لاتصح أن تكون اسمًا ،ومنها أشياء لم تُذكر وهي من أسماء الله ؛ ثبت بها الحديث. فـ"الرب" مثلا لم يُذكر في هذه الأسماء المعدودة مع أنه من أسماء الله ،و"الشافي" لم يُذكرفي هذه الأسماء المعدودة مع أنه من أسماء الله.
فلما كان هذا الحديث قد جمع ما لايصح أن يكون اسمًا لله، وترك ما هو من أسماء الله  وهي ظاهرة ومشهورة ، دلَّ ذلك على أن عدَّها ليس من كلام النبي-صلى الله عليه وسلم-لأن كلام النبي-عليه الصلاة وسلم-لا يتناقض.
ومن أحب أن يطلع على  هذه الأنواع  في عدِّها فليرجع إلى "فتح الباري" لابن حجر ، فقد ذكرهناك  أشياء غريبة ذكرها بعض العلماء على أنها من أسماء الله ،وهي بعيدة عن أن تكون من أسماء الله .
وسبب هذا الاختلاف أنه لم يصح فيها حديث بالتعيين.ولوصح حديث بالتعيين  لما بقي كلامٌ لأحدٍ بعد ذلك ،ولكن لعدم صحة مانقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؛كثر الاختلاف و الاضطراب في تعيينها.

*المتن*

ولما لم يصح تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه، وروي عنهم في ذلك أنواع. وقد جمعت تسعة وتسعين اسمًا مما ظهر لي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الشرح
كلام للشيخ مع الطلبة .......
*المتن*
فمن كتاب الله تعالى:
الله ؛الأحد؛ الأعلى؛ الأكرم؛ الإله ؛الأول؛ والآخر ؛والظاهر؛ والباطن البارئ ؛البر ؛البصير؛ التواب ؛الجبار؛ الحافظ ؛الحسيب؛ الحفيظ؛ الحفي؛ الحق ؛المبين؛ الحكيم؛ الحليم؛ الحميد؛ الحي؛ القيوم؛ الخبير؛ الخالق ؛الخلاق؛ الرؤوف؛ الرحمن؛ الرحيم؛ الرزاق؛ الرقيب؛ السلام ؛السميع؛ الشاكر؛ الشكور؛ الشهيد؛ الصمد؛ العالم؛ العزيز ؛العظيم ؛العفو؛ العليم؛ العلي ؛الغفار؛ الغفور؛ الغني؛ الفتاح؛ القادر؛ القاهر؛ القدوس؛ القدير؛ القريب؛ القوي؛ القهار؛ الكبير ؛الكريم؛ اللطيف ؛المؤمن ؛المتعالي؛ المتكبر؛ المتين؛ المجيب؛ المجيد؛ المحيط ؛
المصور؛ المقتدر؛ المقيت؛ الملك؛ المليك؛ المولى؛ المهيمن؛ النصير؛ الواحد؛ الوارث ؛الواسع؛ الودود؛ الوكيل؛ الولي؛ الوهاب
.
* الشرح *
يلاحظ أننا راعينا في ترتيب "الأسماء" الحروف الهجائية وهي"أ,ب,ت,ث.."  ، وليس  الحروف الأبجدية وهي : "أبجد هوز حطي ....."بعد الباء جيم وبعد الجيم دال والذال هي آخر شيء و"أ"هذه همزة ماهي ألف .
وقد جمعنا بين "الحق المبين" - مع أن الميم ليست بعد الحاء ، لأنها قرنت في القرآن جميعًا ، وكذلك "الحي القيوم", "الأول والآخر","الظاهر والباطن"- لورودها هكذا في كتاب الله -.
والأدلة على هذه الأسماء من القرآن كما يلي :
"الله" فأدلته من القرآن الكريم كثيرة"بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم " الفاتحة 1.  "الأحد": "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "الإخلاص1
"الأعلى" : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }الأعلى1
 "الأكرم" : "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "العلق3
  "الإله": "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ"الرَّحِيمُ{163}
 أما الأول والآخر,الظاهر والباطن": " هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الحديد 3 .
"البارئ" :"هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ".  الحشر 24  "البَرّ": " إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الرحيم".الطور 28
"البصير":" وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". الشورى 11  
"التواب" : "إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ".التوبة 118
" الجبار":" الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ" الحشر:23
"الحافظ": " فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً ".يوسف :64
 "الحسيب": " وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً".النساء 6  
  الحفيظ"إنَّ ربي على كل شيءٍ حفيظ". الحفيّ"إنه كان بي حفيا".وهذا في الحقيقة فيه شيء من التردد لأنه قد يُقال إنه من الأفعال وليس من الأسماء لأنه قُيِّد قال"إنه كان بي حفيا". القيوم"الحيُّ القيوم". الحق"ويعلمون أنَّ اللهَ هو الحقُ المبين","وذلك بأن الله هوالحق".الحكيم:أدلتها كثيرة.  الحليم"غفورٌ حليم".الحميد"إلى صِراطِ العزيزالحميد".الحي القيوم:في آية الكرسيّ. الخبير"ألايعلمُ مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير".  الخالق:آخر سورة الحشر. الخلاق"إنَّ ربَكَ هو الخلاقُ العليم". الرءوف:كثيرة.الرحمن الرحيم:كثيرة. الرزاق"إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين". الرقيب"وكان اللهُ على كل شيءٍ رقيبًا".السلام"وهواللهُ الذي لاإله إلاهو المَلِكُ القدوسُ السلامُ المؤمنُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ"آخرسورة الحشر. السميع:كثيرة. الشاكر"وكان اللهُ شاكرًاعليمًا".  الشكور"إنه غفورٌ شكورٌ". الشهيد"واللهُ على كل شيءٍ شهيد". الصمد"قل هوالله أحد اللهُ الصمد". العالم عالم الغيب :عليم غير عالم"وكنا بكل شيءٍ عالمين".العزيز:كثيرة.العظيم:آية الكرسيّ. العفو:في سورة المجادلة. العليم:كثير. العليّ:في آية الكرسي. الغفار"وإني لغفارٌ لمن تاب وآمن".الغفور:كثير. الغنيّ"وهو الغنيُّ الحميد".الفتاح"وهوالفتاحُ العليم". القادر"فنِعمَ القادرون". القاهر"وهوالقاهِرُ فوق عباده".القدوس:آخر الحشر. القدير:كثير. القوي  كثيرالقويّ"وهو القويُّ العزيز".القهار"اللهُ الواحدُ القهارُ".الكبير كثير,الكريم كثير,اللطيف:كثير.  المؤمن"السلام المؤمن"آخر الحشر. المُتعال"الكبيرُ المتعال".   المتكبر:سورة الحشر.  المتين"ذو القوة المتين".المُجيب"إنَّ ربي قريبٌ مُجيبٌ". المجيد"إنه حميدٌ مجيدٌ". المحيط"وكان الله  بكل شيءٍ مُحيطاً".المُصور:في آخر سورة الحشر. المُقتدر"في مقعد صِدقٍ عندَ مَليكٍ مُقتدر".المُقيت"وكان اللهُ على كل شيءٍ مُقيتاً".سورة النساء.  الملك"الملكُ القدوسُ".في آخر سورة الحشر. 
 المليك"عندَ مَلِيكٍ مُقتدر".  المولى"نِعمَ المولى ونِعمَ النصير".المُهيمن:آخرسورة الحشر.   النصير:كثير.    الواحد"وهوالواحدُ القهار".  الوارث"وإنا نحنُ نُحي ونُميتُ ونحنُ الوارثون". الواسع"واللهُ واسِعٌ عليمٌ".  الودود"وهوالغفورُ الودودُ".   الوكيل"وكفى باللهِ وكيلاً".  الوليّ"وهوالوليُّ الحميد".  الوهَّاب"إنكَ أنتَ الوهابُ".    طيب كم هذه؟ واحد وثمانين.
*المتن*
  ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميل -الجواد -الحكم- الحيي- الرب- الرفيق- السبوح-السيد- الشافي- الطيب- القابض-الباسط-المقدِّم-المؤخِّر- المحسن- المعطي- المنان-الوتر.  
* الشرح *
الجميل"إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُ الجَمَالَ". الجواد: في الحديث " إنَّ اللهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجُودَ ، و يحبُّ مَعالِي الأَخلاقِ ، و يكرَهُ سَفسافَها"
الحكم: في الحديث " إن الله هو الحكم". الحيي: في الحديث " إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ ..".الحيي غير الحي؛  الحييُ من الحياء ، الحيُ من الحياة.
الرب : في الحديث " أما في الركوع فعظموا فيه الرب  " . الرفيق: في الحديث " إن الله رفيق يحب الرفق". السبوح : في الحديث " سبوح قدوس ..." .  السَّيِّدُ: في الحديث "السَّيِّدُ اللهُ ".الشافي: في الحديث "اشف أنت الشافي.." الطييب : في الحديث " إن الله طيبًا لا يقبل إلا طيبًا" . القابض الباسط :في الحديث "إن الله هو المسعر القابض الباسط ". المقدم المؤخر : في الحديث :" أنت المقدم وأنت المؤخر.." . المحسن:
في الحديث :"  إنَّ اللهَ محسنٌ يُحبُّ الإحسانَ ...." .المعطي : في الحديث :"... وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي ....". المنان: في الحديث :"  ... المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ ..." الوتر: في الحديث :" ...وإنَّ اللهَ وِترٌ يحبُّ الوِترَ "
:::::::::::::::::::::::::::::::::
*المـتـن*

هذا ما اخترناه بالتتبع، واحد وثمانون اسمًا في كتاب الله تعالى ؛وثمانية عشر اسمًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان عندنا تردد في إدخال "الحفي"؛ لأنه إنما ورد مقيدًا في قوله تعالى عن إبراهيم: "إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وما اخترناه فهو حسب علمنا وفهمنا وفوق كل ذي علم عليم حتى يصل ذلك إلى عالم الغيب والشهادة ومن هو بكل شيء عليم.
* الشرح *
  هذا ما اخترناه من أسماء الله تعالى ، وهي تسعة وتسعون اسمًا، فمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا لله دخل الجنة .
وإحصاؤها قيل: هو إدراكها لفظًا ومعنى ، والتعبد لله تعالى بمقتضاها.
ومن إحصائها كذلك ؛ دعاء الله عز وجل بها ، لأنه تعالى أمر بذلك في قوله ،" وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ"الأعراف (180) .
:::::::::::::::::::::::::::::::::
*المـتـن*
القاعدة السابعة
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها. وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئًا منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحادًا لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.
الشرح

الإلحاد في "اللغة"هو : الميل، ومنه: اللحد في القبر؛ لأنه مائلٌ إلى جانب منه.
 وأما الإلحاد في أسماء الله الذي نهى الله عنه فقال:"وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ "فهوالميل بها عما يجبُ فيها.هذا الضابط فمثلا سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه  كان مُلحِدًا في أسماء الله ؛ لأن الواجب هو الاقتصار على ماورد به النص؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، ومن أثبتَ الأسماء ونفى ماتضمنته من الصفات فهو كذلك مُلحد فيها ؛لأن الواجب إثباتُها مع ما تضمنته من الصفات.
المتن

الثاني
: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه، فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها.
الشرح
إذا قال قائل أنا أُثبِت أن الله هو السميع والبصير ،ولكن أقول أن سمعه وبصره مثل سمع وبصر  الآدمي ؛قلنا هذا إلحاد ؛لأنها لاتدل على هذا المعنى ؛بل إن النصوص وردت محذرة من التمثيل والتشبيه .
المتن
 الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: "الأب"، وتسمية الفلاسفة إياه "العلة الفاعلة"، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة ينزه الله تعالى عنها.
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله، على أحد القولين، فسمَّوا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به، لقوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " سورة الأعراف، الآية: 180.. وقوله: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"سورة طه، الآية: 8.. وقوله: "لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض" سورة الحشر، الآية: 24. فكما اختص بالعبادة وبالألوهية الحق، وبأنه يسبح له ما في السموات والأرض فهو مختص بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله - عز وجل - ميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم؛ لأن الله تعالى هدد الملحدين بقوله: "وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" سورة الأعراف، الآية: 180..
ومنه ما يكون شركًا أو كفرًا حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.

*انتهى الفصل الأول*وهو قواعد في أسماء الله
:::::::::::::::::::::::::::::::::
الفصل الثاني
قواعد في صفات الله تعالى
القاعدة الأولى
صفاتُ اللهِ تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك. وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"النحل 60
والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. إما صفة كمال، وإما صفة نقص. والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز. فقال تعالى: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ" الأحقاف 5. وقال تعالى: "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" النحل 20 ؛ 21. وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: "يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا" مريم 42، وعلى قومه"أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ" الأنبياء 66؛ 67.
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.
الشرح

دليل السمعِ على أن الله تعالى موصوف بصفات الكمالِ قوله تعالى : "لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"النحل 60 . مَثَلُ السَّوْءِ : يعني مثل النقص والعيب؛ولم يقل : ولله مثل الكمال ، بل قال:" الْمَثَلُ الْأَعْلَى  يعني: الذي لاشيء فوقه.والمثلُ بمعنى الوصف الأعلى، فكل صفة اتصف الله بها اللهُ تعالى فهي أعلى ماتكون من صفات الكمال.   
وأما العقل:  فإذا قال قائل ما هو دليلكم على أن الله متصف بصفات الكمال قلنا : أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. فإما أن تكون صفة كمال، وإما أن تكون صفة نقص. صفة النقص  مستحيلة في حق الله عز وجل  ؛  وصفة الكمال واجبة لله ؛ فوجب أن يكون موصوفًا بصفات الكمال لأنه منزهٌ عن صفات النقص .
فإن قال قائلٌ:هذا الحصر غير صواب ؛ لأن الموجود قد يكون موصوفًا بصفات الكمال أو صفات النقص أوبصفة لانقص فيها ولاكمال.
نقول: هذا الأخيرغيرُصحيحٍ ؛ لأن الصفة التي لا كمال فيها ولانقص ؛ هي في الحقيقة نقصٌ ؛ لأنها لغوٌ وعبث ، فالكمال أن يكون الإنسان مُتصفًا بالصفات النافعة المفيدة ،.وما لانفع فيه ولاضرر، فهو داخلٌ في صفات النقص، ولهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم- حاثاً على تكميل الإيمان:
"مَنْ كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخر فليقل خيرًا أو ليصمُت" 
والدليل الثاني من العقل : أن نقول:نحن نُشاهد في المخلوق صفات كمال. والذي أعطاه هذا الكمال هو الله -عزوجل- ، فمُعطي الكمال أولى بالكمال ،  ومِنْ كمالهِ أنه أعطى الكمال . فهذا أيضاً دليلٌ عقلي على ثبوت صفات الكمال لله-عزوجل-
ولهذا مما يدلعلى  بُطلان ألوهية الأصنام أنها ناقصة؛قوله سبحانه وتعالى" وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ "الأحقاف5. وقال تعالى" وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ "النحل20 ،21.وقال إبراهيمُ يُحاجُّ أباه" إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا" مريم42.وقال محاجاً لقومه" قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "الأنبياء66-67.
 فتبيَّن بهذا أن فتبين بهذا أن الرب لابد أن يكون كامل الصفات ،وإلا لم يصح أن يكون ربًّا .

المتن
وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولةٌ مفطورةٌ على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
*الشرح*
أي :أن الفطرة السليمة أو النفوس المجبولة على الفطر السليمة ؛تحب الله وتعظمه لكماله ،إذ أنَّ المجهول لايُحَبُّ ولايُعَظمُ، ومَنْ عُلِمَ نقصه لايُحبُّ ولايُعظمُ  ؛ فالفطرة - التي هي محبة الله وتعظيمه ؛ مبنية على أصل ؛ وهو علم الإنسان فطرياً بكمال صفات مَنْ يعبده سبحانه وتعالى          .                                    
*المـتـن*
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصمم ونحوها؛لقوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ"سورة الفرقان، الآية وقوله عن موسى  "فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى" سورة طه، الآية: 52وقوله : "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" سورة فاطر، الآية: 44وقوله "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" سورة فاطر، الآية: 44.وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"وقالأيها الناس ارْبَعوا على أنفسِكم
  أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائبًا"
رواه البخاري، كتاب المغازي (4202)، ومسلم، كتاب الذكر :2704
الشرح
وقوله عن موسى  "فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى" سورة طه، الآية: 52. نفي الجهل والنسيان .
وقوله : "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" سورة فاطر، الآية: 44 نفي العجز.
 وقوله "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" سورة فاطر، الآية: 44. نفي الصمم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" هذا نفي العمى .
*المتن*
   وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ"سورة المائدة، الآية: 64. وقوله  "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ"سورة آل عمران، الآية: 181.
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَوَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَوَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"سورة الصافات، الآيات: 180 - 182. وقال تعالى"  "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" سورة المؤمنون، الآية: 91.
وإذا كانت الصفة كمالًا في حال، ونقصًا في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتًا مطلقًا، ولا تنفى عنه نفيًا مطلقًا بل لابد من التفصيلفتجوز في الحال التي تكون كمالًا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصًا ،وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوهافهذه الصفات تكون كمالًا إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها،كقوله تعالى "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"سورة الأنفال، الآية: 30-وقوله "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً" سورة الطارق، الآيتان: 15، 16.وقوله"وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.وقوله" :إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ"سورة النساء، الآية: 142 وقوله"قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَاللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" سورة البقرة، الآيتان: 14، 15..
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى "وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" سورة الأنفال، الآية: 71فقال: "فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ "، ولم يقلفخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقًا
وبهذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.
*الشرح 

بعض الناس يقول:"خان اللهُ من يخون"، أو يقول: يخونني اللهُ إن كنتُ خُنتك"!؛هذا لايجوز ،لأن الخيانة خُدعة في مقام الائتمان؛  والخيانة صفة ذم فلا تجوز على الله
 وقد سبق لنا في القاعدة الأولى؛ أن صفات الله تعالى كلها صفات كمال، وأن الصفات من حيثُ هي صفات: منها صفات  صفات كمال على الإطلاق، ومنها صفات نقص على الإطلاق، ومنها مايكون نقصاً في حال وكمالاً في حال أخرى، فالذي هو كمالٌ على الإطلاق ثابتٌ لله عز وجل ، والذي هو نقص على الإطلاق يمتنع على الله عز وجل، والذي هو كمالٌ في حال دون حال؛ يوصف الله به في حال الكمال دون حال النقص. فهذه القاعدة العامة.
طيب ماهو الكمال؟ هل كل كمال في المخلوق ؛كمال في الله؟ وهل كل كمال في الله كمالٌ في المخلوق؟  لا؛ فليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق ؛ فمثلاً "التكبر" صفة كمال في الله؛ وفي المخلوق صفة نقص,و"الأكل والشُرب والنكاح؛صفة كمال  للإنسان ، وصفة نقص بالنسبة لله؛ ولهذا يُنزَّه اللهُ عنها. لكن الكمال المطلق غير النسبي؛ ثابتٌ لله على الإطلاق ، والنقص المطلق يُنزَّهُ الله عنه.   
:::::::::::::::::::::::::::::::::

القاعدة الثانية من قواعد الصفات
باب الصفات أوسع من باب الأسماء
المتن
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثانية من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"سورة لقمان، الآية: 27  
ومن أمثلة ذلك: أن من صفات الله تعالى المجيء، والإتيان، والأخذ والإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: "وَجَاءَ رَبُّك"سورة الفجر، الآية: 22
وقال "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ" سورة البقرة، الآية: 210
وقال "فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ" سورة آل عمران، الآية: 11
وقال "وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"سورة الحج، الآية: 65. . وقال"إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"سورة البروج، الآية: 12 وقال "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ "سورة البقرة، الآية: 185.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به.
الشرح
هذه قاعدة مهمة ، إذا باب الإخبار أوسع من باب الأسماء - أو من باب التسمية.
فنحنُ نصف الله تعالى  بأنه ؛يأخذ؛ ويبطش؛ ويُريد ؛ويتكلم؛ ويُحي ؛ويأتي ؛ويمشي ، وماأشبه ذلك ، ولكننا لا نُسميه بهذا .لأننا كلما سميناهُ باسم؛ فإن ذلك يتضمن وصفه بما دل عليه الاسم من الصفة كما سبق ، فإن الإيمان بالاسم يحتاج إلى الإيمان بالاسم اسمًا لله؛ وبما تضمنه من صفة ؛ وبما تضمنه من أثر وحُكم ؛إن كان مُتعدِيًا.
:::::::::::::::::::::::::::::::::

المتن 
القاعدة الثالثة من صفات الله تعالى 
  صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية
الشرح

قال بعض الناس إن الأوْلى أن نُعبر بـ "ثبوتية ومنفية " لأن التي وصف اللهُ بها نفسه إما مثبتَة وإما منفية . ولكن الصواب أنه لافرق،  لأن السلب والنفي معناهما واحدٌ، فإذا قُلت:فلانٌ لم يقم . فالمعنى أنه مسلوب عنه القيام ، أي منفي عنه ،ولا إشكال في ذلك.  
المتن 

فالثبوتية: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا" سورة النساء، الآية: 136.
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم ؛رسوله ؛يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مُرْسِلِه، وهو الله - عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العِي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب  الثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
الشرح 

أما دلالة السمع على وجوب ما أخبر اللهُ به عن نفسه ؛ في كتابه؛ أوأخبر به رسوله-صلى الله عليه وسلم- فواضحة ، لأنَّ اللهَ أنزل الكتاب على محمد-صلى الله عليه وسلم-فالإيمان بالكتاب إيمانٌ بمن أنزله.والإيمان بالرسول إيمانٌ بما أرسله ؛فلاجرم أن يجب الإيمان بكل ماجاء في الكتاب والسُنة من أسماء الله وصفاته.     

 أما دلالة العقل على ذلك : أن الله أخبر بهذه الصفات عن نفسه - لأننا لانثبت من الصفات إلا ما أخبر به اللهُ عن نفسه - وهوأعلمُ بنفسه من غيره ،ولهذا أيُّ إنسان يُحاول إنكار صفة من صفات الله نقول له:هل أخبرَ اللهُ بها عن نفسه؟ فإن قال:لا ، فقد كذَّب ، وإن قال:نعم . قلنا له :أأنتَ أعلم أم الله؟!إن قال:أنا أعلم ؛ فقد كفر وإن قال:اللهُ أعلمُ . قلنا: إذن يجب عليك أن تُؤمن بها، لأن اللهَ تعالى أعلمُ بنفسه وأصدقُ قيلًا.
فما أخبر اللهُ به عن نفسه فهو صدقٌ ؛ لأن كلامَ اللهِ أصدقُ الكلام وأحسنُ حديثاً من غيره.وحُسن الحديث يكون بالبلاغة والفصاحة.فكلام الله-عزوجل- أحسنُ الكلام في وضوحه وبيانه وفصاحته.
فقد اجتمع في حق الله تعالى كمالُ الكمال من كل وجه ، من حيث العلم والصدق والبيان ، ولهذا يقول المؤلف:" فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ"(ا.هـ) 
فالجهل ضده العلم، والكذب وضده الصدق ، والعيّ ضده البيان  والفصاحة.
فلوجاء رجلٌ نجار إلى مريض فوضع يده على بطنه ، ويلمس صدره ، وجبهته ورأسه و ضغط  عليها ؛ ثم قال : هذا المريض فيه الداء الفلاني .
فإننا لانُصدقه؛ لأنه جاهل بهذه الصناعة، لكنه لوقال: هذا الخشب لايصلح أن نجعله أبوابًا ؛ لقبلنا قوله إذا كان صدوقًا. قد يكون كذوبًا قد يقول مايصلح أبوابًا علشان يشتريه هوَّ ،على كل حال هذا الرجل الذي جاء يُشخص مرض هذا المريض وهو نجار لانقبله مهما كان في الصدق لأنه جاهل.
ولو جاءنا رجلٌ طبيب جيد ماهر ، وجعل وجعل يتحسس المريض ليرى ما به من داء ، ثم قال: هذا يحتاج إلى علاج طويل يتكلف عليكم خمسين ألفًا، فلو كان هذا الطبيب  - الرجل جيد في الصناعة وماهر في الطب لكنه -غير موثوق فيه من جهة الخبر ؛لكان من الممكن أن يكون قد ابتغى بقوله هذا كثرة الدراهم ؛ لاإبراء المريض
ولوجاءنا رجلٌ ثالث ، عالِم وصدوق لكنه هندي لا نفهم كلامه؛ لأننا عرب ، وشَخَّصَ المرض وأخبر به، لما فهمنا منه شيئًا ؛ وإذًا لن نثق بما قال ، لأن كلامه يفتقر إلى الفصاحة والبيان .
وإذا تأملنا بعد ذلك - كلام الله-عزوجل-عن نفسه وعن غيره، لوجدناه كلامًا صادرًا عن علم لاشك ،وعن صدق ولاشك ، وفي أحسن مايكون من البلاغة  والفصاحة والبيان ولاشك أيضاً. فهل يبقى بعد هذا تردد في اعتقاد مايدل عليه كلام الله؟! والله لا يبقى تردد إطلاقًا في أن نعتقد مادل عليه هذاالكتاب العزيز .
ولهذا نقول:إنما يتأتي التردد حين يكون الخبر صادرًا ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ، بحيث لا يُفصح بما يُريد.وكل هذه العيوب ممتنعة في حق الله فوجب قبول خبره على ماأخبر به.هذا دليل عقلي.   
المتن

وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي  صلى الله عليه وسلم أعلمُ الناسِ بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بيانًا، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
الشرح


فإذا قال قائلٌ في قوله تعالى " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "طه5  ، هذا خبرٌصادرٌ عن الله وهوعالمٌ بذلك، فإذا قال قائلٌ أن معناه "استولى"قلنا : إذا كان هذا معناه ائتِ بدليل.وهذه الكلمة وردت في القرآن في سبعة مواضع ، ليس فيها ولو موضع واحد قال اللهُ فيه:" استولى" فلو كان الله أرادبـ"استوى":"استولى" لكان كلامُه غير فصيح؛ إذ أن "استوى" غير"استولى" فإذا أراد بهذا غيرَ ظاهرهِ ؛ ولم يخبر عن مراده هذا ولو في موضع واحد ،- مع أنه ورد في عدة مواضع- ؛عُلِم أنه لايريد هذا المعنى،  وتفسيرك "استوى"بمعنى "استولى" ؛ يقتضي أن يكون كلامُ اللهِ ناقِصًا من حيثُ البيان والفصاحة ، لأن التعبير بهذا عن هذا بدون قرينة وبدون أن يأتي ولو مرة واحدة بهذا المعنى الذي ابتكرتُه - لاشك أنه خلاف الفصاحة و البيان والله-عزوجل-يقول في كتابه"يُريدُ اللهُ ليُبيِّنَ لكم" النساء 26 . ولم يقل :  ليُعْمَى عليكم.    
المتن 

والصفات السلبية: ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
الشرح

هذه الصفات السلبية يجب نفيها عن الله ، لكن ليس الواجب مجرد نفيها فقط ؛ بل يجب اعتقاد ضدها ، فمثلا "لاتأخُذهُ سِنَة ٌولانوم" البقرة 255 ، لايكفي في الاعتقاد أن نقول :إن اللهَ لاينام حتى نعتقد؛ أنه لاينام لكمال حياته  وقيوميته،  لامجرد أنه لاينام فقط ، لأننا نقول إن كلمة " لاينام" مجرد انتفاء النوم ، وهذا في حد ذاته  ليس كمالاً.
وكذلك أيضًا قوله تعالى:"وما مسَّنا من لغوب" ق 35 – أى:  من تعب وإعياء،فلا يكفي هنا أن نؤمن بأن الله تعالى لم يتعب فقط ، بل يجب أن نؤمن بأنه لم يتعب لكمال قوته. وإلا لقلنا مثلاً أن العمود هذا عليه سقف يحمل السقف هذا كله هل يتعب؟ ماهو يتعب أبداً ولاسمعنا يومًا من الأيام أنه صاح علينا يقول ياناس أتعبتموني
 فإذن يجب أن نعتقد ياإخواني أن مانفاه الله عن نفسه لايكفي أن نعتقد مجرد انتفاء هذا المنفي ؛بل لابد أن نُضيف إلى ذلك إثبات كمال الضد.  
    المتن 
   فيجب نفيها عن الله تعالى - لما سبق - مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال،  
 الشرح  
يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-لأن النفي عدم ،والعدم ليس بشيء,أي :المعدوم ليس بشيء،  فضلاً عن أن يكون كمالاً ، فإذا كان العدم ليس بشئ فكيف يكون مدحاً وهو ليس بشيء؟إذًا فهذا النفي مُتضمِنٌ لإثباتٍ وإلا لم يكن مدحاً
المتن

وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا، كما في قول الشاعر:
قُبيِّلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل1
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ 
ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا
 الشرح  

   البيت الذي يلي الأخير هو قول الشاعر :
 يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة    ومن إساءة أهل السوء إحسانا     
 أي : إذا ظلمهم أحد قالوا :غفر الله لنا ولك ، وذلك حتى لايسيء إليهم إساءة أكبر ، وهؤلاء مذمومون ، ولهذا قال بعده :
 فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا    شَنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانًا
تمنى الشاعر أن يأتي الله بغير هؤلاء الذين يشنون الإغارة
والخلاصة:أن الله تعالى لايُوصف بالنفي المحض لما يلي :
  أولًا : لأن النفي المحض عدمٌ محضٌ ،والعدم ليس بشيءٍ فضلًا عن أن  يكون كمالاً.
ثانيًا : لأن نفي الشيء عن الشيء قد يكون لعدم قابليتة له لا لكماله الذي أوجب أن ينتفي عنه، مثل قولنا: الجدار لايظلمُ.
ثالثًا : أن النفي قد يكون للعجز عن هذا المنفي،  فيكون النفيُّ حينئذٍ نقصًا.فإذا قلتُ:هذا الرجل لايغدر بالعهد ،مدح ولاذم؟يحتمِل ؛ يحتمل لايغدر لكمال وفائه ؛وحينئذٍ يكون هذا مدحًا فيه . ويحتمل لايغدربالعهد لأنه مايقدر ،يخاف لويغدر بالعهد هذه المرة كروا عليه مراتٍ ومراتٍ حتى أتلفوه لعجزه ،وهنا يكونُ هذا ذمًّا فيه . والحاصل: أنه يجب علينا نحو صفاتِ اللهِ التي نفاها الله عن نفسهِ ؛أن نؤمن بانتفائها لا لمجرد الانتفاء؛ ولكن لإثبات كمال ضدها.وإذا كانت هذه الصفات منفية لثبوت كمال ضدها صارت صفة كمال.

المتن
 * مثال ذلك: قوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت"سورة الفرقان، الآية: 58.
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
* مثال آخر: قوله تعالى"وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" سورة الكهف، الآية: 49.نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
* مثال ثالث: قوله تعالى "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" سورة فاطر، الآية: 44.. فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: "إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا". لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض. وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
الشرح

أكثر من كمال العلم والقدرة
تمت القاعدة الثالثة
:::::::::::::::::::::::::::::::::

القاعدة الرابعة
الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.
ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.
 الشرح 

انتبه لكلمة:"ظهرمن كمال الموصوف"ولم يقل حَصَلَ للموصوف ماالفرق؟
لأن هذا حاصلٌ، فكمالُ اللهِ تعالى حاصلٌ سواء علمناه أولم نعلمه، لكن كلما تعددت ظهرلنا من صفات كماله مالم يكن ظاهرًا من قبلُ.
أما إذا قال:لأنه كلما كثرت وتنوعت دلالتها ؛حصل الموصوف هناك مالم يحصل من قبل؛ صار هذا بالنسبة لصفات الله غير سديد .
والصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية ،لأنها تدل على المدح.ولذلك لو أنك وقفت أمام ملك من الملوك وقلت: أنتَ الكريمُ بلاشُحٍ، أنت الشُجاعُ بلاجُبنٍ ،أنتَ الجوادُ بلا قلة ،أنت القويُّ بلا ضعفٍ ، وماأشبه ذلك  ؛ لكان هذا بالنسبةِ له محبوباً إليه ، أما لو قلت له :أنت لست بزبالٍ ،ولا كساح ، ولاكناسٍ ، ولاغسال ثياب ،ولا خدام  ،ولا طباخ ، وماأشبه ذلك ،لكان هذا بالنسبة له  مكروهًا ، يقول  الملك ؟ يقول اضربوه.
لأن صفات النفي هذه لاينبغي أن تُقال أبدًا مع العلم بأن أهل التعطيل يُركزون على  صفات النفي،  ولايقولون شيئًا عن صفات الإثبات ،لأنهم والعياذ بالله يعتقدون أن صفات الإثبات تقتضي التمثيل ؛وصفات النفي تقتضي العدم وليس فيها تمثيل
 المتن
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبًا إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌسورة الشورى، الآية: 11، "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ".سورة الإخلاص، الآية: 4.
 الشرح 

أما قوله  "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌسورة الشورى، الآية: 11،هل قال في كذا وكذا من صفات العيوب؟ لا بل عمم النفي، فالنفي هنا مجمل ، وهذا  مدحٌ بلاشك لكن النفي المُفصَل هو العيب حقًا.
 المتن
الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله "أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا" سورة مريم، الآيتان: 91، 92
 الشرح 

هذا نفى الولد ، وهو نفي عام ولاخاص؟ خاص؛ وقد قلنا إن النفي الخاص ليس مدحاً في الواقع ، لكنه عز وجل قد نفاه  هنا نفيًا خاصًا لنفي ما ادعاه الكاذبون الذين ادَّعو لله ولدًا، فأخبر الله تعالى بنفي ذلك خاصة، كما أخبر بنفي الزوجة نفيًا خاصًا  بقوله :" وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا "الجن3
 المتن
الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ". سورة الأنبياء، الآية: 16.وقوله "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ".سورة ق، الآية: 38.
  الشرح 

فهمنا من الآية الأولى نفي النقص في الإرادة ، وفي الآية الثانية نفي النقص في الفعل والتنفيذ.ففي الأولى كمال الإرادة حيث قال "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ". سورة الأنبياء، الآية: 16. أي:  أردنا بهذا الخلق حقًا ولم نرد به اللعب والسُّدى ،.ففى الأولى كمال الإرادة ، وفى الثانية بين كمال القوة "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ".سورة ق، الآية: 38.  مامعنى اللغوب:  التعب والإعياء. والمراد بستة أيام: قيل أن المراد بستة أيام ؛ستة ألاف سنة، لقوله تعالى:" وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ "الحج47
وإلى هذا جنح علماء الجيولوجيا ؛ حيث  قالوا:بأن تكوين الأرض وتضاريسها والأفلاك؛ يحتاج إلى مدة ووقت طويل حتى تنتقل من مرحلة إلى مرحلة حتى تصل إلى ما هي عليه الآن ، وقدَّروا هذه المدة بستة آلاف سنة.وبعضهم أطال المدة فقال: ملايين الملايين من السنين .
وقال آخرون: المراد بستة أيام ؛ستة ساعات أو أزمنة ، وهي كست لحظات؛ لأن الله يقول للشيء :"كُن فَيَكُونُ".
وقال آخرون بل المراد ستة أيام  كأيامنا هذه ، وقد خلقها الله-عزوجل-في هذه المدة ؛ ليُعلم عبادَهُ كيف يصنعون الأشياء بإتقان دون السرعة
والصحيح أنها ستة أيام كأيامنا، وأما كونه عز وجل  قدرها بهذا ،فهذا من الأمورالتي لا نستطيع إدراكها واللهُ أعلم.
فليس لقائلٍ - مثلاً - أن يقول : جعل اللهُ أُذنَ الجملِ صغيرة ، وأذن الحماركبيرة ، مع أن الأنسب العكس، لكون الجمل أكبر حجمًا.  ليس له أن يقول ذلك لأن مثل هذه الأشياء لا يستطيع الإنسان أن يُعللها.فليس للإنسان في مثل هذه الأشياء إلا التسليم لله-عزوجل-سواء في الأمور الشرعية أوالأمورالكونية.
  

تمت القاعدة الرابعة
القاعدة الخامسة
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.
 * الشرح *

قد يقول قائلٌ: هذا التقسيم لأهل العلم إنه لم يَرد به نصٌ ، فما بالنا نُقسم هذا التقسيم؟!
وهذا إيرادٌ قوي جداً،ويجاب عنه بأن يُقال : لما وقع الخلاف من أهل الكلام بين مايثبتونه من الصفات وبين ما لا يثبتونه ؛ احتاج أهل السُنة المُتبعون للسلف أن يُقسِّموا هذا التقسيم من أجل تحقيق المناط ومايرد فيه الخلاف وما لايرد.ثم هم يقولون:إذا كانت الصفة لازمة لاتنفك عن الله-عزوجل- فهي صفةٌ ذاتية.كالحياة,والعلم, والقدرة,والسمع,والبصر,والعِزة ، والحِكمة ؛وماأشبه ذلك ،فهذه كلها صفات ذاتية ، وسُميت بذلك للزومها للذات ، ثم قسموها إلى:معنوية وخبرية: فماكان نظيرُمُسماه أبعاضًا لنا سموه: خبرية ، وماكان دالًا على معنىً سَمَّوْهُ :معنوية، فالسمع مثلًا صفة ذاتية معنوية ، واليد صفة ذاتية خبرية، لايقولون:" معنوية" لأنهم لو قالوا "معنوية" عادوا إلى تأويل الأشاعرة وشبيههم .
والذي جعلهم لايقولون "بعضية" كما نقول : يدنا بعضٌ منا أو جزءٌ منا .قالوا:لأننا لايجوز لنا أن نُطلق كلمة "بعض" أو "جزء" على الله-عزوجل- فتحاشَواهذا بقولهم : صفات ذاتية خبرية.


لماذا قالوا خبرية؟ قالوا" خبرية" لأنها مُتلقاة ٌمن الخبر، فإن عقولنا لاتدلنا على أن لله تعالى يدًا بها يأخذ ويقبض ويبسُطُ، ما تدلُّنا على ذلك، لكن علمناها بمجرد الخبر ، لأن الصفات الذاتية مثل الحياة والعلم والقدرة؛ قد دل عليها العقل ، لكن اليد والوجه  والعين لم يدل عليها العقل.
فالصفات الذاتية الخبرية جاءت عن طريق الخبر؛ وليس للعقل دخل في إثباتها أبدًا ، ولهذا لايمكن أن نقول  إذا جاز إثبات الساق لله ؛ فلتجز الركبة مثلًا ،ليش. لأن العقل ليس له تدخل في هذا ولا يمكن أن نقول به.
فيجب أن نقتصرفي هذه المسائل على ماجاء به الخبر ونُسميها خبرية؛ ولا نسميها "جزئية" أو"بعضية" لوجوب تحاشي هذا التعبيرفي جانب الله- عزوجل- .
*المتن*

والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا. وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"سورة يس، الآية: 82 وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجزعن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانه - لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة ، كما يشير إليه قوله تعالى "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" سورة الإنسان، الآية: 30.
* الشرح *

القسم الثاني :"الكلام" عند أهل السُنة والجماعة صفة فعلية باعتبار آحاده ، وصفة ذاتية باعتبار أصله.

فباعتبار أن الله لم يزل ولايزال مُتكلمًا، كما أنه لم يزل ولايزالُ خالِقاً ،فعَّالاً لما يُريدُ، بهذا الاعتبار يكون صفةً ذاتية.
وباعتبار آحاده ؛يكون صفة فعلية.فمثلاً إذا أراد الله أن يخلق شيئاً قال:"كُن فَيَكُون".فهنا إرادتان: إرادة سابقة وإرادة مقارنة. والقول إنما يكون بعد الإرادة المقارنة للفعل.فإذا أراد أن يكون الشيء قال له:"كُن"فبمجرد أن يقول كن ؛ فيكون على وفق ما أراد ؛ولهذا جاءت الفاء"فيكون".أما الإرادة السابقة  بأنه سيفعل فهذه سابقة مايقع بعدها قول.لكن الإرادة المقارنة هي التي يقع بعدها القول.فالقول إذن بعد الإرادة.القول: "كن" بعد الإرادة وهذا يدل على حدوث هذه الكلمة ولا لأ؟ نعم يدل على حدوثها؛  وأنها صارت عند إرادة الفعل. كذلك القرآن الكريم فيه آيات واضحة تدل على أن اللهَ تكلم بها بعد وقوع الفعل بعد وقوع المتحدَّث عنه  " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ " آل عمران 121.إذ غدوت الغدو سابق على هذا القول ولا لاحق؟ سابق"وإذ غدوت تُبوئ"
"قد سَمِعَ اللهُ قولَ التى تُجادلك في زوجها" فالمسموع سابق ولا لأ؟ سابق.إذن فهذاالقول صار بعده وعلى هذا فقِس.

فكلام الله-عزوجل-باعتبارآحاده صفة فعلية؛ وباعتبار أصله وأنه صفة الله-عزوجل-لم يزل ولايزال مُتصفاً به :صفةٌ ذاتية: هذا هو تقسيم أهل السُنة والجماعة في تقسيم كلام الله.
أما الأشاعرة والماتريدية ومن على شاكلتهم ، والكُلاَّبية ونحوهم، قالوا:إن الكلام صفة ذاتية فقط ،لأنهم يجعلون الكلام هوالمعنى القائم بالنفس ، وأن هذا المسموع شيءٌ مخلوق.خلقه الله تعالى ليُعبرعما في نفسه؛ فكان على مذهبهم الكلام صفة ذاتية.
ولكن ما ذكره السلف هو الحق المُطابق للمعنى اللَُّغوي والعقلي، وأن الله-عزوجل- يتكلم-سبحانه وتعالى- متى شاء وبما شاء وكيف شاء، فلهذا نقول:إنه صفة ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار آخر.
فإذا قالوا:كون الكلام صفة ذاتية وفعلية فهذا جمع بين الضدين؟ قلنا:مادامت الجهة مُنفكة فلا تناقض، فالسجود مثلا قد يكون شركا وقد يكون طاعة ،وذلك باعتبارين، فإن كان لله كان طاعة وإن كان لغير الله كان شركاً.
انتهت القاعدة الخامسة
:::::::::::::::::::::::::::::::::


تابع قواعد في صفات الله عز وجل
القاعدة السادسة:
يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل. والثاني: التكييف.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثلٌ لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية: 11. وقوله "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ".سورة النحل، الآية: 17.  وقوله "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" سورة مريم، الآية: 65.. وقوله "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.
الشرح
السمع المقصود به الكتاب والسنة ؛فقوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" سورة الشورى، الآية 11 كلمة" شيء " هنا نكرة في سياق النفي ؛ فتعم كل شيء ، أيُّ ليس هناك شيءٍ أبدًا مُمَاثِلاً للهِ.

وقد وقع في "الكاف" جدلٌ كبيرٌ بين العلماء ، لأن وجودها مع"مثل"مشكلة؛ إذ كلٌ منهما يدلُ على التشبيه أو التمثيل؛ فلو قلتَ "ليس مثل مِثلِهِ شيئًا"؛ معناه: أنك أثبتَ المثلَ ونفيتَ المُماثلة عن هذا المِثل، وهذا تناقض؛ لأنك إذا نفيت المماثلة عن المِثل لم تُثبت وجود المثل ، وهذا يقتضي التناقض الظاهر.
ولهذا اختلف العلماء في هذه الكاف .

فمنهم مَنْ قال:إن الكاف زائدة ؛وتقدير الكلام:"ليس مثلهُ شيء"
.ومنهم مَنْ قال:إن "مِثل" هي الزائدة ، فتقدير الكلام هو:"ليس كهو شيءٌ"؛ فالزائد إحدى هاتين الكلمتين ،ولاشك أن القول بزيادة "الكاف" ؛أولى من القول بزيادة "المِثل"؛ لأن زيادة الحروف في اللغة العربية كثيرة، لكن زيادة الأسماء قليل جدًا؛ فضلاً عن كونه موجودًا أصلاً .
ومنهم مَنْ قال:إن"مِثل"هنا بمعنى "ذات"؛ فتقدير الكلام ؛ ليس كذاته شيء . وهذا أيضًا ليس بصواب ؛ لأن المِثل لايُمكن أن يُقال أنه يُرادُ به الذات، فذاتُ الشيءِ ليست هو مثل الشيء.
ومنهم مَنْ قال:إن المِثل بمعنى الصفة، وذلك كقوله تعالى"إنما مثلُ الحياةِ الدنيا كماءٍ أنزلناهُ" يونس 24 . أي صفتها وحالها ، وكما في قوله:"وله المثلُ الأعلى" الروم 27 - أي الوصف الأكمل. وقالوا:إن "المِثـْلَ" و"المَثـَلَ" يرجعان إلى معنى واحدٍ ، كـ"الشِّبْهِ" و"الشَّبَهِ"؛ فيكون المراد بـ"المِثْلِِ" هنا على رأي هؤلاء؛ الصفة ؛أي ليست كصفته شيءٌ، .فمِثْلُ بمعنى :مَثَل ، والمَثُلُ بمعنى الصفة.
ومنهم مَنْ يقول:إن المِثل هنا على بابها ، فمعناها كما يتبادر إلى الذهن، و"الكاف" هنا زائدة للتوكيد، فهو نفس المعنى الأول ،.فإن العرب قد تُطلق  مثل هذه العبارة وتريد ذاتَ الشيءِ، كما يقولون "مِثلكَ لايُهزمُ" ؛ المراد : أنتَ لا تُهزم، لكن أضافوا ذلك إلى المِثل لأنه إذا كان مثلُك لايُهزم فأنتَ من باب أولى.فإذا كان مِثلُ اللهِ ليس له مِثل فالله تعالى من باب أولى.
والذي يظهر لي : أن هذا من باب التوكيد، كأنه عز وجل كرر الكلمة مرتين لتكرار نفي المماثلة.أما قوله تعالى"أفَمَن يَخْلُقُ كَمَنْ لَّا يَخْلُقُ" النحل17 . فالأمرُ فيها واضحٌ، فإنه يوبخهم ولذلك قال:"أفَلَا تَذَكَّرُونَ" يوبخهم. وذلك مثل قوله تعالى "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمًِّيا" مريم 65 . والسَّمي معناه الكُفء والنظير؛ والاستفهام للنفي. ومثاله أيضًا قوله تعالى "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" سورة الإخلاص، الآية: 4.أيضًا ظاهر في نفي المكافأة.
:::::::::::::::::::::::::::::::::

انتهى الشريط الثاني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق