الأحد، 7 فبراير 2016

النفكر

التـّفَكُّرْ

في القرآن آياتٌ عديدة مشتملة على الحث على التفكر ، وبيان عظيم شأنه وجليل قدره وكبير عوائده وفوائده ، وثناءٌ على أهله وبيانٌ لعلوِّ مقامهم ورفعة شأنهم ؛ يقول الله سبحانه وتعالى : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:219] ، ويقول سبحانه :
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الرعد:3] ، ويقول جل وعلا : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:11] ، ويقول جل وعلا : {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ } [الروم:8] ، ويقول الله سبحانه : {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24] ، ويقول جل وعلا : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا ، ويقول الله عزَّ وجل في الثناء على أوليائه المقربين أولي الألباب مبيِّناً عظيم مقامهم وعلوَّ شأنهم وجمال تفكرهم : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] .
وهذا التفكر العظيم الذي دعا الله عزَّ وجل عباده إليه وحثَّهم عليه ورغَّبهم فيه مفتاحُ كل خير ، وأساس كل فلاحٍ وصلاح ، ومنبع كل فضيلة ، وهو من عبوديات القلب العظيمة الجليلة ، وهو ينقل الإنسان من الغفلة إلى اليقظة ، ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن المهانة إلى المعزَّة ، وينقله من الحقارات والدناءات وخسيس الأمور وحقيرها إلى معالي الأمور ورفيعها وعليِّها.
من تفكر في عظمة الله وأنه عزَّ وجل مطَّلعٌ على العباد لا تخفى عليه منهم خافية ، سميعٌ بصير ، عليمٌ قدير ؛ فإن هذا التفكر يمنعه من الوقوع في معصية الله عزَّ وجل ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28] .
من تفكر في الآخرة وأنها ارتحلت مقبِلة وأنها هي الحيَوان ، وتفكر في نعيمها وما أعدَّ الله سبحانه وتعالى لأوليائه من عظيم المآب وجميل الثواب ؛ فإن ذلك يحفِزه ويدفعه لحُسْن التهيؤ وتمام الاستعداد ليوم المعاد .
من تفكر في هوان الدنيا وحقارتها وسرعة زوالها وتصرُّمها ؛ فإنه لن يجعلها أكبر هــمِّه ولا مبلغ علمه .
من تفكر في الذنوب وعظَم خطورتها وسوء عواقبها على أهلها في الدنيا والآخرة ؛ فإنه يحاذر من الوقوع فيها ويتجنَّبها .
من يتفكر في العبادات وأنه إنما خُلق في هذه الحياة للقيام بها وتحقيقها ؛ فإنه يجاهد نفسه على القيام بها على أتمِّ وجهٍ وأحسن حال .
من يتفكر في هذه المخلوقات وما فيها من جمالٍ وآيات باهرات وحججٍ ساطعات وبراهين واضحات ؛ أدخلت إلى قلبه العبرة والعظة . والتفكرُ في آلاء الله سبحانه وتعالى ونعَمه عبوديةٌ عظيمة تجعل القلب يقبِل على الله خضوعاً وذُلا وإيماناً بكمال الخالق وعظمة المبدع سبحانه ، فهاهم أولوا الألباب وقد مرَّ معنا ثناء الله عليهم {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ويُثمر هذا التفكر تلك الدعوات العظيمات { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
ومن لم يَشغَل قلبه بالأفكار النافعات والتفكير الذي يعود عليه بالخيرات في دنياه وأخراه انشغل قلبه بأفكارٍ رديئة وتفكرٍ مذموم في أمور منحطَّة وأعمالٍ خسيسةٍ حقيرة ؛ ولهذا يشبِّه بعض أهل العلم النفس البشرية بأن مثلها كمثل الرحى دائمة الدوران تطحن كل ما أُلقي فيها ، فمن وضع في هذه الرحى قمحاً وشعيراً وجد طحيناً ينتفع به ، ومن يضع فيها قذراً أو حجراً أو حصًى أو رملاً أو زجاجاً فلن يحصِّل منه طحيناً ينتفع به ، وهكذا نفس الإنسان تدور بأفكار وأفكار ثم ينبع عن تلك الأفكار إرادات وعزوم ؛ فمن كانت أفكاره وتفكره فيما ينفعه في معاشه ومعاده فإنه سيمضي في هذه الحياة على خير حال ، ومن كانت أفكاره في أمورٍ حقيرة وأعمال دنيئة ويخطِّط في أفكاره كيف يعصي وكيف يرتكب الآثام وكيف يقع في الذنوب وهكذا دواليك في أفكارٍ عديدةٍ خسيسةٍ حقيرة ؛ كيف ستكون حال من كان هذا أمره !! .
تأملوا في هذه القصة ؛ رأى عبد الله ابن المبارك رحمه الله تعالى أحد رفقائه مفكراً فقال له : أين بلغت؟ - وكثيراً ما نقول هذه الكلمة ؛ أين وصلت يا فلان ؟ أين سرحت ؟ أين ذهبت ؟ - قال : "بلغت الصراط " .
شتان بين من يرتحل بأفكاره إلى التفكر فيما ينفعه في معاده ومعاشه ، يتفكر في وقوفه بين يدي الله ، ينظر في غده وحساب الله تبارك وتعالى له { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] ، شتان بين من أفكاره تصل به إلى الصراط خوفاً وإشفاقا ، وبين من أفكاره تسبح في أوحال الذنوب وحقارات المعاصي سفولاً وإغراقا .
ما أحوجنا إلى أن نعالج أفكارنا ، وأن نصحِّح مسارنا ، وأن نجاهد أنفسنا على الواردات النافعة والأفكار القويمة التي تعود علينا بالنفع العظيم والخير العميم في الدنيا والآخرة .
ألا ما أعظم الخسران وأشدَّ الحرمان لمن أسلَم بيت أفكاره إلى الشيطان - عياذاً بالله - يضع فيها وساوسه ويُملي له الشرَّ إملاءا ويؤزُّه إلى المعاصي أزًّا ويدفعه إليها دفعا ؛ فهو مستسلمٌ للشيطان ومنقادٌ لوساوسه ، وأفكاره توصف بأنها أفكار شيطانية ؛ ألا ما أسوأ هذه الحال وما أقبحها وما أشنعها.
إن التفكر كما أمر الله عزَّ وجل به ودعا إليه عبوديةٌ عظيمة الشأن جليلة القدر ، والعبد ليصحِّح نفسه في هذا المقام يحتاج أولاً إلى استعانة بالله جلَّ وعلا ، ويحتاج ثانياً إلى مجاهدة للنفس ؛ بإبعادها عن كل بابٍ ومنفذٍ يجلب إلى قلبه أفكاراً رديئة وتصوراتٍ خسيسة ، ويحرص على كل المنافذ والأبواب التي تجلب لقلبه ما ينفعه ويعود عليه بالخير والفائدة في دينه ودنياه .
أرأيتم لو أن شخصاً أسلم بصره ونظره وسمعه إلى مشاهداتٍ محرمة وصورٍ نُهيَ عن النظر إليها ومشاهدتها وسماعات محرمة ؛ كيف ينشد مع ذلك لقلبه صفاءً ونقاءً وزكاء ؟! وقد أوسع لنفسه المنافذ التي تجلب على قلبه واردات السوء وتجلب له أمور الشر عياذاً بالله من ذلك ، فمن جاهد نفسه واستعان بربه سبحانه وتعالى وُفِّق لكل خير .
وكم هو جميل بك في هذا المقام أن تستحضر ما ينفعك من تفكرٍ سليم وتأمل قويم واتعاظ واعتبار وادِّكار ، وهذا مقامٌ يطول شرحه لكن أشير إلى مثالٍ واحد ، والأمثلة على ذلك كثيرة وقد مر شيء منها .
أرأيتم لو أن إنساناً جائعاً اشتد به الجوع ثم وُضع بين يديه طعام شهي وأكل لذيذ يحبه ونفسه تميل إليه ثم لما مدَّ يده إلى ذلك الطعام قيل له : إن هذا الطعام مسموم ؛ إن أكلْتَ منه متَّ من ساعتك ، أرأيتم وقد أيقن بأن ذلك الطعام مسموم وأنَّ فيه هلكته أيضعُ يده في ذلك الطعام أو يكفَّها ؟ سبحان الله !! كيف يتجنَّب الإنسان طعاماً خوف مضرته !! ولا يتجنب الذنوب خوف معرَّتها يوم لقاء الله سبحانه وتعالى ؟! .
فمثل هذا التفكر والتأمل ينفع الإنسان نفعاً عظيماً في إقدامه وإحجامه ، وحبه وبغضه ، وعطائه ومنعه ، وجميع أموره . نسأل الله عزَّ وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا أجمعين قلباً سليماً ولساناً صادقا ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، وأن يؤتي قلوبنا تقواها وأن يزكيها فإنه تبارك وتعالى خير من زكاها.


(1) هذه سلسلة مقالات عنوانها (قطوف من هدايات الإسلام) المقصود بها بالدرجة الأولى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وعند اكتمالها تطبع بإذن الله في كتاب مفرد، والغرض من تعجيل نشرها هنا إتاحة الفرصة لمن رغب في نشرها الكترونيا أو ترجمتها، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها سببا لهداية من شاء من عباده إنه سميع مجيب.


هنا  
قال عز في علاه

"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" (ص: 29)


حدود التفكر
[ تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله عز وجل ] .( حسن ) .
حكم الشيخ على الحديث : حســن .
موضوع الحديـث : الإيمان والتوحيد والدين والقدر .
الكتاب الوارد فيه الحديـث : سلسلة الصحيحة 4 .
الناشر : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع بالرياض .
سنة الطبع : 1415هـ - 1995 م .
ترتيب الطبعة : طبعة جديدة منقحة ومزيدة .
رقم الصفحة : 395 .

رقم الحديث : 1788 .

هنا



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التفكر في ذات الله فضلاً عن الخوض فيها من المضلات التي يزينها الشيطان ليضل بها الناس، قال الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طـه:110}، وقال تعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء {البقرة:255}، وقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11}.
قال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس: ومن ذلك أن الشيطان يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله وصفاته فيتشكك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسألون حتى تقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ 1 قال أبو هريرة: فوالله إني لجالس يوماً إذ قال رجل من أهل العراق هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت: صدق رسول الله، الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم له كفوا أحد. انتهى.
قال أبو جعفر الطحاوي: ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله. قال الشارح: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه. انتهى.
قال أبو عبيد القاسم ابن سلام تعليقاً على أحاديث الصفات الذاتية لله تبارك وتعالى: أما هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحداً يفسر منها شيئاً ونحن لا نفسر منها شيئاً، نصدق بها ونسكت.
قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله. رواه الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن ابن عمر وحسنه الألباني في الجامع، وفي رواية عند أبي نعيم في الحلية: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله. حسنه الألباني أيضاً.
والله أعلم.

هنا

1إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول من خلقك فيقول الله فيقول فمن خلق الله فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه . ‌
تخريج السيوطي : (أحمد) عن عائشة.
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 1542 في صحيح الجامع.‌

مكتبة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

التفكر من أفضل العبادات، لما له من آثار طيبة في حياة الإنسان والتي منها :

1-
أن التفكر في الكون يورث الحكمة، ويحيي القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل. فما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل، ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل، والفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.


2- أن التفكر في الكون يكشف عن عظمة الخالق في خلقه ,ويجعل المرء يقر بوحدانية الله تعالى , ويتواضع لعظمته , ويحاسب نفسه على أخطائها فيزداد إيماناً وصفاء.
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟. قال سبحانه : \" وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله \" . سورة الزخرف : 87 .

جاء رجل للإمام الشافعي وسأله...يا إمام ما الدليل على وحدانية الله عز وجل , عندما رد الإمام ما ذا كان ردة :سبحان الله . الإمام لم ينظر إلى الفلك ومدراها وهي دليل على وحدانية الله وقدرته في الخلق
ولم ينظر إلى الجبال ورسوخها وشموخها ,ولم ينظر إلى الأرض واتساعها ,ولم ينظر إلى الشمس وشعاعها.قال الدليل على وحدانية الله تعالى ورقة التوت ,فسأله الرجل كيف يا إمام ؟ .أجاب : الدودة تأكل الورقة فتخرج حريرا طريا ,والنحل يأكل الورقة فتخرجها عسلا شهيا,والشاة تأكل الورقة فتخرجها لبن نديا ,والغزال يأكل الورقة فيخرجها مسكا نقيا,المادة واحدة والصنعة مختلفة فمن الصانع.

قال الشاعر :

انْظُرْ لِتِلْكَ الشَّجَرَهْ *** ذَاتِ الْغُصُونِ النَّضِرَهْ
كَيَفَ نَمَتْ مِنْ حَبَّةٍ *** وَكَيْفَ صَارَتْ شَجَرَهْ
ابْحَثْ وَقُلْ مَنْ ذَا الَّذِي *** يُخْرِجُ مِنْهَا الثَّمَرَهْ؟!
ذَاكَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي *** أَنْعُمُهُ مُنْهَمِرَهْ
ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ *** وَقُدْرَةٍ مُقْتَدِرَهْ
وَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ الَّتِي *** جَذْوَتُهَا مُسْتَعِرَهْ
فِيهَا ضِيَاءٌ وَبِهَا *** حَرَارَةٌ مُنْتَشِرَهْ
ابْحَثْ وَقُلْ مَنْ ذَا الَّذِي *** يُخْرِجُ مِنْهَا الشَّرَرَهْ؟!
ذَاكَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي *** أَنْعُمُهُ مُنْهَمِرَهْ
ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ *** وَقُدْرَةٍ مُقْتَدِرَهْ
فتأمل – أيها العاقل – وسل نفسك : مَنْ علم الأسد إذا مشى وخاف أن يقتفى أثره ويطلب ، عفى أثر مشيته بِذَنَبِه ، ومن علمه أن يأتي إلى شبله في اليوم الثالث من وضعه ، فينفخ في منخريه ، لأن أمه تضعه جرواً كالميت ، فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه فيفعل به ذلك ! .
ومن ألهم كرام الأسود وأشرافها أن لا تأكل إلا من فريستها ، وإذا مر بفريسة غيره لم يدن منها ولو جهده الجوع !.
ومن علم الأنثى من الفيلة إذا دنا وقت ولادتها أن تأتي إلى الماء فتلد فيه ، لأنها دون الحيوانات لا تلد إلا قائمة ، لأن أوصالها على خلاف أوصال الحيوان ، وهي عالية ، فتخاف أن تسقطه على الأرض فينصدع أو ينشق ، فتأتي ماء وسطاً تضعه فيه يكون كالفراش اللين والوطاء الناعم .
ومن علم الذباب إذا سقط في مائع أن يتقي بالجناح الذي فيه الداء دون الآخر !.
ومَنْ علم الكلب إذا عاين الظباء أن يعرف المعتل من غيره ، والذكر من الأنثى ، فيقصد الذكر مع علمه بأنّ عدوه أشد وأبعد وثبة ، ويدع الأنثى على نقصان عدوها ؛ لأنّه قد علم أن الذكر إذا عدا شوطاً أو شوطين حقن ببوله ، وكل حيوان إذا اشتد فزعه فإنه يدركه الحقن ، وإذا حقن الذكر لم يستطع البول مع شدة العدو ، فيقل عدوه ، فيدركه الكلب ، وأما الأنثى فتحذف بولها لسعة القبل وسهولة المخرج ، فيدوم عدوها !.
ومَنْ علمه أنه إذا كسا الثلج الأرض أن يتأمل الموضع الرقيق الذي قد انخسف ، فيعلم أن تحته جحر الأرانب ، فينبشه ، ويصطادها علماً منه بأن حرارة أنفاسها تذيب بعض الثلج فيرق !
.
ومن علم الذئب إذا نام أن يجعل النوم نوباً بين عينيه ، فينام بإحداهما ، حتى إذا نعست الأخرى نام بها ، وفتح النائمة ! حتى قال بعض العرب :
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
ومَنْ علم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث ، فلا يبقى عصفور بجوارها حتى يجيء ، فيطيرون حول الفرخ ، ويحركونه بأفعالهم ، ويحدثون له قوة وهمة وحركة ، حتى يطير معهم !.
قال بعض الصيادين : ربما رأيت العصفور على الحائط ، فأومي بيدي كأني أرميه فلا يطير ، وربما أهويت إلى الأرض كأني أتناول شيئاً فلا يتحرك ، فإن مسست بيدي أدنى حصاة أو حجر أو نواة طار قبل أن تتمكن منها يدي .
ومن علم (( اللبب )) وهو صنف من العناكب أن يلطأ بالأرض ، ويجمع نفسه ، فيرى الذبابة أنه لاه عنها ، ثم يثب عليها وثوب الفهد !.
ومن علم العنكبوت أن تنسج تلك الشبكة الرفيعة المحكمة ، وتجعل في أعلاها خيطاً ثم تتعلق به ، فإذا تعرقلت البعوضة في الشبكة تدلت إليها فاصطادتها !.
ومن علم الظبي أن لا يدخل كناسه إلا مستدبراً ، ليستقبل بعينه ما يخافه على نفسه وخشفه !
ومن علم السنور - القط-إذا رأى فأرة في السقف أن يرفع رأسه كالمشير إليها بالعود ، ثم يشير إليها بالرجوع ، وإنما يريد أن يدهشها فتزلق فتسقط !.
ومن علَّم اليربوع أن يحفر بيته في سفح الوادي حيث يرتفع عن مجرى السيل ليسلم من مدق الحافر ومجرى الماء ، ويعمقه ثم يتخذ يف زواياه أبواباً عديدة ، ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزاً رقيقاً ، فإذا أحس بالشر فتح بعضها بأيسر شيء ، وخرج منه ، ولما كان كثير النسيان لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة علامة له على البيت ، إذا ضل عنه!.

ينتمي " اليربوع " إلى فصيلة القوارض، وهو من الثديات، ويوجد منه ستين نوعا ً
ومن علم الفهد إذا سمن أن يتوارى لثقل الحركة عليه حتى يذهب ذلك السمن ، ثم يظهر !.
ومن علم الأيل إذا سقط قرنه أن يتوارى ، لأنّ سلاحه قد ذهب ، فيسمن لذلك ، فإذا كمل نبات قرنه تعرض للشمس والريح ، وأكثر من الحركة ليشتد لحمه ، ويزول السمن المانع له من العدو .

3- أن التفكر في الكون يفتح آفاق المعرفة والتعلم , فحبنما يتفكر المرء في الكون يكتسب معارف جديدة وعلوم نافعة يستفيد منها في جميع أمور حياته .
قال أحد العلماء يبتديء خطبته : الحمد لله رب المشارق والمغارب , خلق الإنسان من طين لازب , ثم جعله نطفه بين الصلب والترائب خلق منه زوجه وجعل منها الأبناء والأقارب , تلطف به فنوع له المطاعم والمشارب ,وحمله في البر على الدواب وفى البحر على القوارب , نحمده تبارك وتعالى حمد الطامع في المزيد والطالب , ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر العواقب , وندعوه دعاء المستغفر الواجل التائب , أن يحفظنا من كل شر حاضر أو غائب , واشهد أن لا اله إلا الله القوى الغائب , شهادة متيقن بأن الوحدانية لله أمر لازم لازب أرأيت الأرض في دورانها كيف تمسكت بكل ثابت وسائب , أرأيت الشموس في أفلاكها كيف تعلقت بنجم ثاقب , أرأيت الرياح كيف سخرت فمنها الكريم ومنه المعاقب , أرأيت الأرزاق كيف دبرت وهل في الطيور زارع أو كاسب , أرأيت الأنعام كيف ذللت فجادت بألبانها لكل حالب , أرأيت النحل كيف رشف رحيق الزهور فأخرج الشفاء الشارب , أرأيت النمل كيف خزن طعامه وهل للنمل كاتب أو حاسب , أرأيت الإنسان كيف ضحك أرأيت كيف تثائب , أرأيت نفسك نائما وقد ذهبت بك الأحلام مذاهب , إذا أرأيت كله فاخشع فلا نجاه للهارب , واشهد أن سيدنا محمدا عبدالله ورسول الملك الواهب , ما من عاقل إلا وعلم أن الإيمان به حق واجب , سل العدوان وسل هل عابه في الحق عائب , سل الشهداء عنه هل كانت في الدنيا مأرب , سل صناديد قريش في قليب بدر الصادق ومن الكاذب , سل السيوف سل الرماح هل حملها مثله محارب , سل الغار عن الحمامة حيث باضت فأغشت أعينا كانت تراقب , سل سراقة عن قوائم حصانه كيف ساخت في الصخر حتى المناكب , سل أم العبد كيف سقاها اللبن والشاه مجهده وعازب , سل الشمس سل القمر عن نوره إذ الكل غارب , سل النجوم متى صلت وسلمت عليه في المسارب, سل المسجد الأقصى عن قرأنه والرسل تسمع والملائكة مواكب , سل الزمان متى توقف وسل المكان كيف تقارب , سل السموات السبع هل وطئها قبله رجل أو راكب , سل أبوابها كيف تفتحت ومن استقبله على كل جانب , سل الملائكة أين اصطفت لتحيته كما تصطف الكتائب , سل الروح الأمين لماذا توقف عند الحجاب ومن الحاجب , سل العشا عن حبهم والناس فيما يعشقون مذاهب , سل سدرة المنتهى عن كأس المحبة من الساقي ومن الشارب , يا رب صلى على الحبيب المصطفى أهل الفضل والمواهب , وعلى الصحب والآل ومن تبع عدد ما في الكون من عجائب وغرائب.
يقول الشاعر : إبراهيم بديوي :

لِلَّهِ فِي الآفَاقِ آيَاتٌ لَعَـ * * * ـلَّ أَقَلَّهَا هُوَ مَا إِلَيْهِ هَدَاكَا
وَلَعَلَّ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ آيَاتِهِ * * * عَجَبٌ عُجَابٌ لَوْ تَرَى عَيْنَاكَا
وَالْكَوْنُ مَشْحُونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا * * * حَاوَلْتَ تَفْسِيرًا لَهَا أَعْيَاكَا
قُلْ لِلطَّبِيبِ تَخَطَّفَتْهُ يَدُ الرَّدَى * * * يَاشَافِيَ الأَمْرَاض مَنْ أَرْدَاكَ؟
قُلْ لِلْمَرِيضِ نَجَا وَعُوفِيَ بَعْدَمَا * * * عَجَزَتْ فُنُونُ الطِّبِّ مَنْ عَافَاكَ؟
قُلْ لِلصَّحِيحِ يَمُوتُ لا مِنْ عِلَّةٍ * * * مَنْ بِالْمَنَايَا يَا صَحِيحُ دَهَاكَ؟
قُلْ لِلْبَصِيرِ وَكَانَ يَحْذَرُ حُفْرَةً * * * فَهَوَى بِهَا مَنْ ذَا الَّذِي أَهْوَاكَ؟
بَلْ سَائِلِ الأَعْمَى خَطَا بَيْنَ الزِّحَامِ * * * بِلا اصْطِدَامٍ مَنْ يَقُودُ خُطَاكَ؟
قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْزُولاً بِلا * * * رَاعٍ ومَرْعًى مَا الَّذِي يَرْعَاكَ؟
قُلْ لِلْوَلِيدِ بَكَى وَأَجْهَشَ بِالْبُكَاءِ * * * لَدَى الْوِلادَةِ مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟
وَإِذَا تَرَى الثُّعْبَانَ يَنْفُثُ سُمَّهُ * * * فَاسْأَلْهُ مَنْ ذَا بِالسُّمُومِ حَشَاكَ؟
وَاسْأَلْهُ كَيْفَ تَعِيشُ يَا ثُعْبَانُ أَوْ * * * تَحْيَا وَهَذَا السُّمُّ يَمْلأُ فَاكَ؟
وَاسْأَلْ بُطُونَ النَّحْلِ كَيْفَ تَقَاطَرَتْ * * * شَهْدًا وَقُلْ لِلشَّهْدِ مَنْ حَلاَّكَ؟
بَلْ سَائِلِ اللَّبَنَ الْمُصَفَّى كَانَ بَيْنَ * * * دَمٍ وَفَرْثٍ مَا الَّذِي صَفَّاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ الْحَيَّ يَخْرُجُ مِنْ حَنَا * * * يَا مَيِّتٍ فَاسْأَلْهُ مَنْ أَحْيَاكَ؟!!
قُلْ لِلْهَوَاءِ تَحُثُّهُ الأَيْدِي وَيَخْـ * * * ـفَى عَنْ عُيُونِ النَّاسِ مَنْ أَخْفَاكَ؟!
قُلْ لِلنَّبَاتِ يَجِفُّ بَعْدَ تَعَهُّدٍ * * * وَرِعَايَةٍ مَنْ بِالْجَفَافِ رَمَاكَ؟!!
وَإِذَا رَأَيْتَ النَّبْتَ فِي الصَّحَرَاءِ يَرْ * * * بُو وَحْدَهُ فَاسْأَلْهُ مَنْ أَرْبَاكَ؟!!
وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَدْرَ يَسْرِي نَاشِرًا * * * أَنْوَارَهُ فَاسْأَلْهُ مَنْ أَسْرَاكَ؟!
وَاسْأَلْ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَدْنُو وَهْيَ أَبْـ * * * ـعَدُ كُلِّ شَيءٍ مَا الَّذِي أَدْنَاكَ؟!
قُلْ لِلْمَرِيرِ مِنَ الثِّمَارِ مَنِ الَّذِي * * * بِالْمُرِّ مِنْ دُونِ الثِّمَارِ غَذَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ النَّخْلَ مَشْقُوقَ النَّوَى * * * فَاسْأَلْهُ مَنْ يَا نَخْلُ شَقَّ نَوَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ النَّارَ شَبَّ لَهِيبُهَا * * * فَاسْأَلْ لَهِيبَ النَّارِ مَنْ أَوْرَاكَ؟!
وَإِذَا تَرَى الْجَبَلَ الأَشَمَّ مُنَاطِحًا * * * قِمَمَ السَّحَابِ فَسَلْهُ مَنْ أَرْسَاكَ؟!
وَإِذَا تَرَى صَخْرًا تَفَجَّرَ بِالْمِيَاهِ * * * فَسَلْهُ مَنْ بِالْمَاءِ شَقَّ صَفَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ النَّهْرَ بِالْعَذْبِ الزُّلالِ * * * جَرَى فَسَلْهُ مَنِ الَّذِي أَجْرَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَحْرَ بِالْمِلْحِ الأُجَاجِ * * * طَغَى فَسَلْهُ مَنِ الَّذِي أَطْغَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ يَغْشَى دَاجِيًا * * * فَاسْأَلْهُ مَنْ يَا لَيْلُ حَاكَ دُجَاكَ؟!
وَإِذَا رَأَيْتَ الصُّبْحَ يُسْفِرُ ضَاحِيًا * * * فَاسْأَلْهُ مَنْ يَا صُبْحُ صَاغَ ضُحَاكَ؟!
يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَهْلاً مَا الَّذِي * * * بِاللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ أَغْرَاكَا؟
سَيُجِيبُ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ آيَاتِهِ * * * عَجَبٌ عُجَابٌ لَوْ تَرَى عَيْنَاكَا
ربِّي لَكَ الْحَمْدُ الْعَظِيمُ لِذَاتِكَ * * * حَمْدًا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ إِلاَّكَا
فعبادة التفكر هي عبادة الأنبياء ودرب الأتقياء ونور وبرهان للاهتداء فيها العبرات والعظات وبحر من الخيرات وفيها اليمن والبركات .
فاللهم واجعلنا ممن يعبدك حق العبادة ويشكر حق الشكر , واجعلنا ممن يتفكر في آلائك ويعترف بنعمائك,
اللهم واجعلنا هداة مهدين مهتدين , وأحسن خاتمنا يا رب العالمين .
صيد الفوائد بتصرف

مدونة زاد الآخرة
شروط مساعدة على التفكر:
1) تقوى الله سبحانه والخوف منه وترك فضول النظر والقول .
2) المداومة على تلاوة القرآن بتدبر وتمعن وتبصر.
3) المداومة على الاعتبار وتذكر الموت والآخرة ومصير الإنسان بعد هذه الحياة الفانية
تعديل / حذف المشاركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق