الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

02- مجالس شرح أصول السنة للإمام أحمد


المتن: وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ، وَلا يَكُونُ صَاحِبُهُ- إِنْ أَصَابَ بِكَلامِهِ السُّنَّةَ-مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الجِدَالَ ويُسَلِّمَ،وَيُؤْمِنَ بِالآثَارِ.
الشرح:
الخصومة والجدال في الدين منهي عنه، حينما يخاصم الإنسان ويناظر في النصوص فهذا يؤدي به إلى الإنكار وإلى التأويل، وهذه طريقة أهل البدع، الخصومات والجدال من طريقة أهل البدع.
والجدال والمراء بغير حقٍّ والدفاعِ عن الباطل وأهله من كبائرِ الإثمِ وعظائمِ الذنوب.كما سبق بيانه.

" إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ." الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2457 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -الدررر.

الألَدُّ:وهو الأعوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق، وهو المعوج عن الحق المولع بالخصومة والماهر بها.
الخَصِمُ:
مبالغة من المخاصمة ،الخَصِمُ :
الذي يغلب الناس بحُجَّتِهِ وهو مُبْطِل ليس على الحق .
الشرح:
في هذا الحديثِ تَحذيرٌ شديدٌ مِن المتَّصفِ باللَّدد في الخُصومةِ، وأنَّه أبغضُ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالى، والألدُّ الخَصِمُ هو المُولَعُ بِالخُصومِة الماهرُ فيها والدائمُ فيها كذلِك، وإنَّما كان هذا الرَّجلُ هو أبغضَ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالى؛ لأنَّه يُجادلُ عَنِ الباطلِ، وذلِك يَحمِل على ضَياعِ الحقِّ، والمطْلِ بالحقوقِ وظُلمِ أصحابها، ونُصرةِ الباطلِ، وقدْ قال تعالى"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ"البقرة: 204.


الدررر.

"وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ "البقرة: 204. أي: إذا خاصمته، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب, وما يترتب على ذلك، ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين، الذين جعلوا السهولة مركبهم، والانقياد للحق وظيفتهم، والسماحة سجيتهم. تفسير السعدي .
"أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ ألْحَنُ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ أخِيهِ شيئًا، بقَوْلِهِ: فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فلا يَأْخُذْهَا."الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2680 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -

إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ :يعني تتحاكمون إليَّ في الخصومة.

" سَمِعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ أقْضِي له بذلكَ، وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا."الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7185 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -


"ألا أخبرُكم بمَن يُحرَّمُ على النَّارِ ، وبمَن تُحرَّمُ علَيهِ النَّارُ ؟ علَى كلِّ قَريبٍ هيِّنٍ سَهلٍ "الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2488 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-

*وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ،
مَكْرُوهٌ : مكروه كراهة تحريم. مَنهِيٌّ عَنهُ.أي من السنن اللازمة التي يجب علينا أن نؤمن بها .
فالكلام في القدر كما سبق مذموم ، الإنسان يتكلم في القدر، يسأل، يعترض على الله لِمَ فعل كذا؟ ويسأل عن الكيفية، وكذلك عن الكلام في الرؤية، كونه يجادل في النصوص وتأويل النصوص بالعلم كما يفعل المعتزلة أو إنكار العلو، وكذلك الجدال في القرآن مكروه ومنهي عنه.
، يقول:
وَلا يَكُونُ صَاحِبُهُ- إِنْ أَصَابَ بِكَلامِهِ السُّنَّةَ-مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الجِدَالَ ويُسَلِّمَ،وَيُؤْمِنَ بِالآثَارِ..
أي
لا يكون صاحبه ؛أي صاحب هذا الجدال ، وإن أصاب بكلامه السنة لا يكون من أهل السنة بسبب هذا الجدال، حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار.
الآثار:أي النصوص، كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك آثار الصحابة والتابعين، لا يكون الإنسان من السنة حتى يترك الجدال ويؤمن بالنصوص والآثار، ويدع الخصومات.
وَلا يَكُونُ صَاحِبُهُ- إِنْ أَصَابَ بِكَلامِهِ السُّنَّةَ-مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الجِدَالَ ويُسَلِّمَ،وَيُؤْمِنَ بِالآثَارِ.
فمن أصاب بكلامة السنة لا يكون من أهل السنة حتى يكون تلقيه من الكتاب والسنة .
ومن عظمة منهج أهل السنة في التلقي أنهم يعتصمون بالكتاب والسنة في كل شؤونهم، متَّبعون للمُحكم، مؤمنون بالمُتشابه، ولا يُعارضون النصوص بالعقول البشرية.
قال ابن تيمية - رحمه الله"وقد أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعًا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلاَّ ذُكِرَ معه"

قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" النساء:59.
"
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" التغابن: 12.

فلا يُذكر الله إلاَّ ذُكِرَ معه:
"أَشْهَدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"
*وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ، أي من السنن اللازمة التي يجب علينا أن نؤمن بها .وخصَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى الإيمان بالقدر بالذكر لأن أهل البدع في زمانه من القدرية والجبرية أنكروه .. فأراد رحمه الله تعالى أن يرد عليهم،وكذلك الرؤية كما سبق تفصيله.

لا يجوز للمسلم أن يخاصم أحدًا في دين الله سبحانه تعالى ، وإنما عليه الاستسلام والانقياد لدين الله سبحانه وتعالى. 

___________ 

الْقُرْآنُ كَلَامُ اَللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ

المتن :والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلا يَضْعُفُ أَنْ يَقُولَ:لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،قَالَ:فإنَّ كَلامَ اللهِ مِنْهُ وَلَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ،وَلَيْسَ مِنْهُ شَيءٌ مَخْلُوقٌ،وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وإنمَا هُوَ كَلامُ اللهِ فَهَذَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ مِثْلَ مَنْ قَالَ:هُوَ مَخْلُوقٌ وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
الشرح:
والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، وَلا يَضْعُفُ أَنْ يَقُولَ:لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، :يعني أن هذا القرآن الذي نقرأه بألسنتِنا، ونحفظه في صدورِنا ونكتبه في ألواحِنا وكُتُبِنا ؛ كلام الله حقيقة لفظه ومعناه وليس بمخلوق ، لا يَضْعُف: أي يكن قويًّا نشيطًا في معتقدِهِ وفي إعلانِهِ وإظهارِهِ معتقد أهل السنة.
وأهل السنة لا يبحثون عن كيفية تكلمه تعالى به، لأننا نؤمن به سبحانه ، ولا نحيط به علمًا، قال تعالى"
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا "طه:110. وقال تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى :11.
هذا هو موقف السلف من صفة الكلام بإيجاز،لما دلت عليه النصوص، فلتكلم من أوصاف الكمال ، وضده من أوصاف النقص،قال تعالى "
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ* أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا " طه: 89/88 .
قال الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية:

أي: لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا، فالعادم للكمال والكلام والفعال لا يستحق أن يعبد وهو أنقص من عابديه، فإنهم يتكلمون ويقدرون على بعض الأشياء، من النفع والدفع، بإقدار الله لهم.
فالله تعالى تكلم بكلام بحرفٍ وصوتٍ يُسمع، فلا بد من الإيمان بأن كلام الله حرف وصوت، لفظ ومعنى، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة بدلالة النصوص.

ومن أقوى الأدلة على أن القُرآنَ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ؛قوله تعالى"وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ "الأعراف:143.
وقوله تعالى "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ" التوبة:6.قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة:
وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفِهَا، وبُطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم‏:‏ أن القرآن مخلوق‏.‏ا.هـ.
ومن أقوى الأدلة على أن الله يتكلم حقيقة باللفظ والمعنى، قوله تعالى "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا"سورة النساء آية: 164. حيث أكد الكلام بالمصدر المثبِت للحقيقة النافي للمعنى المجازِي، وهو أسلوب معروف عند أهل اللغة، فمن قال: قتلتُ العدوَّ قتلًا؛ لا يُفْهم من كلامه إلا القتل الحقيقي الذي هو إزهاق الروح، بخلاف ما لو قال: قتلتُ العدوَّ؛ فسكت، فإنه يحتمل القتل الحقيقي، ويحتمل الضرب الشديد المؤلم جدًا.
هذه الصفة - صفة الكلام - من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب.
فصفة الكلام صفة ذاتية فعلية ،
صفة ذاتية قائمة بذاته تعالى كأصل للصفة،لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا أزلًا وأبدًا،لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، لم يزل عالمًا ولا يزال عالمًا، ولم يزل.
وهي صفة فعل باعتبار أفراد وآحاد الكلام،
لأن الكلام يتعلق بمشيئته سبحانه .
آحاد الكلام مثل قوله تعالى "
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " النساء/ 164.

*كلام الله نوعان:

مسموع من الله بواسطة :كما سمع الصحابة كلام الله بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما يسمع كلام الله بواسطة قراءة القارئ.

والنوع الثاني: كلام بلا واسطة كما سمع جبرائيل من الله،
لا خلاف أن القرآن نزل من الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله كان يُنزل جبريل به شيئًا فشيئًا، وأن جبريل سمعه منه سبحانه ، وأن جبريل ما كان ينزل إلا بأمر الله، لقوله تعالى" قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ "النحل:102.

رُوحُ القُدُسِ:هو جبريل عليه السلام.

قال تعالى "وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ"الشعراء:194:192.


قال شيخ الإسلام في الفتاوى:وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَخَلَفِهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْقُرْآنَ مِنْ جِبْرِيلِ وَجِبْرِيلُ سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

مجموع الفتاوى/ صفحة 2093 / 16874 .مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - ج 5 -
قال ابن حجر في فتح الباري :21/69 : ...وَالْمَنْقُولُ عَنِ السَّلَفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمَّتِهِ .ا.هـ. كتاب فتح الباري لابن حجر.
وكما سمع موسى كلام الله بدون واسطة ،قال تعالى " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " النساء/ 164 ، وقال عز وجل"وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ"الأعراف/ 143 ، وقال سبحانه " يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي " الأعراف/ 144 .
وكما سمع نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج كلام الله بدون واسطة:
كما ورد في حديث الإمام مسلم الطويل
".....
فأوْحَى اللَّهُ إلَيَّ ما أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فإنِّي قدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرائِيلَ وخَبَرْتُهُمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ، خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بيْنَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالَى، وبيْنَ مُوسَى عليه السَّلامُ حتَّى قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذلكَ خَمْسُونَ صَلاةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ له عَشْرًا، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها لَمْ تُكْتَبْ شيئًا، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ سَيِّئَةً واحِدَةً، قالَ: فَنَزَلْتُ حتَّى انْتَهَيْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرْتُهُ، فقالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: قدْ رَجَعْتُ إلى رَبِّي حتَّى اسْتَحْيَيْتُ منه."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 162 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فهذا الحديث : نص واضح على حصول الكلام بين النبي صلى الله عليه وسلم ، ورب العزة جل جلاله ، فقد رجع إلى ربه ، وقال له "فَقُلتُ: يا رَبِّ"ثم قال له رب العزة بعد ذلك" يا مُحَمَّدُ" وهذا كله بيِّن واضح في حصول التكليم المباشر ليلة الإسراء والمعراج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فإن الله كلم موسى وأمره بلا واسطة ، وكذلك كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمره ليلة المعراج ، وكذلك كلم آدم وأمره بلا واسطة ، وهي أوامر دينية شرعية "، انتهى من "مجموع الفتاوى" 2/ 320.
وقال ابن القيم رحمه الله " كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء " انتهى من"زاد المعاد" 1/ 79.
قال " الحافظ ابن حجر" في "الفتح" 7/ 216 " هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة " .الإسلام سؤال وجواب .


"كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ فتفاوتَ بينَ أصحابِهِ في السَّيرِ فرفعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صوتَهُ بِهاتينِ الآيتينِ" يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ " إلى قولِهِ - وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" فلمَّا سمعَ ذلِكَ أصحابُهُ حثُّوا المطيَّ وعرفوا أنَّهُ عندَ قولٍ يقولُهُ فقالَ" هل تدرونَ أيُّ يومٍ ذلِكَ" قالوا اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ قالَ" ذاكَ يومٌ يُنادي اللَّهُ فيهِ آدمَ فيُناديهِ ربُّهُ فيقولُ يا آدمُ ابعَث بعثَ النَّارِ، فيقولُ أي ربِّ وما بَعثُ النَّارِ، فيقولُ من كلِّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وَتِسْعونَ إلى النَّارِ وواحدٌ إلى الجنَّةِ "فيئِسَ القومُ حتَّى ما أبدَوا بضاحِكَةٍ فلمَّا رأى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الَّذي بأصحابِهِ قالَ" اعمَلوا وأبشِروا فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ إنَّكم لمعَ خَليقتينِ ما كانتا معَ شيءٍ إلَّا كثَّرَتاهُ يأجوجُ ومأجوجُ ومن ماتَ من بَني آدمَ وبَني إبليسَ" قالَ فسُرِّيَ عنِ القومِ بعضُ الَّذي يجدونَ قالَ "اعمَلوا وأبشِروا فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ ما أنتُمْ في النَّاسِ إلَّا كالشَّامةِ في جنبِ البعيرِ أو كالرَّقْمةِ في ذراعِ الدَّابَّةِ"الراوي : عمران بن الحصين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3169 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-



"يقولُ اللَّهُ تَعالَى: يا آدَمُ، فيَقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيَقولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وما هُمْ بسُكارَى، ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وأَيُّنا ذلكَ الواحِدُ؟ قالَ " أبْشِرُوا، فإنَّ مِنكُم رَجُلًا ومِنْ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا. ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي أرْجُو أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: أرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: أرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: ما أنتُمْ في النَّاسِ إلَّا كالشَّعَرَةِ السَّوْداءِ في جِلْدِ ثَوْرٍ أبْيَضَ، أوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضاءَ في جِلْدِ ثَوْرٍ أسْوَدَ."الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3348 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح:
يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث القدسِيِّ عن ربِّ العِزَّة: "يقول اللهُ تعالى: يا آدَمُ، فيقول: لبَّيْك"، أي: إجابةً لَك بعدَ إِجَابةٍ ولزُومًا لطاعتِك "وسَعْدَيك" أي: أَسْعِدْني إسعادًا بَعْد إِسْعادٍ"والخَيْر في يدَيك................
في الحديث: عِظَم هَوْل يومِ القِيامة.
وفيه: إخباره صلَّى الله عليه وسلَّم عن الغَيْبيَّات.
وفيه: رحمة الله عزَّ وجلَّ بأمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم. الدرر السنية.

ودلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة أن الله تعالى يكلم أهل الجنة ويكلمونه ، وأنهم يتنعمون بسماع كلامه .
قال الله تعالى"إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ" يس/55-58 .
ففي هذه الآية الكريمة : أن الله تعالى يسلم على أهل الجنة.
قال القاسمي :
" سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ" أي : ولهم سلام ، يقال لهم قولًا كائنًا منه تعالى.
والمعنى : أنه تعالى يسلم عليهم تعظيمًا لهم . كقوله"تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ" الأحزاب/44 " انتهى من " محاسن التأويل " 8/190 .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
"ولهم أيضًا "سَلامٌ " حاصل لهم" مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ " ففي هذا : كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم ، وأكده بقوله" قَوْلًا " وإذا سلم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم، الرءوف الرحيم، لأهل دار كرامته ، الذي أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدًا، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك.
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص697 . موقع الإسلام سؤال وجواب.
وكلم الله سبحانة جبريل عليه السلام:، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3209 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية-


وفي الحديثِ: أَنَّ مَحَبَّةَ قُلُوبِ النَّاس عَلَامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ.
"يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَى بيدِه إلى الشامِ عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال قلتُ ما بُهْمًا قال ليس معهم شيءٌ فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولاينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال بالحسناتِ والسيئاتِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة- الصفحة أو الرقم: 514 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.

الشرح:
الظُّلمُ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ، ولن يَترُكَ اللهُ عزَّ وجلَّ المظلومَ؛ حتى يَأخُذَ له حَقَّه ممَّن ظلَمه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذا المَشْهَدِ العَظيمِ، ألَا وهو مَشهَدُ يَومِ القِيامَةِ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يَحشُرُ اللهُ العِبادَ -أو قال: يَحشُرُ اللهُ النَّاسَ-"، أي: يَومَ القِيامَةِ "وأَوْمَأَ بيَدِه إلى الشَّامِ"، أي: يُخرِجُهم اللهُ عزَّ وجلَّ ويَجمَعُهم في أرضِ المَحشَرِ بالشَّامِ، "عُراةً غُرْلًا"، أي: غيرَ مَخْتونينَ "بُهْمًا" وفسَّر البُهْمَ، قال: ليس معهم شَيءٌ، "فيُناديأي: اللهُ عزَّ وجلَّ، "بصَوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ" وقَولُه "فيُنادي بصَوتٍ"؛ لأنَّ النِّداءَ لا يكونُ إلَّا بصَوتٍ، وهذا في غايَةِ الصَّراحَةِ والوُضوحِ في أنَّ اللهَ يَتكلَّمُ بكَلامٍ يُسمَعُ منه تَعالى، وأنَّ له صَوتًا، ولكنَّ صَوتَه لا يُشبِهُ أصواتَ خَلْقِه، فليس كمِثْلِه شَيءٌ؛ ولذلك قال "يَسمَعُه مَن بَعُدَ كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ"، أي: إنَّ هذا الصَّوتَ يَسْتوي في سَماعِه القَريبُ والبَعيدُ، فيقولُ "أنا المَلِكُ، أنا الدَّيَّانُوالدَّيَّانُ مَأْخوذٌ من "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" الفاتحة: 4، أي: هو المُحاسِبُ والمُجازي، ولا يُضيعُ عَمَلًا، "لا يَنبَغي لأحَدٍ من أهلِ الجَنَّةِ أنْ يَدخُلَ الجَنَّةَ، وأحَدٌ من أهلِ النَّارِ يُطالِبُه بمَظلِمَةٍ"، أي: لن يُؤذَنَ لعَبدٍ من أهلِ الجَنَّةِ أنْ يَدخُلَها إلَّا بعدَ أنْ تُقتَصَّ منه المظالِمُ، إنْ كان قد ظلَم أحَدًا وإنْ كان هذا المظلومُ مِن أهلِ النارِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه لا يُغفِلُ له حقَّه حتى وإنْ أُكِّدتْ للمَظلومِ الجَنَّةُ وأُكِّدتْ للظالمِ النارُ، وهذا للتنبيهِ والتشديدِ على تحقُّقِ الجزاءِ والحِسابِ، "ولا يَنبَغي لأحَدٍ من أهلِ النَّارِ أنْ يَدخُلَ النَّارَ، وأحَدٌ من أهلِ الجَنَّةِ يُطالِبُه بمَظلِمَةٍ"، أي: وكذلك أهلُ النَّارِ سوف تُقتَصُّ منهم المظالِمُ؛ ليَأخُذَ اللهُ عزَّ وجلَّ للمَظلومِ حَقَّه من ظالِمِه، وهذا مِن عَدْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ بين العِبادِ، "قالوا: وكيف، وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا"، أي: كيف يُقتَصُّ للمَظلومٍ، ونحن عُراةٌ ليس معنا شَيءٌ نَدفَعُه له، ليس معنا مالٌ، ولا أيُّ شَيءٍ آخَرُ؟
"قال: بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ"، أي: إنَّ إعطاءَ الحُقوقِ يَومَ القِيامَةِ سوف يكونُ بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، فيأخُذُ المَظلومُ من حَسَناتِ مَن ظلَمه بقَدْرِ مَظلِمَتِه، فإذا فَنِيَتْ حَسَناتُ الظالِمِ، أُخِذَ من سيِّئاتِ المَظلومِ وأُضيفَتْ إلى سيِّئاتِه إلى أنْ يَستوفِيَ كُلُّ إنسانٍ حَقَّه.
وفي هذا تَذكيرٌ لكُلِّ إنسانٍ أنْ يَبتَعِدَ عن ظُلْمِ النَّاسِ، وإنْ كان قد ظلَم أحَدًا، فلْيَتَحلَّلْه اليَومَ قَبلَ أنْ يأتيَ يَومٌ لا دِينارٌ فيه ولا دِرهَمٌ.
وفي الحديثِ: إثباتُ الصَّوتِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بجَلالِه.الدرر السنية.
___________ 
*وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وإنمَا هُوَ كَلامُ اللهِ فَهَذَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ، مِثْلَ مَنْ قَالَ:هُوَ مَخْلُوقٌ ،وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. الشرح: وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ : يقصد الإمام من قال لفظي بالقرآن مخلوق ،هذه العبارة لا يجوز إطلاقها نفيًا ولا إثباتًا؛وإنما يفصل فيها، لأن اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد، وبين الملفوظ به الذي هو القرآن.
اللجنة الدائمة:
من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كلام مجمل يحتمل الحق والباطل، فالواجب أن يستفصل منه ويسأل عن قصده، فإن قصد باللفظ الصوت فهو صحيح، أما إن قصد بالملفوظ به وهو القرآن فهو باطل، وهو قول الجهمية والمعتزلة. فالواجب ترك هذا اللفظ المجمل، وأن يعتني المتكلم بالتفصيل، حتى لا يقع فيما وقع فيه أهل البدع.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " فتاوي اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية : 3 / 18 .



*الشبخ محمد صالح بن عثيمين
الكلام في هذا الفصل يتعلق بالقرآن فإنه قد سبق أن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن اللفظ بالقرآن هل يصح أن نقول: أنه مخلوق، أو غير مخلوق، أو يجب السكوت؟
فالجواب أن يقال: إن إطلاق القول في هذا نفيًا أو إثباتًا غير صحيح، وأما عند التفصيل فيقال: إن أريد باللفظ التلفظ الذي هو فعل العبد فهو مخلوق، لأن العبد وفعله مخلوقان، وإن أريد باللفظ الملفوظ به فهو كلام الله غير مخلوق، لأن كلام الله من صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ويشير إلى هذا التفصيل قول الإمام أحمد رحمه الله " من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي " فقوله: يريد به القرآن يدل على أنه إن أراد به غير القرآن وهو التلفظ الذي هو فعل فليس بجهمي. والله أعلم. " مجموع فتاوي بن عثيمين " 4 / 65 .

حق المتسنن ، أي الذي تعمل ويتبع السنة أن يَدَعه، أي يترك هذا اللفظ، فلا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، فيترك هذا اللفظ ولا يتفوه به ولا بمثله، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المُتّبعَة، من العلماء والأئمة الذين قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ولا يزيد، لا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ولا يزيد عليه إلا أنه يُكَفَّر من قال بخلق القرآن.الشيخ الراجحي.


*وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ:
وأيضًا لا نناظر هؤلاء الوقفية المبتدعة الذين توقفوا وقالوا لا ندري القرآن مخلوق أو ليس بمخلوق ،فهؤلاء الوقفية أصحاب بدعة مثل من قال
:هُوَ مَخْلُوقٌ.والحق أنه كلام الله كما قال الإمام أحمد :
*وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
 _____________ 
* وَالإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا رُوِيِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ.
وأَنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَدْ رَأَى رَبَّهُ،فَإِنَّهُ مَأْثُورٌعَنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ،-قَدْ-رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ الحَكَمُ بنُ أَبَانَ عَن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ عَلِيٌّ بنُ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الشرح:

سبق الكلام في الرؤية والإيمان بالرؤية يوم القيامة يعني رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، يعني من عقيدة أهل السنة والجماعة ومن أصول السنة عند أهل السنة الإيمان بالرؤية يوم القيامة، يعني برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر، فالمؤمن يرى ربه بعيني رأسه، يراه من فوقه، ترون ربكم كما ترون القمر، ونحن نرى القمر من فوقنا، فنحن نرى الله من فوقنا ترون ربكم كما ترون القمر هذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيها للمرئي بالمرئي، ليس تشبيها لله بالقمر، الله لا يشبه أحدا من خلقه، وإنما تشبيه للرؤية يعني ترون ربكم رؤية واضحة من فوقكم كما ترون القمر رؤية واضحة من فوقكم، وليس المراد أن الله مثل القمر تعالى الله.
فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ.
فنصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. ففي الكتاب العزيز: قال الله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " سورة القيامة آية رقم:22 - 23 .
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ
"
سورة القيامة ؛ آية رقم:22.أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.
"
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" أي: تنظر إلى ربها ....فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالًا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله .
قال سبحانه"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "سورة يونس ؛ آية رقم:26. جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.

"في قولِه تعالى " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " قالَ : إذا دخلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ نادى مُنادٍ : إنَّ لَكُم عندَ اللَّهِ موعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكموهُ ، قالوا : ألَم يبيِّض وُجوهَنا ويُنْجِنا منَ النَّارِ ويدخِلَنا الجنَّةَ ؟ قالَ : فيُكْشفُ الحجابُ قالَ : فواللَّهِ ما أعطاهمُ شيئًا أحبَّ إليهم منَ النَّظرِ إليهِ ." الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3105 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-

ومنها: حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي

«كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: أما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ - أوْ لا تُضَاهُونَ - في رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ" وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا » طه: 130.الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 573 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
________________ 
 
 *وَالحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَالكَلامُ فِيهِ بِدْعَةٌ،وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلا نُنَاظِرُ فِيهِ أَحَدًا.
الشرح:
سبق
وقال الإمام أحمد:ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ؛ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ.
الشرح: أي من لم يعرف تفسير شيء من هذه الأحاديث ، فقد كفاه الله ذلك بأن لا يبحث عنها- فليس مطلوب منه البحث والتنقيب عن ما قصر عليه عقله ؛ وإنما يجب عليه أن يؤمن وأن يسلم بها ، فلا يجوز للعقل الإنساني أن يتعمق فيها بالبحث لأنه لا يستطيع استيعابها .

ويجب إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "الشعراء:193. وقوله" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "يوسف:2. وقوله" إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "الزخرف:3. وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال" أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "البقرة:75. وقال تعالى"مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا "النساء:46. الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة .
والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات، وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات ، مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.
وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلًا،. ...
. الدرر -
ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب:
السياق ،وما يضاف إليه الكلام،وتركيب الكلام.
*
مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "السياق" لفظ القرية معناه يختلف بختلاف السياق
قوله تعالى"وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا" الإسراء 58.
قَرْيَةٍ : في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " القوم"
ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم"إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة"العنكبوت: 31.
الْقَرْيَة في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " المساكن وليس القوم .
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "ما يضاف إليه الكلام"
تقول: صنعت هذا بيدي- هنا أُضيفت اليد للمخلوق-
فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"سورة ص: 75.

*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "التركيب"
ماعندك إلا زيد، ومازيد إلا عندك،
-ماعندك إلا زيد المعنى لايوجد أحد عندك إلا زيد فقط
- ومازيد إلا عندك المعنى زيد غير موجود في أي مكان إلا عندك ولكن هذا لا يمنع أن يكون عندك أحد آخر غير زيد في وجود زيد.
فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.القوعد المثلى للعثيمين -

__________________ 
 * وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
الشرح:

إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 . أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم يوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى .
قال صلى الله عليه وسلم" إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ : فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

*حقيقة الموزون يوم القيامة

ومع وضوح قيام الوزن كإحدى الحقائق الغيبيّة التي وردت بها النصوص، وأجمع السلف عليها، إلا أن خلافًا قد ورد بينهم حول طبيعة ما سيوضع في تلك الموازين وفقًا لبعض الألفاظ الواردة فيما يوزن فيها، وكانت أقوال أهل العلم على النحو الآتي:
القول الأول: أن الله تعالى يضع في الموازين أعمال العباد، فهي وإن كانت معانٍ مجرّدة، إلا أن الله تعالى –وهو القادر على كل شيء-، يحوّلها إلى أجسامٍ حقيقيّة، فتوضع الحسنات في إحدى كفّتي الميزان، والسيئات في الكفّة الأخرى.
والدلائل على وزن الأعمال يوم القيامة كثيرةٌ جدًا، منها قوله تعالى"
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون: 102-103.

ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ " صحيح سنن الترمذي 1629.
القول الثاني: أن العامل نفسه يوزن كذلك، فيكون مقياس تفاضلهم في الميزان على الأعمال لا على الأبدان، فيثقل المرء بثقل أعماله، ويخفّ بخفّتها وقلّتها.

واستدلّ القائلون لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا " فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " رواه البخاري 4729 .

وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِمَّ تَضْحَكُونَ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ " حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418 .
نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا .

بعد هذه الأقوال يمكن أن نتساءل: ما الذي يوضع في الميزان يوم القيامة؟ والجواب هو بالعودة إلى المعنى الذي تمّ ذكره في بداية الموضوع، بأن المقصود من وضع الموازين هو بيان أثر الأعمال في نجاة الشخص أو خسارته يوم القيامة، فوزن الأعمال هو الأصل في ذلك، ولا إشكال في كونِ الأعمال الموزونة أصلها معانٍ، فالله القادر على كلّ شيء، وسعت قدرتُه في تحويل المعاني إلى أجسامٍ لها وزن، وقد ضرب الله لنا مثلاً بتحويل الموت إلى كبشٍ يوم القيامة ثم يُذبح بين الجنّة والنار –كما ثبت في الحديث الصحيح-.

ولا إشكال في إمكانِ وزنِ العاملين يوم القيامة فقد وردت النصوص السابقة في حقّهم، إلا أنه يبدو -والله أعلم- أنهم في الغالب لن يوزنوا يوم القيامة، بمعنى: لن يوضع كلّ مكلّفٍ في الميزان فيُوزن مع عمله، لأن المقصود الأعظم من وضع الميزان هو إجراء التفاضل بين الأعمال، وبالأعمال يظهر حال المكلّف ويتحدّد مصيره، أما النصوص التي ذكرتْ وزن الرجل العظيم وبأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فليس صريحًا في كون المكلّفين جميعًا يوضعون في الميزان كما توضع الأعمال، بل إن سياق الحديث يبيّن معنى حقارةِ قدره، فلا يُعتدّ به، ولا يكون له عند الله منزلة، فكأنّه بيانٌ عن حالةٍ تبيّن طبيعة الوزن، لا أنها تُثبت حقيقته وحصوله كحالةٍ مستقرّة.

قال السفاريني" هذا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا للذي يغترّ ببعض الأجسام، وهو كنايةٌ عن عدم اكتراث الله بالأجساد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب، فكم من جسمٍ وسيمٍ وهو عند الله من أصحاب الجحيم، فهذا محمل الحديث الصحيح".

وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فكذلك، فنصّ الحديث"لهما أثقل في الميزان من أحد" فلو وُزن ابن مسعودٍ رضي الله عنه يوم القيامة لكان وزنُ ساقيه تثقلان على جبل أحد، وما كان ثقلهما إلا بسبب فعل صاحبهما من الحسنات الكثيرة التي بسببها فاقت وزن جبلٍ كامل، أما القدر الزائد من الفهم، وهو أن العاملين سيوزنون مع أعمالهم، فيحتاج إلى نصٍّ أكثر وضوحًا، كمثل الحديث الذي رواه أحمد، وقد تقدّم، وفيه"توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة" فهو نصٌّ في بابه، إلا أن الحديث فيه ضعفُ من جهة راويه أبي لهيعة.

والحق أن القول بوزنِ العاملين له قوّة، وقال به عددٌ كبير من العلماء، إلا أن القول بوزن الأعمال فقط هو الأظهر، وهو رأي السفاريني والقرطبي وابن عبدالبر وغيرهم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، والعلم عند الله تعالى.

-هنا -


* وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
يعني يجب على المسلم الإيمان بالميزان والإيمان به يعني بالميزان والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك، وترك مجادلته، من هو الذي رد ذلك؟ المعتزلة ردوا النصوص فلا نجادلهم ، لأن الجدال معهم عقيم ، كيف نجادل من رد النصوص ، لا نخاصم ولا نجادل ولكن نبين لهم النصوص، فإن قبلوها فالحمد لله وإن تركوها فلا نجادلهم؛ ولهذا قال:
وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
مقتبس من موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.

________________ 

* وَأَنَّ اللهَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ،والإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:

سبق وتكلمنا عن هذه الصفة - صفة الكلام -عند قول المؤلف :والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وصفة الكلام
من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب.
فصفة الكلام صفة ذاتية فعلية ،
صفة ذاتية قائمة بذاته تعالى كأصل للصفة،لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا أزلًا وأبدًا،لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، لم يزل عالمًا ولا يزال عالمًا، ولم يزل.
وهي صفة فعل باعتبار أفراد وآحاد الكلام،
لأن الكلام يتعلق بمشيئته سبحانه .
آحاد الكلام مثل قوله تعالى "
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " النساء/ 164.

"يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَى بيدِه إلى الشامِ عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال قلتُ ما بُهْمًا قال ليس معهم شيءٌ فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولاينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال بالحسناتِ والسيئاتِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة- الصفحة أو الرقم: 514 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.
فعلينا الإيمان والتصديق
بأن الله جل في علاه يتصف بصفة الكلام أزلًا وأبدًا ،وهي صفة ذاتية كأصل لا تنفك عنه سبحانة، وباعتبار آحاد الصفة فهي صفة فعل ، ومن آحاد صفة الكلام : يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ.كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة الصريحة ، كما هو في الحديث السابق وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر للأدلة المثبتة لذلك.

________
* وَالإيمَانُ بِالحَوْضِ،وَأَنَّ لِرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حَوْضًَا يَوْمَ القِيَامِةِ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ،عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ،آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الأَخْبَارُ مَنْ غَيْرِ وَجْهٍ،وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي.ومن أدلة ذلك:

"أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إلَيَّ رِجالٌ مِنكُمْ، حتَّى إذا أهْوَيْتُ لِأُناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابِي، يقولُ: لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7049- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-

وفي الحديثِ: خَطورةُ الابتِداعِ في الدِّين وتَبديلِه، ويَدخُل في هذا: جميعُ أهلِ البِدع، وكذلك أهلُ الظُّلمِ والجَورِ؛ فكلُّهم مُحْدِث مُبدِّل.

"إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً ، وإنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2443 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
أي: كما أنَّ لي حوضًا سوف تَشْربونَ منه، فإنَّ لكُلِّ نبيٍّ مِنْ الأنبياءِ حوضًا تَشْرَبُ منه أُمَّتُه وتَرِدُ عليه.الدرر-

إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر ، ثم يقومون في أرض المحشر قيامًا طويلًا ، تشتد معه حالُهم وظمؤُهُم ، ويخافون في ذلك خوفًا شديدًا ؛ لأجل طول المقام ، ويقينهم بالحساب ، وما سيُجري الله - عز وجل – عليهم .
فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم أولًا حوضه المورود ، فيكون حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
فمن مات على سنّته ، غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ : وَرَدَ عليه الحوض ، وسُقِيَ منه ، فيكونُ أول الأمان له أن يكون مَسْقِيًّا من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ،ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه ، فيُسْقَى منه صالح أمته .
ترتيب أحداث يوم القيامة .

*
هل الحوض هو الكوثر أو غيره؟
اختلف في ذلك العلماء ولعل أظهر أقوالهم وأصحها دليلًا وتعليلًا هو أن الحوض غير الكوثر وهو خارج الجنة أما الكوثر فداخلها وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد سبق أن ذكرت جملة منها والحوض يتغذى من الكوثر إذ يصب ميزابان من الكوثر على الحوض كما في حديث أبى ذر رضي الله عنه قال" قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما آنِيَةُ الحَوْضِ قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِن عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَن شَرِبَ منها لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ ما عليه، يَشْخَبُ فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، ما بيْنَ عَمَّانَ إلى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ".الراوي : أبو ذر الغفاري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2300 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر.

وهو حوض عظيم ـ والحوض هو : مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة ، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما ورد بهذا الحديث السابق ذكره "يَشْخَبُ - يصب - فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ"
وورد في حديث
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وَسُئِلَ عن شَرَابِهِ فَقالَ: أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، يَغُتُّ فيه مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ، أَحَدُهُما مِن ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِن وَرِقٍ. " الحديث . الدرر -
صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2301.مِن وَرِقٍ أي من فضة .

الميزاب: قَنَاةٌ أَوْ أُنْبُوبٌ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنِ المواضع العالية.
"والميزابُ" ما يُركَّبُ في السَّقفِ ويُمَدُّ منهُ؛ ليَسيلَ منهُ الماءُ؛ "يَمُدَّانِه" أي: يَزيدانه ويُكثِرانِه "منَ الجنَّةِ"، أي: مِن أَنهارِها.
*مقطع صوتي للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.يجيب فيه على السؤال الآتي:


ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ ما صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟
يَتَلَخَّص في صفة الحوض من الأحاديث السابقة ما يلي:
سعته: مسيرة شهر، وهذا تحديد بالزمان، ومَن أراد التحديد بالمسافة فليتأمل المسافة بين البلدان السابقة.
لونه: أبيض من اللبن، وأبيض من الوَرِق؛ أي: الفضة.
طعمه:أحلى من العسل، ومَنْ يشرب منه لا يظمأ أبدًا.
رائحته: أطيب من ريح المسك.
آنيته: كنجوم السماء في العدد والنور واللمعان.
يصب فيه:
مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ : أحدهما من ذهب، والآخر من فضة.هنا-
____________________ 

*وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:

الحياة التي يعيشها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
- الحياة الدنيا ، والتي تنتهي بالموت .
- حياة البرزخ ، وهي التي تكون بعد الموت إلى قيام الساعة .
- حياة الآخرة ، وهي التي تكون بعد قيام الناس من قبورهم إما إلى جنةٍ ، نسأل الله من فضله ، وإما إلى نار والعياذ بالله .
فالحياة البرزخية هي التي تكون بعد موت الإنسان إلى بعثه ، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع ، والذي يدل على هذه الحياة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت بعدما يوضع في قبره يسمع قرع نعال أهله ، كما جاء في الحديث .
"إنَّ المَيتَ إذا دُفِنَ ، سمِعَ خَفْقَ نعالِهِم إذا ولَّوْا عنهُ مُنصَرِفينَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 1967- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-
وهذه الحياة البرزخية إما أن تكون نعيمًا وإما أن تكون جحيمًا ، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .
إنَّما القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ أو حفرةٌ من حفرِ النَّارِ" الراوي : أبو سعيد الخدري- المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح -الصفحة أو الرقم: 5/74 - خلاصة حكم المحدث : حسن كما قال في المقدمة.

واختلف العلماء في صحة نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه صحيح المعنى .
ويغني عنه حديث البراء المشهور في عذاب القبر ونعيمه .

والذي يدل على النعيم والعذاب فيها ، قول الله تعالى عن قوم فرعون " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " سورة غافر/46 .
فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحًا ومساءً مع أنهم ماتوا ، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر .
قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .
" تفسير ابن كثير " 4 / 82 . هنا -
*قال صلى الله عليه وسلم:
".......فَأُوحِيَ إلَيَّ: أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أوْ - قَرِيبَ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ ما عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ؟ فأمَّا المُؤْمِنُ أوِ المُوقِنُ - لا أدْرِي بأَيِّهِما قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: هو مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى، فأجَبْنَا واتَّبَعْنَا، هو مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا، فيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بهِ. وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: لا أدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ." الحديث .الراوي : أسماء بنت أبي بكر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 86 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -

في الحديثِ: إثباتُ سؤالِ القبرِ للمؤمِن والمنافقِ والكافرِ.
وفيه: إثباتُ عذابِ القبرِ، وهو مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعة.
"أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، فيُقَالُ: هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- - الصفحة أو الرقم: 1379 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -
"إذا خَرَجَتْ رُوحُ المُؤْمِنِ تَلَقَّاها مَلَكانِ يُصْعِدانِها. قالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِن طِيبِ رِيحِها وذَكَرَ المِسْكَ. قالَ: ويقولُ أهْلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وعلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فيُنْطَلَقُ به إلى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يقولُ: انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ: وإنَّ الكافِرَ إذا خَرَجَتْ رُوحُهُ، قالَ حَمَّادٌ وذَكَرَ مِن نَتْنِها، وذَكَرَ لَعْنًا، ويقولُ أهْلُ السَّماءِ رُوحٌ: خَبِيثَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ. قالَ فيُقالُ: انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَيْطَةً كانَتْ عليه، علَى أنْفِهِ، هَكَذا."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2872 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:

هَذا حديثٌ عَظيمٌ في خُروج رُوحِ المُؤمنِ والكافرِ وعُروجِهما إلى السَّماءِ، وما في رُوحِ المُؤمنِ من طِيبٍ، وما في رُوح الكافرِ مِن خُبثٍ.
فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بمبدأِ خُروجِ الرُّوحِ؛ فإنَّه إذا خَرجَتْ رُوحُ المؤمنِ تَلقَّاها مَلكانِ يُصعِدانِها، قال حمَّادٌ: وهوَ أَحدُ رُواة هذا الحديثِ، فذَكر مِن طيبِ رِيحها، وذِكرِ المِسكِ، يَعني أنَّ ريحَها طَيِّبٌ، ويَقولُ أَهلُ السَّماء: رُوحٌ طيِّبةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ، صلَّى اللهُ عليكِ وعلى جَسدٍ كنتِ تَعمُرينَه، أي: أَثنى عَليك في الملأِ الأَعلى عندَ المَلائكةِ المُقرَّبين. فيَنطلِقُ به إلى رَبِّه عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَقولُ: انطَلِقوا به إلى آخرِ الأَجلِ. يَعني: اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعدَّ لَها إلى وقتِ القيامةِ، ثُمَّ أَخبرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن رُوحِ الكافرِ، فَقال: وإنَّ الكافرَ إذا خَرجتْ رُوحُه- قالَ حمَّادٌ: وذَكرَ مِن نَتْنِها، وذَكر لَعْنًا- ويَقولُ أهلُ السَّماء: رُوحٌ خبيثةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ. قال فيُقال: انطَلِقوا به إلى آخِرِ الأَجلِ، يَعني: اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعِدَّ لَها إلى وقتِ القيامَةِ. ثُمَّ قال أَبو هُريرةَ: فردَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ريطةً، كانتْ عليهِ، وهي مِلاءةٌ، وقيلَ: كلُّ ثوبٍ رقيقٍ، فردَّها على أَنفِه، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كوشفَ لَه، وشَمَّ مِن نَتنِ رِيحِ رُوحِ الكافرِ، ففَعلَ ذلكَ هَكذا، أي: يُمثِّلُ أبو هُريرةَ ذلكَ الفعلَ
.
- الدرر -

"مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَبْرَيْنِ، فَقالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا "الراوي : عبدالله بن عباس- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
القَبْرُ هو أولُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنعيمُ فيه حقٌّ.
وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحدِ الأعمالِ المُوجِبة لعَذابِ القَبْرِ، حيث مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينَةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُسْتان إذا كان له سُورٌ، فسَمِع صوتَ إنسانَيْن يعذَّبان في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «يُعَذَّبانِ، وما يعذَّبان في كَبِيرٍ» يعني: لا يعذَّبان في أمرٍ كبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عند اللهِ تعالى؛ ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «بَلَى»، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ.
وسببُ عذابِهما كما أَخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أحدَهما كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه، يَعنِي: لا يَسْتَبْرِئُ منه ولا يَتَحفَّظُ مِن أن يُصِيبَه منه. والآخَرُ كان يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بين الناسِ، أي: يَنقُل كلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعَةِ بين الناسِ.
ثُمَّ دَعَا صلَّى الله عليه وسلَّم بِجَرِيدَةٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جزءًا منها، فقيل له: لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم «لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسَا، أو إلى أنْ يَيْبَسَا»، أي: لعلَّ الله تعالى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى الله عليه وسلَّم على قبرَيْهما.
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه: التَّحذِيرُ مِن مُلابَسةِ البَوْل، ويَلتحِق به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَن والثَّوْب.
وفيه: النَّهيُ عن النَّمِيمَةِ.الدرر -

فوائد هامة :
وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة , لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ , وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِس اهـ .
وعلى هذا ، يكون ذلك خاصًّا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلا يستحب لأحد أن يضع جريدة ولا غيرها على القبر .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
" إن وضع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبريهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما ، وأن ذلك خاص برسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثًا على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر ، ولم يعرف فعل ذلك على أحد من الصحابة ، وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأحرصهم على نفع المسلمين ، إلا ما روي عن بريدة الأسلمي : أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان ، ولا نعلم أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك " اهـ .
وهكذا لا تجوز الكتابة على القبور ولا وضع الزهور عليها للحديثين المذكورين ؛ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها والكتابة عليها " اهـ .
مجلة البحوث الإسلامية :68/50. الإسلام سؤال وجواب.
"عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقالَتْ لَهَا: أعَاذَكِ اللَّهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَذَابِ القَبْرِ، فَقالَ: نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِن عَذَابِ القَبْرِ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1372 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
وفي الحديثِ: أنَّ عذابَ القبرِ حقٌّ، وأنَّه ليسَ بِخاصٍّ بِهذه الأمُّة.
وفيه: التَّحدُّثُ عَن أهلِ الكتابِ إذا وافقَ قولَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: التَّوقُّفُ عَن خبرِهم حتَّى يُعرفَ أَصِدْقٌ هو أم كذِبٌ.
وفيه: التَّعوُّذ مِن عذابِ القبرِ عَقيبَ الصَّلاةِ؛ لأنَّه وقتُ إجابةِ الدَّعوةِ.الدرر-

"اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6367- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-

"كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعُو ويقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-

*يَحكي زيدُ بنُ ثابتٍ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينما كان في حائطٍ: "بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ، إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ، فَقالَ: مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟ فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الذي أَسْمَعُ منه ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ."الراوي : زيد بن ثابت - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2867 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر -
إنَّ هذه الأمَّةَ تُبتَلى: أي: تُمتحنُ ثُمَّ تُنعَّمُ أو تُعذَّبُ.
في الحديثِ: ثبوتُ سماعِ البهائمِ لِأصواتِ المعذَّبِينَ في القبورِ.
وفيه: الأمرُ بِالاستعاذةِ مِن عذابِ القبرِ والفتنِ والنَّارِ وفتنةِ الدَّجَّالِ.
وفيه: ثبوتُ عذابِ القبر.
_____________ 

صفة نعيم القبر وعذابه

حديث البراء بن عازب
"خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ: استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ ها هنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ: ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ ،زادَ في حديثِ جريرٍ: فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ "يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ .
قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ؛ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ، قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها ،قالَ: ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ، زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا، قالَ: فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا، قالَ: ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ
"
الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 4753 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.



قال اللهِ عزَّ وجَلَّ"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ"إبراهيم: 27، أي: يُوفِّقُ اللهُ الذينَ آمَنوا به في الدُّنيا ويَهديهِم إلى صَوابِ الجَوابِ والحَقِّ في الدُّنيا، وعندَ السُّؤال في القَبرِ، وعِند اللهِ تعالى.

«إلا الثَّقلَين»، أي: يَسمَعُ صُراخَه كُلُّ الخَلائقِ إلَّا الإنسَ والجِنَّ؛ فإنَّ اللهَ جعَلَ بينهما وبين هذا العذابِ حِجابًا فلا يَسْمعونَه.
«فَيصيرُ تُرابًا»، من شِدَّة الضَّربةِ التي تَسحَقُه فَيتَحوَّلُ إلى تُرابٍ، قال «ثُمَّ تُعادُ فيه الرُّوحُ»؛ وذلك لِيعادَ له العَذابُ.
وفي الحديثِ: التَّنبيهُ إلى فَضلِ الإيمان ومَغبَّةِ الكُفرِ في القَبرِ وبَعدَ المَوتِ.
وفيه: بيانُ أنَّ في القَبر نَعيمًا للمُؤمنِ، وعَذابًا للكافِرِ.

الدرر

______________________________ 

*وَالإيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا؛فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ،كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ اللهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح

اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَنَا هَذِهِ زَائِلَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّنَا إِلَى رَبِّنَا صَائِرُونَ، وَإِلَى خَالِقِنَا رَاجِعُونَ، إِنَّنَا سَوْفَ نُحْشَرُ جَمِيعًا إِنْسًا وَجِنًّا، عَرَبًا وَعَجمًا، مُسْلِمِينَ وَكُفَّارًا، بَلْ حَتَّى الدَّوَابُ واَلْهَوَامُ وَالْوُحُوشُ وَالطُّيُورُ تُحْشَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"الأنعام:38.

إِنَّهُ مَوْقِفٌ عَصِيبٌ؛ إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَخَافُ فِيهِ الْكَبِيرُ"فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا"المزمل:17.
إِنَّهُ يَوْمٌ تُسْقِطُ الْحَامِلُ فِيهِ حَمْلَهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَتَنْشَدِهُ الْمَرْأَةُ عَنْ طِفْلِهَا مِنْ عِظَمِ الْكَرْبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"الحج:1-2.
إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ رُسَلَهَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ، وَآخِرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ.هنا-


الشفاعة في لغة العرب: مشتقة من الشفع الذي هو غير الوتر، أي أن الشفع هو الزوج الذي هو عكس الوتر عند الإطلاق، تقول: أعطيتك كتابًا ثم شفعته بآخر، أي صار ما معك زوجًا بعد أن كان وترًا.
الشفاعة في الشرع :هي: طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – أو غيره – من الله في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق.
ويدخل تحت هذا التعريف جميع أنواع الشفاعات الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، كالشفاعة العظمى وهي طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من ربه إراحة الناس من الموقف بمجيئه لفصل القضاء، ويدخل كذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أهل الجنة الجنة، وشفاعته في تخفيف العذاب عن أبي طالب، وشفاعة الشفعاء في رفع الدرجات في الجنة، وكذا الشفاعة في إخراج قوم من النار, وإدخالهم الجنة. الحياة الآخرة لغالب عواجي:
1/283.
*ويشترط لقبوله الشفاعة في الآخرة ما يلي:
في ذلك اليوم لا تنفع الشفاعة أحدًا من الخلق، إلا إذا أذن الرحمن للشافع، ورضي عن المشفوع له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن المخلص.

-أن يأذن المشفوع عنده -وهو الله سبحانه وتعالى- للشافع -وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره- وأن يقبل شفاعته، فهو وحده سبحانه صاحب الشفاعة ومالك أمرها يقول تعالى" مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ"البقرة: 255، والشافع إذا قُبلت شفاعته صار مُشَفَّعًا، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2278 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
أي أول من يطلب الشفاعة وأول من يُقبل.
ففي ذلك اليومِ لا تنفعُ الشَّفاعةُ أحدًا من الخَلقِ، إلَّا مَن أَذِنَ له الرَّحمنُ أن يَشفَعَ أو يُشفَعَ له، ورَضِيَ اللهُ قَولَ الشافعِ والمشفوعِ له.الدرر.
"
كَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى"النجم:26.

"قِيلَ يا رَسولَ اللَّهِ مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 99 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-

يخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ أسعدَ النَّاسِ بشفاعتِه يومَ القيامة هو مَن نطَق بالشَّهادتينِ معتقِدًا معناهما، عاملًا بمقتضاهما إجمالًا.
وفيه: أنَّ الشَّفاعةَ إنَّما تكونُ في أهلِ التَّوحيدِ.
وفيه: ثبوتُ الشَّفاعةِ.الدرر.

سبق ونوهنا عن ترتيب أحداث يوم القيامة عند الكلام عن الحوض وقلنا:
إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر....../ فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم أولًا حوضه المورود ،..../ ثم يقوم الناس مُقامًا طويلاً ، ثم تكون الشفاعة العظمى - شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم- بأن يُعَجِّلَ الله - عز وجل - حساب الخلائق .ترتيب أحداث يوم القيامة -هنا-

"أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.
"الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2278 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الشافِع و
المشَفَّع هنا:هو الرسول صلى الله عليه وسلم
فالشافع إذا قُبلت شفاعتُه صار مُشفعًا.

لذلك قال صلى الله معليه وسلم "وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ"أي أول من يطلب الشفاعة وأول من يقبل.

*أقسام الشفاعة:
القسم الأول :الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا .
فالشفاعة في أمور المعاملات التي تكون بين الناس تنقسم إلى قسمين باختصار:
الأول: شفاعة جائزة، وهي الشفاعة الحسنة التي يتم التوصل بها إلى إيصال الحق لصاحبه دون أن يكون في ذلك ظلم لطرف آخر،
بصيغة أخرى الشفاعة الحسنة هي الوساطة في إيصال الخير أو دفع الشر سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا.
وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم "
كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ". الراوي : أبو موسى الأشعري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1432 .
يَحكي لنا أبو موسى الأشعريُّ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا جاءه السَّائلُ المحتاجُ بطلبِ الصَّدقة، أو جاءه صاحبُ الحاجةِ يطلُبُ منه صلَّى الله عليه وسلَّم قضاءَها له، ومساعدتَه عليها، يقول: اشفَعُوا تُؤجَروا، أي: اسأَلوني واطلُبوا منِّي قضاءَ حاجتِه، والمعنى هنا: ما لم تكُنْ معصيةٌ أو إسقاطُ حدٍّ مِن حدود الله تعالى، أمَّا ما عدا ذلك مِن الحاجاتِ؛ كإنظارِ المُعسِرِ، وإعانةِ المَدِينِ، والإصلاحِ بين متخاصِمَينِ؛ فبادِروا إلى السَّعي عندي في ذلك.الدرر.

ومعنى الحديث إذا جاءكم المحتاج ولديكم القدرة على تقديم المساعدة بالمال أو الطعام أو النفس أو الكلمة التي تقولها تبتغي بها وجه الله فافعلوا فلكم الأجر سواء أقضيت أو لم تُقْضَ.هنا-
هذا يدل على أن الشفاعة مندوبة، وقوله صلى الله عليه وسلم" تُؤْجَرُوا" موافق لقوله -تبارك وتعالى" مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا "النساء:58 فهو يؤجر سواء كان الأمر المطلوب قد تحقق تحصيله أو لم يتحقق، فأجره على الله، ويكون قد بذل الأسباب، وأعان أخاه المسلم، وحصل بذلك على الأجر.

*ضروب من الشفاعة الحسنة:
وتَنتظِم الشفاعة الحسنة بالتحريض على الصَّدقات للفقراء والمساكين، وتفريج الكربات عن المكروبين، وقضاء الحاجات لأصحابها ولا سيما العاجزين.
ومن ذلك التوسُّط في الإقالة من بيع لمضطرٍّ، والإنظار إلى ميسرة في دَين على مُعسِر، وأما التوسُّط في تخفيف الدَّين عن المدين، أو إبرائه منه، أو تأديته عنه من غير مَنٍّ ولا أذى - فذلك من كرائم الشفاعات وعظائم المروءات -هنا.
ومن الشفاعات الجائزة:

شفاعته - صلى الله عليه وسلم في بريرة:
وهي أَمَةٌ كانت تخدُم أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وكانت عائشة تُعينها على تحريرها من الرقِّ، فلما عُتِقت وهي تحت زوجها مُغيث، وكان عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم - أضحى لها الخيار شرعًا، أن تُفارِقه، وقد فعلت.

عن عبد الله بن عباس"أنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كانَ عَبْدًا يُقَالُ له مُغِيثٌ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ودُمُوعُهُ تَسِيلُ علَى لِحْيَتِهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبَّاسٍ: يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا !فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَاجَعْتِهِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قالَ: إنَّما أنَا أشْفَعُ ،قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ.صحيح البخاري .
وفي الحديث: أنَّ مَن يَسألُ مِن الأُمورِ ممَّا هوَ غير واجِبٍ عليه فِعلُه فَلَهُ رَدُّ سائِلِه، وَتَرْكُ قَضاءِ حاجَتِه، وإنْ كانَ الشَّفيعُ سُلطانًا أو عالِمًا أو شَريفًا.الدرر.

الثاني: شفاعة غير جائزة، وهي التي تكون في أمر غير شرعي، أو فيها ظلم لطرف آخر، وقد انتظم هذين القسمين قوله تعالى"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا"النساء:85.
ومن أمثلة الشفاعة السيئة :
"أنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ."الراوي : عروة بن الزبير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4304 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
في الحَديثِ: النَّهْيُ عن الشَّفاعةِ في الحُدودِ إذا بَلَغَت السُّلطانَ.
وَفيه: تَركُ الرَّحمةِ فيمَن وجَبَ عليه الحَدُّ.
وَفيه: أنَّ أحكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيعُ. الدرر.

أما الشفاعة في الحدود التي لم تبلُغ الحد، أو في الحد قبل أن يبلُغ الحاكم، ولا سيما الشفاعة لأرباب المروءة والحياء، الذين لم يستمرئوا العيوب، ولم يُصِرُّوا على الذنوب، فإنها تدخل في سَتر العورات، وإقالة العثرات، والإصلاح بين الناس، وتلك من مكارم الأخلاق.
قال صلى الله عليه وسلم " "تعافُّوا الحدودَ فيما بينَكُم ، فما بلغَني مِن حدٍّ فقد وجبَ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4376 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

الشرح :حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على إرْساءِ مبْدأِ العفْوِ بين المسلِمين فيما يقَعُ بيْنهم من ظُلْمِ بعْضِهم لبعْضٍ، فأمَرَ بالعفْوِ، ورغَّبَ فيهِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "تَعافوا الحُدودَ فيما بيْنكم أي: تَجاوزوا عنها، فلا ترْفَعوها إليَّ للتَّقاضِي، "فمَا بلَغَني"، أي: وصَلَ إليَّ "مِن حدٍّ فقدْ وجَبَ أي: لازِمٌ عليَّ إقامَتُه.
وفي الحَديثِ: أنَّ الحدودَ إذا رُفِعتْ للحاكِمِ أو للقاضي؛ فإنَّها تلزمُ وتجبُ، ولا يصحُّ العفوُ فيها.الدرر-

فإذا تاب الجاني قبل القدرة عليه، وقبل بلوغ الحاكم الأمر، سقط عنه الحد الواجب لله، ولزمه الحق الواجب للآدمي من قصاص أو مال مسروق، أو قذف، أو دية ونحو ذلك؛ لأن التوبة تَجُبّ ما قبلها من حقوق واجبة لله تعالى.
قال الله تعالى"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* المائدة: 33- 34.
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي/ حكم توبة الجاني - هنا -

وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه، تمنع من إقامة الحد في الحرابة، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها، قبل القدرة عليه- من باب أولى.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله. 
__ 
*القسم الثاني : الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـ .
فأما الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان :
🍃النوع الأول: الشفاعة الخاصة:
وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام :
أولها: الشفاعة العظمى:
وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه ، في قوله تعالى " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"سورة الإسراء:
79. وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم.
وحقيقة هذه الشفاعة
إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ اللهُ الْخَلْقَ، وَيَلْحَقُهُمْ مِنْ الشِّدَّةِ مَا لا يُطَاقُ وَلا يُحْتَمَلُ.إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ.
فأهل الموقف حينما يوقف الناس بين يدي الله للحساب حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين، بُهمًا ليس معهم شيء، ويشتد الحرُّ، وتدنو الشمسُ من الرؤوسِ، ويزادُ في حرارتِها فيكون يومًا عصيبًا، فيموج الناسُ بعضهم إلى بعضٍ.
قال صلى الله عليه وسلم "إنَّكُمْ مُلاقُو اللَّهِ حُفاةً عُراةً مُشاةً غُرْلًا." صحيح البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم"يُبعثُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرلًا ، قد ألجَمهم العَرَقُ ، وبلَغَ شُحومَ الآذانِ، فقلتُ : يُبصِرُ بعضُنا بعضًا ؟ قال : شُغِلَ الناسُ ،لكلِّ امرىءٍ منهم يومئِذٍ شأنٌ يُغنِيِه"الراوي : سودة بنت زمعة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- حسن لغيره.

".....ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ "الحديث. رواه البخاري :4343 - ومسلم : 287 .
قال القرطبي رحمه الله تعالى" وقوله :
أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ ، فيقال.يا محمدُ، أَدخِل الجنة من أمتِكَ من لا حساب عليه ، هذا يدل على أنه شُفِّع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل الموقفِ، فإنه لما أُمِر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شُرِع في حساب من عليه حِساب من أمته وغيرهم" انتهى من"المفهم" 1 / 437.

وقال صلى الله عليه وسلم "يَحشُرُ اللهُ العبادَ -أو الناسَ- عُراةً غُرلًا بُهمًا، قلنا: ما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شَيءٌ، فيُناديهم بصوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ - أحسَبُه قال: كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ- أنا المَلِكُ لا يَنبغي لأحَدٍ من أهلِ الجَنَّةِ يدخُلُ الجَنَّةَ، وأحَدٌ من أهلِ النارِ يطلُبُه بمَظلمَةٍ، ولا يَنبغي لأحَدٍ من أهلِ النارِ يدخُلُ النارَ، وأحَدٌ من أهلِ الجَنَّةِ يطلُبُه بمَظلمَةٍ قُلتُ: وكيف؟ وإنَّما نأتي اللهَ عُراةً بُهمًا؟ قال: بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ."الراوي : عبدالله بن أنيس - المحدث : شعيب الأرناؤوط- المصدر : تخريج العواصم والقواصم -الصفحة أو الرقم: 3/ 222 - خلاصة حكم المحدث : حسن
الشرح:إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ عَنْهَا أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَخَافُ وَيُحْجِمُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْقِفِ وَهَوْلِ الْمَطْلَعِ.
فيشفع صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق حين يؤخِّر اللهُ الحسابَ فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقولون: من يشفع لنا إلى ربنا حتى يفصل بين العباد، يتمنون التحول من هذا المكان ، فيأتي الناس إلى الأنبياء فيقول كل واحد منهم : لست لها، حتى إذا أتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول"أنا لها" صحيح مسلم. فيشفع لهم في فصل القضاء ، فهذه الشفاعة العظمى، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

*قال البخاري في صحيحه:


حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، قال:حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَقَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ، ثُمَّ بِمُوسَى ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، قال:حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ : فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ البَابِ ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الجَمْعِ كُلُّهُمْ "صحيح البخاري/كتاب الزكاة/ باب من سأل الناس تكثرا/حديث رقم 1416.
قَوْله: وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ : يحْتَمل التَّعْلِيق حَيْثُ لم يضفه إِلَى نَفسه وَلم يقل: زادني.جامع السنة وشروحها-
فَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَاد"‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون‏:‏ 102‏:‏ 103‏‏‏.‏ وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَّراءِ ظَهْرِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏"الإسراء‏:‏ 13‏:‏ 14‏‏‏.‏
وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏ وَأَمَّا الْكُفَّارُ؛ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ حَسَنَاتَ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ، فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا‏.‏
وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالرِّيحِ، ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، ومِنْهُم مَن يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُم مَن يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُم مَن يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمَنْهُم مَن يُخْطَفُ خَطْفًا وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسرَ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ تَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم، فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ ونجا من السقوط في النار؛ استحق دخول الْجَنَّةَ‏.‏ فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ؛ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصَّ لِبَعْضِهِم مِن بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا؛ أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ‏.
‏وهذه هي
الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:

 

ثانيها :
الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:

- بعد عبور الصراط-يجري نحو ما جرى من تدافع وتراجع الأنبياء عن الشفاعة في ذلك، فيشفع أيضًا لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وفي كل ذلك إظهار لشرفه صلى الله عليه وسلم، وإعلاء لقدره، وإظهار لكرمه على ربه.هنا-
عن حذيفةَ وأبي هريرة رضيَ اللهُ عنهما:قالا:قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
"يَجْمَعُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى النَّاسَ، فَيَقُومُ المُؤْمِنُونَ حتَّى تُزْلَفَ لهمُ الجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فيَقولونَ: يا أبانا، اسْتَفْتِحْ لنا الجَنَّةَ، فيَقولُ: وهلْ أخْرَجَكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، اذْهَبُوا إلى ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، قالَ: فيَقولُ إبْراهِيمُ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، إنَّما كُنْتُ خَلِيلًا مِن وراءَ وراءَ، اعْمِدُوا إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الذي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فيَقولُ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، اذْهَبُوا إلى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ ورُوحِهِ، فيَقولُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَيَقُومُ فيُؤْذَنُ له، وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا، فَيَمُرُّ أوَّلُكُمْ كالْبَرْقِ قالَ: قُلتُ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي أيُّ شيءٍ كَمَرِّ البَرْقِ؟ قالَ: ألَمْ تَرَوْا إلى البَرْقِ كيفَ يَمُرُّ ويَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وشَدِّ الرِّجالِ، تَجْرِي بهِمْ أعْمالُهُمْ ونَبِيُّكُمْ قائِمٌ علَى الصِّراطِ يقولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حتَّى تَعْجِزَ أعْمالُ العِبادِ، حتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلَّا زَحْفًا، قالَ: وفي حافَتَيِ الصِّراطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ به، فَمَخْدُوشٌ ناجٍ، ومَكْدُوسٌ في النَّارِ." والذي نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بيَدِهِ إنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا."الراوي : أبو هريرة وحذيفة بن اليمان - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 195 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
*قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
"يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ" ....إلى ، أن قال : فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم ، وقال : فمنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه فوقَ ذلك ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى دون ذلك بيمينِه ، حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه ، يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفِئُ مَرَّةً ، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه ، وإذا طفِئَ قام ، قال فيَمُرُّ ويَمُرُّونَ على الصراطِ ، والصراطُ كحَدِّ السَّيْفِ ، دَحْضٌ ، مَزَلَّةٌ ، فيُقالُ لهم ، امْضُوا على قَدْرِ نورِكم ، فمنهم مَن يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوكبِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ ، يَرْمُلُ رَمَلًا ، فيَمُرُّونَ على قَدْرِ أعمالِهِم ، حتى يَمُرَّ الذي نورُه على إبهامِ قَدَمِه ، تَخِرُّ يَدٌ ، وتَعْلَقُ يَدٌ ، وتَخِرُّ رِجْلٌ ، وتَعْلَقُ رِجْلٌ ، وتُصِيبُ جوانبَه النارُ فيَخْلُصُونَ ، فإذا خَلَصُوا قالوا : الحمدُ للهِ الذي نَجَّانا منكِ بعدَ أن أَرَانَاكِ ، لقد أعطانا اللهُ ما لم يُعْطَ أَحَدٌ"الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 415 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر.
اللهم سلم سلم
"فيَخلُصُوا، فإذا خَلَصوا قالوا: الحمْدُ للهِ الذي نجَّانا منكِ بعدَ الذي أراناكِ، لقد أعْطَانا اللهُ ما لم يُعطِ أحدًاأي: فإذا تَحقَّقوا أنَّهم قد نَجَوا منها يَحمَدون اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمةِ العظيمةِ، ويَتصوَّرون أنَّ أحدًا مِن الناسِ لم يفُزْ بمِثلِها؛ وهذا مِن شِدَّةِ الأهوالِ التي وُصِفَت، وشِدَّةِ الخوفِ مِن السُّقوطِ والخُلودِ في النارِ.
وفي الحديثِ: دَعوةٌ إلى الإكثارِ مِن العمَلِ الصالحِ؛ للفوزِ والنَّجاةِ مِن النارِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الأعمالِ السَّيِّئةِ التي تُهلِكُ أصحابَه.

*وقال صلى الله عليه وسلم:
"
فيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أوَّلَ مَن يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بأُمَّتِهِ، ولَا يَتَكَلَّمُ يَومَئذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلَامُ الرُّسُلِ يَومَئذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غيرَ أنَّه لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَن يُوبَقُ بعَمَلِهِ، ومِنْهُمْ مَن يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو،"الحديث.صحيح البخاري.
شرح الحديث:يوضَعُ الصِّراطُ بين ظَهْرانَيْ جهنَّمَ، فيكونُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أوَّلَ مَن يقطَعُ مسافةَ الصِّراطِ مِن الرُّسُلِ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ، وأمَّتُه معه، ويكونُ دعاءُ الرُّسُلِ حينئذٍ: اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ؛ شفقةً منهم على الخَلْقِ، وفي جهنَّمَ كلاليبُ، جمعُ كَلُّوبٍ، مِثْلُ شَوْكِ السَّعدانِ، وهو نبتٌ له شَوْكٌ مِن جيِّدِ مراعي الإبلِ، يُضرَبُ به المثَلُ، فتخطَفُ النَّاسَ بسرعةٍ، بسببِ أعمالِهم السَّيِّئةِ، أو على حسَبِ أعمالِهم، فمنهم مَن يُوبَقُ، أي: يُهلَكُ، ومنهم مَن يُخَرْدَلُ، أي: يُقطَّعُ صِغارًا كالخَرْدَلِ، والمعنى: أنَّه تُقطِّعُه كلاليبُ الصِّراطِ حتَّى يَهوِيَ إلى النَّارِ، ثمَّ يُنجِّي اللهُ تعالى منها مَن كان يعبُدُ اللهَ وحده، وهم المؤمنون الخُلَّصُ...الدرر.

فمن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عَبَرُوا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يُهَذَّبُوا ويُنَقُّوا ثم يُؤذَن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
قال الشيخ العثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية:
وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عرصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيها من أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذِّبُوا ونُقوا ؛ أُذِنَ لهم في دخول الجنة.
ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب ، حتى يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، فيدخل كل إنسان من باب العمل الذي يكون أكثر اجتهادًا فيه من غيره، وإلا ؛ فإن المسلم قد يدعى من كل الأبواب.

وهو صريح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"يجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامَةِ ، فيقومُ المؤمنونَ حينَ تُزْلَفُ لهم الجنةُ ، فيأتونَ آدمَ ، فيقولونَ : يا أبانا ! استفتِحْ لنا الجنةَ ، فيقولُ : وهلْ أخرجَكُمْ مِنَ الجنةِ إلَّا خطيئةُ أبيكم آدمَ ، لستُ بصاحبِ ذلِكَ ، اذهبوا إلى ابني إبراهيمَ خليلِ اللهِ...." الحديث.
وفيه"
فيأتونَ محمدًا ، فيقومُ فيؤذَنُ له.." الحديث.صحيح الجامع.
*عن عبادة بن الصامت قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"
مَن قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وأنَّ عِيسَى عبدُ اللهِ، وابنُ أمَتِهِ، وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ منه، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللَّهُ مِن أيِّ أبْوابِ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةِ شاءَ.
" صحيح مسلم.

*عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ" فَقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ ما علَى مَن دُعِيَ مِن تِلكَ الأبْوَابِ مِن ضَرُورَةٍ، فَهلْ يُدْعَى أحَدٌ مِن تِلكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا؟" قالَ: نَعَمْ وأَرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ."صحيح البخاري.


قالَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بقَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ،فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيَا حتَّى إذَا نُقُّوا وهُذِّبُوا، أُذِنَ لهمْ بدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في الجَنَّةِ أدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيَا."الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2440 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
شرح الحديث :في هذا الحديثِ مَشْهَدٌ مِن مَشاهِدِ يومِ القِيامَةِ المَهُولَةِ العَظِيمَةِ، حَيْثُ يُحبَسُ المؤمنون بعدَ أن يَتجاوزوا الصِّراطَ ويُنَجِّيَهم الله تعالى بفضلِه ورحمتِه مِن النارِ، فتُوقِفُهم الملائكةُ على قَنْطَرَةٍ أو جِسْرٍ بينَ الجنَّة والنارِ، فيَتقاصُّونَ مَظالِمَ كانت بَيْنَهم في الدُّنيا، يعني: يَقْتَصُّ المظلومُ مِن ظالِمِه حقَّه الَّذِي اعتدَى عليه في الدُّنيا، حتَّى إذا طُهِّروا وتخلَّصوا من حقوقِ الناس أُدخِلوا الجنَّةَ، وهم أعرَفُ بمنازِلِهم فيها مِن أهلِ الدُّنيا بمنازلِهم.
وفي الحديثِ: التَّحذِيرُ مِن المظالِمِ، والتَّأْكِيدُ على أنَّه ما مِن حَقٍّ إلَّا سَيرجِعُ لِصاحِبِه يومَ القِيامَةِ؛ فَلْنَعْمَلْ لِمِثْلِ هذا اليومِ العظيمِ. الدرر .

قال صلى الله عليه وسلم:
"مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2449 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية.
شرح الحديث:حرَّم اللهُ تعالى الظُّلمَ على نفْسِه، وجَعَله محرَّمًا بينَ عِبادِه، وتوعَّد الظالمين بالقِصاصِ منهم والعذابِ، فإنْ أَفْلَتَ الظالِمُ في الدُّنيا بظُلمِه، فلا مَفَرَّ له يَومَ القِيامةِ ولا مَلْجَأَ له مِن الله، حَيْثُ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ؛ ولذلك أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّ مَن ظلَم أحدًا في عِرْضِه أو شيءٍ آخَرَ: أن يَتحلَّلَه، يعني: يَطلُب منه أن يُحِلَّه ويُسامِحَه؛ لأنَّه إن لم يَفعَلْ ذلك أخَذ هذا المظلومُ مِن حَسناتِه يومَ القيامةِ، فإنْ لم يكن له حسناتٌ وُضِع من سيِّئاتِ هذا المظلومِ على الظالِمِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من مَغَبَّةِ الظُّلمِ وعاقبتِه.الدرر.


وهذا الذي يأخذ الناس حسناته، ثم يقذفون فوق ظهره بسيئاتهم هو المفلس، كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم.
"أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2581 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
في الحَديثِ: بيانُ مَعنى الْمُفلِسِ الحقيقيِّ، وهو مَنْ أخَذَ غُرماؤُه أعمالَه الصَّالحةَ.
وفيه إشعارٌ بِأنَّه لا عَفوَ ولا شفاعةَ في حقوقِ العبادِ إلَّا أنْ يَشاءَ اللهُ، فَيُرضِي المظلومَ بِمَا أرادَ.
وفيه: أنَّ القِصاصَ يأتي على جميعِ الحسناتِ، حتَّى لا يُبقي منها شيءٌ.الدرر.

ثم من ينجو بعد القصاص على القنطرة يفوز بدخول الجنة.
"أنا أكْثَرُ الأنْبِياءِ تَبَعًا يَومَ القِيامَةِ، وأنا أوَّلُ مَن يَقْرَعُ بابَ الجَنَّةِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 196 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر -"أنَا أكثرُ الأنبياءِ تَبَعًا" أي: أَتْباعًا مُؤمنينَ به وبِرِسالتِهِ، يومَ القيامةِ.
"وأنا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ" أي: يَدُقُّ ويَسْتَفْتِحُ، بابَ الجنَّةِ، أي: لِيَفتحَ له حارِسُها، وهذا إعلامٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّه أَوَّلُ مَنْ يَدخُلُها.-الدرر -
"آتي بابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ فأسْتفْتِحُ، فيَقولُ الخازِنُ: مَن أنْتَ؟ فأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فيَقولُ: بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 197- خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
فيقولُ الخازِنُ عندما يَسمعُ اسمَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بِكَ أُمِرْتُ لا أَفتحُ لأَحدٍ قَبْلكَ، أي: لا أَفتحُ الجنَّةَ لأحدٍ قَبْلكَ حتَّى يكونَ أنتَ أَوَّلَ مَنْ يَفتحُها، وهذا إعلامٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أَوَّلُ مَنْ يَدخُلُها.الدرر-
 ثالثها : شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:
سَأَل العَبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ رضِي اللهُ عنه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له"يَا رَسولَ اللَّهِ، هلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بشيءٍ، فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ، هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ."الراوي : العباس بن عبدالمطلب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-
«هو في ضَحْضَاحٍ مِن نارٍ»، الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب، ويقال أيضًا لما قرب من الماء، وهو ضد الغمرة، والمعنى: أنه خفف عنه العذاب...
«
لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ» أي: في الطَّبَقِ الذي في قَعْرِ جَهَنَّمَ، والنارُ سَبْعُ دَرَكاتٍ، سُمِّيتْ بذلك لأنَّها مُتَدارِكة مُتَتابِعة بعضُها فوقَ بعضٍ.

فأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام عشرة ، أدرك الإسلام منهم أربعة ؛ فبقي اثنان على الكفر وأسلم اثنان : ـ فالكافران هما : أبو لهب : وقد أساء إلى النبى صلى الله عليه وسلم إساءة عظيمة ، وأنزل الله فيه وفي امرأته سورة كاملة في ذمهما ووعيدهما - سورة المسد .
والآخر:أبو طالب :وقد أحسن إلى الرسول إحسنًا مشهورًا،
وكان من حكمة الله عز وجل أن بقي على كفره؛ لأنه لو لا كفره؛ ما حصل هذا الدفاع عن الرسول عليه الصلاة ، بل كان يؤذي كما يؤذَى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن بجاهه العظيم عند قريش وبقائه على دينهم صاروا يعظمونه وصار للنبي عليه الصلاة والسلام جانب من الحماية بذلك.
ولكنه مات كافرًا:
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ "أنَّ أبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِنْدَهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ" أيْ عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ" فَقَالَ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ، حتَّى قَالَ آخِرَ شيءٍ كَلَّمَهُمْ بهِ: علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، ما لَمْ أُنْهَ عنْه ،فَنَزَلَتْ"ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ"التوبة: 113. ونَزَلَتْ"إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ" القصص:56" صحيح البخاري.
واللذان أسلما هما العباس وحمزة ، وهو أفضل من العباس ، حتى لقبه الرسول عليه الصلاة والسلام أسد الله ، وقُتِلَ شهيدًا في أُحد رضي الله عنه وأرضاه ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء.
*قال صلَّى الله عليه وسلَّم "سيدُ الشهداءِ عندَ اللهِ يومَ القيامَةِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلِبِ" صحيح الجامع للشيخ الألبان رحمه الله.


*عن العباس بن عبدالمطلب"قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ. قال "سلِ اللَّهَ العافِيةَ" فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي" يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ"صحيح سنن الترمذي للألباني.

🍃النوع الثاني: الشفاعة العامة:
وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين.

فيشفع فيمن استحق النار ؛ أي: من عصاة المؤمنين.
وهذه لها صورتان : يشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.
وهي أقسام:

أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها . والأدلة على هذا القسم كثيرة جدًا منها :
ما جاء في صحيح مسلم: 269 : من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا "فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما مِنكُم مِن أحَدٍ بأَشَدَّ مُنا شَدَةً لِلَّهِ في اسْتِقْصاءِ الحَقِّ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَومَ القِيامَةِ لإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ في النَّارِ، يقولونَ: رَبَّنا كانُوا يَصُومُونَ معنا ويُصَلُّونَ ويَحُجُّونَ، فيُقالُ لهمْ: أخْرِجُوا مَن عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ علَى النَّارِ، فيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدِ أخَذَتِ النَّارُ إلى نِصْفِ ساقَيْهِ، وإلَى رُكْبَتَيْهِ"
.....إلى أن قال "
فيَقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلَّا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ مِنْها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قدْ عادُوا حُمَمًا" الحديث .الدرر-

ثانيها: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ"أخرجه مسلم : 1577 .

 إن الصلاة على الميت هدفها الأساسي الدعاء للميت، وهو مقبل على ظلمة القبر وعلى ما قدم من عمل.
  فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.
وفي الحديثِ: أنَّ المُصلِّين عَلى الميِّتِ شُفعاءُ فيهِ.
وفيهِ: حثُّ المُسلمينَ عَلى الصَّلاةِ عَلى الميِّتِ وتَكثيرِ العَددِ.

وفي الحديث حصول شفاعة المؤمنين لإخوانهم قبل يوم القيامة، وذلك في الدنيا، وهي استشفاعهم إلى الله تعالى في الصلاة على من مات منهم بالرحمة والغفران والتجاوز .هنا-

ومعنى :شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ : أي قبل دعاءهم له بالرحمة ، والمغفرة .
وهذه الشفاعة تشمل الصغائر والكبائر، وهذا من فضل الله ورحمته، فمن قبل الله شفاعة الشافعين فيه ، واستجاب دعاءهم له ، كان ذلك من أسباب مفغفرة ذنوبه التي مات عليها ، من غير توبة. لكن تحقق الاستجابة في الشخص المعين : مرده إلى الله جل جلاله ، ولا يعني ذلك أنه تجب له الجنة بتلك الشفاعة؛ فقد يغفر الله بسبب شفاعة هؤلاء المصلين ذنوب هذا العبد، وقد يتبقى عليه ما قد يعاقب عليه في الآخرة، أو يعفو الله عنه، عفا الله عنا وعنكم بمننه وكرمه .موقع الإسلام سؤال وجواب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في بيان الأسباب التي من أجلها تزول عقوبة الذنوب :
"  دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ ، مِثْلُ صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ ....... . وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ . فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ ." انتهى من "مجموع الفتاوى" 7/498.

وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فالدعاء ينفع الله به الحي والميت جميعًا، فالحي الذي يصلي على الجنازة له قيراط من الأجر لو صلى عليها، والميت ينفعه الله بهذا الدعاء الذي يدعو به الأحياء، ويشفعهم الله فيه.قال صلى الله عليه وسلم "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 47 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر.
ثالثها: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة .
ومثال ذلك ما رواه مسلم رحمه الله :1528: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأبي سلمة فقال "
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ له في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ له فِيهِ".صحيح مسلم.
فهذه شفاعة في الدنيا من حي للمتوفى تنفعه في الآخرة
أيضًًا.

رابعها : شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب :
وهذا النوع ذكره بعض العلماء واستدل له بحديث أبي هريرة الطويل في الشفاعة وفيه "ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ " رواه البخاري :4343 - ومسلم : 287 .

"إِنَّ ربِّي وعَدَنِي أنْ يُدْخِلَ مِنَ أُمَّتي الجنةَ سبعينَ ألفًا بغيرِ حِسابٍ ، ثُمَّ يُتْبِعُ كلَّ أَلْفٍ - ب- ِسبعينَ ألفًا ، ثُمَّ يَحْثِي بِكَفِّهِ ثلاثَ حَثَياتٍ . فَكَبَّرَ عمرُ ! فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إِنَّ السَّبْعِينَ الألفَ الأُوَلَ يُشَفِّعُهُمُ اللهُ في آبائِهِمْ وأُمَّهاتِهمْ وعَشَائِرِهِمْ ، وأرْجو أنْ يَجْعَلَ أُمَّتي أَدْنَى الحثياتِ الأَوَاخِرِ "الراوي : عتبة بن عبد السلمي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الموارد- الصفحة أو الرقم: 2234 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح-الدرر-

ثُمَّ يَحْثِي بِكَفِّهِ ثلاثَ حَثَياتٍ: وكم عدد كلّ حثية من حثيات الرّب العظيم الكريم الرؤوف الرحيم ؟؟ نسأل الله أن يجعلنا في تلك الأعداد برحمته.
*عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لَيَدْخُلَنَّ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُ مِئَةِ أَلْفٍ، لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ."صحيح البخاري.

أول زمرة تدخل من هذه الأمة الجنة هي القمم الشامخة في الإيمان والتُّقى والعمل الصالح والاستقامة على الدين الحق، يدخلون الجنة صفًا واحدًا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، صورهم على صورة القمر ليلة البدر.
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم .
.
*ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته :
الله تعالى يخرج من عصاة المؤمنين من شاء بغير شفاعة ، وهذا من نعمته؛ فإن رحمته سبقت غضبه، فيشفع الأنبياء والصالحون والملائكة وغيرهم، حتى لا يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار من يخرج بدون شفاعة ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أصحاب النار، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم".....فيَقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلَّا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ مِنْها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قدْ عادُوا حُمَمًا، فيُلْقِيهِمْ في نَهَرٍ في أفْواهِ الجَنَّةِ يُقالُ له: نَهَرُ الحَياةِ، فَيَخْرُجُونَ كما تَخْرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ" الحديث. صحيح مسلم.

وليس معنى هذا أن الله يخرجهم من النار وهم كفار؛ بل المعنى أنهم لم يعملوا خيرًا سوى الشهادتين ولولاهما لما خرجوا؛ شأنهم شأن غيرهم من الكفار. - هنا-
شفاعة الشهداء:
"للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه"الراوي : المقدام بن معدي كرب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 1663 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
 ________________ 
* المتن:وَالإيمَانُ أَنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ خَارِجٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ،وَالأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ،وَالإيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ،وَأَنَّ عِيسَى -ابْنَ مَرْيَمَ-عَلَيْهِ السَّلامُ– يَنْزِلُ،فَيَقْتُلَهُ بِبَابِ لُدٍّ.
الشرح:

هذا من الإيمان بالغيب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الأمور المستقبلة الغيبية؛ فلابد أن نؤمن ونصدق بها، وذلك لثبوتها بالسنة من طرق متواترة في أحاديث صحيحة، فمن الإيمان بالغيب الإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور المستقبلة الغيبية. فيجب علينا أن نؤمن بأن المسيح الدجال خارج، وأنه يخرج في آخر الزمان ، مكتوب بين عينيه كافر ،يقرأها كل مسلم، كاتب وغير كاتب،ويجب علينا أن نؤمن بكل الأحاديث الصحيحة الواردة فيه وأن نصدق بها تصديقًا جازمًا .
وأنه فتنة يفتتن بها خلق كثير، ويثبت الله أهل الحق فلا يفتتنون به، ويعلمون أنه كذاب، ولذلك سمي دجالاً يعني: كثير الكذب وعظيم الدجل.المكتبة الشاملة.كتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد - ابن جبرين-
وخروج المسيح الدجال هو الشرط الثاني من شروط الساعة الكبرى، والشرط الأول من أشراط الساعة الكبار خروج المهدي. موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية .
وأنه رجل شاب أحمر ، قصير ، أفحج جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بناتئة - منتفخة وبارزة - ولا جحراء - غائرة - كأنها عنبة طافئة .
وعينه اليسرى عليها ظفرة - لحمة تنبت عند المآقي - غليظة . ومكتوب بين عينيه " ك ف ر " بالحروف المقطعة ، أو " كافر " بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم ، كاتب وغير كاتب .ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له .
"ما بُعِث نبيٌّ إلَّا قد أنذر أمَّتَه الدَّجَّالَ الأعورَ الكذَّابَ ، ألا وإنَّه أعورُ ، وإنَّ ربَّكم ليس بأعورَ ، وإنَّ بين عينَيْه مكتوبًا كافرٌ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4316 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

"ذَكَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَوْمًا بيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ ليسَ بأَعْوَرَ، ألَا إنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. وأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ في المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ ما يُرَى مِن أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، واضِعًا يَدَيْهِ علَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وهو يَطُوفُ بالبَيْتِ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ فَقالوا: هذا المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا ورَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أعْوَرَ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَن رَأَيْتُ بابْنِ قَطَنٍ، واضِعًا يَدَيْهِ علَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بالبَيْتِ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ قالوا: المَسِيحُ الدَّجَّالُ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3439 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

في هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما:

ذَكَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَوْمًا بيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، أي: وهو جالسٌ في وسْطِ النَّاسِ، والمرادُ: أنَّه جَلسَ بينهم مُستظهرًا لا مُستَخفيًا، والمسيحُ الدَّجَّالُ: هو الذي يَظهرُ في آخِرِ الزَّمانِ ويدَّعِي الألُوهيَّةِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللهَ ليسَ بأعورَ؛ لأنَّها صفُة نقْصٍ ولا تَليقُ به سبحانه، ألَا إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ أعورُ العينِ اليُمْنى كأنَّ عينَه عِنبةٌ طافيةٌ، أي: بارزةٌ، أو ذَهبَ نورُها، ثم إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأى في مَنامِه أنَّه عندَ الكعبةِ، وقد رأى رجلًا آدَمَ، أي: أسمرَ، كأحسنِ ما يُرى من أُدْمِ الرِّجالِ، تَضرِبُ لُمَّتُه بينَ منكِبَيْه: واللُّمَّة: هي الشَّعرُ إذا جاوَزَ شَحْمَ الأُذنينِ، ورَجَّلُ الشَّعرَ: أي: قدْ سرَّحَه ودهَنَه، وقد كان رأسُه يَقْطُرُ ماءً، فسألَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنه: مَن يكونُ؟ فأُخبِرَ أنه المسيحُ عِيسى عليه السَّلام، ثُمَّ رأى رَجلًا وراءَه جَعْدًا قَطَطًا، أي: شديدُ جُعودةِ الشَّعرِ، أعورَ العينِ اليُمْنى، وشبَّهَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بابنِ قَطَنٍ، وهو عبدُ العُزَّى بنُ قَطَنِ بنِ عَمرٍو الجاهليُّ الخُزاعيُّ، وأمُّه هالةُ بنتُ خُويلدٍ أختُ خديجةَ رضِي اللهُ عنها، وكان هذا الرَّجُلُ الذي رآه واضعًا يَديه على منكِبَي رَجُلٍ يَطوفُ بِالبيتِ، فسألَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَنْ هذا؟ فأُخبِرَ بأنَّه المسيحُ الدَّجَّال.الدرر.

الدجال رجل من بني آدم ، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به ، وتحذيرهم من شره ، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فلا يفتنون به ، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس ، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة . نسأل الله العافية .
ومن هذه الصفات :
أنه رجل شاب أحمر ، قصير ، أفحج جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بناتئة - أي ليست منتفخة وبارزة - ولا جحراء - غائرة - كأنها عنبة طافئة .
وعينه اليسرى عليها ظفرة - لحمة تنبت عند المآقي - غليظة . ومكتوب بين عينيه " ك ف ر " بالحروف المقطعة ، أو " كافر " بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم ، كاتب وغير كاتب .
ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له . الإسلام سؤال وجواب .

"الدَّجَّالُ أعْوَرُ العَيْنِ اليُسْرَى، جُفالُ الشَّعَرِ، معهُ جَنَّةٌ ونارٌ، فَنارُهُ جَنَّةٌ وجَنَّتُهُ نارٌ.
"الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2934 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
قال صلى الله عليه وسلم"لأنا أعْلَمُ بما مع الدَّجَّالِ منه، معهُ نَهْرانِ يَجْرِيانِ، أحَدُهُما رَأْيَ العَيْنِ، ماءٌ أبْيَضُ، والآخَرُ رَأْيَ العَيْنِ، نارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أدْرَكَنَّ أحَدٌ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الذي يَراهُ نارًا ولْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ منه، فإنَّه ماءٌ بارِدٌ، وإنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عليها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كاتِبٍ وغَيْرِ كاتِبٍ. "الراوي : حذيفة بن أسيد الغفاري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2934 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر.

"لأنا أعْلَمُ بما مع الدَّجَّالِ منه"، أيْ: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعْلَم بما يكونُ مَع الدَّجالِ مِن فِتَنٍ وآياتٍ أَكْثَرَ مِن الدَّجالِ نَفْسِه. "معهُ نَهْرانِ يَجْرِيانِ، أحَدُهُما رَأْيَ العَيْنِ، ماءٌ أبْيَضُ"، أيْ: نَهْرٌ تَراهُ العَينُ أنَّه ماءٌ أبيضُ فيما يَظْهَرُ لها، "والآخَرُ رَأْيَ العَينِ نَارٌ تأجَّجُأيْ: نارٌ تَتلهَّبُ وتَشتَعِلُ، وهذا فيما يَظْهَرُ للنَّاسِ أيضًا، وليس كلُّ ذلك على حقيقتِه؛ "فإمَّا أَدْرَكَنَّ أحدٌ فليأتِ النَّهرَ الذي يَراهُ نَارًاأيْ: مَن أَدْرَكَ هذا الزَّمانَ فلْيَذْهبْ إلى النَّهرِ الذي يَراهُ نارًا، "وليُغمضْ"، أيْ: عَيْنَيهِ؛ وهذا حتَّى لا تَخْدَعُه العينُ فيَرْجِع، وفي إغماضِها تَثبيتٌ للقلبِ، "ثُم ليُطَأطِئْ رَأسَه"، أيْ: يُخفِض رأسَه "فيَشْرَبَ منه؛ فإنَّه ماءٌ باردٌ" على عَكْسِ ما يَراهُ بعَيْنِه.وفيه: أنَّ عدَم التعرُّضِ للفِتنِ- كإغماضِ العَينِ- مِن أسبابِ السَّلامةِ منها.
ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلكَ فِينَا، فَقالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فيه وَرَفَّعْتَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي علَيْكُم، إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتي علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّه شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما لَبْثُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذلكَ اليَوْمُ الذي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فيه صَلَاةُ يَومٍ؟ قالَ: لَا، اقْدُرُوا له قَدْرَهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتي علَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَجِيبُونَ له، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ ليسَ بأَيْدِيهِمْ شيءٌ مِن أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ، ...............الحديث "الراوي : النواس بن سمعان الأنصاري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2937 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر.
"ثَلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابَّةُ الأرْضِ".الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 158 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر.

"حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ فَكانَ فِيما حَدَّثَنَا به أنْ قالَ: يَأْتي الدَّجَّالُ، وهو مُحَرَّمٌ عليه أنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتي بالمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَومَئذٍ رَجُلٌ هو خَيْرُ النَّاسِ، أوْ مِن خَيْرِ النَّاسِ، فيَقولُ أشْهَدُ أنَّكَ الدَّجَّالُ، الذي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَدِيثَهُ، فيَقولُ الدَّجَّالُ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُ هذا، ثُمَّ أحْيَيْتُهُ هلْ تَشُكُّونَ في الأمْرِ؟ فيَقولونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فيَقولُ حِينَ يُحْيِيهِ: واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَومَ، فيَقولُ الدَّجَّالُ: أقْتُلُهُ فلا أُسَلَّطُ عليه.الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1882 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-

يأتي بعضَ السِّباخِ- جمعُ سَبَخَةٍ بفتحتينِ- وهي الأرضُ الرَّملةُ الَّتي لا تُنبِتُ؛ لملوحتِها، وهذه الصِّفةُ خارجَ المدينةِ مِن غيرِ جهةِ الحرَّةِ؛ إذ لا يستطيعُ دخولَ طُرقِ المدينة؛ لأنَّها محرَّمةٌ عليه أن يدخُلَها، ومحروسةٌ بالملائكة.

فإذا جاء إلى سِباخِها، خرَج إليه رجلٌ، هو خيرُ النَّاسِ يومَئذ، أو مِن خيرِهم، يخرُجُ إليه ليناظِرَه ويبيِّنَ فسادَه عن علمٍ، فإذا رأى الدَّجَّالَ علِم أنَّه هو؛ لعلمِه بصفتِه الَّتي أخبَر عنها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولُ له"أشهَدُ أنَّك الدَّجَّالُ الَّذي حدَّثنا عنك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثَه" فيقولُ الدَّجَّالُ لِمَن اغتَرَّ به مِن الكفَّارِ والمُنافِقين: "أرأيتَ إن قتَلْتُ هذا، ثمَّ أحيَيْتُه، هل تشكُّونَ في الأمرِ؟، فيقولون:لا، فيقتُلُه الدَّجَّالُ، ثمَّ يُحْييه، وذلك بإذنِ اللهِ؛ اختبارًا للعبادِ، وليتميَّزَ الخبيثُ مِن الطَّيِّبِ، فلا يَزيدُذلك الشَّابَّ إلَّا ثباتًا على الحقِّ، فيقولُ حين يحييه "واللهِ ما كنتُ قطُّ أشَدَّ بصيرةً منِّي اليومَ"؛ وذلك لأنَّه رأى علامةً أخرى ممَّا ذكَره رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من صفاتِ الدَّجَّالِ.
أقْتُلُهُ فلا أُسَلَّطُ عليه:أي: فلا أستطيعُ قتلَه، أو يقولُ لبعضِ أعوانِه آمِرًا له"اقتُلْه" فلا يسلَّطُ عليه، أي: لا يستطيعُ قتلَه.
وفي الحديثِ: فَضلُ العِلمِ، وأنَّه مِن أسبابِ البصيرةِ بالفِتَنِ، والثَّباتِ على الحقِّ وقتَ وقوعِها.- الدرر-

"يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَتَلْقاهُ المَسالِحُ، مَسالِحُ الدَّجَّالِ، فيَقولونَ له: أيْنَ تَعْمِدُ؟ فيَقولُ: أعْمِدُ إلى هذا الذي خَرَجَ، قالَ: فيَقولونَ له: أوَ ما تُؤْمِنُ برَبِّنا؟ فيَقولُ: ما برَبِّنا خَفاءٌ، فيَقولونَ: اقْتُلُوهُ، فيَقولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أليسَ قدْ نَهاكُمْ رَبُّكُمْ أنْ تَقْتُلُوا أحَدًا دُونَهُ، قالَ: فَيَنْطَلِقُونَ به إلى الدَّجَّالِ، فإذا رَآهُ المُؤْمِنُ، قالَ: يا أيُّها النَّاسُ هذا الدَّجَّالُ الذي ذَكَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ به فيُشَبَّحُ، فيَقولُ: خُذُوهُ وشُجُّوهُ، فيُوسَعُ ظَهْرُهُ وبَطْنُهُ ضَرْبًا، قالَ: فيَقولُ: أوَ ما تُؤْمِنُ بي؟ قالَ: فيَقولُ: أنْتَ المَسِيحُ الكَذّابُ، قالَ: فيُؤْمَرُ به فيُؤْشَرُ بالمِئْشارِ مِن مَفْرِقِهِ حتَّى يُفَرَّقَ بيْنَ رِجْلَيْهِ، قالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بيْنَ القِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يقولُ له: قُمْ، فَيَسْتَوِي قائِمًا، قالَ: ثُمَّ يقولُ له: أتُؤْمِنُ بي؟ فيَقولُ: ما ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً، قالَ: ثُمَّ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّه لا يَفْعَلُ بَعْدِي بأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فيُجْعَلَ ما بيْنَ رَقَبَتِهِ إلى تَرْقُوَتِهِ نُحاسًا، فلا يَسْتَطِيعُ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: فَيَأْخُذُ بيَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ به، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنَّما أُلْقِيَ في الجَنَّةِ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هذا أعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عِنْدَ رَبِّ العالَمِينَ".الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2938 خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-
*إمكانات الدجال التي تسبب الفتنة:
-سرعة انتقاله في الأرض
:

".....قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ"الحديث "الراوي : النواس بن سمعان الأنصاري - صحيح مسلم-الدرر.
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيجول في أقطار الأرض ولا يترك بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة
"ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ، والمَدِينَةَ، ليسَ له مِن نِقَابِهَا نَقْبٌ، إلَّا عليه المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 1881 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر- مقتبس من هنا .


- جنته وناره:
ومما يفتن الدجال به الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار أو معه ما يشبه نهرا من ماء ونهرا من نار وواقع الأمر ليس كما يبدو للناس فإن الذي يرونه نارا إنما هو ماء بارد وحقيقة الذي يرونه ماء باردا نار

"معهُ جَنَّةٌ ونارٌ، فَنارُهُ جَنَّةٌ وجَنَّتُهُ نارٌ." الحديث.الراوي : حذيفة بن اليمان - صحيح مسلم-الدرر-
-استجابة الجماد والحيوان لأمره:".....فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ،"الحديث. صحيح مسلم - الدرر.
وختامًا : نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنة المسيح الدجال ، آمين . 
 __________ 
* المتن:.......وَأَنَّ عِيسَى -ابْنَ مَرْيَمَ-عَلَيْهِ السَّلامُ– يَنْزِلُ،فَيَقْتُلَهُ بِبَابِ لُدٍّ.
قال صلى الله عليه وسلم "فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،..."الحديث. صحيح مسلم .
الشرح:
"فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ
" يعني: ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ «واضِعًا كَفَّيْهِ على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأْطَأَ رأسَه قَطَرَ، وإذا رَفَعَه تَحَدَّرَ»، أي: نَزَلَ قَطْرَةً بعدَ قَطْرَةً «منه جُمَانٌ كاللُّؤْلُؤِ»، والجُمَانُ: حَبَّاتٌ مصنوعةٌ مِن الفِضَّةِ على هيئةِ اللُّؤْلُؤِ الكِبَارِ، والمُرادُ: يَتحدَّر منه الماءُ أو العَرَقُ على هيئةِ اللُّؤْلُؤِ في الصَّفَاءِ والحُسْنِ، «فلا يَحِلُّ» أي: لا يُمْكِنُ ولا يَقَعُ «لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِه إلَّا مات، ونَفَسُه يَنتهِي حيثُ يَنتهِي طَرْفُه، فيَطْلُبُه»، أي: فيَطْلُبُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ «حتَّى يُدْرِكَه ببابِ لُدٍّ» اسمِ قَرْيَةٍ في فِلَسْطِينَ «فيَقْتُلُه، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى بنَ مَرْيَمَ قومٌ قد عَصَمَهم الله منه، فيَمْسَحُ عن وُجوهِهم»، أي: يَرْحَمُهم ويُواسِيهم ويَتَلطَّف بهم «ويحدِّثهم بدَرَجاتِهم في الجَنَّةِ، فبَيْنما هو كذلك إذ أَوْحَى الله إلى عِيسَى: إنِّي قد أَخْرَجْتُ عِبَادًا لي لا يَدَانِ»، أي: لا قُدرةَ ولا طاقةَ «لأحدٍ بقتالِهم، فحَرِّزْ عِبَادِي»، أي: ضُمَّهُم واجْمَعْهُم «إلى الطُّورِ» واجْعَلْه حِرْزًا لهم، والطُّورُ: جَبَلٌ معروفٌ في سَيْنَاءَ، «ويَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وهم مِن كُلِّ حَدَبٍ»الدرر السنية.

" إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتَّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2897 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر.

الشرح:إذْ أُقيمَتِ الصَّلاةُ، أي: وقتُ إقامةِ المؤذنِ لِلصَّلاةِ، فَينزلُ عيسى ابنُ مَريمَ عليه السلام، أي: مِنَ السَّماءِ على مَنارةِ مَسجدِ دِمشقَ فَيأتي القُدسَ فَأَمَّهم، أي: أَمَّ عِيسى المسلمينَ في الصَّلاةِ فَإِذا رآه، أي: رأى عِيسى عدُوُّ اللهِ، أي: الدَّجَّالُ ذَابَ، أي: شرَعَ في الذَّوبانِ كما يَذوبُ الملحُ في الماءِ فلو تَرَكه، أي: لَو تَركَ عِيسى الدَّجَّالُ ولم يقتُلْه لَانْذابَ حتَّى يَهلِكَ، أي: بِنفسِه بِالكلِّيَّةِ، ولكنْ يقتلُه اللهُ بِيدِه، أي: بِيدِ عيسى عليه السلام فَيُريهم دَمَه، أي: دمَ الدَّجَّالِ في حرْبَتِه: وهي رُمحٌ صغيرٌ.
في الحديثِ: إخبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الغَيبيَّاتِ.
لدرر.
والسر في ذوبان الدجال إذا رأى عيسى - عليه السلام - هو أن الله أعطى لنَفَسِ عيسى رائحة خاصة إذا وجدها الكافر مات.مداد. لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلُونَ علَى الحَقِّ ظاهِرِينَ إلى يَومِ القِيامَةِ، قالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فيَقولُ أمِيرُهُمْ: تَعالَ صَلِّ لَنا، فيَقولُ: لا، إنَّ بَعْضَكُمْ علَى بَعْضٍ أُمَراءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هذِه الأُمَّةَ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 156 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-

*فائدة:
يلاحظ أن الحديث الأول أثبت إمامة عيسى عليه السلام للمسلمين ،والحديث الثاني نفى إمامة عيسى عليه السلام للمسلمين: فهل عيسى عليه السلام يصلي بالمسلمين في آخر الزمان؟أم المهدي طبقًا للحديثين وكلاهما في صحيح مسلم؟
الجواب: هذه مسألة خلافية بين أهل السنة والجماعة،والخلاف فيها سائغ، ولكن هناك جمع بين الحديثين ورد في كتاب الديباج على شرح صحيح مسلم وهو:
أن عيسى عليه السلام لما نزل المنارة ببابِ لُدٍّ قيل أنه كان هو الإمام طبقًا للحديث الأول الذي ينصُّ على إمامته "
إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّهُمْ ".
ولما ذهبوا لبيت المقدس أراد عيسى عليه السلام أن يوضح أنه جاء مؤكدًا لشريعةِ محمد صلى الله عليه وسلم ،فأمر المهديَّ أن يكون هو الإمام تكرُمةً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
وبذلك وضح أنه وقعت صلاتان،الصلاة الأولى عند نزول عيسى وكان هو الإمام .والصلاة الثانية في بيت المقدس وحينها صلى بهم المهديّ.ا.هـبالمعنى وليس بالنص نقلًا عن الشيخ أبي عبد الرحمن حفظه الله.
وقيل : أن إمامة عيسى عليه السلام ،هي من باب الحث على الإمامة وليست هي الإمامة الفعلية، لأن العرب تطلق الإمامة أو اسم الإمامة أحيانًا على الفعل نفسه ،فكأن عيسى عليه السلام حث على أن المهديّ هو الذي يؤمهم ،فكان هذا الأمر منه عند العرب يُعَد بمثابة الفعل.نفس المصدر السابق.ا.هـ.


فبعد مكث الدجال هذه المدة ينزل عيسى بن مريم من السماء، وهو الشرط الثالث من أشراط الساعة الكبار، ينزل واضعًا كفيه على جناح ملكين عند المنارة البيضاء دمشق في وقت صلاة الفجر، فإذا نزل عيسى بن مريم - عليه السلام - صار فردًا من أفراد الأمة المحمدية، فيحكم بشريعة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، لأن كل نبي أخذ الله عليه الميثاق لئن بعث محمدٌ وأنت حي لتتبعنه، قال الله تعالى"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ "آل عمران:81.
حلقات جامع شيخ الإسلم ابن تيمية .
  من مشاركة 13 إلى مشاركة 29.بملتقى نسائم العلم
___________________
فهرس مجالس شرح أصول السنة للإمام أحمد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق