السبت، 12 أكتوبر 2019

05-شرح أُُصُولُ السُّنَّةِ لِلإمَامِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ


السُّنَّةِ الَّلازِمةِ
ومن السُّنَّةِ الَّلازِمةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً -لم يَقْبَلْهَا ويُؤْمِنْ بِهَا -لَم يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:الإيمَانُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ،وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.
ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ،مِثلَ حَدِيثِ:الصَّادِقِ المَصْدُوقِ،ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ .هنا -
الشرح :

والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة التي من لم يؤمن بها أو جحد واحدًا منها فإنه يخرج من دائرة الإيمان ويكون من الكافرين، أصول الإيمان ستة "وهي الإيمان بالله، والثاني الإيمان بالملائكة، والثالث الإيمان بالكتب المنزلة، والرابع الإيمان بالرسل، والخامس الإيمان باليوم الآخر، والسادس الإيمان بالقدر خيره وشره " هذه الأصول الستة جاءت في الكتاب والسنة، وأجمع عليها المسلمون، وآمن بها جميع الأنبياء والمرسلين، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.
هذه الأصول دل عليها كتاب الله :
قال الله تعالى"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" البقرة: 285.
وقال تعالى"وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ"البقرة: 177.
هذه خمسة أصول، والإيمان بالقدر في قوله تعالى"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" القمر : 49.
"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2.
وقال سبحانه وتعالى"وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" النساء : 136.
فجعل الكفر هو الكفر بهذه الأصول فدل على أن الإيمان هو الإيمان بهذه الأصول.
ودلت عليها السنة: في حديث جبرائيل في مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ. وَقالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قالَ: ما المَسْؤُولُ عَنْها بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قالَ: فأخْبِرْنِي عن أمارَتِها، قالَ: أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ، قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قالَ لِي: يا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 8 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =
إذًا الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان من لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن.
الأصل أن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره ويمسك لسانه عن الخوض فى دقائق القدر ، ويضع نصب عينيه عدل الله ورحمته . بهذا ينجو من أمواج هذا البحر العميق .
ويجب الإيمان بالقدر ومعرفته من خلال الأدلة حوله، وأنه ركن من أركان الإيمان، وما يقوي الإيمان فيه، هذه من المسائل المتعلقة بالقدر التي يجوز الخوض فيها، بل مما يزيد الإيمان فيها أن يدرسها الإنسان ويتعمق فيها.
لكن إذا جاء خائض ليخوض في باب القدر بالباطل، ويأتي ليقول: لماذا قدر الله؟ لماذا كذا؟ لماذا كذا؟ ثم يأتي محتجًا ومعترضًا، فهذا منهي عنه.هنا -
*والقَدَر هو: أن يؤمن العبد بأن الله عَلِم ما سوف يكون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، ويؤمن بأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بعد إرادة الله، لا يكون إلا ما يريد، ويؤمن بأن الله خالق كل شيءٍ وأنه ليس شيءٌ موجود إلا الله خالقه، من المخلوقات ومن الأفعال ومن الأحكام، وعندئذ يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم"يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2516 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -

قال تعالى
"
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ*فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ*وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" هود : 105 إلى 108 .
"لمَّا نزلَت هذِهِ الآيةَ فَمِنْهُمْ شَقيٌّ وَسَعِيدٌ سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، فعَلى ما نَعملُ ؟ علَى شيءٍ قد فُرِغَ منهُ ، أو على أيِّ شيءٍ لم يُفرَغْ منهُ ؟ قالَ : بل على شيءٍ قد فُرِغَ منهُ وجرت بِهِ الأقلامُ يا عمرُ ، ولَكِن كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ" الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3111 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
والتقديرات أنواع أربعة ذكرها ابن القيم في شفاء العليل:
التقدير الأول: التقدير العام وهو ما ثبت في مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"

كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -



التقدير الثاني: وهو التقدير العمري ويدل عليه حديث ابن مسعود في الصحيحين ثم يرسل إليه ملك فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد.
"إنَّ اللَّهَ وكَّلَ في الرَّحِمِ مَلَكًا، فيَقولُ: يا رَبِّ نُطْفَةٌ، يا رَبِّ عَلَقَةٌ، يا رَبِّ مُضْغَةٌ، فإذا أرادَ أنْ يَخْلُقَها قالَ: يا رَبِّ أذَكَرٌ، يا رَبِّ أُنْثَى، يا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ، فَما الأجَلُ، فيُكْتَبُ كَذلكَ في بَطْنِ أُمِّهِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3333 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
شرح الحديث:
كلُّ شيءٍ خلقَه اللهُ مُقدَّرٌ كائنٌ كما أراد سبحانه وتعالى؛ فما مِن شيءٍ يَجري في ملكوتِه إلَّا بِقدرِه وعِلمِه سبحانه وتعالى، وقد وكَّلَ الله عزَّ وجلَّ بِالرَّحمِ، أي: موضعِ تكوينِ الجنينِ ملَكًا كما في هذا الحديثِ، فإذا تُكوَّنَتِ النُّطفةُ قال هذا الملَكُ: يا ربِّ نطفةٌ، أي: هو نُطفةٌ، والنُّطفةُ الماءُ اليسيرُ ويُرادُ به المنِيُّ، فإذا أصبَحَ عَلقةً قال الملَكُ: يا ربِّ عَلقةٌ، والعلَقةُ قِطعةُ الدِّم ِالجامدةُ، فإذا صار مُضغةً قال الملكُ: يا ربِّ مضغةٌ، والمضغةُ قطعةُ اللَّحمِ، فإذا أرادَ اللهُ تعالى أنْ يُتمَّ خلْقَ هذا الإنسانِ سألَ الملَكُ المولى تعالى، فقال: أذكرٌ أَمْ أنثى؟ شَقِيٌّ أم سعيدٌ؟ يعني: هل تخلُقُه ذكرًا أم أُنثى؟ وهل يكونُ مِن أهلِ الشَّقاءِ أَمِ السَّعادةِ؟ ثُمَّ يَسألُ عَن رزقِه وعُمرِه، فَيُكتبُ كلُّ ذلك وهو ما زال في بطنِ أمِّه. الدرر - التقدير الثالث: السنوي ومنه قوله تعالى في ليلة القدر"فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّامُرْسِلِينَ"الدخان:4.
التقدير الرابع: اليومي ومنه قوله تعالى في سورة الرحمن "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" الرحمن :29.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى"كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"الرحمن: 29 ، "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ " قالَ مِن شأنِه أن يغفِرَ ذنبًا ويفرِّجَ كربًا ويرفعَ قومًا ويخفِضَ آخَرينَ"
الراوي : أبو الدرداء -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 168: :خلاصة حكم المحدث : حسنالدرر -

وقال ابن القيم رحمه الله " وقد اقتضى كماله المقدس سبحانه : أنه كل يوم هو في شأن، فمن جملة شؤونه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا، وينصر مظلومًا، ويغيث ملهوفًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويجيب دعوة، ويقيل عثرة، ويعز ذليلا، ويذل متكبرًا، ويقصم جبارًا، ويميت ويحيي، ويُضحك ويُبكي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويرسل رسله من الملائكة ومن البشر في تنفيذ أوامره ، وسوق مقاديره التي قدرها إلى مواقيتها التي وقتها لها" انتهى من "شفاء العليل" ص243.
وما كتبه الله يكون في أم الكتاب وفي الكتب الأخرى عند الملائكة كما قال تعالى"
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39. , ويشكل على كثيرين أن الله قد كتب أعمار العباد وجاء في السنة النبوية أن من فعل بعض الأعمال كصلة الرحم ينسئ له في أثره كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. "الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2067 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
, وجه الإشكال كيف أن الله قد كتب أعمار العباد ثم بعد ذلك تزيد أعمارهم إذا وصلوا أرحامهم ؟ الجواب على هذا أن يقال إن الذي يزاد فيه هي الكتب الأخرى التي عند الملائكة أما في أم الكتاب فلا يزاد فيه , فمثلا الكتب الأخرى يكتب فيها إن عمر فلان ستون سنة ثم إن فلانا قد وصل رحمه فيزاد في عمره إلى أن يكون سبعين سنة , روي هذا عن ابن عباس وعن جمع من التابعين وهو قول ابن جرير وقول ابن تيمية قال الله تعالى"يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39. التفسير
" يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ " من الأقدار " وَيُثْبِتُ " ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال"وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البِّر والصِّلَة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببًا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. تفسير السعدي =
*والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .

*الإيمان بالمرتبة الأولى وهي العلم:
الله تعالى علم ما الخلق عاملون قبل خلقهم بعلمه ، الذي هو موصوف به أزلًا, وعَلِمَ جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.الموسوعة العقدية /الكتاب السابع: الإيمان بالقضاء والقدر/الباب الرابع: المذاهب في القدر، وأسباب الضلال فيه، وحكم الاحتجاج به.هنا =
فالله عَلِمَ الأشياءَ في الأزلِ قبل كونِها، وعلم بالأشياء الحاضرة، وعلم بالأشياء المستقبلة، وعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون، قال الله تعالى عن الكفار لما سألوا الرجعة إلى الدنيا قال الله"وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" الأنعام: 28.
هذا لو رُدُّوا لعادُوا لما نُهُوا عنه، هذا عِلْمُ اللهِ بما لم يَكُنْ لو كان كيف يَكُون، وقال الله تعالى"وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ" الأنفال 23.
أخبر الله أنه بما لم يكن لو كان كيف يكون، "
وَلَوْ".
بما لم يكن:أي لم يسمعهم . لو كان: أي لو أسمعهم .
كيف يكون:أي سيكون الإعراض.
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قال الله تعالى"وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * " التوبة: 46.
هم ما خرجوا ،
ماذا يحصل لو خرجوا؟" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ " التوبة: 47.
هذه مفاسد، من حِكْمَةِ اللهِ أنه مَنَعَهُم من الخروجِ "
ثَبَّطَهُمْ" لِئَلا تحصل هذه المفاسد.
الخلاصة:فالمرتبة الأولى من مراتب القدر: العلم؛ العلم في الأزل في الماضي، والعلم في الحاضر، والعلم في المستقبل، والعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون.
فنؤمن أن الله تعالى عَلِمَ ما الخَلْق عاملون بعلمِهِ القديم، الذي هو موصوف به أزلاً, وعَلِمَ جميعَ أحوالِهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق, فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, جفت الأقلام وطويت الصحف.
*المرتبة الثانية: الكتابة؛ الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، ما الذي كتب؟ كل شيء؛ الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون والأرزاق، والأعمال والأخلاق والسعادة والشقاوة والفقر والغنى والإعزاز والإذلال والحياة والموت، حتى العجز والكسل، كل شيء مكتوب.
والدليل على هذه المرتبة أدلة، قال الله تعالى"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ" الحج:70.وهو اللوح المحفوظ.
وقال الله تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ"الحديد 22.
وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "الأنبياء: 105.
الذِّكْر هو اللوح المحفوظ.
"مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ " أي: كتبناه في الكُتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ .تفسير السعدي .
وقال عليه الصلاة والسلام «
وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ »الدرر - صحيح البخاري.
أي: كتَب في اللَّوح المحفوظِ جميعَ ما هو كائنٌ إلى يوم القِيامة، وخلَق السَّمواتِ والأرضَ.الدرر =
وقال سبحانه وتعالى"وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس :12. وهو اللوح المحفوظ.
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو«
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ. وفي روايةٍ : بِهذا الإسْنَادِ مِثْلَهُ، غيرَ أنَّهُما لَمْ يَذْكُرَا: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ.»الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت أيضًا : "أوَّلُ ما خلَقَ اللهُ تعالى القلَمُ، فقال له: اكتُبْ، قال: يا ربِّ، وما أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ."الراوي : عبادة بن الصامت - المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 344 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
**هاتان المرتبتان - العلم والكتابة-من لم يؤمن بهما لم يؤمن بالقدر، وهاتان المرتبتان أنكرتهما طائفة القدرية -وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏- طائفة القدرية الأولى الذين ظهروا في عصر الصحابة، فَكَفَّرَهُم من الصحابة ابن عمر وغيره؛ لأنهم نسبوا الله إلى الجهل، وانقرضوا وانتهوا. يقولون:العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة، ولا قدرة، ولا خلق.
*المرتبة الثالثة: المشيئة:

والمشيئة هى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وُجِدَ موجودٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى وما عُدِمَ معدومٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى. هنا =
وهي من لوازم الربوبية.

فعلينا الإيمان بمشيئة الله النافذة, وقدرته الشاملة ،أي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى, لا يكون في مُلْكِهِ إلا ما يريد. هنا -

والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان:
إرادة قدرية
خَلْقِيَّة كونية ، وإرادة دينية شرعية.

*فالإرادة
القدريةالخَلْقِيَّة الكونية : هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.وهذه الإرادة التي يُقال فيها: ما شاء الله كان، وما لم يشأْ لم يَكُنْ.وهذه الإرادة إرادة شاملة لا يخرج عنها أحد من الكائنات، فكل الحوادث الكونية داخلة في مراد الله ومشيئته هذه، وهذه يشترك فيها المؤمن والكافر والْبَرُ والفاجرُ، وأهلُ الجنةِ وأهلُ النارِ، وأولياءُ اللهِ وأعداؤه، وأهلُ طاعتِهِ الذين يحبهم ويحبونه.هنا=قواعد في باب القضاء والقدر.
فالإرادة الكونية كقوله تعالى"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا".الأنعام:125.
لو أن الآية اقتصرت على هذا لكانت شرعية، لكن لما ذكر الله جل وعلا إرادته للأمرين في سياق واحد كانت الإرادة هنا كونية.
وهي نظير قوله تعالى"مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"الأنعام:39 ، فالإرادة هنا إرادة كونية قدرية .
فهو سبحانه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته.تفسير السعدي - هنا -

ومثال الإرادة الكونية أيضًا قوله - تعالى"وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"هود: 34. لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذن لا يصح أن يكون المعنى إن كان الله يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم. . هنا = محمد بن صالح العثيمين/ التصنيف: توحيد الألوهية .
فالمراد بالإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، الإيمان بأن الله أراد وشاء كل شيء وقع في هذا الوجود، تؤمن بأن كل شيء وقع في هذا الوجود سبقت به إرادة الله ومشيئته، خيرًا أو شرًّا، بِرًّا أو فجورًا، طاعة أو معصية، إيمانًا أو كفرًا، كل شيء وقع في هذا الوجود وقع بمشيئة الله وقدرته، لا يقع في ملك الله ما لا يريد، ولكنه مبني على الحِكْمَة، فالله تعالى لا يخلق شيئًا إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة , ولا يُقَدِّر إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة ولا ينهى إلا لحكمة.
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " يوسف:6. فهل يقع في مُلك الله ما لا يريد؟! ما يقع في ملك الله ما لا يريد.

ولكن ما يقع في ملك الله، ما يقع من الشرور والمعاصي والكفر هذه مرادة لا لذاتها، بل مرادة لما يترتب عليها من الحِكم.
فالله أراد وقوع الكفر والمعاصي كونًا وقدرًا، ولكن ما أراده دينًا وشرعًا؛ لما يترتب عليه من الحِكَم، من الحِكَمِ ظهور قدرة الله على المتقابلات؛ فالكفر يقابله الإيمان، والمعصية تقابلها الطاعة، كما ظهرت قدرة الله في وجود المتقابلات؛ فالليل يقابله النهار، والحر يقابله البرد، والحلو يقابله الحار، ومنها حصول العبودية المتنوعة لولا خلق الله للكفر والمعاصي لما وجدت عبوديات متنوعة؛ عبودية الجهاد في سبيل الله.
لو كان الناس كلهم مؤمنون أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الدعوة إلى الله؟ أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين عبودية الولاء والحب في الله والبغض في الله، والولاء والبراء؟ فهذه مرادة لا لذاتها بل لشيء آخر؛ لما يترتب عليها من الحِكم؛ فالله أرادها كونًا وقدرًا، ولكنه لم يردها دينًا وشرعًا.

مثال للتقريب فأقول:
تخيَّل أنَّ الشرطة مثلًا تراقب بائعًا للمخدرات، فهي تتركه يصنع ....إلى أن يقبضوا عليه متلبسًا ببيعها.
فالآن هم يبغضون فعله وعمله ومع هذا كان يصنع ما يصنع تحت نظرهم وما فعله إلا بعد مشيئتهم لكنهم تركوه لحكمة وهي أن يأخذوه بجرمه.
ولله المثل الأعلى!

وهذه الإرادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدث منها.
*والمخلوقات مع كل من الإرادتين أربعة أقسام:
الأول: ما تعلقت به الإرادتان -الكونية والشرعية ، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع، فأمره وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك ما كان.
والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الكفار والفجار، فتلك كلها إرادة دين، وهو يحبها ويرضاها وقعت أم لم تقع.
والثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها، ولم يحبها، إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لها لما كانت ولما وجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يقع ولم يوجد من أنواع المباحات والمعاصي.هنا=
قواعد في باب القضاء والقدر.وانتهى باختصار يسير من مجموع الفتاوى.

*والإرادة الشرعية
:وتسمى أيضًا :: إرادة أَمْرِيَّة شرعية دينية. وهي التي بمعنى المحبة.يندرج فيها كل ما يحبه الله عز وجل، فكل ما أمر الله به دينًا من الواجبات والمستحبات فإنه يدخل تحت الإرادة الشرعية.
كقوله تعالى"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ".النساء:27.

لأن " يُرِيدُ" هنا بمعنى يحب ولا تكون بمعنى المشيئة لأنه لو كان المعنى: والله يشاء أن يتوب عليكم، لتاب على جميع العباد وهذا أمر لم يكن؛فإن أكثر بني آدم من الكفار، إذن يريد أن يتوب عليكم يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه.

@والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوبًا لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوبًا لله ولا يلزم وقوعه.هنا=

كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد .نسخة منقحة.
فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية.
*والسعيد من عباد الله من أراد الله منه تقديرًا ما أراد الله به تشريعًا، والعبد الشقي من أراد الله به تقديرًا ما لم يرد به تشريعًا.هنا =قواعد في باب القضاء والقدر.

* الاستفصال في كون الإنسان مخير أم مسير:

إطلاق كلا هذين اللفظين: مسير ومخير في وصف الإنسان لفظ محدث ،فليس في كتاب الله تعالى ولا في السنة المطهرة وصف الإنسان بأنه مسير مجبور ولا فيهما أنه مخير تخييرًا يخرج به عن علم الله وقدرته وإرادته.
فمثل هذه الألفاظ المطلقة المتقابلة لم يكن السلف والأئمة يطلقونها بل كانوا يستفصلون فيها وينكرون إطلاقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/293: "وسلف الأمة وأئمتها ينكرون هذه الإطلاقات كلها لا سيما كل واحد من طرفي النفي و الإثبات على باطل، وإن كان فيه حق أيضًا بل الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي جاءت بها النصوص والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة".
وقد أنكر سلف الأمة إطلاق وصف الإنسان بالجبر وعدمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/461:
" حتى في لفظ الجبر أنكروا على من قال: جبر، وعلى من قال: لم يجبر. والآثار بذلك معروفة عن الأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم من سلف الأمة وأئمتها".
وقال في موضع آخر من مجموع الفتاوى 16/237:
"
ولهذا نص الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفيًا وإثباتًا فلا يقال: إن الله جبر العباد. ولا يقال: لم يجبرهم. فإن لفظ الجبر فيه اشتراك وإجمال.
فإذا قيل: جبرهم أشعر بأن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم.
وإذا قيل: لم يجبرهم أشعر بأنهم يفعلون ما يشاءون بغير اختياره وكلاهما خطأ".
وقد ذكر شيخ الإسلام معنى هذا السؤال فقال في مجموع الفتاوى 7/664 :
" وكذلك لفظ الجبر إذا قال: هل العبد مجبور أو غير مجبور؟ قيل: إن أراد بالجبر أنه ليس له مشيئة أو ليس له قدرة أو ليس له فعل فهذا باطل؛ فإن العبد فاعل لأفعاله الاختيارية، وهو يفعلها بقدرته ومشيئته. وإن أراد بالجبر أنه خالق مشيئته وقدرته وفعله فإن الله تعالى خالق ذلك كله".
فالسؤال هل الإنسان مخير أو مسير؟ يجاب بمثل ما أجاب به شيخ الإسلام رحمه الله : بأنه لا يُطلق القول بأن الإنسان مسير أو أنه مخير فكلاهما خطأ فنصوص الكتاب والسنة قد دلت على أن للإنسان إرادة ومشيئة وأنه فاعل حقيقة لكن كل ذلك لا يخرج عن علم الله وإرادته ومشيئته ويبين ذلك قوله تعالى "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"التكوير:28-29. وغير ذلك من النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة. وأصدق ما يوصف به الإنسان مما يتعلق بهذا المعنى ما جاء به الكتاب والسنة من وصف الإنسان بأنه مُيَسَّر ، ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "
ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له" ثم قرأ "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى" الليل:5-7. الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاريالصفحة أو الرقم: 4949 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -

والله تعالى أعلم. المصدر: موقع الشيخ خالد المصلح.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
فالإنسان مُخيَّرٌ ومُسَيَّرٌ، أعطاه الله عقلًا، وأعطاه الله إرادةً، وأعطاه مشيئةً، فهو مُخيَّرٌ من هذه الحيثية، يعمل عن مشيئةٍ، وعن إرادةٍ، كما قال تعالى" تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ "الأنفال:67، وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" وقال" إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ "النور:30، خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"آل عمران: 153
"
بِمَا يَفْعَلُونَ "يونس:36، فلهم فعلٌ، ولهم مشيئةٌ، ولهم اختيارٌ، ولكن لا يشاؤون إلا ما شاءه الله، كما قال تعالى"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ "التكوير:29.
"هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" يونس:22.
فهو مخيَّرٌ من جهة أنَّ له إرادةً، وله مشيئةً، وله اختيارًا، يعرف الضَّارَّ من النافع، والطيبَ من الخبيث، يأكل ويشرب باختياره، يزور إخوانه باختياره، ينام باختياره، يقوم باختياره، له اختيار، يأتي الطاعة باختياره، ويأتي المعصية باختياره، لكن هذا له مشيئة سابقة، وله قدر من الله سابق ، لا يخرج عن ملك الله، ولا عن إرادته جلَّ وعلا" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس:82 .
فهو مُخيَّرٌ من جهة ما أعطاه الله من المشيئة والقُدرة والاختيار والفهم، ومُسَيَّرٌ من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله.الشيخ ابن باز رحمه الله .

المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، الخلق والإيجاد، الذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد وهذا مبني على الحِكْمَة، فيكون خيرًا بالنسبة لله؛ لأنه خُلِقَ لحكمةٍ لكنه شرٌ بالنسبة للعبد، الكفر والمعاصي شر بالنسبة للعبد الذي باشر المعاصي وفعلها فيتضرر ويعذب عليها، والذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد فهو مبني على الحكمة.

* القدرية النفاة طائفتان:
الطائفة الأولى: الذين أنكروا العلم والكتاب، وهؤلاء كفرة، وانقرضوا. كما سبق بيانه عاليه.
والطائفة الثانية: الذين آمنوا بالعلم والكتاب وآمنوا بالإرادة والخلق، ولكن أنكروا عموم الإرادة وعموم الخلق وأخرجوا منها أفعال العباد.
وهناك طائفة أخرى من القدرية تسمى القدرية المجبرة وهم الجبرية: الذين قالوا: إن العباد مجبورون على أفعالهم، وليس لهم اختيار، فالله تعالى أجبرهم على أفعالِهم فهم وعاء؛ وعاء للأفعال، وحركاتهم كلها اضطرارية كحركة المرتعش وحركة النائم، فهم وعاء تمر عليهم الأفعال والله تعالى هو الذي يفعلها بهم. ولا اختيار لهم، ولا يمكن أن يفعلوا شيئًا غير ما أراد الله. فهؤلاء يقال لهم: "القدرية الجبرية".
وهم يحتجون بالقدر على المعاصي، كالمشركين عندما قالوا" سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا " الأنعام: 148..
يحتجون بشركهم بمعاصيهم على الشرع، قال الله تعالى عن المشركين" لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ " النحل:35. آمنوا بالقدر وكذبوا بالشرع.
أي: احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله، وأن الله لو شاء ما أشركوا، ولا حرموا شيئا من الأنعام التي أحلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه، وهذه حجة باطلة، فإنها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث أشركوا به، فعاقبهم أشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم، وليس قصدهم بذلك إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل، وإلا فعندهم علم أنه لا حجة لهم على الله .فإن الله أمرهم ونهاهم ومكنهم من القيام بما كلفهم، وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل. تفسير الشيخ السعدي -

نسأل الله السلامة والعافية.
"والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-." لا يقال لِمَ في الأفعال،وَلاكَيْفَ في الصفات، فلا تقل: لِمَ فعل الله كذا ما تعترض على الله، سلم لقضاء الله وقدره، ما تقول: لم أعطى الله هذا العلم ولم يعط هذا؟ لم كان هذا عالم وهذا جاهل؟ لم هذا فقير وهذا غني؟ لم كان هذا طويل وهذا قصير؟ لم كان هذا عمره يعيش مائة سنة وهذا يموت شابًّا وهذا يموت شيخا؟
هذا سر الله في القدر، لا تسأل عن هذا بلِمَ؛ ولهذا يقول الطحاوي: والقدر سر الله في خلقه حجبه عن أنامه -حجبه عن الناس- ونهاهم عن مرامه، فمن سأل لِمَ فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. فلا تسأل لا تسأل؛ هذا سر الله في خلقه. واعلم أن ربك حكيم، جعل هذا طويل وهذا قصير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عالم وهذا جاهل لحكم، هذا سر الله، مبني على الحكمة لكنا لا نعلم.
كذلك لا تسأل عن الكيفية، لا تقل: كيف الصفات، لا تقل: كيف استوى. تؤمن بالاستواء ولا تسأل، والاستواء معناه معلوم لكن لا تسأل عن الكيفية، يجب أن تؤمن بأن الله استوى على العرش لكن، لا تسأل عن الاستواء لا تقل كيفيته، كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سئل عن الاستواء قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
كذلك أيضًا النزول، معلوم في اللغة العربية لكن لا تسأل عن الكيف، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، الصفات معلوم معانيها في اللغة العربية، والإيمان بها واجب ولا يسأل عن الكيفية والسؤال عنها بدعة، لا تقل: كيف عِلْم اللهِ، كَيفَ سَمْع اللهِ، كيف بصره كيف رؤيته، لا تسأل؛ الكيفية لا يعلمها إلا الله، فالسؤال عنها بدعة، كما أنك لا تعترض على الله في أفعاله، فلا تسأل عن كيفية الصفات، فلا يقال " لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-".

يعني لا يقال: لم في الأفعال؛ يعني لا يعترض على الله في أفعاله ويقال: لم فعل كذا قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة كما يقول الجبرية، يقولون: لا يسأل لم يفعل لأنهم أنكروا حكمة الله قالوا: إن الله يفعل بالإرادة، يفعل بالإرادة وليس له حكمة، وهذا باطل، يقولون والعياذ بالله: الإرادة والمشيئة تخبط خبط عشواء، تجمع بين المختلفات وتفرق بين المتماثلات، أنكروا حكمة الله، وهذا من أبطل الباطل، الجبرية ومنهم الأشاعرة والجهمية، أنكروا حكمة الله، وقالوا: إن الله يفعل بالإرادة فقط.
أما أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله يفعل بالحكمة، كل شيء بحكمة، أمره بحكمة، ونهيه بحكمة، وقَدَره بحكمة، وخلقه بحكمة" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يوسف:6.فلا يقال: لم، لا يُسأل عما يفعل لم؛ لأنه حكيم سبحانه وتعالى، ولا كيف في الصفات، لا يسأل عن كيفية النزول، كيفية الاستواء كيفية العلم كيفية القدرة، لأن الكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، فلا يعلم كيفية صفاته إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: إنما هو التصديق والإيمان بها، إنما هو الإيمان والتصديق بها.
ولهذا روى الخلال في السنة، والدارقطني في الصفات، والآجري في الشريعة عن الوليد بن مسلم أنه قال: سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث -أي أحاديث الصفات- فقالوا: مروها كما جاءت " وهذا سنده صحيح كما قال المحقق.
وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم، من طريق عبد الوهاب بن نجدة، قال: حَدَّثَنا بقية عن الأوزاعي قال، كان مكحول والزهري يقولان: "أمروا هذه الأحاديث كما جاءت" وسنده صحيح، وقال ابن عبد البر وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعبد بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا: أمروها كما جاءت، وروى عبد الله بن الإمام أحمد -رحمه الله- في السنة بسند صحيح عن وكيع بن الجراح قال: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا، ولا لم كذا؛ يعني مثل حديث ابن مسعود
"إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرْضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ علَى إصْبَعٍ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2786 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر.-


وحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ.الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-

ونحوه من الأحاديث.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن الحسن، فقيه العراق قال: اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه؛ يعني من غير تفسير كتفسير الجهمية، فمن فسر شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، ومن قال بقول جهم، فقد فارق الجماعة؛ فإنه وصفه بصفة لا شيء؛ يعني الجهم نفى الأسماء والصفات، ووصفه بصفة المعدوم.
وروى الدارقطني في الصفات بسند صحيح عن العباس بن محمد الدوري: قال: سمعت أبا القاسم -أبا عبيد القاسم بن سلام- وذكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي ووضع القدمين، وضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط، وأشباه هذه الأحاديث فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسر هذا، ولا سمعنا أحدًا يفسره.
وكلام السلف في هذا كثير، قال أبو بكر الخلال في السنة: حدثنا أبو بكر المروزي -رحمه الله- قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء، وقصة العرش وصححها أبو عبد الله وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت، قال: فقلت له: إن رجلًا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال: يجفى، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع؟! يسلم الأخبار كما جاءت، فأقوال العلماء في هذا كثيرة.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ومن لم يعرف تفسير الأحاديث ويبلغها عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان والتسليم مثل: أحاديث الصادق المصدوق" يعني مقصوده بـ"حديث الصادق المصدوق" هو حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي رواه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد قال:
"حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قالَ"إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =

يعني الكتاب الذي كُتب عليه وهو في بطن أمه.
"فيَسْبِق عليه كِتَابُه" أي: فيَكون قد كُتِب عليه سابقًا في بَطْنِ أمِّه أنَّه سعيد، فيُختَم له بالسعادة ،فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فيَدخُلها.اللهم اختم لنا بالصالحات في عافية دنيا وأخرى.

*القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية:
أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصي كلها مخلوقة لله كما سبق، ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية، وذلك لأدلة كثيرة منها:
- أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبًا له فقال: "الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ".غافر:17. ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه ما نُسب إليه.
- أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع؛ لقوله تعالى"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا".البقرة:286. "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ".التغابن:16. ولو كان مجبورًا على العمل ما كان مستطيعًا على الفعل، أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.
- أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.
- أن العاصي قبل أن يُقْدِم على المعصية لا يدري ما قُدِّرَ له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟! أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قدر لي؟!
- أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة"لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل".النساء:165. ولو كان القدر حُجَّة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد.

*الحذر من الخوض في القدر دون قيود شرعية :
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2655 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -
شرح الحديث:

يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها
.
- الدرر -
فلا ينبغي الكلام في القدر إلا بالتزام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ذلك متوافق، فلا يضرب كلام الله بكلام الله، ولا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.

فالإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به. وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز.

"خرجَ رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ والنَّاسُ يتَكلَّمونَ في القَدَرِ قالَ: فكأنَّما تفقَّأَ في وجْهِهِ حبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ قالَ: فقالَ لَهم: ما لَكم تضرِبونَ كتابَ اللهِ بعضَهُ ببعضٍ ؟ بِهذا هلَكَ من كانَ قبلَكم قالَ: فما غَبطتُ نفسي بمجلِسٍ فيهِ رسولُ اللهِ لم أشْهَدْهُ بما غبطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ إنِّي لم أشْهدْهُ "الراوي : جد عمرو بن شعيب - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية -الصفحة أو الرقم: 259 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -

وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه: الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.الدرر=


ومن حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا ، و إذا ذُكِرتِ النجومُ فأمسكوا ، و إذا ذُكِرَ القدرُ فأمسكوا"الراوي : عبدالله بن مسعود و ثوبان و عمر بن الخطاب -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم:545-خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر -

فمعنى الإمساكِ عن الحديث في القدر، هو النهيُ عن الخوض في القدر بالآراء والأهواء والمنطق والعقل، وإنما يلتزم المؤمن بالآيات والأحاديث فقط، وكذلك عند الحديث عن الصحابة وما حصل بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا خضنا بآرائنا وعقولنا في هذه الأمور على وجه الخصوص، ضللنا طريق الهداية.هنا -
فالمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه. وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها. والله أعلم هنا -.
فالقدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده.
والعقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون = هنا =


*الفرق بين القضاء والقدر:

اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال: إن القدر: "تقدير الله في الأزل"، والقضاء: "حكم الله بالشيء عند وقوعه"، فإذا قدر الله تعالى أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: " قُضِيَ الْأَمْرُ" يوسف: 41، وقوله"وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ"غافر:20 . وما أشبه ذلك، فالقدر تقدير الله تعالى الشيء في الأزل، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه. ومنهم من قال: إنهما بمعنى واحد. والراجح أنهما إن قرنا جميعًا فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد، والله أعلم.العثيمين -

ذهب بعض العلماء إلى أن القضاء والقدر مترادفان .
وهذا موافق لقول بعض أئمة اللغة الذين فسروا القدر بالقضاء .
جاء في "القاموس" المحيط للفيروزآبادي :ص 591:
" القدر : القضاء والحكم" انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما الفرق بين القضاء والقدر ؟
فأجاب " القضاء والقدر، هو شيء واحد، الشيء الذي قضاه الله سابقًا ، وقدره سابقًا، يقال لهذا القضاء ، ويقال له القدر "
انتهى من موقع الشيخ ابن باز

*وذهب آخرون من العلماء إلى التفريق بينهما .
فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق على القدر .
فالقضاء هو ما علمه الله وحكم به في الأزل ، والقدر هو وجود المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11/477 :

" قال العلماء : القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله " انتهى .
وقال في موضع آخر :11/149 : "القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل" انتهى .
وقال الجرجاني في "التعريفات" ص174:
"القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود ، واحدا بعد واحد ، مطابقا للقضاء .
والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال .
والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها" انتهى .

ورأى فريق آخر من العلماء عكس هذا القول ، فجعلوا القدر سابقا على القضاء ، فالقدر هو الحكم السابق الأزلي ، والقضاء هو الخلق .
قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" ص675.
"والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع .
وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المُعَدِّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، ويشهد لذلك قوله تعالى" وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" مريم : 21، وقوله" كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا "مريم:71. وقوله" وَقُضِيَ الأَمْرُ"البقرة : 210. أي فصل ، تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه " انتهى .

ومن العلماء من اختار أنهما بمعنى واحد إذا افترقا ، فإذا اجتمعا في عبارة واحدة : صار لكل واحد منهما معنى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" القدر في اللغة ؛ بمعنى : التقدير؛ قال تعالى" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"القمر: 49
، وقال تعالى"فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ"المرسلات: 23 - وأما القضاء ؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعًا؛ فلكل واحد منهما معنى.
- فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
- وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقًا.
فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة"فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى"طه: 70
؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
-أو نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية ؛ أي : خلقه على قدر معين ؛ كقوله تعالى"الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"الأعلى: 2؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.

وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تمامًا لقوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"
الأعلى: 2، فلا إشكال" انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" 2/189.
والخطب في هذه المسألة يسير جدًا ، وليس وراءها كبير فائدة ، ولا تتعلق بعمل ولا اعتقاد ، وغاية ما فيها اختلاف في التعريف ، ولا دليل من الكتاب والسنة يفصل فيها ، والمهم هو الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، والتصديق به .
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" 2/323: بعد أن ذكر أن القدر هو التقدير السابق وأن القضاء هو الخلق ، قال "جماع القول في هذا الباب - أي القضاء والقدر - أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب : " القضاء والقدر؛ من العلماء من يسوي بينهما، ويقول القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومنهم من يأتي بفرق ويقول: القدر أعم ، والقضاء أخص، فالقدر عمومًا والقضاء جزءٌ من القدر .
والكل واجب الإيمان به، بأن ما قدّر الله، وقضى الله لابد من الإيمان به والتصديق به " انتهى من موقع الشيخ على الانترنت - هنا -

وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :
" لا فائدة من هذا الخلاف ؛ لأنه قد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر... فلا مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر " .
انتهى من " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة " ص 44 .

والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
*الخلاصة:
من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين " القضاء " و " القدر " في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر ورودًا في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن . والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق