الاثنين، 31 مايو 2021

05- شرح القواعد الفقهية

 


27 ـ وَمِنْ مَسَائِلِ الأَحْكَامِ في التَّبَعْ* يَثْبتُ لاَ إِذَا اسْتَقَلَّ فَوَقعْ
هذه القاعدة اشتهرت على ألسنة الفقهاء بلفظ " التابع تابع " ، وهي من القواعد الكلية التي تنبني عليها ما لا يحصى من الصور الجزئية .
القواعد الفقهية المستخرجة ... لابن القيم / ص : 423 .
فالمراد منها : أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا فإِن من الأحكام أشياء يختلف حكمها في حال الانفراد ، وفي حال التبع لغيرها ، فلها حكم إذا انفردت ، ولها حكم إذا تبعت غيرها . ويعفى عن الجهالة اليسيرة بعد التحري .
وهذه القاعدة متفق عليها بين الفقهاء ، فقد حكى الاتفاق غير واحد ، ومنهم : السيوطي في " الأشباه والنظائر " ، والنووي في " المجموع شرح المهذب " .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 91 .
ـ والأصل في هذه القاعدة ما رواه جابر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
* فعن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ذكاة الجنين ذكاةُ أمه " .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / 10 ـ كتاب : الضحايا / 18 ـ باب :ما جاء في ذكاة الجنين / حديث رقم : 2828 / ص : 502 / صحيح .
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله : ردًّا على من قال إنَّ هذا الحديث على خلاف الأصول ، وهو تحريم الميتة :
" الذي جاء على لسانه تحريم الميتة هو الذي أباح الأجِنَّة المذكورة ، فلو قدر أنها ميتة لكان استثناؤه صلى الله عليه وسلم بمنزلة استثناء السمك والجراد من الميتة ، فكيف وليست بميتة ؟ ، فإنها جزء من أجزاء الأم ، والذكاة قد جاءت على جميع أجزائها ، فلا يُحتاج أن يُفرد كل جزء منها بذكاة ، والجنين تابع للأم (1) ، جزء منها ، فهذا مقتضى الأصول الصحيحة ، ولو لم ترد السنة بالإباحة فكيف وقد وردت بالإباحة الموافقة للقياس والأصول " . ا . هـ .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم / إعداد أبي عبد الرحمن ... / ص : 425 .
( 1 ) هذا حكم الجنين في بطن أمه المذكاة ، أما إذا استقل الجنين عن أمه ميتًا وهي حية فيعتبر سقط ، وهو ميتة محرم أكلها . رغم أنه ميت في الحالتين ، لكن عندما كان في بطن أمه فحكمه تابع لحكمها ، أما إذا استقل كما هو موضح ، فله حكم آخر مستقل عنها .
فالأحكام قسمان :
قسم يثبت أصالة واستقلالًا ، وقسم يثبت بالتبعية .
والأمثلة على ما ثبت بالتبعية دون الاستقلال كثيرة منها :
" المجهول " كالحمل لا يجوز بيعه ، فمن أراد أن يبيع حمل ناقة أو بقرة أو شاة أو ... ، فإنه يُنهى عن ذلك لما في ذلك من الغرر والجهالة ، ونهي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن بيع الغرر (1) :
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نهى عن بيع الغررِ .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / 17 ـ أدلة كتاب : البيوع / 25 ـ باب : في بيع الغرر / حديث رقم : 3376 / ص : 608 / صحيح .
( 1 ) الغرر : أي الجهالة .
ـ غَرَّ الرجلُ ـ غِرَّة : جَهِلَ الأمور وغفل عنها . المعجم الوجيز / ص : 448 .
وعلى ذلك ، فإن هذا الحمل الذي يُراد بيعه لا يدري أيولد ذكرًا أم أنثى ، أو يولد فردًا أو توأمًا ، أو يولد حيًّا أو ميتًا .
لكن يجوز بيع الحمل بالتبعية ، فلو باع شاة حاملًا بحملها ، وجعل فارقًا في السعر ، مثل لو باع شاتين إحداهما حاملًا والأخرى حائلًا - أي غير حامل - ، وجعل فرقًا في السعر بأن زاد سعر الحامل على سعر الحائل ، صح ذلك ، لأن الحامل تفرق في السعر ، وهذا مُتعارف عليه بين الناس لما يُرجَى من نفعِها . فهو في هذه الحال اشترى الشاة الحامل أم اشترى الحمل ؟ !
الجواب : اشترى الشاة الحامل ، ولكن ما الذي حمله على شرائها ؟ !
الذي حمله على شرائها ، الحمل .
ـ ومنها : لا يجوز بيع السمك الذي في البحيرة ، لأنه غير محدد فهو مجهول الكم .
ولكن إذا اشتريت الدار وبه بحيرة بها سمك ، فيجوز بيع السمك تبعًا للدار والبحيرة لا استقلالًا ، ويعفى عن الجهالة اليسيرة .
ـ كذلك لا يجوز شراء أساسات الحيطان وما اختفي استقلالًا ، لكن يجوز بيعها تبعًا لما ظهر من البناء .
ـ والطلاق لا يثبت بشهادة النساء استقلالًا ، فإذا شهدت امرأة أنها سمعت فلان يطلق امرأته ، لا تُقبل شهادتها استقلالًا ، لكن إذا شهدت امرأة أنها أرضعت المرأة وزوجها ، فإن الفراق يقع ، لأنه اقترن بالرضاعة ، وليست شهادة مُطْلَقَة مستقلة ، فينفسخ عقد النكاح تبعًا لقبول قولها في الرضاع .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 29 / بتصرف .
فشهادة المرأة عمومًا لا تقبل استقلالًا إلا في هذه الحالة المذكورة ـ الرضاعة ـ لكن تكون شهادة المرأة تبعًا ، فالمرأة لا تشهد استقلالًا كشهادة الرجال ، لكن لقبول شهادتها لابد من رجل وامرأتين ، فشهادة هاتين المرأتين تابعة لشهادة الرجل .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح عبيد الجابري .
ـ ومنها : أن الجنين في بطن أَمَةٍ تابعٌ لها عند البيع والشراء ونحوهما ، فالأَمَة إذا كانت حاملًا فجنينها تابعٌ لها يأخذ حكمها ، ما لم يكن ثَمَّ شرط عرفي أو نطقي عند المبايعة .
ومثال استقلال التابع عن أصله ؛ كما في المثال السابق :
أن يقول السيد لأمَته الحامل بجنين : إن ولدتِ فمولودك مُعْتَقٌ ، فالعتق هنا لتابع دون أصله ، فالأمةُ غير خارجة من العبودية لسيدها ، خلافًا لجنينها إذا ولدته .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 91 .
ـ نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات الكراهة الثلاثة المعروفة ، ومن الأوقات المنهي عنها الصلاة عند طلوع الشمس ، فلو صلى إنسان عند طلوع الشمس فقد وقع في محظور . وهذا عند الاستقلال أي عند الصلاة ابتداءً ودون وجود مقارِن للفعل يسوغ ذلك . أما من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس ، فقد أدرك الصبح ، وبالتالي ستقع الركعة الثانية بعد طلوع الشمس .
قال ابن القيم :
" إن الأمر بإتمام الصلاة ، وقد طلعت الشمس فيها أمر بإتمام ـ الصلاة ـ لا بابتداء ، والنهي عن الصلاة في ذلك الوقت نهي عن ابتدائها لا عن استدامتها . فأحكام التبع يثبت فيها ما لا يثبت في المتبوعات ، والمستدام تابع لأصله الثابت " . ا . هـ . ملخصًا .
القواعد الفقهية المستخرجة ... / ص : 431 / بتصرف .
ـ لو صلى إنسان منفردًا ثم جلس بعد الركعة الأولى ، للتشهد متعمدًا ، بطلت صلاته ، لأن هذا ليس هو موضع التشهد ، لكن لو دخل مع الإمام بصلاة الظهر مثلًا وقد سبقه بركعة ، إذا جلس الإمام بعد الثانية وهي الركعة الأولى للمسبوق ، فإنه يجلس تبعًا لإمامه .
ولذلك قالوا " يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا " .
ـ بيع التمر قبل بدء صلاحه لا يجوز ، ولكن لو باع التمر قبل بدو الصلاح مع الأصل فلا حرج في ذلك ، فهذا جائز تبعًا لغيره . أما استقلالًا فلا يجوز بيعه قبل بدء صلاحهِ ، إلا بشرط قطعه في الحال إذا كان سينتفع به كعلف لبهائمه ... .
منظومة القواعد الفقهية / شرح الشيخ خالد إبراهيم الصقعبي / ص : 79 .
ـ لا يجوز لأحد أن يصليَ عن أحدٍ ، ولكن لو حج عن غيره أو اعتمر ، فله أن يصلي ركعتي الطواف ؛ نيابة عن صاحبه تبعًا للنيابة في النسك .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
 

28 ـ والعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ إِذَا وَرَدْ * حُكْمٌ مِنَ الشَّرعِ الشَّريِِفِ لَمْ يُحَدّ
ـ تعريف العرف لغة :
هو تتابع الشيء ، كما يُقال للضَّبُع : عَرْفاء ، لتتابع شعر رقبتها مع طولها .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 92 .
ـ تعريف العرف اصطلاحًا :

هو ما استقر في النفوس من جهة شهادات العقول ، وتلقته الطباع السليمة بالقبول .
حاشية : القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 65 .
وهو كل قول وفعل وتركٍ اعتاد عليه الناس " .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 93 .
وهو ـ أي العرف ـ بمعنى العادة إلا أن العادة لغة أعمُّ من العرف لإطلاقها على عادة الفرد والجماعة ، بخلاف العرف فإنه يختص بعادة الجماعة .
يُحَدّ: الحد لغة : التمييز والفصل والمنع .
فمن المعنى الأول قولهم : حدَدْتُ الدار حدًّا ، أي : ميزتها عن مجاوِراتِها بذكرِ نِهاياتها .
والثاني قريبٌ من هذا ، ومنه قولُ الشَّاعر :
وجاعل الشمس حدًّا لا خفاءَ به .
ومن الثالث : الحدود المقدَّرة في الشرع ، لأنها تمنع من الإقدام ، ويسمى الحاجب حَدَّادًا ؛ لأنه يمنع من الدخول .
* [ هذه قاعدة مهمة من قواعد الفقه ، وهي من القواعد الخمس الكلية الكبرى عند فقهاء الشريعة ] .
[ منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف ] .
هذامعنى قول الفقهاء " العادة مُحَكَّمَةٌ " أي معمول بها ، فإذا نصّ الشارع على حكم ، وعلق به شيئًا ، فإن نصّ على حدة وتفسيره ، وإلا رجع إلى العرف الجاري ، وذلك فإنه يُرْجعُ في تمييزه وتقديره إلى العُرْفِ ، أما إذا حدَّه الشرع وقدَّره كحد الزنا ، والقذف ، فالمرجع إليه ـ أي إلى الشرع ـ ولا عبرة بغيره . فالشارع الحكيم أمر ببرِّ الوالدين ونهى عن عقوقهما ، ولم يحدد الأعمال التي تُعدُّ من باب البرِّ ، والأعمالَ التي تُعدُّ من باب العقوق ، فَيُرْجَعُ في تحديد ذلك إلى العرف ، فكل ما يُعد من البرِّ عُرفًا يُؤمرُ به ، وكل ما يُعد من العقوق عُرفًا يُنهى عنه . قال بعض العلماء :
حَدُّ العقوق ما يُهيِّجُ الغضب عُرفًا لأم كان ذاك أو لأب .
وهكذا الأمر في صلة الأرحام واللباس والنفقة ، ... .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وَمِنْ هذا : إذا أُمر حَمَّالاً ونحوه بعمل شيءٍ من غير إجارة فله أُجرة عادته .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 30 .
وعلى هذا فإن الحاكم عندما يتشاح ـ عنده ـ الزوجان في النفقة أو فيما تقوم به المرأة نحو زوجها من الخدمة ، فإن القاضي يُرجِع هذا الأمر إلى بيئتها ، حارة كانوا أو بادية ، فإن البدوية لها من المعيشة فى نفقتها ما ليس للحضرية ، وعلى البدوية مما جرى به العرف من الخدمة ما ليس على الحضرية ، وعلى الحضرية أيضًا لوازم لم تكن على البدوية ، وينظر كذلك إلى العُسر واليُسر .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : عبيد الجابري .
ومما يدل على حجية هذه القاعدة :

قوله تعالى " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " .سورة البقرة / آية : 228 .
وقوله تعالى" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" . سورة النساء / آية : 19 .
* عن عائشة أن هند بنت عُتبة قالت :
يا رسول الله إن أبا سُفيان رجلٌ شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم ، فقال صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدَكِ بالمعروف " .
صحيح البخاري / ( 69 ) ـ كتاب : النفقات / ( 9 ) ـ باب : إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ ... / حديث رقم : 5364 / ص : 648 .
ـ أقسام العرف :
أ ـ عرف صحيح :
وهو العادة التي لا تخالف نصًا من نصوص الكتاب والسنة ، ولا تفوت مصلحة معتبرة ، ولا تجلب مفسدة راجحة .
مثاله : تعارف الناس على دفع أثمان المبيعات باستخدام بطاقات الدفع ، وتعارفهم على بيع العملات ، ... إلخ .
ب ـ عرف فاسد :
وهو العادة تكون على خلاف النص ، أو فيها تفويت مصلحة معتبرة أو جلب مفسدة راجحة .
مثاله : تعارف الناس على الاقتراض من المصارف الربوية ، وتعارفهم على إقامة مجالس العزاء ، وتعارفهم على استعمال ألفاظ البذاء عند التلاقي .
حاشية : القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 65 .
- تعارف أهل بلد مثلاً على أن الزوجة تجلس مع إخوان زوجها تسلم عليهم وتصافحهم بيدها- .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
===============
29 ـ مُعَاجِلُ الْمَحْظُورِ قُبلَ آنِهِ * قَدْ بَاءَ بِالخُسْرَانِ مَعْ حِرْمَانِهِ
هذا معنى قولهم : " من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه " ، وهذا عام في أحكام الدنيا والآخرة . وهذه القاعدة من القواعد الكلية التي ذكرها الفقهاء وغيرهم .
ومعنى القاعدة :
أن من استعجل الشيء الذي جعل له الشرع وقتًا تجري عليه الأحكام فيه ـ [ بطريق محرم ] ـ [ فإنه يلحقه الإثم من جهة أحكام الآخرة ] ـ والشرع يعاقبه بحرمانه من المنفعة التي استعجل من أجلها هذا الشيء ؛ لأنه متعد باستعجاله على الشرع الحكيم .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 124 / بتصرف .
وبصيغة أخرى :
إن من يتوسلبالوسائل غير المشروعة تعجلاً منه للحصول على مقصوده ـ [ فإنه يأثم لمباشرته الوسيلة المحرمة ] ـ ، وعامله الشرع بضد مقصوده فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله .
القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 81 .
هذه القاعدة مبنية على سد الذرائع ، والذرائع هي الوسائل التي يستغلها بعض الناس في الاحتيال على الشرع وأخذ ما ليس لهم .
وحكمتها : صيانة حقوق الناس ، ومنع الاعتساف في استعمالها .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 124 .
ويتفرع على هذه القاعدة أمثلة كثيرة منها :
ـ من شرب الخمر في الدنيا حُرم منها في الآخرة .
ـ ومن لبس الحرير في الدنيا حرم من لبسه في الآخرة .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " من لبس الحرير في الدنيا ، لم يلبسْهُ في الآخرة ، ومن شرِب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة . ثم قال : لباس أهل الجنة ، وشراب أهل الجنة ، وآنية أهل الجنة " .
صحيح الترغيب والترهيب / تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني / ج: 2 / ( 19 ) ـ كتاب : الطعام وغيره / ( 2 ) ـ باب : الترهيب من استعمال أواني الذهب ... / حديث رقم : 2112 / ص : 491 / صحيح / رواه الحاكم .
ـ قال الشيخ الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة / ج : 1 / القسم الثاني / ص : 737 / بتصرف :
" واعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير ، وشرب الخمر ، والشرب في أواني الذهب والفضة ؛ هي أكثر من أن تُحصر ، وإنما أحببتُ أن أخصَّ هذا الحديث بالذكر ؛ لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة ، ومساقها مساقًا واحدًا ، ثم ختمها بقوله : لباس أهل الجنة ... " .
فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب ؛ عوقب بحرمانه منها في الآخرة جزاء وفاقًا .ا . هـ .
ويدخل فيها مسائل كثيرة ، منها : إذا قتل مورّثه ، أو من أوصى له بشيءٍ استعجالاً لموته حتى يحصل على الميراث أو ذلك الشيء . أو قتل العبد المدبَّر سيده استعجالاً لموته حتى يُعْتَق ، فإنه يُحْرَم من الميراث ، والوصية والعتق .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 125 / بتصرف .
* العبد المدَبَّر : هو الذي يكون بينه وبين سيده مكاتبة بعتقه عند موت سيده ، وسمي مدبرًا لأنه يعتق دُبر حياة سيده .
* العبد المكاتِب : هو الذي يكون بينه وبين سيده مكاتبة بعتْقِه مقابل مبلغ من المال ، ويأذن له سيده بالعمل لتسديد هذا المبلغ .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 31 . والقواعد والأصول الجامعة ... / ص : 109 / بتصرف .
وَكَمَا أنَّ المتعجل للمحظور يعاقب بالحرمان ، فمن ترك شيئًا لله تهواه نفسه عوّضه الله خيرًا منه في الدنيا والآخرة ، فمن ترك معاصِيَ الله ونفسه تشتهيها ، عوّضه الله إيمانا في قلبه ، وسعة ، وانشراحًا ، وبركة .
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ" .الراوي : رجل من أهل البادية - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند الصفحة أو الرقم: 1523 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
o تنبيه :
ــــ
هذه القاعدة تدخل في الأمور الدنيوية ـ أيضًا ـ ، كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ، فإنه هناك من الأمور ما لو عاجَلَهُ المرء قبل وقته لحُرِمَهُ .
[ مثل قطف الثمار قبل أوانه ، ... ] .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 99 / بتصرف .
================
 
 
30 ـ وَإِنْ أَتى التَّحْرِيمُ فِي نَفْسِ العَمَلْ* أَو شرطِهِ ، فَذُو فَسَادٍ وخَلَلْ
هذه القاعدة أصولية نَظَمَهَا الشيخ السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ ضمن القواعد الفقهية .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
وذكر الناظم في هذا البيت تفصيلاً يتعلق بمسألة أصولية ، وهي : اقتضاء النهي الفساد (1) .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .


( 1 ) أي اقتضاء فعل المنهي عنه فساد العمل ، وبصيغة أخرى : فعل المنهي عنه يقتضي فساد العمل .
ـ ومن أدلة هذه القاعدة :
* قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " .
رواه الإمام أحمد ، عن عبادة ... / وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 7513 / ص : 1249 .
* وقوله صلى الله عليه وسلم :
" لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " .
رواه الإمام أحمد ، عن سعيد بن زيد . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /ج : 2 / حديث رقم : 7514 / ص : 1249 .
ـ ضابط القاعدة :
التحريم وإن شئت فقل : النهي ، والنهي في العبادات :
تارة يرجع إلى نفس العمل أو شرطه ، وفي هذه الحالة يفسد العمل .
وتارة لا يرجع النهي إلى شرط العمل ولا إلى نفسه ، ولكن إلى سبب خارجي ، فإن العمل لا يفسد .
وهذا كلام مُجْمَل .
لذا نحتاج أولاً إلى معرفة المراد بالصحيح والفاسد من العمل ، حتى نتصور الحكم .
والفساد لغة : ضد الصلاح .
والفساد عند الفقهاء : عدم سقوط القضاء في العبادات ـ أي عدم صحة العبادة ، وبالتالي لم تَبرأ الذمة منها ـ ، وعدم ترتب أثر العقد عليه في المعاملات ، وهو مرادف للبطلان عند جمهور الأصوليين .
الصحيح : مأخوذ من الصحة في اللغة ، وهو ضد السَّقم والمرض .
أما الصحة في الشرع نعرضها من جهتين :
1 ـ الصحة في العبادات .
2 ـ الصحة في المعاملات .
" الصحة في العبادات ": فالعبادات تسمى صحيحة إذا أجزأت وأبرأت الذمة وأغنت عن القضاء والإعادة ، فإذا توفرت هذه الشروط حكمنا بصحة العبادة .
وبمعنى آخر إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع ـ صحت العبادة ـ .
فمن صلى قبل الوقت مثلاً لم تصح صلاتُه ، لأنه من شروط الصلاة دخول الوقت .
ومن صامت حال حيضها أو نِفاسها ، لم يصح صيامها لوجود مانع من موانع صحة الصيام ألا وهو كون المرأة حائض أو نُفَساء .
وأما " الصحيح في المعاملات ": فهو ما ترتبت عليه أحكام العقد المقصودة منه ، لأن كل عقد ومعاملة يجريها الإنسان يقصد منها مصلحة ، وبِناء على ذلك يكون فساد العقد إما لعدم تحقق الشروط أو لوجود الموانع كبيع المجهول ـ الغرر ـ مثلاً .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 83 / بتصرف
ـ ومن أمثلة هذه القاعدة في " العبادات " :
* لو صلى رجل فرض الظهر ستًّا عالمًا عامدًا ، هذه الصفة في العمل أو في شرطه ؟
في العمل ، إذًا الصلاة باطلة .
* من شروط الصلاة الطهارة ، فلو صلى الصلاة بهيئة تامة ؛ لكن كان محدِثًا عامدًا ، فما حكم صلاته ؟ باطلة . هنا التحريم راجع إلى شرط العمل ، والأول راجع إلى نفس العمل .
* [ ومن صلى قبل الوقت لم تصح صلاته ، لأن من شروط الصلاة دخول الوقت ] .
ـ ومن أمثلة هذه القاعدة في " المعاملات " :
من شروط البيع " العلم بالمبيع " ـ للنهي الوارد عن بيع الغرر ـ فلو باع حَمْلاً ، ما حُكم البيع ؟ حكمه التحريم ، والتحريم رجع إلى شرط من شروط البيع إجمالاً ، وبصيغة أخرى لوجود مانع من موانع البيع .
منظومة القواعد ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
هل كل محرم يفسد العمل من أصله ؟
لا ، ليس كل منهي عنه يفسد العبادة إلا بقيد مهم وهو أن يكون منهيًّا عنه في هذه العبادة بالذات ، فهناك فرق بين التحريم العام والخاص ، فما كان تحريمًا خاصًّا في عبادة أو معاملة فإنه يبطلها ، وما كان عامًّا لا يبطلها مع التحريم والإثم . مثاله : لو أكل الصائم أو شرب بَطَل صيامُه لأنه محرم عليه ذلك حال صومِهِ ، ولكن لو اغتاب الناس حال صيامِهِ ، لم يبطل الصيام ولكنه آثم . لماذا ؟ ! . لأن الأكل والشرب محرم في الصيام بخصوصه . والغيبة محرمة عمومًا ، في الصيام وغير الصيام .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 81 / بتصرف .
حاصل كلام الناظم : أن المحرم إذا وقع في نفس العمل ، يعني في أركانه وواجباته ، أو شرطه ، فذو فسادٍ وخلل ، أي يوجب فساد العمل وخلله .
وبيان هذا التفصيل أن ننظر إلى متعلق النهي ومرجعه ، فإن كان النهي متعلقًا بذات الفعل وراجعًا إلى ركن من أركانه ، أو شرطٍ من شروطه ، كالنهي عن بيع الخمر والخنزير ، والنهي عن الصلاة بدون طهارة ، أو قبل دخول الوقت ، فإنه يقتضي فساد العمل .
وإما إن كان النهي متعلقًا بوصفٍ خارجٍ ، ولا يرجع إلى ذات الفعل ولا شرطه ، فإنه لا يقتضي الفساد بل يُحكم عليه بالصحة ، لتوفر شروط الفعل وأركانه ، ويُحكم على الفاعل بالإثم لارتكابه الفعل المنهي عنه . وذلك كمن صلى وعليه عمامة من حرير ، أو لابسًا خاتمًا من ذهب ، فصلاته صحيحةٌ لتوفر شروطها وأركانها ، ولُبْسُهُ لعمامةِ الحرير أو خاتَم الذهب محرمٌ .
================
31 ـ وَمُتْلفُ مُؤْذِيهِ لَيْسَ يَضْمَنُ* بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ
قول الناظم : مُتْلفُ :
من التلف ، وهو إفساد الشيء وإزهاقه ، قاله الزبيدي في " شرح القاموس " .
وقوله مُؤْذِيهِ : من الإيذاء ، وهو إيصال المكروه .
لَيْسَ يَضْمَنُ: الضمان : التزام العِوَض ورد المثل .
بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ : أي الدفاع بالأقل فالأكثر حسب الحال .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
ومعنى كلام الناظم ـ رحمه الله ـ :
أن من أتلف صائلاً (1) لدفع أذاه فلا ضمان عليه ؛ لأن الصائلَ هو المعتدي والظالم ، ولكن بشرط الدَّفع بالتي هي أحسنُ ، أي : لا يكون الدَّافعُ متعديًا في دفعِه ، فمن أمكن دفعُه بالتهديد فلا يُضرَبُ ، ومن أمكن دفعه بالضرب فلا يجوز دفعه بالقتلِ ؛ لقوله تعالى "ادْفَعَ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ " . سورة فصلت / آية : 34 .
فإن تعدَّى في الدفاع فهو ضامن .
وأما إن كان المتْلَف ـ بفتح اللامِ ـ غيرَ الصائلِ فيجب ضمانُه ، وهذا ما عبَّر عنه الحافظ ابن رجب ـ في قواعده * ـ بقوله : من أتلف شيئًا لدفع أذاه ـ له * ـ لم يضمنْه ، ومن أتلفه لدفع أذًى به ضِمنه ) (2) .
وهذا أقرب إلى المسائل الفقهية منه إلى القواعد .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

( 1 ) الصائل : هو الذي يهاجم ويعتدي . منظومة ... / عبيد الجابري .
( 2 ) قواعد ابن رجب ( 1 / 206 ) ، القاعدة السادسة والعشرون . الدرة المرضية ... / ص : 81 .


· ومثال ذلك :
* إذا كان المسلم محرِمًا ، وصال عليه ضبع ، فقتله المسلم المحْرِم لدفع الأذى عن نفسه .
فلا إثم على المسلم ولا ضمان عليه . ولكن عليه الدفع بالتدريج ، أي الدفاع بالتي هي أحسن ، فإن استطاع أن يدفع الأذى بغير إتلاف ؛ فَعل ، وإذا لم يستطع واستطاع إتلاف البعض دون الكُل ، فَعل ، فإن لم ينصرف الأذى ، أتلف الكل للضرورة .
* أما إذا أتلفه لدفع أذاه به ، ضمنه ـ أي عليه عِوَض ـ فإذا اضطر إلى صيد ، وهو مُحْرِم ، فأتلَفه لضرورته ، أي كان يهلك جوعًا فاضطر للصيد وهو محرِم ليأكل ويدفع الهلاك عن نفسه به ، فإنه يضمن ولا إثم عليه .

oلطيفة :
ـ يَحْرُم الصيد على المسلم داخل مكة حتى لو لم يكن مُحْرِمًا لأن مكة كلها حرم ، ويحرم الصيد على المحرم حتى لو كان خارج مكة .
ـ الضبع حلال أكله ، فهو مستثنى من ذي ناب .
ـ هذه القاعدة مبنية على قاعدة : " الضرورة تبيح المحظور " وقد سبقت وقال فيها الناظم :
وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلاَ اقْتِدَارِ* وَلاَ مُحَرَّمٌ مَعَ اضطِّرارٍ

ـ من أدلة هذه القاعدة :
* عن قابوس بن مُخارِقٍ ، عن أبيه ، قال وسمعتُ سُفيان الثوريَّ يحدِّثُ بهذا الحديث ، قال : جاء رجلٌ إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : الرجلُ يأتيني فيريدُ مالي ؟ ! قال " ذكِّره بالله " . قال : فإن لم يذَّكَّر ؟ قال " فاستعن عليه من حولك من المسلمين " . قال : فإن لم يكن حولي أحدٌ من المسلمين ؟ قال " فاستعن عليه بالسلطان " . قال : فإن نأى السلطانُ عني ؟ . قال " قاتل دون مالِك ، حتى تكونَ من شهداء الآخرةِ ، أو تمنعَ مالَكَ " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 37 ) ـ كتاب : تحريم الدم / ( 21 ) ـ باب : ما يَفعَلُ مَنْ تُعرِّضَ لِمَالِهِ / حديث رقم : 4081 / ص : 630 / حسن صحيح .
* عن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ ، قال : قاتل يعلى رجلاً ، فعض أحدهما صاحِبَه ، فانتزع ده من فيه فَنَدَرَتْ ثنيتُه ، فاختصما إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال " يَعَضُّ أحدكم أخاه كما يَعَضُّ الفحْلُ !! لا دِيَةَ له " .

سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 46 ) ـ كتاب : القِامة / ( 18 ، 19 ) ـ باب :الْقَوَدُ من العَضَّة ، ... / حديث رقم : 4760 / ص : 727 / صحيح .
شرح الحديث :

فقَاتَلَ الأَجِيرُ إنسانًا، فعَضَ أحدُهما يَدَ الآخَرِ، فانْتَزَعَ المعضوضُ يَدَه مِن فَمِ العَاضِّ فانتَزَع إحدى ثَنِيَّتَيْهِ - أي إحدى ثَنِيَّتَيْ العاض ، أي: أَسْنانِه، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأَهْدَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم ثَنِيَّتَهُ ولم يُوجِب له دِيَةً ولا قِصَاصًا، وقال: أَفَيَدَعُ- أي: أفيَتْرُكُ- يدَه في فِيكَ تَقْضَمُها، أي: تَأكُلُها بأطرافِ أسنانِك، كأنَّها فِي فِي فَحْلٍ يَقْضَمُها، أي: في فَمِ ذَكَرِ إِبِلٍ يَأكُلها!
في الحديثِ: رَفْعُ الجناياتِ إلى الحُكَّام لأجلِ الفَصْلِ.
وفيه: تَشبيهُ فِعل الآدَمِيِّ بفِعلِ الحيوانِ الذي لا يَعقِل؛ لِلتَّنْفِيرِ عن مِثل فِعله.الدرر-
=============
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق