الاثنين، 31 مايو 2021

04- شرح القواعد الفقهية

 


16 ـ وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلاَ اقْتِدَارِ* وَلاَ مُحَرَّمٌ مَعَ اضطِّرارٍ

الوَاجِبٌ : هو ما طَلَب الشارعُ فعله على وجه اللزوم ، كالصلاة والصيام ... .
المُحَرَّم: هو ما طلب الشارع تركَهُ على وجه اللزوم ، كالربا والكذب.منظومة القواعد الفقهية .د.مصطفى كرامة مخدوم
هذه القاعدة لها صورتان :
ـ نفي الواجب مع عدم القدرة عليه [ أي : سقوط الواجب لعدم القدرة عليه ] . فإذا عجز المكلَّفُ عن القيام بالواجب فلا يكـون واجبًا في حقه ، كالأعمى والأعرج لا يجب عليهما الجهاد لعجزهما عنه . والأصل في هذه الصورة قوله تعالى : " فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا " .سورة التغابن / آية : 16 .
ـ إعمال المحرم مع الاضطرار إليه [ أي : إباحة المحرم عند الضرورة ] .
فالمكلّف إذا اضطرَّ إلى فعلِ المحرم ، فإنه لا يكون محرمًا في حقه ، ولا يكون آثمًا عند ذلك ، كالمنقطع في الصحراء يضطرُّ إلى أكلِ الميتةِ فلا حرج عليه في ذلك . وهذا معنى قول الفقهاء :الضرورات تبيح المحظوراتِ .
والأصل في هذه الصورة قوله تعالى "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" .سورة الأنعام / آية : 119 .
فأخبر ـ سبحانه ـ أن المضطر إليه مستثنى من المحرمات
أي ما اضطررتم إليه ليس حرامًا عليكم .
o فائدة :
ـــــ
أدلة هذه القاعدة هي نفس أدلة القاعدة السابقة ، لأن سقوط الواجب مع عدم القدرة عليه ، وفعل المحرم عند الضرورة إليه هذا من يسر الشريعة . منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

ـ شروط تطبيق هذه القاعدة :
ـ أن تندفع الضرورة بفعل المحظور . فإن لم تندفع ، لم يجز فعل المحظور .
مثلوا له بالظمآن الذي لا يجد إلا الخمر ، فهذا لا يجوز له تناول الخمر ، لأن الخمر لا يبعد الظمأ ، وإنما يزيد الإنسان ظمأ إلى ظمئه ، فالمحظور هنا زاد الضرورة ولم يدفعها .
ـ ألا يوجد طريق آخر تندفع به الضرورة . فإن وُجد ، لم يجز ـ حينئذ ـ فعل المحظور .
مثال ذلك : طبيبة مسلمة ، وطبيب رجل ، وعندنا امرأة مريضة ، يمكن دفع الضرورة بكشف المرأة الطبيبة .
ـ أن يكون المحظور أقل من الضرورة ، فإن كانت الضرورة أعظم ، لم يجز ـ فعل المحظور ـ .
مثال ذلك : إذا اضطُّرَ إلى قتل غيره لبقاء نفسه . كما في مسألة الإكراه ، فهنا الضرورة أقل من المحظور ، [ فلا يجوز فعل المحظور ] .
المحظور هو : قتل الغير . الضرورة هي : أنه سيقتل الإنسان ، بعد تهديده بالقتل إذا لم يقتل هذا الغير .
ـ ويلاحظ أنه إذا زالت الضرورة ، زال حكم استباحة المحظور .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
=================

17 ـ وَكُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَةْ* بِقَدْرِ ما تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَةْ
فهذه القاعدة فرع عن القاعدة السابقة وقَيد لها ، وهي كقاعدة فقهية يذكرها الفقهاء بقولهم :
" الضرورات تقدَّر بقدرِها " .
وبيانها : أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فَحَسْب . فإذا اضطر الإنسان لمحظور فليس له أن يتوسَّع فيه ، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط .
وأصلها قوله تعالى " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " .سورة البقرة / آية : 173 .
ـ قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية
" فالباغي " : الذي يبتغي الميتة مع قدرته على التوصّل إلى المذكَّى . [ فالبغي : أن يأخذ الإنسان بحكم الضرورة ، وهو غير مضطر ] .
و " العادي " : الذي يتعدى قدر الحاجة بأكملها " . 1 / 71
[ فالعدوان : هو تجاوز مقدار الضرورة ] .
القواعد الفقهية ... / لابن القيم / ص : 315 / بتصرف .
[ شرح القواعد ... / د . مصطفى كرامة مخدوم ] .
* مفهوم الضرورة :
__________
لغة :الضرورة : مأخوذة من الاضطرار ، وهو الحاجة الشديدة والمشقة والشدة التي لا مدفع لها .
اصطلاحًا : الضرورة : هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر ، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعِرْض أو بالعقل أو بالمال ، ويتعين أو يباح عندئذٍ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعًا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي . بتصرف .

* حقيقة الضرورة :
_________________
قال الشيخ العثيمين في شرحه للقواعد الفقهية / ص : 24
* المحرم يباح عند الضرورة ، لكن لابد لذلك من شريطين
الأول : صدق الضرورة إليه ، بحيث لو لم يفعله تضرر .
الثاني : أن تندفع ضرورته بفعله ، فإذا كان يمكن أن يدفع ضرورته من المباح ، فإنه لا يحل هذا المحرم . ا . هـ .

* ما هو حد الضرورة ؟
___________
نقول بأن الاضطرار وإن كان سببًا من أسباب إباحة الفعل إلا أنه لا يُسقط حقوق الآدميين وإن كان يُسقط حقَّ اللهِ عز وجل برفع الإثم والمؤاخذة عن المضطر أو المستكرَه ، فإن الضرورة لا تبطل حق الآدميين .
مثاله : شخص وجد شاة فذبحها مضطرًا ـ للجوع الشديد ـ وأكل لحمها ، ثم جاء صاحب الشاة وطالبه بالثمن ، فلا يقول أنا مضطر والضرورات تبيح المحظورات ! نعم هو رُفع عنه الإثم ـ حق الله ـ ، لكن لا يعني ذلك أن حق الآدميين يسقط ، وإنما يجب عليه أن يدفع القيمة ـ لصاحب الشاة ـ .
ولهذا قيد العلماء هذه القاعدة ، بقاعدة أخرى ، وهي :
الاضطرار لا يبطل حق الغير .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ولكن هذا ليس على الإطلاق ، فهناك ضابط لهذه المسألة ، وهو : إذا نشأت الضرورة من حق الغير ، فإنه حينئذ لا حق لذلك الغير .
* مثاله :
إنسان هاج عليه جَمَل ، فاضطر إلى قتله ؛ دفاعًا عن نفسه ، فهل يحق لصاحب الجمل أن يأتي إليه ويطالبه بقيمة الجمل ؟ .

الجواب : لا . لا يحق له ؛ لماذا ؟ . لأن الاضطرار هنا ناشئ من ملك الغير ، ناشئ من ذات المملوك ـ أي الجَمَل ـ فحينئذ لا يجب الضمان .
أما إذا كان الاضطرار ليس ناشئًا عن حق الغير ، فعلى المضطر الضمان . مثل ذلك : مضطر جائع ، لم يجد إلا جملًا مملوكًا لغيره ، فذبحه وأكله ، فحينذ الاضطرار ليس ناشئًا عن مِلْك الغير ـ أي الجَمل ـ ومن ثَم فإنه ـ أي المضطر ـ يضمن ـ أي يدفع عِوَض ـ ذلك المِلْك ـ أي ـ الجمل ـ .
* مثال آخر :
إنسان في السفينة ، ألقى بعض المتاع في البحر ؛ لأنه مضطر إلى إلقائه . فهنا هل يجب الضمان أو لا يجب ؟ .
نقول : ننظر لماذا ألقى المتاع ، فإن كان قد ألقاه لضرر ناشئ من المتاع ، كأن يكون الرجل في جانب السفينة ، فسقط عليه بعض المتاع ، فخشي على نفسه الهلاك ، فألقى بالمتاع في البحر .
فهنا الاضطرار ناشئ من مِلْك الغير ، فلا يجب عليه الضمان .
لكن لو كان الاضطرار ليس ناشئًا من ذلك المتاع ، بأن تكون السفينة حمولتها كثيرة ، ويخشى عليها من الغرق ، فقال القائمون على السفينة : لابد من إلقاء بعض المتاع ، فأُخِذَ بعض المتاع فأُلقي ، فحينئذ هل يضمن ؟ . نقول : نعم يضمن ، لأن هذا الاضطرار ليس ناشئًا من ذات المتاع ، وإنما ناشئ من جميع من في السفينة ، فحينئذ يُقال لجميع من في السفينة : اضمنوا هذا المتاع ، ويضرب عليهم قيمته أو مثله ، بحسب أعدادهم .

مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
ويتفرع على هذه القاعدة :
ـ الطبيب لا ينظر من العورة إلا بقدر ما تدعو إليه الضرورة .
ـ إذا بلغ الجوع بإنسان مبلغًا لا يطيقه ـ وخاف معه الهلاك جوعًا ـ جاز له أن يأكل ما حرم الله عليه أكله ، لكن بقدر ما يدفع به شدة الجوع ويحفظ عليه حياته . إذا زالت الضرورة عاد الحكم إلى أصله وهو التحريم .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 78 / بتصرف .
_____________
18ـ وَتَرْجِعُ الأَحْكَامُ لليَقِينِ * فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ
هذه القاعدة تشير إلى قاعدة فقهية كلية وهي :
" اليقين لا يزول بالشك " .
الأَحْكَامُ : واحدها حُكم وهو في اللغة : المنع 0 تقول : حكمتُ الرجل تحكيمًا ، إذا منعته مما أراد ، قاله الجوهري في " الصِّحَاح " .
والحكم في الاصطلاح هو : إسناد أمر إلى آخر إيجابًا أو سلبًا . قاله الجرجاني في
" التعريفات " ، ومثاله في الإيجاب : زيد قائم ، حيث أثبت القيام لـزيد . ومثال السَّلب : لم يقم زيد ، حيث نفيت القيام عن زيد . مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
وقد عَرَّفَه الأصوليون بأنه خطاب الله ـ تعالى ـ المتعلق بأفعال المكلفين ؛ اقتضاءً ـ أي طلبًا ـ ،أو تخييرًا ، أو وضعًا .( * ) الحكم الوضعي : هو خطاب الشرع بجعل أمرٍ ما علامة على أمر آخر .
والأحكام الوضعية خمسة هي :
السبب ، والشرط ، والمانع ، والصحة ، والفساد . الواضح في ... / ص : 48 . الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .
اليَقِينِ :
لغة : العلم وزوال الشك . كذا قال الجوهري . منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
وقال بعض الأصوليون : إن اليقين في اللغة مأخوذ من الاستقرار ، يُقال : يقن الماء ، بمعنى استقر. منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
وقيل هو الإدراك الجازم الذي لا تردد فيه.منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
اصطلاحًا : هو حصول الجزم أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدم وقوعه .منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

وقيل : اليقين في الاصطلاح : طمأنينة القلب ، واستقرار العلم فيه. منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري . .
الشَّكُ :
لغة : التردد ؛ وهو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر .الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .
وقيل يراد بالشك : التداخل ؛ وذلك لأن الشاك يتداخل عنده أمران ، لا يستطيع الترجيح بينهما . منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
وقيل الشك هو : مطلق التردد .منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
اصطلاحًا : هو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما قاله الراغب في " المفردات " .مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
وقيل : يطلق على مطلق التردد ، ويطلق على الاحتمال المتساوي الطرفين.منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
ـ والمعنى : أن الإنسان إذا تحقق من وجود الشيء ، ثم طرأ عليه الشك في زواله ، فيرجع إلى الأصل المتيقنِ ، وهو بقاؤه واستمرارُه .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
ولا تكاد تلك القاعدة تخلو من باب من أبواب الفقه ويدل على صحة هذه القاعدة عدة أدلة ترجع إلى الخبر ،والإجماع ، والنظر .
فأما الخبر، ما رواه مسلم في صحيحه :
* فعن سعيد وعبَّادِ بنِ تميمٍ ، عن عمهِ ، شُكِيَ إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الرجلُ يُخيلُ إليه أنه يجدُ الشيءَ في الصلاةِ . قال : " لا ينصرف حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحًا " .
صحيح مسلم . متون / ( 3 ) ـ كتاب : الحيض / ( 26 ) ـ باب : الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك / حديث رقم : 361 / ص : 93 .
ـ ففي هذا الخبر : الحكم ببقاء الطهارة وإن طرأ الشك ، لأن الطهارة مُتيقَّن منها ، وأما إذا تُيقِّن من الحدث الموجب نقض الطهارة ـ نُقِضَت الطهارة ـ .
وهذا أصل في كل أمر قد ثبت واستقر يقينا ، فإنه لا يرفع حكمه بالشك .
* وعن أبي سعيد الخُدري ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ؟ ثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشكَّ ولْيبنِ على ما استيقنَ ، ثم يسجدُ سجدتين قبل أن يُسَلِّم " .
صحيح مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 19 ) ـ باب / حديث رقم : 571 / ص :137 .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 63 / بتصرف .

وأما الإجماع :
فحكاه غير واحد كالقرافي ـ رحمه الله ـ في " الفروق " ، وابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ في" إحكام الإحكام " .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 64 .
وأما النظر :
فلأن اليقين لا يغلبه الشك ألْبتة ، حيث إنه قطع بثبوت الشيء فلا ينهدم بالشك .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 65 .
o فائدة :
ــــــــ
اعلم وفقك الله ـ أن قاعدة : " اليقين لا يُزال بالشك " لها اعتبار عند الاصتدلال بالأدلة ؛ إذ الأصل في الألفاظ أنها للحقيقة ، وفي الأوامر أنها للوجوب ، وفي النواهي أنها للتحريم .
ولا يُخْرَج بتلك الأحكام عن أصولها الْمُتَيَقَنة لاستدلال أو دليل مشكوك فيه إما من جهة الثبوت أو الدلالة .
وقد نبه إلى ذلك العلائي ـ رحمه الله ـ في كتابه : " المجموع الْمُذْهب " ، وقال : " ومن هذا الوجه يمكن رجوع غالب مسائل الفقه إلى هذه القاعدة إما بنفسها أو بدليلها " .
ومن ثَم يتبين أن القاعدة الكلية : " اليقين لا يزال بالشك " ، لها موردان - أي تطبق وتصب على شيئين -
الأول : الأدلة الشرعية ، عند إعمال قاعدة " استصحاب الأصل " ، لأن الأصل له حكم اليقين .
الثاني : أفعال المكلَّف ، عند اشتباه أسباب الحكم عليه. وهذا المورد هو المقصود أصالةً من القاعدة ، قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ في : " بدائع الفوائد " .
وهذا كله عندما يكون للمشكوك فيه حال قبل الشك ، فَتُستصحَب ولا ينتقل عنها إلا بيقين ، وهذا جزم به الجمهور ، ونص عليه ابن القيم في كتابه السابق .
قال ابن القيم : في " بدائع الفوائد " : " ينبغي أن يُعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه ألْبتة ، وإنما يعرض الشك للمكلف " . ا . هـ .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 66 .
أمثلة تطبيقية على القاعدة :
______________
* إذا أكل الصائم شاكًّا في طلوع الفجر ، صح صومه ، لأن الأصل بقاء الليل حتى يتيقن الفجر .
أما إذا أكل شاكًّا في غروب الشمس ، لم يصح صومه ، لأن الأصل بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك ، وعليه القضاء ما لم يعلم أنه أكل بعد الغروب فلا قضاء عليه حينئذ .
* من شك في حصول الرضاع بينه وبين امرأة أجنبية ، فيبنِ على الأصل المتيقَّنِ ، وهو كونُها أجنبية عنه .
* من شك في طلاق امرأته ، فإنه يبني على الأصل المتيقن ، وهو بقاء الزوجية .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
* من أتم صلاتَهُ وفرغ منها ، ثم شك في زيادة أو نقص ، فهذا الشك لا يؤثر ، فصلاته تامة لأن الأصل التمام ، ثم طرأ شك ، فلا يُعوَّل عليه لكن من شك أثناء الصلاة فهذا له حكم آخر مفصل بكتب الفقه .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
ـ ضابط القاعدة :
هذا الحكم وهو الرجوع إلى اليقين وتقديمه على الشك ، صحيحٌ متجهٌ إن كان المعارِضُ للأصل المتيقَّنِ ، هو الشك ، بمعنى " الاحتمال المتساوي الطرفين " ، فَيُرَجَّحُ احتمال البقاء على احتمال الزوال .
وأما إن كان المعارِضُ للأصلِ المتيقَّنِ هو الظن ، بمعنى " الاحتمال الراجح " ، فيجري فيه الخلافُ المعروف في تعارض الأصل والغالب .
والأقرب ترجيح الغالب بدليل وجوب العمل بالنية الظنية ، كشهادة الرجلين مع أن الأصل براءة الذمم .
وبدليل عمل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بخبر المرأة ... في الرضاع مع كونه خبر واحدٍ لا يفيد إلا الظن ، فترك به الأصل ، وهو عدم الرضاع .
والأصل والغالب إن تعارضا فقدِّم الغالبَ وهو المرتضى .
وهذا من باب ترجيح القياس على التمسك بالبراءة الأصلية ، كما هو مذهب الجمهور ؛ لأن الظن المستفاد من القياس الصحيح أقوى من الظـن المستفاد من الاستصحاب ـ أي استصحاب البراءة الأصلية ـ ، والحكمُ المسْتَصحَبُ ، وإن كان يقينًا في أصله إلا أنه ظنيٌّ من جهة بقائه واستمراره ، فرجعت المسألةُ إلى تعارض الظنون . وإن كانت هناك فروع مستثناةٌ من القاعدةِ ، تُذْكَرُ في المطوَّلات ، كقواعد ابن رجب ، وأشباه السيوطي .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
صحيح فقه السنة / ج : 2 / ص : 105 .
ـ قواعد متفرعة عن هذه القاعدة :
------------------
* ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين .
* الأصل بقاء ما كان على ما كان .
والمعنى : أن ما ثبت على حال في الزمن الماضي ثبوتًا أو نفيًّا ، فإنه على حاله ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره ، لأن الاستصحاب في اللغة : الملازمة وعدم المفارقة .
* الأصل براءة الذمة :
وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " البيِّنَة على المدعي ، واليمين على المدعَى عليه " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ /( 12 ) ـ باب : ما جاء في أن البينة على المدَّعِي واليمين على المدَّعَى عليه / حديث رقم : 1341 / ص : 316 / صحيح .
والمعنى : القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجود شيء أو لزومه ، وكونه مشغول الذمة هذا خلاف الأصل ، لأن المرء يولد خاليًا من كل دين أو التزام أو مسئولية ، وكل شغل لذمته بشيء من الحقوق إنما يطرأ بأسباب عارضة بعد الولادة ، والأصل في الأمور العارضة العدم .
* الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته :
فلو أن إنسانًا استيقظ من النوم لما أراد أن يصلي الظهر وجد في ثيابه أثر مَنِيّ ـ للاحتلام ـ فأشكل عليه هل هذا من نومه بعد صلاة الفجر فتكون صلاة الفجر صحيحة ؟ أم أنه من الليل فيلزمه الاغتسال ثم إعادة صلاة الفجر ؟ . نقول : إذا لم يتأكد ولم تقم قرائن ، فالأصل إضافة الحال إلى أقرب أوقاته ، وعلى هذا نحكم بأنه من نومه بعد صلاة الفجر ، وبِنَاءً على ذلك نحكم بصحة صلاة الفجر .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
============== 
 

19 ـ والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة
الأَصْلُ
: يُطلق على معانٍ متعددة ، كالدليلِ ، والراجح ، والقاعدة المستمرة ، والحالة الأولى المستصحَبةِ ، والمراد هنا الأخيرُ .


لما كانت الأحكام ترجع إلى أصولها حتى يُتَيَقْن زوال الأصل كما سبق بيانه ، لذا احتيج إلى معرفة أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها ، وهي أصول تابعة لقاعدة " اليقينُ لا يزول بالشكِّ " وتُمثل جانب اليقين منها ـ أي من القاعدة ـ لذا ذَكَرَها الناظمُ عقب هذه القاعدة .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
وذكر المؤلف في هذه القاعدة مجموعة أصول تحت أصل " الأصل في الأعيان أو في الأشياء الطهارة " :
فقال :
والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ * والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارة ، وذِكر هذه الأشياء الأربعة لا يُراد به التخصيص والحصر ، بل المراد التمثيل ، وإلا فالأصل في سائر الأشياء الطهارة حتى يَثبت خلاف ذلك بالدليل أو القرينة .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
فالمياه كلها : البحار ، والأنهار ، والآبار ، والعيون ، وجميع ما تحوي عليه الأرض من : التراب ، والأحجار ، والسباخ - السباخ : هو رَوْث مأكول اللحم -، والرمال ، والمعادن ، والأشجار ، وجميع أصناف الملابس ، كلها طاهرة ، حتى يُتَيَقَّن زوال أصلها بِطُرُوء النجاسة عليها .
ويخرج من الملابس المصنوع من غير طاهر ، كجلود السباع والكلاب والخنازير .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف .
وهذه القاعدة مرتبة على القاعدة السابقة ، ولكن من تأمل ما ذكرناه سابقًا من الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ، يجد أن هذه القاعدة أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدة الفقهية ، فهي ضابط فقهي وليست قاعدة فقهية .
معنى ذلك : أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والأرض والحجارة الأصل فيها الطهارة ،كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن ، وعدم طهارة هذه الأشياء شكٌّ يحتاج إلى دليل ، فلا يُصار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلاف الأصل .
ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي أُبتلي بها كثير من الناس ، فالأصل في الماء والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة .
فبعض الناس يبني عبادته على أوهام ويقول هذا من باب الاحتياط في العبادة ، فنقول : إن الأصل في الماء ـ مثلاً ـ الطهارة ما لم يتبين للإنسان النجاسة بقرينة .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
o أدلة طهارة هذه المذكورات :
ــــــــــــــ
* الأصل في المياه الطهارة لقوله تعالى :
"وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا " .سورة الفرقان / آية : 48 .
* ..... سمع أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إنَّا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " هو الطهور ماؤه ، الحِلّ ميتته " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 1 ـ كتاب : الطهارة / 38 ـ باب : الوضوء بماء البحر / حديث رقم : 386 / ص : 85 / صحيح .
فالماء مثلاً الذي لا نعلم فيه دليلاً على طهارته ، ولا على نجاسته ، فإننا نحكم بقاعدة الأصل ،وهي الطهارة .
* والأصل كذلك طهارة الأرض لقوله تعالى "فَلمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّبًا ". سورة النساء / آية : 43 .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : " فُضِّلْتُ بأربعٍ : جُعِلتُ أنا وأمتي في الصلاةِ كما تَصُفُّ الملائكةُ ، وجُعل الصعيدُ لي وَضوءًا وجُعِلَتْ لَى الأرضُ مسجدًا وطَهورًا ، وأُحلَّت ليَ الغنائم " .
رواه الطبراني عن أبي الدرداء . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... /
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4219 / ص : 777 .
* والأصل كذلك طهارة الحجارة :
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب ، فإنها تُجزئ عنه " .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 21 ) ـ باب : الاستنجاء بالأحجار / حديث رقم : 40 / ص : 13 / حسن .
ـ فالأصل في هذه الأشياء الطهارة فلا يقول قائل : ما دليلك على طهارة هذا الماء ، أو طهارة هذه الأرض ؟ .
فالأصل في كل هذا الطهارة . ولا نَخرُج عنِ الأصلِ إلا بنصٍ أو بينةٍ . فلا يقول قائل : هذا الماء ما أدراك لعل أحد قد بال فيه ، أو لعل كلب وَلَغَ فيه ، لعل لعل ... لا يصلح ، بل لعل هذه محتاجة بَيِّنَة ، فأنت مطالب بإثبات ما ادعيته ببينة وإلا فاستصحاب البراءة الأصلية ، فالأصل في كل حادثٍ عدمه حتى يتحقق .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .

===================

20 ـ والأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ واللحومِ* والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ

21 ـ تَحْريمُها حَتى يَجِيءَ الحِلُّ* فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ ما يُمَّلُّ
ـ هذه القاعدة عكس القاعدة السابقة ، فالقاعدة السابقة ذُكِرَ ـ فيها ـ أن الأصل في المياه والأرض والثياب والحجارة ؛ الطهارة حتى يجيء التحريم ، أما هذه فقد ذكر أن الأصل في هذه الأشياء التحريم حتى يجيء الحِلّ .
بمعنى أن المُتَيَقَّن أن هذه الأشياء مُحرمة فلا يجوز استعمالها حتى يجيء دليل ناقض يبيح هذه الأشياء .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
فكما أن الأصل في بعض الأشياء الحِلّ ، كذلك الأصل في بعض الأشياء الأخرى التحريم . لذا ذكر المؤلف في هذين البيتين أشياء الأصل فيها التحريم حتى يُتَيقن الحِلّ .
الأَبْضَاع : جمعٌ ، مفرده بُضعٌ ، ويُطلق على الفرجوالجماع والتزويج ، والمراد هنا : الأول ، وقيل : الثاني ، وبينهما تلازم .
الأموالِ : جمعُ مالٍ ، وهو كل ما يُنتفعُ به ، سُمِّي مالاً ؛ لأن النفوس تميل إليه طبعًا -أي بطبعها -
للمَعْصُومِ : هو المسلمُ والذِّمىُّ ، أُطلق عليهما لفظ للمَعْصُومِ؛ لعصمة دمِهِمَا ، وأموالِهِمَا شرعًا ، وفي هذا التعبير إشارة على أن مناط الحكم - أي عِلة الحكم- هو العِصْمَةُ .

ما يُمَلّ : أي : ما يُملَى عليك .
منظومة القواعد الفقهية/ شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
ـ ضابط تطبيقي :

ــــــــ
من ضوابط هذه القاعدة : إذا امتزج ؛ أو اجتمع التحليل بالتحريم ـ في هذه المذكورات وما كان أصله التحريم ـ غُلِّب جانب التحريم على التحليل فإذا اختلطت محرَّمة بنسب أو رضاع بنسوة محصورات ، حرم عليه نكاح إحداهن مادام لم يتيقن أيتهن المحرَّمة .

الدرة المرضية شرح منظومة ... / ص : 64 / بتصرف .
ـ فالأصل في الأَبْضَاع الحُرمَة ، فمن استباح بُضع امرأةٍ فعليه أن يُخْرِجَهُ من هذا الأصل بيقين ، فالأصل أنها حرام عليه حتى يثبت له بيقين أنها حِل له ، وذلك بأحد سببين : إما بالزواج الصحيح " أي زواج لا يشوبه أي مبطلات مثل الرضاعة -أي رضعوا معًا من امرأة واحدة-أو الانشغال بزوج آخر ، ... " .
وإما أن تكون مِلْك يمينه بيقين"مثلاً لا يكون وطأها أبيه ... ". فيكون الأصل هنا في حقه حِلّ الوطء لتوفر أسباب الحِلّ بيقين ، وتصبح القاعدة حِل الوطء في أي وقت ولا يحرم ذلك إلا بسبب متيقن لإخراجه من هذا الأصل . فعندما يعرض عارض كالحيض ، نقول هذا خارج عن الأصل ، فيحرم الوطء ، وإذا زال العارض عُدنا إلى الأصل وهو الحِلّ .

دليل ذلك : قوله تعالى"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإِنَّهُمْ غَيْرُمَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ همُ الْعادُونَ " . سورة المؤمنون / آية : 5 : 7 .
ـ وكذلك الأصل في اللحوم التحريم : فالأصل في الحيوان المطعوم التحريم ، إلا ما ذكاه المسلم أو الكتابي ، فالأصل فيما يذبحه المسلم أو الكتابي الحِل حتى يثبت خلاف ذلك بيقين .
قال تعالى" وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ " .
سورة المائدة / آية : 5 . ولكن من يعتقد أنه لا يحل إلا اللحم الذي يذبحه بيده أو بيد من يعرف عقيدته وصلاحه من المسلمين ، فهذا لا يصح .
سُئل الشيخ العثيمين:

السؤال: ماذا تقول في ذبيحة القصَّاب المسلم؟
الجواب: سلمك الله، القصَّاب المسلم، الأصل أن ذبيحته حلال، وأنه يسمي الله، ودليل ذلك أن البخاري رحمه الله روى عن عائشة رضي الله عنها"أن قومًا جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه، أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر".
أنت تعرف أن حديثي العهد بالكفر لا يعرفون شيئًا من أحكام الإسلام إلا قليلاً، فإذا كان الذابح مسلمًا أو يهوديًا أو نصرانيًا فالأصل أن ذبيحتَهُ حلالٌ، ولا نقول: لعله لا يسمي، أو لعله لا يصلي، أو ما أشبه ذلك..ا.هـ.

لقاء الباب المفتوح - فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين .هناهنا -
القَصَّابُ : الزَّمَّارُ ، مَنْ يزمِّر بالقَصَبة
فما ذبحه غير المسلم أو غير الكتابي فهو محرم ، وما صُعِق ، أو خُنق ، أو ... ، فهو محرم حتى لو كان هذا فعل مسلم أو كتابي .
حُكم اللحوم المستوردة : إذا كانت من بلاد الكفار والمجوس ، فالأصل فيها الحرمة . أما إذا كانت من بلاد المسلمين أو أهل الكتاب - اليهود والنصارى - ويُعْرَف عنهم أنهم يذبحونها بالطريقة الشرعية ، فالأصل فيها الحِلّ ، أما إذا عُرف عنهم أنهم يخنقونها ، أو يصعقونها أو أي طريقة أخرى غير الذبح الشرعي ، إذن فهي غير مذكاة ، وحكمها الحُرمة على المسلمين بشرط أن يكون هناك يقين وليس مجرد شك في أنها غير مذكاة .
شرح القواعد الفقهية .
س :
إذا شك في توفر شروط الإباحة في ذبيحة المسلم كالتسمية . ما حكم الأكل منها ؟ ! .
الجواب : لا يعتبر ولا يُلتفَت إلى الشك في وجود الشرط ، وإن كان الأصل في الشروط عدم وجودِها ، إلا أن هذا الأصلَ عارَضه أصلٌ آخر ، وهو كون الأصل في أفعال المسلمين الصحة ، ووقوعها على الوجه الشرعيِّ .
بالإضافة إلى معارضة الغالب ، وهو وجود الشرط صحيحًا

* عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن قومًا قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أَذُكرَ اسمُ اللهِ عليه أم لا ؟ . قال صلى الله عليه وسلم :
" سَمُّوا عليه أنتم وكلوه " . قالت : وكانوا حديثي عهدٍ بالكفر .
صحيح البخاري . متون / ( 72 ) ـ كتاب : الذبائح والصيد / ( 21 ) ـ باب : ذبيحةالأعرابِ ونحوِهم / حديث رقم : 5507 / ص : 663 .
ويُستثنى من ذلك باب الصيد ، فإذا وقع الشكُّ في الْمُبِيح وهو توفر الشروط ، فلا يحل الأكل منه .
* فعن الشَّعْبِي قال : سمعتُ عَدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال : سألتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن المِعْرَاض فقال " إذا أصبتَ بحّدِّه فكُلْ ، فإذا أصابَ بِعَرْضهِ فَقَتَلَ فإنه وَقِيذٌ فلا تأكل " . فقلتُ : أُرْسِلُ كلبي ، قال " إذا أرسلتَ كلبَكَ وسميتَ فكُلْ " . قُلتُ : فإن أكَلَ قال " فلا تأكل فإنه لم يُمْسِكْ عليكَ إنما أمسكَ على نفسِه " . قلت أُرسِلُ كلبي فأجدُ معه كلبًا آخَرَ ، قال : " لا تأكل فإنك إنما سميتَ على كلبك ولمتُسمّ على آخر" .
صحيح البخاري . متون / 72 ـ كتاب : الذبائح والصيد / 2 ـ باب : صيد المِعْرَاضِ / حديث رقم : 5476 / ص : 660 .
فمنع صلى الله عليه وسلم الأكل عند وجود الشكِّ في قاتله .
وعن عدِيّ بنِ حاتمٍ قال : سألتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن الصيد ؟ قال " إذا رميت سهمَكَ فَاذكر اسم اللهِ ، فإن وجدْتَهُ قد قَتَلَ فكُلْ ، إلا أن تجِدَهُ قد وقع في ماءٍ ، فإنك لا تدري ، الماءُ قتلَهُ أو سهمُكَ "
صحيح مسلم . متون / 34 ـ كتاب : الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان / 1 ـ باب : الصيد بالكلاب المعلَّمة / حديث رقم : 7 ـ 1929 / ص : 505 .
فمنع صلى الله عليه وسلم الأكل مع الشكِّ في شرطه ، فلو كان الأصل الإباحة لما منع من ذلك .
وعلى هذا لو ضرب الإنسان صيدًا وأصاب جناحه ثم وجده قد سقط في ماء ومات ، الآن موت هذا الصيد محتمل أنه مِن رميه ، ويحتمل أنه قد مات غرقًا ، فلا يحل ، لأنه اجتمع فيه جانب حظر وجانب إباحة ، فيقدم جانب الحظر . فعلى هذا اجتمع سبب مبيح وسبب محرِم ، فيقدم السبب المحرم .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
ـ وكذلك الأصل في المعصوم ـ وهو : المسلم ، أو المعاهَد : ـ تحريم دمه ، وماله ، وعرضه ، فلا تباح إلا بحق ، فإذا زال الأصل ـ : إما بِرِدَّةِ المسلم ، أو زِنا المُحْصَن ، أو قتل نفس ، أو نقض المعاهَد العهد ـ حل : لأولي الأمر والحكام قتله .
ومن فروع هذه القاعدة ، ما استدل به عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق حين أراد أبو بكر قتل مانعي الزكاة .
فقال له عمر كيف تستبيح قتالهم ؟ ـ فعمر هنا مستند على أن الأصل في قتالهم الحرمة .
* فعن أبي هريرة ، قال : لما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستتُخْلِفَ أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أُمرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عَصَمَ مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقه ، وحسابه على الله ؟ " .
فقال أبو بكر : والله ! لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حقُّ المالِ ، والله ! لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلهم على منعه .
فقال عمر بن الخطاب : فوالله ! ما هو إلا أن رأيتُ الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعلمتُ أنه الحق .
صحيح مسلم . متون / 1 ـ كتاب : الإيمان / 8 ـ باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا :لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و ... / حديث رقم : 32 ـ 20 / ص : 20 .
وكذلك إذا جنى الإنسان جناية توجب قطع عضو ، أو توجب عقوبة أو مالًا : حل منه بقدر ما يقابل تلك الجناية ، فإذا سرق مسلم فوجب قطع يده ، فتقطع يده بنص يخرجه عن الأصل وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم" إلا بحقها " ، فهو هنا غير معصوم لأنه فعل ما يستباح به عصمته التي كانت ، وهي البراءة الأصلية فإذا أقيم عليه الحد عادت إليه البراءة الأصلية مرة أخرى ، فهو يحل منه بقدر ما يقابل تلك الجناية فقط ، فلا يحل منه سوى قطع يده فقط .
وكذا إذا استدان وأبى الوفاء . فيؤخذ من ماله بقدر ذلك الحق ، سواء كان الدَّيْن لله ، أو لخلقه .
وأما اللحوم ؛ فقد سبق تفصيل ذلك .
وأما النفس والمال للمعصوم :
* عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خطب الناس يوم النحر فقال : " يا أيها الناسُ أيُّ يومٍ هذا ؟ " . قالوا : يومٌ حرام . قال : " فأيُّ بلدٍ هذا ؟ " . قالوا : بلدٌ حرام . قال : " فأيُّ شهرٍ هذا ؟ " . قالوا : شهرٌ حرامٌ . قال " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " فأعادها مِرَارًا ثم رفع رأسه فقال " اللهم هل بلغت؟ " قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهمارضي الله عنهما ـ : فوالذي نفسي بيده إنها لوصيتُهُ إلى أمته " فليبلغ الشاهدُ الغائبَ ، لا تَرجِعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضكم رِقاب بعض " . صحيح البخاري . متون / 25 ـ كتاب : الحَج / 132 ـ باب : الخطبة أيام منى / حديث رقم : 1739 / ص : 196 .
================
 
 
22 ـ والأَصْلُ في عَادَاتِنَا الإِباحَةْ * حَتى يَجِيءَ صَارِفُ الإِباحَةْ

23 ـ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ * غَيرُ الذي فِي شَرْعِنَا مَذْكُورْ
وهذان الأصلان ذكرهما شيخ الإسلام رحمه الله في كتبه ، وذكر أن الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه : أن العادات الأصل فيها الإباحة ، فلا يحرم منها إلا ما ورد تحريمه ، وأن الأصل في العبادات أنه لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله .
عَادَاتِنَا : مأخوذ من العَوْد أو المعاودة ، وهي تكرار الشيء
واختلفت عبارات الفقهاء في حد العادة وتعريفها ، ومن ذلك :
أنها ما استقر في الأنفس السليمة والطبائع المستقيمة من المعاملات ، قاله ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح .
ومن ثَمَّ يتبين أن العادات ترجع إلى جنس المعاملات ، وهي نوعان : معاملة مع النفس ، ومعاملة مع الخلق .
صَارِفُ الإِباحَةْ : أي الصارف ـ من الإباحة إلى الحرمة ـ بدليل شرعي .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 75 / بتصرف .
قال الشيخ السعدي في رسالته / ص : 24 :
فالعادات هي ما اعتاد الناس من : المآكل ، والمشارب ، وأصناف الملابس ، والذهاب ، والمجيء ، والكلام ، وسائر التصرفات المعتادة .ا . هـ .
واعلم ـ رحمك الله ـ أن الناظم ـ رحمه الله ـ عنى بالبيتين السابقين قاعدتين كليتين :
* فأما القاعدة الأولى : فهي " الأصل في العادات والمعاملات الإباحة والحِل .
ودل على صحة ذلك: قوله تعالى " هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "سورة البقرة / آية : 29 .
فهذا يدل على أنه خلق لنا ما في الأرض جميعه ، لننتَفع به على أَيّ وجه من وجوه الانتفاع .
وقوله تعالى " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ " .سورة الأعراف / آية : 32 .
فأنكر سبحانه على من حرم شيئًا من الزينة والطيبات دون بُرهانٍ منه سبحانه .
ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنتم أعلم بأمر دنياكم " .
* فعن أنس ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مر بقوم يلقِّحون ، فقال : " لو لم تفعلوا لصلُحَ ، قال : فخرج شيصًا ، فمر بهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : " ما لنخلكم ؟ " . قالوا : قلت كذا وكذا .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنتم أعلم بأمر دنياكم " .
صحيح مسلم . متون / ( 43 ) ـ كتاب : الفضائل / ( 38 ) ـ باب : وجوب امتثال ما قاله شرعًا ، ... / حديث رقم : 141 ـ ( 2363 ) / ص : 607 .
ووجه الدلالة : أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ردّ الأمر في التعامل في الزراعة ـ وهي منأمور الدنيا ـ إلى الخلق ، وجعله ليس من جنس الشرع الذي يتوقف فيه حتى يأتي الأمر من الرب سبحانه .
واتفق العلماء على هذا الأصل ، فحكاه غير واحد ، كالنووي في " المجموع " ، والموفق في" المغني " .
ولْيُعْلَم أن المعاملاتِ والعاداتِ باقيةٌ على الأصل ما لم تخالف أصلاً شرعيًا ، أو يأتي الصارف الشرعي لذلك ، ومن ذلك : " شرب الخمر " ، فهو من جنس العادات التي حرمها الرب سبحانه .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 76 .
ـ وعلى هذه القاعدة ، لو رأيت رجلاً يفعل شيئًا ـ من المعاملات والعادات
ـ فقلت له : هذا حرام . فسيقول لك : أين الدليل على تحريم هذا الشيء ؟ . فحينئذ أنتَ المطالب بالدليل على تحريم هذا الشيء .

القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 31
.
ـ فالأصل في العادات والمعاملات الإباحة ، فلا يحْرُمُ منها شيء إلا ما دل عليه الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح .
وكل من حرم شيئًا من ذلك طولِبَ بالدليلِ السَّالمِ من المعارضِ الراجحِ ، ولا يُطالبُ المبيحُ بالدليل ، لأنه مستمسكٌ بالأصلِ .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
لأن الأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارف الإباحة .
فالأصل في العبادات المنع والتوقف حتى يُعْلَم دليل ، فلا عبادة إلا بدليل . فلابد أن نعبد الله على بصيرة . قال تعالى " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمنِ اتَّبَعَنِي " سورة يوسف / آية : 108 .
* وأما القاعدة الثانية : فهي : أن الأصل في العبادات الحظر والمنع .

وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ * غَيرُ الذي فِي شَرْعِنَا مَذْكُورْ
ومعنى ذلك هو أن لا يعتقد الناس في شيء أو في فعلٍ أو قولٍ أنه عبادة ، حتى يأتي خطاب الشارع بذلك .
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 31 / 35 :
" بابُ العباداتِ والدياناتِ والتقرباتِ متلقاة عن الله ورسوله ، فليس لأحدٍ أن يجعلَ شيئًا عبادة أو قربةً ؛ إلا بدليلٍ شرعيٍّ " . ا . هـ .
ـ وعلى هذا جرى السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ من الصحابة والتابعين :
* فعن نافعٍ أن رجلاً عطسَ إلى جنب ابن عمرَ ، فقال : الحمد لله ، والسلامُ على رسول الله ،
قال ابن عمر : وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله ، وليس هكذا علمنا رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، علمنا أن نقول : " الحمد لله على كل حال " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب : الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم /( 2 ) ـ باب : ما يقول العاطس إذا عطس / حديث رقم : 2738 / ص : 616 / حسن .
* وعن سعيد بن المسيِّب : أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين ، يكثر فيهما الركوع والسجود ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد ! يُعذبُني الله على الصلاة ؟ ! . قال لا ، ولكن يُعذبُك على خلاف السنة .
رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وصحح سنده : الشيخ علي حسن عبد الحميد في : عِلم أصول البدع / ص : 71 .
فالله خلق الخلق لعبادته قال تعالى " وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " سورة الذاريات / آية : 56 .
وَبَيَّنَ سبحانه في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم العبادات التي يُعْبَدُ بها ، وأَمر بإخلاصها له ، فمن تقرب بها لله مخلصًا ، فعمله مقبول ، ومن تقرب لله بغيرها ، فعمله مردود ، كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمرُنا فَهُوَ رَدٌّ " .
صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 8 ) ـ باب : نقض الأحكام ـ ( 1718 ) / ص : 448 .

وبيان هذا الحديث : أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قيد قبول العبادة بأخذها عنه ، وصدورها منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فاعتبار غير ما أتى به صلى الله عليه وعلى آله وسلم من العبادات ، اعتبار مردود على صاحبه .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 77 / بتصرف .
فهذا الأصل ينفعك فيما إذا رأيت من يتعبد عبادة ، فأنكرت عليه . فقال : أين الدليل على إنكارك ؟ . قل : أين الدليل على فعلك ؟ .- فالذي يقوم بالعبادة هو المطالَب بالدليل على عبادته -.
القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 33 / بتصرف .
فلا يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بعبادة ، إلا إذا ورد دليل من الشارع بكون تلك العبادة مشروعة ، ولا يجوز لنا أن نخترع عبادات جديدة ونتعبد الله ـ عز وجل ـ بها ، سواء عبادة جديدة في أصلها ، ليست مشروعة ، أو نبتدع صفة في العبادة ليست واردة في الشرع ،
أونخصص العبادة بزمان أو مكان . وأدلة ذلك : قوله تعالى
" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ" سورة آل عمران / آية : 31 .
" وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"سورة الأعراف / آية : 158 .
وقوله تعالى"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". سورة الأحزاب / آية : 21 .

قال تعالى" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ " سورة الشورى / آية : 21 .


فهذه القاعدة قاعدة عظيمة ، تحصل بها حماية الشريعة من التحريف والتبديل .
منظومة القواعد الفقهية/ شرح : سعد بن ناصر الشثري .
=================

24ـوَسَائِلُ الأُمورِ كَالمَقَاصِدِ* وَاحْكُم بِهذا الحُكْمِ للزَّوَائِدِ
ـ وَسَائِلُ : واحدها وسيلة ، وهي الذريعة الموصلة إلى الشيء المطلوب .مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 79 .
ـ الأُمورِ : المراد بالأمور في القاعدة : جميع الأعمال التي يثاب العبد عليها أو يعاقب ، فتشمل بعمومها : الواجب ، والمندوب ، والحرام والمكروه والمباح .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 31 .
ـ كَالمَقَاصِدِ : واحدها مقصد ، وهو الشيء المطلوب .
ـ للزَّوَائِدِ : يعني الزائد على الوسيلة والمقصد ، وهو ما يسميه الفقهاء بمتممات الأشياء .
" والمتممات ، هي الأفعال الواقعة بعد حصول المقصود ، كالرجوع من المسجد والرجوع من عيادة المريض ... " .
" فالزوائد لها أحكام المقاصد ، والمراد من جهة الأجر والثواب ، فالرجوع من الجهاد مثاب عليه ، والرجوع من عيادة المريض مثاب عليه .
وهكذا آثار العمل الصالح التي ليست من فعله ، كالتعب ، والظمأ للمجاهد ، والخلوف للصائم .
أما المعصية فلا عقاب على توابعها كالرجوع من حانة الخمر ، بل على آثارها الناشئة عنها ، كاختلاط الأنساب في الزنا ، وغياب العقل في شرب الخمر " .
ومن ثَم يتبين أن الأشياء عند الفقهاء ثلاثة : مقاصد ، ووسائل ، ومتممات .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 79 .

منظومة القواعدالفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وتفصيل ذلك :
الوسائل تعطى أحكام المقاصد ، فإذا كان مأمورًا بشيء كان مأمورًا بما لا يتم إلا به ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون ، وإذا كان منهيًّا عن شيءٍ كان منهيًّا عن جميع طرقه وذرائعه ووسائله الموصلة إليه .رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 26 .
وتطبيق ذلك :
" الصلاة " ---> وجه انطباق القسمة الثلاثية للأشياء على الصلاة هو : أن الصلاة من حيث أداؤها مقصدٌ ، والمشي إليها وسيلة ، والرجوع بعدها إلى المكان الذي جاء منه المصليمُتمم .
والقاعدة المُشار إليها في كلام الناظم ـ رحمه الله ـ هي ما يطلق عليها الفقهاء : " للوسائل حكم المقاصد ، وللزوائد حكم المقاصد " .
وبيان ذلك من المثال السابق :
أداء الصلاة المفروضة مع الجماعة في المسجد واجب .
فالوسيلة ـ التي هي المشي إلى هذا الواجب ـ الصلاة ـ تأخذ حكمه ، فتكون الوسيلة واجبة ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، كما هو مقرر في الأصول .
ومتمم - الذي هو الرجوع من المسجد - هذا الواجب له حكمه من حيث الثواب والأجر .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 80- بتصرف-
ـ والجمهور يجعلون القسمة ثنائية ؛ لأن الزوائد نوع من الوسائل .
ـ والأصل في هذه القاعدة : المعنى والاستقراء .
أما المعنى : فإن الوسائل فرعٌ تابعٌ للمقاصد ، والفرع يأخذ حكم الأصل ، والتابع يُعطَى حكم المتبوع .
وأما الاستقراء : فواضحٌ في الأحكام الشرعية .
والصحيح أن هذه القاعدة أغلبية .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
من أدلة هذه القاعدة :
ـ قوله تعالى" فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ " سورة الأعراف / آية : 166
هؤلاء اليهود توسَّلُوا ـ أي أخذو وسيلة ـ إلى الصيد بالوسيلةَ التي ظنوها مباحة- وهي صيد الحيتان ـ الممنوع صيدها ـ ، في يوم آخر ، فمسخهم الله قردة وخنازير ، لأنهم توسَّلُوا إلى مُحَرَّم ، فأخذت الوسيلة حكم المقصد وهو الحُرْمَة .
ـ قوله تعالى"ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَملٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ "سورة التوبة / آية : 120 .
الأصل أن الوطأ في الأرض الإباحة ، لكن لما كان ذلك يُتوصل عن طريقه إلى إغاظة الكفار والنكاية بهم ، أخذ حكم المقصد ، وهو الأجر على ذلك .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم القصعبي / بتصرف .
قال الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية :
المجاهدون في سبيل الله " لا يصيبهم ظمأ ولا نصب " ؛ أي تعب ومشقة ، " ولا مخمصة في سبيل الله " ؛ أي مجاعة ، ..... ، " إلا كتب لهم به عمل صالح " لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم . ا . هـ .
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم : عن أبي الدرداء أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل الله به طريقًا من طرق الجنة " .
رواه أحمد وأبو داود والنسائي ... وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم ( 6297 ) / ص : 1079 .
لما كان طلب العلم لا يُتَوصَّل إليه إلا بنقل الأقدام والخروج ، رُتِّب عليه مثل هذا الأجر العظيم .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / بتصرف .
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم : " قفلةٌ كغزوةٍ " .
* فعن عبد الله ـ هو ابن عمرو ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " قفلةٌ كغزوةٍ" .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / ( 9 ) ـ أول كتاب : الجهاد / ( 7 ) ـ باب :في فضل القفل في الغزو / حديث رقم : 2487 / ص : 436 / صحيح .
شرح الحديث : للمُجاهدِ أجرٌ عظيمٌ، وفضائلُ كثيرةٌ منَحَها له اللهُ عزَّ وجلَّ؛ رحمةً منه، وجزاءً على عَملِه العظيمِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "قَفْلَةٌ" وهو الرُّجوعُ مِن إحدى الغَزَواتِ بعدَ انتِهائِها، "كغَزوةٍ"، أي: كابتداءِ المسيرِ للغَزْوِ، فالمجاهدُ مأجورٌ في الذَّهابِ إلى الغَزْوِ، وفي الرُّجوعِ منه إلى وطنِه.
وفي الحديثِ: عِظَمُ أجرِ المجاهدِ. 
الدرر-.
 
25ـ والخَطَأ والإِكْرَاهُ والنِّسيانُ * أَسقَطَهُ مَعْبُودُنا الرَّحمنُ

26 ـ لَكِنْ مَعَ الإِتْلاَفِ يَثْبُتُ البَدَلْ * وَيَنْتَفِي التَأثِيمُ عَنْهُ وَالزَّلَل
الخَطَأ : في اللغة : ضد الصواب ، كما في قول إخوة يوسف ، قال تعالى"قَالُواْ تاللهِ لَقَدْ آثرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ " سورة يوسف / آية : 91 .
وأما في الاصطلاح الفقهي : فهو فعل الشيء على غير قصد ، قاله الراغب في : " المفردات " .
وقال ابن رجب في " شرح الأربعين " :
" الخطأ هو مجيء الشيء على قصد يقع خلافه ، كمكَلَّف أراد قتل مباح الدم ، فبان له أنه معصوم الدم بعد قتله " .
وأما في الاستعمال الشرعي ، فهو يأتي بمعنى :
أ ـ " العمد " كقوله "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" .
سورة الإسراء / آية : 31 .
فقتلهم أولادهم كان عمدًا كما هو معلوم .
ب ـ ويأتي بمعنى " غير العمد " كما في آية القتل ، حيث فُرِّق بين العامد والمخطئ .
قال تعالى " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهوَ مُؤْمنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالدًا فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "
سورة النساء / آية : 92 ، 93 .
ومِنْ ثَمَّ فإن الخطأ في اصطلاح الشارع قد يصحبه التأثيم ـ [ إذا كان بمعنى العمد ] (1) ـ ،
( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .
وقد يتأخر عنه ـ [ التأثيم ، إذ كان الخطأ بمعنى غير العمد ] (1) ـ قاله شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى " .
مجموعة الفوائد البهية / ص : 82 / بتصرف .
* ومراد المؤلف " الخطأ " بمعنى " عدم قصد الفعل ". واسم الفاعل من أخطأ هو : " مُخْطِئ " .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
الإكراه : من " الكَرْه " ـ بالفتح ـ وهو المشقة قاله الفرَّاء .
وقيل من " الكُرْه " ـ بالضم ـ قال ابن منظور في اللسان : أجمع كثيرٌ من أهل اللغة على أن " الكُرْه " ـ بالضم ـ و " الكَرْه " ـ بالفتح ـ لغتان لمعنى " .ا.هـ
ولكن ابن سِيدَه والفرَّاء فرَّقا بينهما ، ولكن الاستعمال العربي جارٍ على سحب معنى " الكُرْه " بالضم " على " الكَرْه " بالفتح " والعكس ، كما قرَّره ابن منظور في " اللسان " .

والإكراه في الاصطلاح : هو إلزام الغير على ما لا يريده ، قاله ـ ابن حَجر ـ رحمه الله ـ في " فتح الباري " ، وبنحوه قال السيوطي في : " الأشباه والنظائر " .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 83 .
ـ أنواع الإكراه : الإكراه على نوعين :
* النوع الأول : إكراه يزول معه الاختيار بالكلية :
مثل من أُلقيَ من ـ مكان ـ شاهق .
فهذا يزول معه التكليف ، ولا يلحق فعله ضمان ـ [ إذا أتلف شيئًا مع هذا الإكراه ] ـ ويسميه الجمهور " إكراهًا مُلجئًا " هذا الذي يزول فيه الاختيار . ويسميه الحنفية " اضطرارًا " . وبالإجماع أن التكليف يزول بهذا النوع من أنواع الإكراه.
* النوع الثاني : إكراه ـ [ ناقص ] يبقى معه الاختيار ، ليس بمعنى الإلجاء ـ التام ـ كالتهديد والوعيد بضرب أو نحو ذلك .
ويسميه الجمهور " إكراهًا غير مُلجئ " .
فهذا النوع من الإكراه ، هل يزول به التكليف ؟ ! .
جمهور أهل العلم قالوا : لا يزول به التكليف ؛ لأن معه اختيارًا ، فهو يقدر على الفعل ، ويقدر على عدمه .
( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .
ولهذا النوع ـ الثاني ـ من الإكراه شروط لإسقاط الإثم : منها أن يكون المكرِه قادرًا على إيقاع ما هدد به ، ومنها أن يكون المكرَه عاجزًا عن دفع ما أُكره عليه ، ومنها أن يغلب على ظن المكرَه أن المكرِه سيوقع ما هدد به ، ومنها أن يكون التهديد عاجلاً غير آجل .
منظومة القواعد الفقهية لابن سعدي / شرح : الشيخ سعد بن ناصر الشثري .
ـ وهناك اختلاف بين الفقهاء في مورد الإكراه ، هل هو في الأقوال فحسب أو فيها والأفعال ؟ .
جمهورهم على أن ذلك في الأفعال والأقوال ، وهو المشهور عن أحمد قاله ابن رجب ـ رحمه الله ـ في " شرح الأربعين " . وذهب الحسن البصري ، والأوزاعي ، وسحنون ـ من المالكية ـ ، وهي رواية عن أحمد ؛ أن مورد الإكراه هو الأقوال ـ فقط ـ ودليلهم : سبب نزول الآية حيث إنها نزلت في عمَّار ، وهو إنما أُكره على قول الكفر لا على فعله .
قال تعالى " مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلْبهُ مُطْمئِنٌّ بِالإِيمانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " .سورة النحل / آية : 106 .
والصحيح ما عليه الجمهور لعموم الآية ؛ ولأن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب ، في أصح قولي أهل العلم ، قاله الشوكاني في : " فتح القدير " ، وهو اختيار شيخ الإسلام والأكثر .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 86 / بتصرف .
ـ إذا تقرر ذلك ، فإذا أُكره الإنسان على شيء ، هل يجوز له أن يفعل ما أُكره عليه ؟ ! .
بعض الفقهاء يقول : نعم ، يجوز ذلك مطلقًا . وبعضهم يقول : يجوز في الأفعال دون الأقوال .
والصواب في هذه المسألة : أن الإنسان يقارن بين موجب الإكراه ، وبين الفعل الذي أُكره عليه ، فيفعل أدناهما مفسدة ، مثال ذلك : من قيل له : ادخل بيت غيرك ، وإلا قتلناك ، هنا أيهما أقل مفسدة ؟ . الدخول أقل مفسدة ، فيدخل البيت .
ولو قيل له : اقتل فلانًا وفلانًا وإلا قتلناك . فحينئذ موجب الإكراه ـ وهو قَتْله هو ـ أقل مفسدة ، فلا يُقْدِم على فعل ما أُكره عليه .
النِّسيانُ : زوال المعلوم من الذهن بالكلية بحيث إذا ذكَّرْتَه لم يتذكر .
وأما السهو : فهو زوال المعلوم بحيث لو ذكَّرتَهُ لتذكَّر .
منظومة القواعد الفقهية لابن سعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
ـ النسيان من العوارض التي ترفع التكليف لكن ليس رفعًا مطلقًا ، وإنما هو رفعًا مؤقتًا ، أي حتى يزول النسيان ، لذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من نسي صلاةً فليصلِّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك".
الترمذي ، ... ، عن أنس . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6572 / ص : 1118 .
إشارة هنا إلى أن الناسي معفو عنه حال نسيانه فقط ، والنسيان ليس بمسقِط للعبادات كلها ، إلا إذا كانت العبادة تفوت .
منظومة القواعد الفقهية للسعدي / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
الإِتْلاَفِ : من التلف ، وهو فساد الشيء .
البَدَلْ: يعني العِوَض ، كما عليه عامة الفقهاء .
وحاصل كلام الناظم : أنه لما كلف الله عباده بأوامر يفعلونها ، ونواهي يجتنبونها ، ثم إذا صدر منهم إخلال بالمأمور ، أو ارتكاب للمحظور خطأً أو إكراهًا أو نسيانًا ، عفى عنهم وغفر لهم ، وأسقط التأثيم والعقاب ، فهذه العوارض الثلاثة توجب إسقاط التأثيم والعقاب . وذلك ما كان حقًا لله، أما حقوق العباد مع هذه العوارض الثلاثة إذا وقع إتلاف ، فإنه يلزم بدله وعوضه ، لأن العِوَض والبدل من جنس الأحكام الوضعية المتعلقة بمجرد الفعل دون نظر إلى المقاصد والعوارض ، وهذا الحكم متفق عليه ، قاله الموفق في : " المغني " ، والقرافي في " الفروق " .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

ومجموعة الفوائد البهية ... / ص : 89 .
فالمكرَه والناسي والمخطئ في حق العباد ، كالعامد ، لكنه ليس عليه إثم ، وأما في الضمان ـ العِوَض ـ فهو ضامن
فلو أن شخصًا أتلف مال إنسان يظنه ماله ـ أي أخطأ ـ وتبين أنه مال غيره فعليه الضمان . وكذلك لو نسي فأتلف مال غيره فعليه الضمان ، ولو أُكره على إتلاف مال غيره ، فعليه الضمان ، لكنه يستوي مع المكرِه فيكون الضمان عليهما جميعًا-: أي الضمان على المكرَه والمكرِه جميعًا . -
لأن المكرَه مُباشِر والمكْرِه مُلْجئ . ومن ذلك لو أُكره على أن يقتل شخصًا معصومًا ، وقال له : إن لم تقتله قتلتك ، فقتله ، فالضمان عليهما جميعًا كلاهما يُقتل لأن القاتل مباشر والثاني مُلْجئ .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 95 .

من أدلة هاتين القاعدتان :
ـ قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
رواه الطبراني عن ثوبان . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 3515 / ص : 659 .
ـ ولقوله تعالى "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ "سورة الأحزاب / آية : 5 .
ـ ولقوله تعالى "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ". سورة البقرة / آية : 286 .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : لما نزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ "للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "سورة البقرة / آية : 284 .
قال فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتَوْا رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم بَرَكُوا على الرُّكَب ، فقالوا : أي رسول الله ! كُلفنا من الأعمال ما نُطيق ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ، ولا نطيقُها . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سَمِعنا وأطعْنَا غُفْرَانَكَ ربنا وإليك المصير " . قالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وأليك المصير ، فلما اقتراها القومُ ذَلت بها ألْسِنَتُهم ، فأنزل الله في إثرها "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ "سورة البقرة / آية : 285 .
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى ، فأنزل الله عز وجل "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" "قال: نعم"
" رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا "" قال نعم "" رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ " قال نعم " "وَاعفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" قال: نعم "(1) . سورة البقرة / آية : 286
صحيح مسلم / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 57 ) ـ باب : بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق / حديث رقم : 199 ـ ( 125 ) / ص : 41 .
( 1 ) قال نعم : القائل هو الله عز وجل .
ـ وفي رواية أخرى :
* عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية"وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ "سورة البقرة / آية : 284 . ، قال : دخل في قلوبهم منها شيءٌ لم يَدْخل قلوبَهم من شيءٍ ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " قولوا : سمِعْنَا وأَطَعْنَا وسَلَّمْنَا " قال ، فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل اللهُ تعالى " لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا "" قال : قد فعلتُ "" رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا"" قال : قد فعلتُ "" وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا "" قال : قد فعلتُ(1) ) .
سورة البقرة / آية : 286 .
صحيح مسلم / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 57 ) ـ باب : بيان ... / أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق / حديث رقم : 200 ـ ( 126 ) / ص : 41 .

( 1 ) قال : قد فعلت : القائل هو الله عز وجل .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 95 / بتصرف .


ـ قوله صلى الله عليه وسلم : " من نسيَ الصلاة فليصلِّها إذا ذكرَها ، فإن الله قال" وَأَقمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي " سورة طه / آية : 14 .
( رواه أبو دواد ، النسائي ، ... ) عن أبي هريرة . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6569 / ص : 1118
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم " من نسيَ صلاةً فليصلِّهَا إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك " .
( رواه أبو داود والترمذي ) عن أنس . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6572 / ص : 1118 .
ـ وقوله تعالى " مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " .

سورة النحل / آية : 106 .
ـ وقوله تعالى " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ... " . سورة النساء / آية : 92.
فجُعلت الدية الُمُسَلَّمَة إلى أهل المقتول عِوَض وبدل وضمان ترتب على هذا الفعل وهو القتل غير العمد .
[ فإن قال قائل : قَتْل الخطأ فيه كفارة ـ وهي " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أو ... " ، كما هو وارد تفصيله في كتب الفقه ، و ... ) . ، والكفارة لمن ؟ ! لله وليس للخلق ، ومع ذلك أوجبها الله عز وجل على المخطئ . قلنا : هذا مستثنى .
فإن قيل : ما وجه استثنائه وما الحكمة فيه ؟ ! . قلنا : الاحتياط للأنفس ، لأن أعظم نفس تُزهق هي نفس الآدمي ، فلابد من الاحتياط لها ، لأننا لو قلنا لا كفارة ، فربما يتجرأ متجرئ ويتعمد ويقول إنه أخطأ ] .
[ القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 96 ]

ـ وقوله صلى الله عليه وسلم " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " .
رواه : أحمد وأبو داود وابن ماجه ( عن عائشة ) وحسنه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 7525 / ص : 1250 .
والإغلاق هو : الإكراه ، فعلى هذا لو أجبر إنسان على طلاق زوجته وتحققت شروط الإكراه ، فإن الطلاق لا يقع .
ـ وما وقع من المكلَّف بعذر من هذه الأعذار الثلاثة ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
· القسم الأول :
أن يقع الإكراه أو النسيان أو الخطأ في ترك مأمور ، فهذا لا يسقط حكمه ـ كما سقط إثمه . بل يجب تداركه متى علم بوجوبه أو ذكره أو أدْرَكَ خطأه فيه .
* فعن أبي قتادة ، قال : ذكروُا للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نومَهُمْ عن الصلاة ؟ . فقال صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس في النوم تفريطٌ ، إنما التفريط ي اليقظةِ ، فإذا نسيَ أحدُكم صلاةً أو نام عنها فَلْيُصَلِّهَا إذا ذكرَها " .
سنن الترمذي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 2 ) ـ كتاب : مواقيت الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم / ( 18 ) ـ باب : ما جاء في النوم عن الصلاة / حديث رقم : 177 / ص : 53 / صحيح .
فمن نسي صلاة أو صومًا أو زكاة أو كفارة أو نذرًا ... ، وجب تداركه والإتيان بهذه العبادة عند تذكرها ، فهذا بدلها وعِوضها ، ولا إثم على النسيان .
· القسم الثاني :
أن يقع الإكراه أو النسيان أو الخطأ في فعل منهي عنه .
فإن كان فيه إتلاف لحق الغير ففيه الضمان ـ العِوَض ـ .
فلو أتلف المشتري المبيع قبل القبض جاهلاً ، غرم ثمنه أو كُلف أن يأتي للبائع بمثله ، سواء أتلفه في يده أم في يد البائع ، لأنه بالإتلاف يعد قابضًا له ـ ولا إثم عليه ـ .
وإن لم يكن فيه إتلاف لحق الغير لم يترتب عليه شيء .
* فعن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم " من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " .
رواه أحمد و ... . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6573 / ص : 1118 .
· القسم الثالث :
إن كان الفعل أو الترك يوجب عقوبة كان الجهل أو النسيان أو الخطأ شبهة في إسقاطها .
فمن شرب خمرًا مخطِأً أو مكرَهًا أو ناسيًا ، فلا حَدّ عليه ولا تعزير ـ ولا إثم ـ .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 193 / بتصرف .
إشكال وحله :
ـــــــ
مما يتعلق بحقوق الله : إذا كان فيه إتلاف ، مثل : قص الأظافر للمحرم ، وحلق الرأس للمحرم ، وقتل الصيد للمحرِم . قد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
· القول الأول :
بأنه لا يجب الضمان ودليل ذلك قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ " .سورة المائدة / آية : 95 . فقوله مُّتَعَمِّدًا يدل على أن المخطئ لا يجب عليه الضمان ، ولا يجب عليه المثل ، وهذا بدلالة مفهوم المخالفة * .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
* مفهوم المخالفة هو: المعنى المستفاد من اللفظ، والمخالف للمنطوق.هنا-
المفهوم : هو أن يدل اللفظ المنطوق به على حكم أمر مسكوت عنه ، وسمي بذلك ـ أي بالمفهوم ـ لأنه يُفْهَم من المنطوق دون أن يصرح به المتكلِّم .
ومفهوم المخالفة يراد به : أن يَرِدَ مع الكلام وصف أو قيد فَيُفْهم منه أن المسكوت عنه مخالف للمنطوق في الحكم .
ومن شروط إعمال " مفهوم المخالفة " ، ألا يكون له فائدة أخرى غير إعمال المفهوم .
مثاله : أي مثال ما له فائدة أخرى غير مفهوم المخالفة :
قوله تعالى " وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ". سورة المؤمنون / آية : 117 .

فإن قوله : لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ : وصف كاشف عن أن كل ما اتُّخِذَ إلهًا من دون الله فلا برهان عليه . ومن هنا لا يُفهم من الآية جواز اتخاذ إله آخر ذي برهان .

الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ... الأشقر / ص : 235 .
· القول الثاني :
بأنه يجب على المخطئ في حق الله ـ إذا ترتب على خطئه إتلاف ـ الضمان والكفارة ، ويستدلون على ذلك بنصوص ، منها قوله تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَة وَإِن كَنَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ".
سورة النساء / آية : 92 ، 93 .
قالوا : أوجب الكفارة مع كونه خطأ .
قالوا : وقوله متعمدًا في الآية السابقة ، ليس المراد إعمال مفهوم المخالفة ، وإنما المراد التشنيع على الفاعل .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ولعل هذا القول ـ القائل بوجوب الكفارة والضمان على المخطئ في حقوق الله ، إذا ترتب على خطئه إتلاف ـ هو الأرجح .
ويدل على ذلك : حديث كعب بن عُجرة ، فإنه قد أصابه الضرر ، حتى أن القمل أصبح يتساقط من شعره ، ومع ذلك لما جاز له حلق الشعر ـ وهو مُحْرِم ـ ، لم يُسْقِط ذلك الكفارة ، مع كونه مضطرًا إلى حلق الشعر فإذا كان المضطر ـ الذي يلحقه الضرر والأذى ، وأجاز له الشارع هذا الفعل ـ يلحقه الكفارة ، فمن باب أَوْلَى المخطئ .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
* فعن كعب بن عُجرة قال : أمرني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين آذاني القمل أن أحلق رأسي ، وأصوم ثلاثة أيام أو أُطعمَ ستة مساكين ، وقد علمَ أن ليس عندي ما أنسُكُ .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 25 ) ـ كتاب : المناسك / ( 86 ) ـ باب : فدية المحصر / حديث رقم : 3080 / ص : 523 / حسن .
* وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة ، أنه كان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُحرِمًا ، فآذاه الْقَمْلُ في رأسه ، فأمره رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يحْلِقَ رأسَهُ ، وقال " صم ثلاثة أيام ، أو أطعِمْ سِتة مساكين ؛ مُدَّين مُدَّين ، أو انسُكْ شاةً ، أيَّ ذلك فعلتَ أجزَأ عنك " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 24 ) ـ كتاب : مناسك الحج / ( 96 ) ـ باب :في المحرِم يؤذيه القمل في رأسه / حديث رقم : 2851 / ص : 442 / صحيح .
سؤال :
ما الفرق بين حقوق الله وحقوق العباد ؟ .

الجواب :
أولاً : حقوق العباد مبنية على : المشاحة ، وحقوق الله تعالى مبنية على : المسامحة .
ثانيًا : حقوق الله مبنية على : المقاصد ، فلا يأثم الإنسان ما لم يقصد المخالفة ، وإن كان بعض الصور يستدركها كما سيأتي إذا كانت العبادة مما يستدرك ، أما حقوق العباد ، فليست مبنية على المقصد ، وإنما مبنية على : الفعل ، وعلى هذا فأفعال الصبي والمجنون مثلاً في حقوق العباد يؤاخذ عليها ويضمن وليهما ما أتلفا .
وعلى هذا لو خرج طفلٌ مثلاً وكسرَ زجاجَ سيارةِ الجارِ ، فطرقَ الجارُ البابَ مطالِبًا بالقيمة ، فلا يُتَعَلل بأنه صغير وأنه لا يعقل أو يدرك ، لأن حقوق العباد ليست مبنية على القصد فالمهم صورة الفعل ، لذا أفعال الصبي والمجنون في حقوق العباد يؤاخذ عليها ، بل وأفعال الدواب ، فلو أن إنسانًا عنده مجموعة غنم أو إبل ؛ فدخلت مزرعة فلان من الناس فأتلفتها ، فإن صاحب هذه الإبل أو الغنم يضمن ما أتلفَتْه .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق