الاثنين، 20 يونيو 2022

01- مدخل لدراسة المعتقد الصحيح-الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

مدخــــل لدراســـة

" المعتقــــد الصحيـــح "


إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.

خلق الله تعالى الإنسان ، وسخر له كل ما في الكونِ ليقومَ الإنسانُ بالمهمةِ التي خلقَهُ اللهُ تعالى من أجلِها .

قال تعالى " وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأََرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ... " .سورة الجاثية / آية : 13 .
تلك المهمة هي : عبادة الله تعالى وحده دون سواه .قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ".سورة الذاريات / آية : 56 ، 57 .

ومن أجل ذلك خلق الله تعالى الإنسان مفطورًا على معرفته وتوحيده وإن كان يجهل كيفية عبادته سبحانه وما الذي يرضيه أو يسخطه ، فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب ليبينوا للناس كيف يعبدون ربهم ويرضونه ويتجنبون سخطَهُ سبحانه وتعالى .
وهذا هو الدين ، فالدين هو هذا المنهج الذي أنزله الله تعالى على رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليبين للخلق كيف يعبدون ربهم .

فالحكمة من خلق الجن والإنس ، هي عبادة الله ، لا أن يتمتعوا بالمآكل والمشارب والمناكح ..... .

وورد في القول المفيد على كتاب التوحيد ج : 1 / ص : 56 :
والعبادة الخالصة الحقـة ، مبنية على التوحيد ، فكل عبادة لا توحيد فيها فهي باطلة .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملًا أشرك فيه مَعِيَ غَيري ، تركته وشركه " .ا . هـ .
صحيح مسلم / كتاب : الزهد / باب : من أشرك في عمله غير الله / حديث رقم : 2289 .
وقد بقي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في مكة بعد البعثة ثلاثة عشرَ عامًا يدعو الناس إلى التوحيد ، وإصلاح العقيدة ، لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين .
وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين ، فكانوا يبدءون بالدعوة إلى التوحيد ، وإصلاح العقيدة ، ثم يتجهون بعد ذلك إلى الأمر ببقية أوامر الدين .
والعبادة حتى تكون مقبولة لها شرطان :
1 ـ الإخلاص : وذلك بألا يراد بها إلا وجه الله تعالى وهذا لا يتأتى إلا بدراسة التوحيد .

2 ـ صوابًا أي : المتابعة : وذلك بأن تكون العبادة على الكتاب والسنة الصحيحة .

وهذا يتأتى بتعلم العلم الشرعي بمقاصده الشرعية الصحيحة ، بأن يُراد من تعلم العلم أن يكون وقودًا للإيمان فيزيده ، وأن يكون على المنهج الصحيح وذلك باتباع الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

· والسلف الصالح خير من حقق الاتباع .
ـ فحين خَلُصَت نفوس المؤمنين بـ " لا إله إلا الله " من ألـوان الشرك المختلفة ، فقد حدث في نفوسهم تحول هائل . كأنه ميلاد جديد .
لم يكن مجرد التصديق ، ولا مجرد الإقرار . لقد كان كأنه إعادة ترتيب ذرات نفوسهم على وضع جديد ، كما يُعاد ترتيب الذرات في قطعة الحديد ، فتتحول إلى طاقة مغناطيسية كهربائية ... كان الاهتداء إلى " الحق " هائل الأثر في كل جوانب حياتهم .
لقد صارت " لا إله إلا الله " هي مفتاح التجمع والافتراق ، هي الرباط الذي يربط القلوب التي آمنت بها ، ويفصل بينها وبين غيرها من القلوب .
ـ ولم ينحصر مفهوم " لا إله إلا الله " في حسهم في نطاق الشعائر التعبدية وحدها ، كما انحصر في حس الأجيال المتأخرة التي جاءت بفهم للإسلام غريب عن الإسلام .

إن شعائر التعبد لا يمكن بداهةً أن تكون هي كل " العبادة " المطلوبة من الإنسان .
فما دامت غاية الوجود الإنساني كما تنص الآية الكريمة ، محصورة في عبادة الله .
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" . سورة الذاريات / آية : 56 .
فأنى يستطيع الإنسانُ أن يوفي العبادة المطلوبة بالشعائر التعبدية فحسب ؟
كم تستغرق الشعائر من اليوم والليلة ؟ وكم تستغرق من عمرالإنسان ؟
وبقية العمر؟ وبقية الطاقة ؟ وبقية الوقت ؟ أين تُنفَق ، وأين تذهب ؟
ـ كان في حسهم أن حياتهم كلها عبادة ، وأن الشعائر إنما هي لحظات مركزة ، يتزود الإنسان فيها بالطاقة الروحية التي تعينه على أداء بقية العبادة المطلوبة منه .

كانوا يقومون بالعبادة وهم يمارسون الحياة في شتَّى مجالاتها ، كانوا يذكرون الله فيسألون أنفسهم : هل هم في الموضع الذي يُرضي الله ، أم فيما يُسخط الله ؟ !
فإن كانوا في موضع الرضى حمدوا الله ، وإن كانوا على غير ذلك استغفروا الله وتابوا إليه .
ـ وكانوا يذكرون الله ، فيسألون أنفسهم : ماذا يريد الله منا في هذه اللحظة ؟ !

أي : ما التكليف المفروض علينا في هذه اللحظة ؟ !

إذا كان التكليف " .. وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" .سورة النساء / آية : 19 .
كان ذكر الله مؤديًا إلى القيام بهذا الواجب الذي أمر بـه الله تجاه الزوجات .
وإذا كان التكليف " ... قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... " .سورة التحريم / آية : 6 .
كان ذكر الله مؤديًا إلى القيام بتربية الأهل والأولاد على النهج الرباني الذي يضبط سلوكهم بالضوابط الشرعية .

وإذا كان التكليف " ... فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " .سورة الملك / آية : 15 .
كان مقتضى ذكر الله ، هو المشي في مناكب الأرض وابتغاء رزق الله في حدود الحلال الذي أحلَّهُ الله ، لأنه إليه النشور فيحاسب الناس على ما اجترحوا في الحياة الدنيا .
وهكذا ... فقد فهموا أن الصلاةَ والنُّسُك- أى : الشعائر-إنما هي المنطلق الذي ينطلق منه الإنسان ليقوم ببقية العبادة التي تشمل الحياة كلها ، بل الموت كذلك .
فالشعائر مجرد محطات شحن للانطلاق إلى بقية العبادة ، ويشمل ذلك الموت .
الموت في حد ذاته لا يمكن أن يكون عبادة بطبيعة الحال ، لأنه لا خيار للإنسان فيه ... ولكن المقصود في قوله تعالى
".. وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ .." .
سورة الأنعام / آية : 162 ، 163 .
هو أن يموت الإنسان غير مشرك بالله ، وذلك هو الحد الأدنى الذي يكون به الإنسان ( في موته ) عابدًا لله ، أما الحد الأعلى فهو أن يكون موتُه في سبيل الله ، أما اليوم فقد حدثت انحرافات كثيرة في حياة المسلمين ، وانحراف المسلمين في سلوكهم أمر واضح ، تفشَّى في حياتهم الكذب والغش والنفاق ، والضعف والجبن والبدعوالمعاصي والتبلُّد والفجور والمنكر...
ـ فهذا واقع المسلمين ومع ذلك فليس الانحرافالسلوكي هو الانحراف الوحيد في حياة المسلمين ، ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى الانحراف في " المفاهيم " كل مفاهيم الإسلام الرئيسية ابتداءً مـن مفهوم لا إله إلا الله .
وحين تجد إنسانًا منحرفًا في سلوكه ، ولكن تصوره لحقيقة الدين صحيح ، فستبذل جهدًا ما لرده عن انحرافهالسلوكي ، ولكنك لا تحتاج أن تبذل جهدًا في تصحيح مفاهيمه ، لأنها صحيحة عنده وإن كان سلوكه منحرفًا عنها .
أي : أنه حين يقع الانحراف في المفاهيم ذاتها ، فكم تحتاج من الجهد لتصحيح المفاهيم أولاً ثم تصحيح السلوك بعد ذلك .
ـ من أجل هذا الانحراف في المفاهيم ، فإن الإسلام اليوم يعاني تلك الغربة التي تَحدَّث عنها رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ ، فطوبى للغرباء " . صحيح مسلم / ج : 2 / ص : 354 / حديث رقم : 370 .
ولقد عاد غريبًا بالفعل ..... غريبًا بين أهله أنفسهم ، يتصورونه على غير حقيقته ، فضلاً عن سلوكهم المنحرف عنه ، ويستغربونه حين يعرض لهم في صورته الحقيقية كما جاءت في كتاب الله ، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الصحيحة ، وعلينا أن نواجه الأمر على حقيقته ، فإن أي جهد يُبذل في تصحيح السلوك وحده مع بقاء المفاهيم منحرفة ، لن يؤتي ثماره كاملة ، ولن يُخرج الأمة الإسلامية من وهدتها التي انتكست إليها في العصر الحاضر .
إنا نحتاج أن نبذل جهدًا مضاعفًا لإزالة الغربة الثانية ، كالجهد الذي بذله الجيل الأول من المسلمين لإزالة الغربة الأولى للإسلام .

وأول ما نبدأ به من هذا الجهد ، هو تصحيح منهج التلقي
من أين نتلقي فهمنا لهذا الدين ؟ !

من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الصحيحة بفهم السلف الصالح ، وذلك عن طريق علماء أهل السنة والجماعة ، الذين يعتبرون مجرد قنوات توصيل للمنهج الصحيح .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ..... فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ..... " .أخرجه أبوداود . وحسنه الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في الجامع الصحيح مجلد رقم : 5 / ص : 24 .
فلنقتف أثر الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تأسيًا بالسلف الصالح .
ـ فعن عمر بن سلمة الهَمْدَاني ـ رحمه الله ـ قال :
" كنا نجلس على باب " عبد الله بن مسعود " قبل صلاة الغداةِ ، فإذا خرج مَشَيْنا معه إلى المسجد .
فجاءنا " أبو موسى الأشعري " ، فقال : أَخَرَجَ إليكم " أبو عبد الرحمن " بعد ؟ . قلنا : لا .
فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعًا .
فقال له أبو موسى : يا " أبا عبد الرحمن " إني رأيتُ في المسجد آنفًا أمْرًا أنكرته ! ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا .
قال : فما هو ؟
فقال - أي أ بي موسى - : إن عشت فستراه .
قال أبو موسى : رأيت في المسجد قوْمًا حِلَقًا ، جلوسًا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلْقة رجل ، وفي أيديهم حصى فيقول : سبَّحوا مائة ، فيسبحون مائةً .
قال ـ أي : عبد الله بن مسعود - أبو عبد الرحمن ـ : فماذا قلتَ لهم ؟
قال - أي : أبى موسى الأشعري - : ما قلتُ لهم شيئًا انتظارَ رأيك .
قال - ابن مسعود - : أفلا أمرتَهم أن يَعدوا سيئاتهم وضَمِنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ! ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حَلْقةً من تلك الحِلَق ، فوقف عليهم فقال : ما هذا الذى أراكم تصنعون ؟
قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح .
قال : فَعُدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويْحَكُم يا أمة محمد ! ما أ َسْرعَ هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ متوافرون وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! ! !
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حدثنا :
" إن قومًا يقرؤون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السهم من الرمية " .
" وايم الله " (1) ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم
فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج .
أخرجه الدارمي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / مجلد رقم :5 /حديث رقم : 5002 .
( 1 ) " وايم الله " : كلمة قسم . همزتها همزة وصل . المعجم الوجيز / ص :31 .

قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :
وإنا عُنيتُ بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات ، فـإن فيها عبرة لأصحاب الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة ، فإن هؤلاء إذا أنكرعليهم منكر ما هم فيه ، اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! وهذا كفر لا يقع فيه مسلم ، وإنما المنكَر ما أُلصِق به من الهيئات والتجمعات التي لم تكن مشروعة على عهد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وإلا فما الذي أنكره ابنُ مسعود ـ رضي الله عنه ـ على أصحاب تلك الحلقات ؟ !
ليس هو إلا التجمع في يوم معين ، والذكر بعدد لم يرد ، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحَلْقة ، ويأمرهم به من عند نفسه ، وكأنه مُشرِّع عن الله تعالى .

قال تعالى" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِـهِ اللهُ ... ".سورة الشورى / آية : 21 .
ـ زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلاً وقولاً إنما هي التسبيح بالأنامل .

* ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث ، أن العبرة ليست بكثرة العبادة ، وإنما بكونها على السنة ، بعيدة عن البدعة

وقد أشار إلى هذا - ابن مسعود - بقوله :
" اقتصاد في سنة ، خيرٌ من اجتهادٍ في بدعة " .

* ومن الفوائد أن البدعة الصغيرة بريدٌ إلى البدعة الكبيرة ، ألا ترى أن أصحاب الحلقات صاروا بعدُ مِنَ الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد " علي بن أبى طالب " ؟

فهل من مُعْتَبِر ؟ نظم الفرائد / ج : 1 / ص : 211 .
مفاهيــــم خاطئــــة
*ولنحذر " المفاهيم الخاطئة" التي قد تقدح في الإيمان فمنها
1 ـ اعتقاد واغترار البعض بأن الأمر بما وقر في قلبه ، ولا يهتم بالظاهر:
والصواب: أن هناك علاقة بين الظاهروالباطن .

قال الشيخ الألباني رحمه الله : لقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال " كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فنزلنا منزلا تفرقنا في الوديان و الشعاب فسافرنا مرة مع النبي صلى الله عليه و سلم و نزلنا منزلا و تفرقنا فيه كما كنا نتفرق دائما " فقال لهم عليه الصلاة والسلام " إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان " قال أبو ثعلبة " فكنا بعد ذلك إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم سفرا اجتمعنا و انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا " ففي هذا الحديث اهتمام النبي صلى الله عليه و سلم بتجميع المسلمين بأبدانهم وأشخاصهم و تحذيره إياهم من أن يتفرقوا في ذلك حتى في السفر في الوديان و الشعاب و استجاب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لتوجيهه هذا فكانوا بعد ذلك لا يتفرقون تفرقهم السابق و كانوا يتضامون بعضهم إلى بعض حتى أنهم مع كثرتهم لو جلسوا على بساط واحد لوسعهم فهذا التفرق الذي لم يكن إلا في السفر لم يرتضه الرسول صلى الله عليه و سلم و إنما نهاهم عنه فماذا يكون الشأن فيما إذا تفرق أهل العلم و طلاب العلم في مجالسهم العلمية لا شك أن هذا التفرق يكون من عمل الشيطان من باب أولى و لذلك فنحن نذكركم على اعتبار أن قسما طيبا منكم يرجى أن يكونوا من المسؤولين في توجيه الأمة و تعليمهم الكتاب و السنة فهذا من السنة التي ينبغي أن يبدؤوا بتذكير الناس بها ألا و هي تجميعهم في المجلس الواحد و أن لا يظلوا هكذا متفرقين بعضهم عن بعض .
* كانَ النَّاسُ إذا نزلوا منزلًا تفرَّقوا في الشِّعابِ والأوديةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ "إنَّ تفرُّقَكم في هذِهِ الشِّعابِ والأوديةِ إنَّما ذلِكم منَ الشَّيطان" فلم ينزل بعدَ ذلِكَ منزلًا إلَّا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ حتَّى يقالَ لو بُسِطَ عليْهم ثوبٌ لعمَّهم"الراوي : أبو ثعلبة الخشني - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 2628 -خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية .موقع الشيخ الألبان
جمع غفير ويمشون في الصحراء فإذا نزلوا منزلا حضهم الرسول عليه الصلاة والسلام على أن لا يتفرقوا فيه وعلى أن يجتمعوا وأن يتضاموا لأن الاجتماع بالأبدان والأجساد له تأثير في تجميع القلوب وفي إصلاحها وذلك مما جاء التصريح به عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
-" إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثيرًا من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى ... يوشك أن يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "، والشاهد من هذا الحديث إنما هو الفقرة الأخيرة منه ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "؛ ففي هذا الحديث تصريح بأن الظاهر مربوط بالباطن صلاحًا وطلاحًا، إذا صلح القلب صلح الجسد وإذا فسد القلب فسد الجسد ومن هنا نأخذ مبدأ هاما جداً يغفل أو يتغافل عنه كثير من المسلمين المعاصرين اليوم الذين لم يتلقوا شيئا من العلم الشرعي وإنما شرعهم عقولهم وأهواؤهم فإذا ما قلت لأحدهم لماذا لا تصلي مثلا يقول العبرة ليست بالصلاة وإنما العبرة بصلاح الباطن ويتجاهل هذه الحقيقة أنه لو كان باطنه أي قلبه صالحا لنضح صالحا والعكس بالعكس. ولذلك فينبغي على كل مسلم أن يهتم بإصلاح ظاهره وأن لا يغتر في أن الأمر بما وقر في قلبه لأن الظاهر عنوان الباطن هذا ليس كلام علماء وفقهاء فقط بل ذلك ما يدل هذا الحديث الصحيح الذي أنا في صدد التعليق عليه أولاً ثم الحديث الأول حديث أبي ثعلبه الخشني لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أمرهم بأن يجتمعوا وأن لا يتفرقوا في المنزل ولو في الصحراء الواسعة الأطراف، أمرهم أن يجتمعوا لأن هذا الاجتماع بالأجساد يقرب القلوب بعضها إلى بعض. ولعلكم ما نسيتم ما ذكرتكم به أثناء الاصطفاف لصلاة الظهر في هذا اليوم مما ذكرته ساعتئذ من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -" لتسون الصفوف أو ليخالفن الله بين الوجوه"؛ فتسوية الصفوف أمر ظاهر ربط به عليه السلام فيما إذا أخل به القائمون في الصف أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض. فإذن لا يجوز للمسلم أن يستهين بإصلاح ظاهره بدعوى أن باطنه صالح لأنه يكون أولاً يكذب على نفسه فضلاً على أنه يكذب على غيره. لهذا فليس من الأدب في الإسلام في شيء إذا ما اجتمع طلاب العلم أن يجلسوا هكذا كما يشاءون متفرقين بعضهم عن بعض؛ بل عليهم أن ينضموا وأخيراً جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:" دخل ذات يوما المسجد فوجد الناس متفرقين فيه فقال لهم" مالي أراكم عزين، مالي أراكم عزين "؛ أي: متفرقين. فإذًا علينا أن نتذكر هذا الأدب في تلقي العلم سواء كان التلقي بطريق جرى عليه العلماء اليوم وهو تلقي الأسئلة والإجابة عليها، أو بالطريقة القديمة التي كانت ولا تزال طريقة مطروقة لتعليم الناس ألا وهو أن يجلس الشيخ مع طلابه ويقرأ عليهم من الكتاب سواء كان من التفسير أو من الحديث أو الفقه المستقى من الكتاب والسنة، أو يقرأ عليه أحدهم ثم هو يعلق على ما قرأ ويشرح لهم ما قد يكون غامضا عليهم. على هذا أردت التذكير بهذا الأدب لنتوجه أخيراً إلى الاستماع إلى ما قد تجمع من بعض الأسئلة لننظر فيها ونجيب عليها بقدر ما يوفقنا الله تبارك وتعالى، وييسر لنا من العلم فيها.موقع الشيخ الألباني هنا .
 فائدة مستخلصة مما سبق : الإيمان له ظاهر وباطن ، ظاهره : قول اللسان وعمل الجوارح .وباطنه : تصديق القلب وانقياده ومحبته . فلا ينفع ظاهرٌ لا باطن له وإن حُقِن به الدماء وعصم به المال والذرية .ولا يجزئ باطنٌ عن ظاهر إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك . فتخلف العمل ظاهرًا مع عدم المانع ، دليل على فساد الباطن وضعف الإيمان ، ونقصه دليل نقصه ، وقوته دليل قوته .
الفوائد لابن القيم / حاشية كتاب إرشاد الأنام / ص : 19 .
2 ـ تقسيم الدين إلى قشر ولُبَاب :

ويترتب على هذا التقسيم : المناداة بنبذ ما أسموه قشرًا بدعوى الاهتمام باللُّبِ .

وهذا التقسيم أو هذه المقولة حادثة مبتدعة ، لم يعرفها سلف الأمة ومن تبعهم بإحسان .
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً " .
سورة البقرة / آية : 208 .
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ :
" يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يأخذوا
بجميع عُرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك " . ا . هـ .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" دعوني ما تركتكم ، فإنما أهْلك من كان قبلكم سؤالُهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " .
فتح الباري / ج : 13 / كتاب : الاعتصام / باب : الاقتداء بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .مسلم ـ واللفظ للبخاري .
ولو فُرض جدلاً أن مظاهر الدين تسمى قشر ، فإن من يتخلى عن " القشرة الإسلامية " سيتغطى ـ ولابد ـ بقشرة دخيلة مغايرة لها .
فلابد لكل " لُب " من " قشر " يصونه ويحميه .
والسؤال الآن : لماذا يرفضون " قشرة " الإسلام ، ويرحبون بقشرة غيره ، فيأكلون بالشمال ، ويحلقون اللحى ، ويُلبِسونَ النساءَ أزياء مَن لا خلاق لهن ، ويلبسون القبعة ، ويُدَخِّنون " البايب " والسيجار ؟ .....
دعوا السنة تمضي .
· تأمل هذا الموقف من أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو في سياق مصيبة الموت الذي هو أعظم حادث مما يمر على الجبلة .
* عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال :
دخل شاب على " عمر " ـ يعني بعد ما طُعن ـ فجعل الشاب يُثني عليه ، قال : فرآه عمر يجر إزاره ، قال : فقال له : " يا ابن أخي ! ارفع إزارك فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك " ؛ قال : فكان عبد الله يقول " يا عجبًا لعمر ! إن رأى حق الله عليه ، فلم يمنعه ما هو فيه أن تكلم به " .
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " 8 / 201 ، 202 .
* عن يزيد بن عميرة قال : لما حضر " معاذ بن جبل " الموتُ ، قيل له :
يا أبا عبد الرحمن أوصنا . قال : أجلسوني .
فقال " إن العلم والإيمان مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما .
ـ يقول ثلاث مرات ـ ..... " . أخرجه الإمام أحمد . وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمهُ الله ـ في الجامع الصحيح / مجلد رقم : 1 / ص : 236 .
· وهذا " عمرو بن العاص " وهو في سياقة الموت ، بكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار وقال " ..... فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فشنوا عليّ التراب شنًا ..... " .
صحيح مسلم / ج : 1 / ص : 318 / حديث رقم : 317 .
ربنا جل وعلا قد أمر المؤمنين بالقيام بما شرعه من دينه ـ ولو كان من القضايا العملية التي يسمونها فروعًا ـ في أشد أوقات الكفاح ، وهو وقت الالتحام المسلح مع الأعداء في قوله تعالى "وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ " .سورة النساء / آية : 102 .
فقدِّر يا أخي حفظك الله أنك بحضرة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأنه أمرك بشيء مما يسميه القوم " قشورًا " ، أكنتَ تتجاسر أن تقدم بين يديه ، أو ترفع صوتك معترضًا عليه ؟
إنك حتمًا وبمقتضى إيمانك ورضاك بالله ربًا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولاً ستقول له " نعم ، سمعًا وطاعة ، يا من أفديه بأبي وأمي " . فكذلك فافعل مع سنته الشريفة بعد وفاته ، فهذا واجبك مع سنته إذ لم تدرك صحبته صلى الله عليـه وسـلم .
~ نرد على أصحاب بدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب ، والمناداة بنبذ ما أسموه قشرًا بدعوى الاهتمام باللب .
نقول لهم : لماذا إذن تحيون حياة رتيبة هنيئة تتمتعون فيها بالحاجيات بل الكماليات والتحسينيات ، تطعمون الفواكه ، وتتنعمون في الفُرُش ، وتتنزهون في المتنزهات ، وكل هذا لا ينكرعليكـ ، ولا تستنكرونه من غيركم ، هذا ! !
فلماذا إذًا تضعون العوائق في طريق السنة ؟
فالسكوت على المنكرات سواء في فروع أو أصول ، ظاهر أو باطن سبب من أسباب نزول العقوبات العامة وعموم الفتنة والعذاب .
من كتاب : تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب " محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم"
3 ـ إحداث عبادات ، ويُقَال : ما نريد إلا الخير:
وذلك كما حدث من أصحاب الحلقات عندما خالفوا السنة ، وأحدثوا هيئات للذِّكرِ لم ترد بالشرع ، وأنكر عليهم " عبد الله بن مسعود " ذلـك .
وذلك لأن هناك قاعدة هامة وهي :
الأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارفُ الإباحة .
وليس مشروعًا من الأمور غيرُ الذي في شرعنا مذكور .
هذه قاعدة عظيمة نافعة ، تضمنت " أصلين عظيمين " دل عليهما الكتاب والسنة في مواضع .
* مثل قولِه تعالى في " الأصل الأول " :
"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا" . سورة البقرة / آية : 29 .
أي : تنتفعون بها بجميع الانتفاعات إلا ما نُص على المنع فيه
* وقولِهِ تعالى " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ " .سورة الأعراف / آية : 32 .
فأنكر تعالى على من حرم ما خلق الله لعباده من المآكل والمشارب والملابس ونحوها ".
* ومثل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قصة تأبير النخل .
وفيه قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أنتم أعلم بأمر دنياكم " . مسلم .
ووجه الدلالة :
أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رد الأمر في التعامل في الزراعة إلى الخلق ، وجعله ليس من جنس الشرع الذي يتوقف فيه حتى يأتي الأمر من الرب سبحانه .
* ومثل قوله تعالى في " الأصل الثاني " :
"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ " .
سورة الشورى / آية : 21 .
* وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأصل الثاني
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . متفق عليه
البخاري : 2697 . مسلم : 1718 .
· العادات :
هي المعاملات والعلاقات التي تربط بين الإنسان وأخيه الإنسان ، لذا كان الأصل فيها الجواز ،إلا ما حرمه الله عز وجل على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلا وقع الناس في ضيق كبير وحرج عسير .
فالمعاملات والعادات باقيةٌ على الأصل ما لم تخالف أصلاً شرعيًا ، أو يأتي الصارف الشرعي لذلك .
ومن ذلك : شرب الخمر ، فهو من جنس العادات التي حرمها الرب سبحانه .
· وأما العبادات :
فهي التي تربط بين الإنسان وربِّه عز وجل لهذا كان الأصل فيها الحظر إلا ما أمر به الله عز وجل على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعنى ذلك : هو أن لا يعتقد الناس في شيءٍ أو في فعلٍ أو قولٍ أنه عبادة ، حتى يأتيَ خطابُ الشارعِ بذلك .
يقول شيخُ الإسلامِ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى 29 / 16 ـ 18 :
" إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان :
عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم ، فباستقراء أصول الشريعة تعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع .
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه ، والأصل فيه عدم الحظر ، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى " .ا . هـ .
فالأصل في العبادات المنع حتى نجد دليل .

فعليك أن تثبت أن العبادة التي تقوم بها من شرع الله .
فيجب أن نتقرب إلى الله بما يحبه الله ، وليس بما تحبه أنت .
والله سبحانه لا يحب إلا ما شرع .
فإذا قلتَ لشخصٍ ما تفعله هذا بدعة . فيقول لك : هات لي دليل على بدعيتها ! ! أقول : لا . هات أنتَ دليلًا أو إثباتًا أنه قُربى ومن شرع الله .
· وتطبيق هذه القاعدة :
ـ إذا ذهب شخصٌ إلى أي بلد لتغيير الجو ، ومن باب الضرب في الأرض ، فهذه عادة ولا شيء فيها .
وكذلك إذا ذهب إلى جبل الطور بنفس النية ، فلا شيء .
ولكن : إذا شد الرحال ، وذهب إلى جبل الطور تعبدًا وزيارة للمكان الذي كلم اللهُ موسى عنده ، فذلك حرام لأنه عبادة ، ولا تشد الرحال تعبدًا إلا إلى ثلاث .
- "لاَ تُشدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلى ثلاثةِ مساجدَ مسجدِ الحرامِ ومسجدى هذا والمسجدِ الأقصى"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 2033 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
ـ إذا سافرت إلى طنطا لزيارة الأهل عادة ، لا شيء فيها
ولكن إذا سافرت من أجل زيارة مسجد معين أو قبر معين للتبرك ، فذلك يحرم فعله لأنه فعله تعبدًا .
ـ إذا صام شخص طوال العام يومي الإثنين والخميس ، واستمر في هذا الصيام حتى في شهر رجب . فهذا لا شيء فيه ومأجور عليه إن شاء الله .
ولكن إذا خص شهر رجب دون أشهر العام بصيام ، فهذه عبادة تحتاج إلى دليل ، ولا يوجد دليل على تخصيص هذا الشهر بصيام .
أما تخصيص شهر شعبان أو المحرم بصيام دون أشهر العام ، فهذا لا شيء فيه لأنه عبادة مخصصة بدليل .
فقد ورد نص شرعي في تخصيص شهر شعبان بالصيام :
" عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان " متفق عليه .البخاري : 1969 / 213 / 4 و مسلم : 1156 ـ 175 / 810 / 2 .
وورد في تخصيص شهر المحرم بصيام :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " . صحيح سنن أبى داود : 2122 . مسلم

4 ـ الخلط بين " التصديق " ومجرد المعرفة ، فليس كلَّ عالم معتقدًا .

نموذج للمعرفـة التي لا تعتبر تصديقًا
عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ـ وكان من أصحاب بدر ـ وقال :كانَ لَنا جارٌ من يَهودَ في بَني عبدِ الأشهلِ قالَ : فخرجَ علَينا يومًا من بيتِهِ قبلَ مبعثِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ بيسيرٍ فوقفَ علَى مجلسِ عبدِ الأشهلِ . قالَ سلمةُ : وأَنا يومئذٍ أحدثُ مَن فيهِ سنًّا عليَّ بردةٌ مضطجعًا فيها بفناءِ أَهْلي فذَكَرَ البعثَ والقيامةَ والحسابَ والميزانَ والجنَّةَ والنَّارَ فقالَ ذلِكَ لقومٍ أَهْلِ شركٍ أصحابِ أوثانٍ لا يرَونَ أنَّ بعثًا كائنٌ بعدَ الموتِ . فقالوا لَهُ : ويحَكَ يا فلانُ ! ترَى هذا كائنًا أنَّ النَّاسَ يُبعَثونَ بعدَ موتِهِم إلى دارٍ فيها جنَّةٌ وَنارٌ يُجزَونَ فيها بأعمالِهِم ؟ قالَ : نعم والَّذي يُحلَفُ بِهِ .لودَّ1 أنَّ لَهُ بحظِّهِ2 من تلكَ النَّارِ أعظمَ تنُّورٍ في الدُّنيا يحمُّونَهُ ثمَّ يدخِلونَهُ إيَّاهُ فيطبقُ بِهِ عليهِ وأن ينجوَ من تلكَ النَّارِ غدًا قالوا لَهُ ويحَكَ وما آيةُ ذلِكَ قالَ نبيٌّ يُبعَثُ من نحوِ هذِهِ البلادِ وأشارَ بيدِهِ نحوَ مَكَّةَ واليمنِ قالوا ومتَى تراهُ قالَ فنظرَ إليَّ وأَنا أحدثِهِم سنًّا فقالَ إن يستنفدَ هذا الغلامُ عمرَهُ يدرِكْهُ قالَ سلمةُ فواللَّهِ ما ذَهَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ حتَّى بعثَ اللَّهُ تعالى رسولَهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ وَهوَ حيٌّ بينَ أظهرِنا فآمنَّا بِهِ وَكَفرَ بِهِ بغيًا وحسدًا فقُلنا ويلَكَ يا فلانُ ألستَ بالَّذي قلتَ لَنا فيهِ ما قلتَ قالَ بلَى وليسَ بِهِ"
الراوي : سلمة بن سلامة بن وقش - المحدث : الوادعي- المصدر : صحيح دلائل النبوة
رواه أحمد . وحسنه الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / مجلد رقم : 5 / ص : 407 .
1 يَوَدّ : أي : يَوَدُّ الذي رأى هذه النار .
2 بحظه : أي : بنصيبه .
**************
نموذج للتصديق
قال تعالى "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " . سورة التحريم / آية : 12 .
مـن تفسير : تيسير الكريم الرحمن للشيخ / عبد الرحمن السعدي :

قـال : وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة ، فإن التصديق بكلمات الله يشمل كلماته الدينية والقدرية .
والتصديق بكتبه يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق ، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل .
ولهذا قال تعالى " وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " أي : المطيعين لله ، المداومين على طاعته بخشية وخشوع ، وهذا وصف لها بكمال العمل ، فإنها ـ رضي الله عنها ـ صِدِّيقه ، والصديقية هي كمال العلم والعمل . 
 
ما الفرق بين التوحيد ، والعقيدة ، والإيمان ؟
·التوحيد :
تعريف التوحيد شرعًا :
هو إفراد الله سبحانه بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
قسم بعض أهل العلم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
1ـ توحيد الربوبية .
2 ـ توحيد الألوهية .
3 ـ توحيد الأسماء والصفات .
وقد اجتمعت في قوله تعالى :
" رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " .سورة مريم / آية : 65 .
وهناك من أهل العلم من قسموا التوحيد إلى قسمين :

1 ـ توحيد المعرفة والإثبات .
2 ـ توحيد القصد والطلب .
فتوحيد المعرفة والإثبات هو توحيد الربوبية والأسماء والصفات .
وتوحيد القصد والطلب هو توحيد الإلهية .
هذا ما يخص التوحيد إجمالًا . وسيأتي التفصيل إن شاء الله .
· العقيدة :
تعريف العقيدة :
أولًا : لغة : من العَقد ، وهو ضد الحل ، ومنه : العُقدة ، لأنها غير محلولة
ومنه : العَقْدُ وهو الجمع بين المتفرقات .
عقد النكاح :جمع بين رجل وامرأة .
عقد البيع :وهو جمع بين ثمن ومثمون وبائع ومشتري .
ثانيًا : اصطلاحًا : هي المعنى الذهني الجازم .
ثالثًا : شرعًا : هي تلك المعاني التى تنجزم في الذهن والقلب والوجدان في حق الله عز وجل ، والملائكة ، والكتب ، والرسل ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإنس ، والجن .....
وقد تكون عقيدة فاسدة . مثل عقيدة النصارى التثليث ، وعقائد الفرق الضالة .
وقد تكون عقيدة حقة ، فهي عقيدة المسلم " التوحيد " .
· الإيمان :
تعريـف الإيمـان :
أولاً : لغـة : هـو التصديـق .
لقولـه تعالـى " وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ".سورة يوسف / آية : 17 .
أي : وما أنت بمصدقٍ لنا ولو كنا صادقين .
ثانيًا : اصطلاحًا : هو جملة الاعتقادات والأقوال والأفعال التي يستقيم بها دين العبد .
ثالثًا : شرعًا : هو تصديق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه عز وجل .
وعقيدة التوحيد هي ثمرة الإيمان :
والفوز بالتوحيد الخالص يستوجب معالجة القلوب " بالعلم " و " المحبة " .
فإذا عالجنا قلوبنا " بالعلم الصحيح " المبني على الاتباع و " المحبة الخالصة " ، قامت القلوب بعملها دون نقص .
فالقلب لا يعمل كما ينبغي وهو مريض .
وصحة القلب تركز على أمرين :
1 ـ العلم الصحيح المبني على الاتباع .
وسبب مرض القلب في هذه الجزئية " الجهل " .
والشفاء من الجهل علاجه السؤال .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم" قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العيِّ السؤال " .صحيح سنن أبى داود / مجلد : 1/ حديث رقم : 325/ص :69.
العيِّ : الجهل .
هل الناس سألوا عن دينهم ، هل حاولوا التخلص من هذا الجهل ، أم هناك " إعراض " ؟ ! !
هناك إعراض ، للغفلة عن الآخرة .
2 ـ المحبـة :
الله جل وعلا هو المحبوب بالقصد الأول ، فالحب المطلق يكون لله ، فهو سبحانه المحبوب لذاته ،وباقي أعراض الدنيا متاع الغرور .
وهذه المحبة لله تجعلك تتخذ من كل أعراض الدنيا وسيلة لإرضاء هذا المحبوب ، لا وسيلة لإغضابه ..... وينتج عن هذه المحبة ، اتحاد كل المحبات في اتجاه الله .
فمثلًا: أنت تحب " المال " ، حبك للمال الحب الشرعي ، بأن لا تحب المال لذاته ولكن تحبه لأنه وسيلة تمكنك من طاعة الله ، وذلك بإنفاقه في طاعة ونصرة دين الله ..... .
حب الأولاد لله ، حب الزوجات لله ، كـل سعـي يكون في سبيل الله .
ومحبة الله تتبعها محبة كلامه ، وهو " القرآن الكريم " ، فتقرؤه قراءة الملهوف على كل ما فيه ، مع الحرص على تدبره وفهمه وتنفيذه .
· معنى الشهادتين :
" أشهد أن لا إله إلا الله " كلمة التوحيد .
أي : لا معبود حق إلا الله .
" أشهد أن محمدًا رسول الله " .
أي : تجريد المتابعة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
 
من لوازم التوحيد
" الولاء والبراء "
من لوازم التوحيد أن توالي أهله الموحدين وتتبرأ من أعدائه المشركين ، قال تعالى :
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"سورة المائدة / آية : 55 ، 56 .
· الولاء :
المعنى اصطلاحًا :
القرب من المسلمين بمودتهم وإعانتهم ومناصرتهم على أعدائهم ، والسكنى معهم . والموالاة ضد المعاداة .
· البراء :
المعنى اصطلاحًا :
البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار ، والمراد هنا قطع الصلة القلبية مع الكفار ، فلا يحبهم ولا يناصرهم ولا يقيم في ديارهم .
* الولاء والبراء تابعان للحب والبغض ، فإن أوثق عُرَى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، وبهما تنال ولاية الله ، وهما من أهم لوازم التوحيد .
ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة ، إلا بالرجوع إلى الله والحب فيه والبغض فيه ، والولاء له ولأوليائه ، والبراء ممن أمرنا بالبراء منه ، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
* ولما كان الولاء والبراء مبنيين على قاعدة الحب والبغض ، فإن الناس عند أهل السنة والجماعة ـ بحسب الحب والبغض في الله والولاء والبراء ـ ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : مَنْ يُحَبُّ جُمْلَة :
وهو من آمن بالله ورسولهِ ، وقام بوظائف الإسلام ومبانيه العظـام علمًا وعملًا واعتقادًا ، وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله ، وانقاد لأوامره ، وانتهى عما نهى الله عنه ورسوله ، وأحب في الله ، ووالى في الله ، وأبغض في الله ، وعادى في الله ، وقدم قول رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على قول كل أحد كائنًا من كان .
الصنف الثاني : من يُحَب من وجه ويُبغَض من وجه :
وهو المسلم الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، فيُحَبُّ ويوالَى على قدر ما معه من الخير ، و يُبغَض و يعادَى على قدر ما معه من الشر .
فهذا عبد الله بن حِمار ، وهو رجل من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يشرب الخمر ، فأُتِيَ به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بضربه بالنعال والجريد ، فلعنه رجل وقال : ما أكثر ما يؤتى به ..... .
فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم" لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " .صحيح البخاري / كتاب : الحدود / باب : ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة .
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغم أنه لعن شارب الخمر وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها ، إلا أنه نهى عن لعن هذا الرجل لأنه يَحَبُّ من وجهٍ ويُبْغَضُ من وجهٍ .
يَحَبُّ من وجه : إنه يحب الله ورسوله .
ويُبْغَضُ من وجه : كونه شارب خمر .
الصنف الثالث : من يُبغض جملة :
وهو من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ولم يؤمن بالقدر خيره وشره ، أو ترك أحد أركان الإسلام عمدًا .
فأهل السنة والجماعة يوالون المؤمن المستقيم على دينه ولاءً كاملًا ، ويحبونه وينصرونه نصرة كاملة ، ويتبرءون من الكفرة والملحدين ، ويعادونهم عداوةً وبغضًا كاملين .
أما من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا ؛ وهم العصاة أصحاب الكبائر ؛ فيوالونه بحسب ما عنده من الإيمان ، ويعادونه بحسب ما عنده من الإيمان ، ويعادونه بحسب ما هو عليه من الشر .
الولاء والبراء القلبي :الولاء والبراء ص : 139.
من عقيدة أهل السنة والجماعة ، أن الولاء القلبي وكذلك العداوة ـ القلبية ـ يجب أن تكون كاملة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيِّمية :
فأما حب القلب وبغضه ، وإرادته وكراهته ، فينبغي أن تكون كاملة جازمة ، لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان ، وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته ، ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطَى ثواب الفاعل الكامل .
ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها ، لا بحسب محبة الله ورسوله ، وبغض الله ورسوله .
وهذا نوع من أنواع الهوى ، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه ... قال تعالى "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ".سورة القصص / آية : 50 .
المداهنـة وعلاقتها بالولاء والبـراء :في بيان العقيدة ص : 111 .
المداهنة : هي المصانعة والمسالمة وترك ما يجب من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي وهوى نفساني ، فالاستئناس بأهل المعاصي ومعاشرتهم وهم على معاصيهم ، وترك الإنكار عليهم مع القدرة عليه هو المداهنة .
وعلاقة المداهنة بالولاء والبراء تظهر من معناها وتعريفها الذي ذكرناه وهو ترك الإنكار على العصاة مع القدرة عليه ، ومسالمتهم ومصانعتهم ، وهذا فيه ترك للموالاة في الله ، والمعاداة فيه وتشجيع للعصاة والمفسدين .
ويصبح المداهن داخلًا في قوله تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ"
.سورة المائدة / آية : 78ـ 80 .
المداراة وأثرها على الولاء والبـراء :
المداراة : هي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة ، أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له .
وفي الحديث : عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :استأذنَ رجلٌ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا عندَهُ فقالَ بئسَ ابنُ العشيرةِ أو أخو العشيرةِ ثمَّ أذِنَ لهُ فألانَ لهُ القولَ فلمَّا خرجَ قلتُ لهُ يا رسولَ اللَّهِ قلتَ لهُ ما قلتَ ثمَّ ألنتَ لهُ القولَ فقالَ يا عائشةُ إنَّ من شرِّ النَّاسِ من تركهُ النَّاسُ أو ودعهُ النَّاسُ اتِّقاءَ فُحشِهِ " .الشمائل للترمذي / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 184 / حديث رقم : 301 .
الحديث صحيح / أخرجه البخاري .
"فألانَ لهُ القولَ " وذلك لتألفه لِيُسلِمَ قومُهُ لأنه كان رئيسهم ومطاعًا فيهم ، كما هو شأن الجفاة ، لأنه لو لم يُلِنْ له القول لأفسد حال عشيرته ، وزين لهم العصيان لأنهم لا يعصون له أمرًا " . حاشية الشمائل / ص : 184 .
ومن رسالة بيان العقيدة ، تعليقًا على هذا الحديث :
فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دارى هذا الرجل لمَّا دخل عليه مع ما فيه من الشر لأجل المصلحة الدينية ، فدل على أن المداراة لا تتنافى مع الولاء والبراء إذا كان فيها مصلحة راجحة من كف الشر والتأليف ، أو تقليل الشر .
ومن ذلك مداراة النبي للمنافقين خشية شرهم وتأليفًا لهم ولغيرهم .
*نموذج للولاء والبراء :
موقف عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول من أبيه المنافق : عن جابر بن عبد الله قال " كنا في غزاةٍ قال سفيان يرونَ أنها غزوةَ بنِي المصطلِقِ فكسعَ رجلٌ من المهاجرينَ رجلا من الأنصارِ فقال المهاجريّ ياللمهاجرين وقال الأنصاريّ ياللأنصارِ فسمعَ ذلكَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال" ما بالُ دعوى الجاهليةِ" قالوا رجلٌ من المهاجرينَ كسَعَ رجلا من الأنصارِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم" دعوهَا فإنها مُنتَنةٌ" فسمع ذلكَ عبد الله بن أبي ابن سلولٍ فقال أوقدْ فعلوها واللهِ لئن رجعنا إلى المدينةِ ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فقال عمرُ يا رسولَ اللهِ دعني أضربْ عنقَ هذا المنافقِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم" دعهُ لا يتحدثُ الناسُ أن محمدا يقتلُ أصحابَهُ" وقال غيرُ عمرَ فقال له ابنهُ عبد الله بن عبد الله والله لا تنقلبْ حتى تقرّ أنكَ الذليلُ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العزيزُ ففعلَ"
صحيح سنن الترمذي / ج : 3 / حديث رقم : 2641.
 
أنواع التوحيد
سبق أن تعرضنا لأنواع التوحيد إجمـالًا ، وسنتعرض لها هنا بشيء من التفصيل .
أنواع التوحيد تدخل كلها في تعريف عام وهو :
إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به .
هناك من أهل العلم من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهي :
1ـ توحيد الربوبية .
2ـ توحيد الألوهية .
3 ـ توحيد الأسماء والصفات .
ومن كتاب : فتاوى العقيدة للشيخ العثيمين : ص : 6.
قال : والعلماء ـ علموا ذلك التقسيم ـ بالتتبع والاستقراء والنظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة . ا . هـ .
وهذا التقسيم إنما هو للتفهيم والبيان ، وإلا فالله لايقبل التوحيد من إنسان أخل بأحد أنواعه .
أولًا : توحيد الربوبية
هو الإيمان بأن الرب هو الخالق ، الرازق ، المحيي ، المميت ، مُنَزِّل الكتب ، مرسل الرسل ، المجازي في الدنيا والآخرة ، وإفراده سبحانه بكل هذا .
ومن خلال هذا التعريف نجد أن :
أقسام توحيد الربوبية هي :
1 ـ قدر كوني :
قال تعالى "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " . سورة القمر / آية : 49 .
وقال تعالى" إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ "سورة النحل / آية : 40 .
فالقدر الكوني : كالخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة ، والنفع ، والضر .
2ـ قدر تشريعي :
وهو يشمل العلم ، والرسالات ، والكتب ، والوحي ، والتحليل ، والتحريم
ـ ومن أدلة ذلك :
ـ العلم : قال تعالى " ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي" .سورة يوسف / آية : 37 .
وقال تعالى "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا " .سورة طه / آية : 114 .
ـ الرسالات : قال تعالى "لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ" . سورة الجن / آية : 28 .
ـ الكتب : قال تعالى" تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ " سورة الرعد / آية : 1 .
ـ الوحي : قال تعالى "ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ " .سورة الإسراء / آية : 39 .
ـ التحليل والتحريم :
قال تعالى "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ " .سورة الأنعام / آية : 151 .
باختصار القدر التشريعي يشمل : افعل ولا تفعل .
3 ـ القدر الجزائي :
فالذي يجازي في الدنيا والآخرة إنما هو الرب .
من أمثلة الجزاء في الدنيا :
قوله تعالى"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ " .سورة الفيل / آية : 1 .
وقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ" .سورة الفجر / آية : 6 .
ومن أمثلة الجزاء في الآخرة :
قوله تعالى "إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " .سورة طه / آية : 15 .
وقوله تعالى "أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" . سورة غافر / آية : 46 .
وقوله " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " .
سورة الكهف / آية : 29 .
وقوله "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا "30" أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ " .سورة الكهف / آية : 30 ، 31 .
فتوحيد الربوبية : كل ما نزل من الرب إلى العباد من رزق ، وإحياء ( كوني ) ، رسالات ( تشريعي ) .
ونتيجة تعاملك مع قدر الله الكوني والتشريعي ، يكون قدر الله الجزائي .
فالمعاصي جزاؤها الابتلاءات والمصائب في الدنيا ، وشدة سكرات الموت ، وعذاب القبر ، وشدة المرور على الصراط ، وعذاب النار ... .
وفي المقابل من عمل صالحًا لا يضيع أجره ، وله جزاء ذلك
مع ملاحظة أن الابتلاءات في الدنيا قد تكون لتكفير الذنوب ، أو لرفع الدرجات والتمحيص ، وليست دائمًا عقابًا .
فقد لا ينال المؤمن منزلة عالية في الآخرة بعمله ، فتكون هذه الابتلاءات والصبر عليها سبب لرفع درجاته .
ثانيًا : توحيد الألوهية
وهو إفراد الله تعالى بالعبادة ، فكل ما هو من العباد إلى الله هو ألوهية .
وهذا النوع من التوحيد هو موضوع دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم .
قال تعالى"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " .سورة النحل / آية : 36.
وكل رسول يبدأ دعوته بتوحيد الألوهية ، كما قال نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " . سورة الأعراف / آية :59 ، 65 ، 73 ، 85 .
وهذا النوع من التوحيد يسمى توحيد ألوهية باعتبار إضافته إلى الله .
ويسمى توحيد عبادة باعتبار إضافته إلى العابد .
ومن كتاب عقيدة المؤمن : ص : 78.
قال : إن توحيد الألوهية جزء هام من عقيدة المؤمن ، إذ هو ثمرة توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وجَناه الطيب .
وبدونه يفقد توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات معناه ، وتنعدم فائدته .

ثالثًا : توحيد الأسماء والصفات
وهو الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، لفظًا ومعنىً .
واعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا على المجاز ، وأن لها معانٍ حقيقية تليق بجلال الله وعظمته .
أي : نثبت لله ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات ، ونؤمن بمعناها ، وأن لها كيف .لكنْ نفوض هذا الكيف لله لعجزنا وجهلنا بهذا الكيف .
لقوله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" .
سورة الشورى / آية : 11.
فقد أثبت سبحانه لنفسه صفتي السمع والبصر ، ونفى المِثلية .
·أركان الإيمان بالاسم :
1 ـ الإيمان بالاسم .
3- الإيمان بما دل عليه الاسم من معنى - أي : الصفة المشتقة منه .
3 ـ الإيمان بالحكم والأثر المرَتب على الاسم إن دل على وصفٍ متعدٍّ .
مثال :
" الرحيم "اسم يدل على وصف متعد للغير . يرحم الله عباده .
أركان الإيمان باسم الرحيم :
1 ـ الإيمان بأن " الرحيم " اسم من أسماء الله الحسنى .
2 ـ الإيمان بالمعنى الذي دل عليه الاسم .
أي : الصفة المشتقة منه ، وهي صفة " الرحمة " . ذو رحمة .
3 ـ الإيمان بما يتعلق بهذا الاسم من أثر وحكم . وهو أنه يرحم من يشاء .
" الحي " اسم من أسماء الله الحسنى يدل على وصف غير متعد .
أركان الإيمان باسم الله الحي :
1ـ الإيمان بأن " الحي " اسم من أسماء الله الحسنى .
2ـ الإيمان بأن الله يتصف بالصفة المشتقة منه وهي " الحياة " .
أسـماء الله غير محصورة بعدد معين :
والدليل على ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم :
" اللهم إني عبدُك وابن أمتك " ... إلى أن قال " أسألك بكل اسم هو لك سميتَ به نفسك ، أو أنزلتَهُ في كتابك ، أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ..... " .صحيح . جزء من حديث ابن مسعود . رواه أحمد . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الصحيحة / رقم : 199 .
والشاهد : قوله صلى الله عليه وسـلم " وما استأثرت به في علم الغيب عندك " .
وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به ، وما ليس معلومًا ليس محصورًا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعةً وتسعين اسمًا ، من أحصاها دخل الجنة " .رواه البخاري / كتاب : الدعوات .
فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء ، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه تسعة وتسعين اسمًا فإنه يدخل الجنة .
" وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدَّها وسَرْدَها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم " .ا . هـ .
فحديث الترمذي " ضعيف " ، ولا يحوي جميع أسماء الله الحسنى ، فليس فيه اسم " الرب " ، " الوتر " ، " الجميل " ، " الطيب " ، " السبوح " ، ..... .
المراد من إحصاء الأسماء الحسنى :
هناك مراتب للإحصاء :
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها المحدد في الحديث : 99 اسمًا .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاء الله بها .
كما قال تعالى " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " . سورة الأعراف / آية : 180.
· أنواع الدعاء بأسماء الله :
1 ـ دعاء ثناء .
2 ـ دعاء عبادة .
3 ـ دعاء طلب ومسألة .
* دعاء ثناء :
وهو أن يثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى .
مثال : يا حي يا قيوم : دعـاء ثنـاء ، برحمتك استغيث
* دعاء العبادة :
وهو أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء ، فمقتضى " الرحيم " الرحمة ، فترحم عباد الله ، وتتصف بصفة الرحمة ، دعاء عبادة باسمه الرحيم
وتقوم بالتوبة لأنه هو " التواب " ، وتخشاه في السر والعلن لأنه هو " اللطيف الخبير " .
مع ملاحظة أن من أسماء الله أسماء تقتضي من العبد مجرد الإقرار بها والخضوع لها ، وهي الأسماء التي يختص بها سبحانه لنفسه " كالجبار " ، و" العظيم " ، و
" المتكبر " .
* دعاء الطلب والمسألة :
وفيه يسأل في كل مطلوب باسم ـ من أسماء الله الحسنى ـ يكون مقتضيًا لذلك المطلوب .
فيقول في مقام الحاجة مثلًا : يا " معطي يا مانع " ، اعطني كيت وكيت .
ويقول في مقام الرحمة " يا رحمن " ارحمني .
وفي مقام التوبة " يا تواب " تب علي .
إذًا لابد أن يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب ، ولكن يستثنى من ذلك لفظا " الله " و " رب " فيصح قول : يا رب ارحمني ، يا ألله اغفر لي ...
· الإخبار عن الله تعالى :
إن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته .
ـ فالأسماء الحسنى والصفات العلى : توقيفية ، لا مجال للعقل فيها ، فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة .
ـ وكل اسم يشتق منه صفة ، وليست كل صفة يشتق منها اسم .
فباب الصفات أوسع من باب الأسماء .
مثال للصفات التي لا تشتق من الأسماء : الضحك ، النزول ، الاستواء ، .....
الإخبار :
يراد به ما يجوز إطلاقه على الله عن طريق الخبر ، وذلك بمعنى من المعاني لم يرد بلفظه في الكتاب والسنة ، وإن كان معناه مطلوبًا إثباته شرعًا لدلالته على معنى حسن ، أو معنى ليس فيه شائبة ذم ، قد نفاه عنه بعض المبتدعة فيخبر عنه به للرد عليهم .
كأن ينازعك في قِدَمِهِ ، أو وجوب وجوده ، فتقول مخبرًا عنه بما يستحقه : إنه قديم ، وواجب الوجود .
معنى واجب الوجود :
أي : لم يسبقـه عدم ولا يلحقه زوال .
أي : أزلي أبدي ... وهذا في حق الله .
معنى ممكن الوجود :
أي : كان بعد أن لم يكن ، وهذا في حق كل مخلوق .
من الأسماء ما لا يطلق على الله عز وجل إلا مقترنًا بما يقابله :
مثل : " الظاهر " ، " الباطن " / " القابض " ، " الباسط " / " المقدِّم " ، " المؤخِّر " / " الأول " ، " الآخر " / ... ... .
فلا يجوز لأي اسم من هذه الأسماء أن يُفرد عن مقابله ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه الأسماء بما يقابله .
فلو قلت : يا " ظاهر " ، يا " قابض " ، يا " مقدم " ، يا " أول " ، ..... ، واقتصرت على ذلك ، لم تكن مثنيًا عليه سبحانه ، ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلها .
oفـائدة :
ليس معنى تقسيم التوحيد إلى أنواع ثلاثة ، ليس معناه عدم وجود علاقة بين هذه الأنواع وتلازم ، ولكن جميع أنواع التوحيد متلازمة ، فينافيها كلها ما ينافي نوعًا منها :
فمن أشرك في نوع منها فهو مشرك في بقية الأنواع .
مثال ذلك : دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله :
ـ فدعاؤه إياه ، عبادة صرفها لغير الله من دون الله ، فهذا شرك في " الألوهية " .
ـ وسؤاله إياه تلك الحاجة من جلب خير أو دفع شر معتقدًا أنه قادر على قضاء ذلك ؛ هذا شرك في " الربوبية " ، حيث اعتقد أنه متصرف مع الله في ملكوته .
ـ ثم إنه لم يدعه هذا الدعاء من دون الله إلا مع اعتقاده أنه يسمعه على البعد والقرب في أي وقت كان ، وفي أي مكان ، وهذا شرك في " الأسماء والصفات " حيث أثبت له سمعًا محيطًا بجميع المسموعات لا يحجبه قُرب ولا بُعْد فاستلزم هذا الشرك في " الألوهية " ، الشرك في " الربوبية " و " الأسماء والصفات " .
 
" الإيمان وأركانه "
سبق أن بينا أن عقيدة التوحيد هي ثمرة الإيمان .
وبينا أنواع التوحيد التي تمثل " الإيمان بالله " الذي هو الركن الأول من أركان الإيمان الستة .
أركان الإيمان :
1ـ الإيمان بالله .
2 ـ الإيمان بالملائكة .
3ـ الإيمان بالكتب .
4 ـ الإيمان بالرسل .
5ـ الإيمان باليوم الآخر .
6 ـ الإيمان بالقدر خيره وشره .
وهذه الأركان الست مجموعة في حديث جبريل عليه السلام ، حين جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صورة أعرابي يسأله عن الإسلام ، والإيمان ، والإحسان قال صلى الله عليه وسلم عن الإيمان :
" أن تؤمنَ بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " .رواه مسلم عن عمر بن الخطاب / ج : 1 . ورواه البخاري نحوه عن أبي هريرة / الفتح / ج : 1.

شرح أركان الإيمان
أولًا : الإيمان بالله
الإيمان بالله عز وجل معناه :
الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ، وأنه الذي يستحق وحده أن يفرد بالعبادة ، وأنه المتصف بصفات الكمال كلها ، المنزه عن كل نقص .
فالإيمان بالله سبحانه يتضمن توحيده في ثلاثة : في ربوبيته ، وفي ألوهيته ، وفي أسمائه وصفاته .
فهذه ثلاثة أنواع من التوحيد تدخل في معنى الإيمان بالله عز وجل وسبق تفصيل الكلام في كل نوع .
* * * * *
ثانيًا : الإيمان بالملائكة
إن الإيمان بالغيب أصل عظيم من أصول الإيمان ، وأهم صفات عباد الرحمن .
قال تعالى"ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ".سورة البقرة / آية : 2، 3.
والغيب لا يعلمه إلا الله . قال تعالى " وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... ".سورة هود / آية : 123.
والغيب ما غاب عنا ولا نعلم عنه شيئًا إلا ما أطْلَعَ اللهُ عليه بعضَ خلقِهِ .
قال تعالى "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا " . سورة الجن / آية : 26 ، 27 .
ومن هذا الغيب الذي أمرنا الله بالإيمان به ، الإيمان بالملائكة . قال الله تعالى "وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ...."
سورة البقرة / آية : 177

وهو أحد أركان الإيمان المذكورة في حديث جبريل ـ عليه السلام ـ .
· وهم خلق خلقهم الله عز وجل قبل خلق الإنسان بزمن لا يعلم مقداره إلا الله .
قال تعالى "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". سورة البقرة / آية : 30.
فخاطبهم قبل خلق الإنسان فدل هذا على وجودهم قبله .
· وهم خلق لطيف خلقهم الله من نور .
( كما صح ذلك عند مسلم / كتاب الزهد / باب أحاديث متفرقة / حديث : 2996 ) .
* عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم"خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ." الراوي : عائشة أم المؤمنين - صحيح مسلم
· وهم خلق جميل الخلقة .
قال تعالى "فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " .سورة يوسف / آية : 31 .
وروى أحمد ـ رحمه الله ـ بسند صحيح -صححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ :
* عن جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه"وقالَ جريرٌ لمَّا دنوتُ منَ المدينةِ أنختُ راحلتي ثمَّ حللتُ عَيْبتي ثمَّ لبستُ حُلَّتي ثمَّ دخلتُ فإذا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ يخطبُ فرماني النَّاسُ بالحدقِ فقلتُ لجليسي يا عبدَ اللَّهِ ذَكرني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ قالَ نعم ذَكرَكَ آنِفًا بأحسنِ ذِكرٍ فبينما هوَ يخطبُ إذ عرضَ لهُ في خطبتِهِ وقالَ يدخلُ عليكم من هذا البابِ أو من هذا الفجِّ من خيرِ ذي يمنٍ ألا إنَّ على وجههِ مِسحةَ ملَكٍ قالَ جريرٌ فحمدتُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ على ما أبلاني" . الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 271 - خلاصة حكم المحدث : حسن
هذا وقد قال ربنا عز وجل عن جبريل ـ عليه السلام ـ " ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى "
سورة النجم / آية : 6
نقل ابن كثير عن ابن عباس قال : ذو منظر حسن .
· وأعداد الملائكة كثيرة لا يعلمها إلا الله .
* عن مالك بن صعصعة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا ـ في حديث المعراج "فَرُفِعَ لي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: هذا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فيه كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ ما عليهم"
وهو في الصحيحين

وثبت في " صحيح مسلم " من حديث ابن مسعود مرفوعًا"يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها." .
وغير ذلك من الأدلة التي تدل على كثرة الملائكة .
· الملائكة يسكنون السماء ولا ينزلون إلا بإذن الله .
قال تعالي " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ." .سورة مريم / آية : 64.
وقال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا .." .سورة فصلت / آية : 30.
· الملائكة تتجلى ويراها بعض البشر :
مع كون الملائكة خلقًا مغيَّبًا ، فقد ثبت في غير ما حديث أن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ رأوا بعض الملائكة حال تمثلهم في صورة بشرية
ـ من هذه الأحاديث ، حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ : بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ.... الحديث ..... وفي آخره قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. " . رواه مسلم .
ـ وحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
"كنتُ معَ أبي عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ وعندَهُ رجلٌ يناجيهِ - قالَ عفَّانُ وهوَ كالمعرِضِ عنِ العبَّاسِ - فخرَجْنا من عندِهِ فقالَ ألم ترَ إلى ابنِ عمِّكَ كالمُعرِضِ عنِّي فقلتُ إنَّهُ كانَ عندَهُ رجلٌ يناجيهِ - قالَ عفَّانُ فقالَ أوَ كانَ عندَهُ أحدٌ قلتُ نعَم - قالَ فرجعَ إليهِ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ هل كانَ عندَكَ أحدٌ فإنَّ عبدَ اللَّهِ أخبرَني أنَّ عندَكَ رجُلًا تُناجيهِ قالَ هل رأيتَهُ يا عبدَ اللَّهِ قالَ نعَم قالَ ذاكَ جبريلُ وهوَ الَّذي شغَلني عنكَ"رواه أحمد ـ رحمه الله ـ وهو صحيح .صححه الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين / ج : 1 / ص : 341.
ـ وحديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ عند البخاري ومسلم :
"أنَّ جِبْرِيلَ، أتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَن هذا؟ أوْ كما قالَ، قالَتْ: هذا دِحْيَةُ، فَلَمَّا قَامَ، قالَتْ: واللَّهِ ما حَسِبْتُهُ إلَّا إيَّاهُ، حتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ، أوْ كما قالَ، قالَ أبِي: قُلتُ لأبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هذا؟ قالَ: مِن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ. " .
تعليق : دحية الكلبي : هو دحية بن خليفة الكلبي .
كان صحابيًا مشهورًا بالجمال ، وكان جبريل ينزل على صورته .

* * * *
فلابد لصحة إيمان العبد ، الإيمان بالملائكة :
والمقصود به الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بالقيام بها . والذي يستقصي الآيات القرآنية الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة ، التي تكلمت عن الملائكة ، وأوصافهم وأعمالهم ، وأحوالهم ، يلاحظ أنها تناولت في الغالب ما يبين علاقتهم بالخالق سبحانه ، وبالكون ، وبالإنسان
فعرَّفنا سبحانه من ذلك على ما ينفعنا في تطهير عقيدتنا .
وأما حقيقة الملائكة ، وكيف خلقهم ، وتفصيلات أحوالهم ، فقد استأثر سبحانه بها .
وهذه خصيصة عامة من خصائص العقائد الإسلامية ، تناولت الحقائق الكونية ، والتعريف بها في حدود ما يحتاج إليه البشر ، ويصلح أحوالهم في المعاش والمعاد وما تطيقه عقولهم .
والمؤمن الصادق يُقر بكل ما أخبر به الخالق ، مجملًا أو مفصلًا ، ولا يزيد على ذلك ، ولا ينقص منه ، ولا يتكلف البحث عما لم يطلع عليه ، ولا يخوض فيه .

علاقة الملائكة بالخالق :
علاقة الملائكة بالخالق ، علاقة العبودية الخالصة ، والطاعة والامتثال ، والخضوع المطلق لأوامره عز وجل .
قال تعالى " يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " . سورة النحل / آية : 50 .
وقال تعالى " لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " .سورة التحريم / آية : 6 .
علاقة الملائكة بالكون والإنسان :
وإذا كانت تلك هي صلتهم بربهم : عبودية كاملة له سبحانه ، وطاعة تامة لأوامره عز وجل ، فإن صلتهم بالكون والإنسان هي فرع تلك العبودية ، وتلك الطاعة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق