الثلاثاء، 7 يناير 2020

ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامةِ

ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامةِ
"قال اللهُ : ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامةِ : رجلٌ أعطى بي ثم غدرَ ، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنَه ، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفى منهُ ولم يُعْطِه أجرَه"الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 2227 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر السنية =
قال ابن التين: "هو سبحانه خصم لجميع الظالمين، إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح" فتح الباري :4 /418.
ـ الخُصومَةُ : الجَدَلُ .
في هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ المولى عزَّ وجلَّ عن ثلاثةِ أصنافٍ منَ النَّاسِ يَفعلون من الأفعالِ ما يَستوجبُ خُصومةَ اللهِ تعالى يومَ القِيامَةِ، أوَّلُهم: رجلٌ أعطى باللهِ ثُمَّ غَدَرَ، يَعني: أعطَى العهدَ واليَمينَ باسمِ اللهِ، ثُمَّ غَدَرَ بهذا العَهْدِ ونَقَضَه، ولم يَفِ بيَمينِه وعَهدِه.
- أي عاهد عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه-
والثاني: رَجلٌ باع حُرًّا وهو يَعلَمُ أنَّه حُرٌّ. وإنَّما عَظَّمَ الإثمَ فيمَنْ باع حُرًّا؛ لأنَّ المسلمينَ أَكفَاءٌ في الحُرمةِ والذِّمَّةِ، وللمُسلمِ على المسلمِ أن يَنصُرَه ولا يَظلِمُه، وأنْ يَنصَحَه ولا يُسلِمَه، وليس في الظُّلمِ أعظمُ من أن يَستَعبِدَه أو يُعَرِّضَه لذلك، ومَن باع حُرًّا فقد مَنَعَه التَّصرُّفَ فيما أباح اللهُ له، وأَلْزَمَه حالَ الذِّلَّةِ والصَّغارِ، فهو ذَنبٌ عظيمٌ لذلك.
والثالثُ: رَجلٌ استأجَرَ أجيرًا، فاستَوْفَى منه العَمَلَ الَّذي استأجَرَه من أَجْلِه، ولم يُعطِه أَجْرَه؛ لأنَّ الأجيرَ وَثِقَ بأمانَةِ المُؤَجِّرِ، فإن خان الأمانةَ تَولَّى اللهُ جَزاءَه. الدرر السنية =
*ولذلك نجد أن بعض الناس عنده أُناس يعملون عنده، إما خدم أو سائقين أو موظفين، أو غير ذلك من المهن الأخرى، ويمكث بعضهم أشهر أو ربما سنوات وله استحقاقات مالية من رواتبه لم تُصرف له، وربما تحايل عليه، أو هدده بإرجاعه إلى بلده إذا اشتكى إلى الجهات المختصة.. أو غير ذلك من الحيل، كل هذا سحت يأكله صاحبه سحتًا.
وعلى خلاف ذلك، فإن الله يبارك لمن وفى الأُجراء أجرهم ويخلف عليهم أفضل مما أنفقوا.الألوكة =



"أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خَصْلةٌ منهن كانت فيه خَصْلَةٌ من النفاقِ حتى يدعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ ، وإذا حدَّثَ كذبَ ، وإذا عاهدَ غَدرَ ، وإذا خاصمَ فجرَ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 34 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر السنية =

الشرح: النِّفاقُ هو إظهارُ المرءِ خِلافَ ما يُبطنُ، ويَنقسِم إلى نِفاقِ عَملٍ ونفاقِ اعتقادٍ؛ أمَّا نفاقُ الاعتقادِ فهو أنْ يُبطنَ الرَّجلُ الكفرَ ويُظهرَ الإسلامَ، وهذا مُخلَّدٌ في الدَّرْكِ الأسفلِ مِنَ النَّارِ ليس في عِداد الموحِّدِينَ، وأمَّا نِفاقُ العملِ فصاحبُه مُوحِّدٌ غيرُ مُخلَّدٍ في النَّارِ، وفي هذا الحديثِ بَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النِّفاقَ العمَليَّ، وذكَر فيه الخِصالَ المميِّزةَ له، فقال: أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافِقًا خالصًا، أي: شديدَ الشَّبَهِ بالمُنافقين بسبَبِ هذه الخِصالِ، ومَن وُجِد فيه بعضُها، كان لدَيه مِن النِّفاقِ بقدرِ ما وُجِدَ فيه منها، حتَّى يترُكَ هذه الخِصالَ؛ فالخَصلةُ الأولى مِن هذه الخِصالِ: أن يشتهِرَ بالخيانةِ بين النَّاس، والخَصلةُ الثَّانيةُ: أن يشتهِرَ ذلك الإنسانُ بالكذبِ في الحديث، والخَصلةُ الثَّالثة: إذا عاهَد أحدًا غدَر به، ولم يَفِ بالعهدِ الَّذي عاهَده عليه، والخَصلةُ الرَّابعة: الفجورُ في الخصومةِ، ويعني بالفجورِ أن يخرُجَ عنِ الحقِّ عمدًا، حتَّى يصيرَ الحقُّ باطلًا، والباطلُ حقًّا.
والمقصودُ مِن الحديثِ: أنَّ هذه الخِصالَ خِصالُ نِفاقٍ، وصاحبُها شبيهٌ بالمُنافقين في هذه الخِصالِ، ومتخلِّقٌ بأخلاقِهم، لا أنَّه مُنافقٌ يُظهِرُ الإسلامَ وهو يُبطِنُ الكفرَ، فلم يُرِدِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنِّفاقِ المذكورِ في الحديثِ النِّفاقَ الَّذي صاحبُه في الدَّركِ الأسفلِ مِن النَّارِ، الَّذي هو أشدُّ الكفرِ، وإنَّما أراد أنَّها خِصالٌ تُشبِهُ معنى النِّفاقِ؛ لأنَّ النِّفاقَ في اللُّغةِ أن يُظهِرَ المرءُ خلافَ ما يُبطِنُ، وهذا المعنى موجودٌ في الكذِبِ، وخُلْفِ الوعدِ، والخيانةِ، ومعنى قولِه: (كان منافِقًا خالصًا)، أي: خالصًا في هذه الخِلالِ المذكورةِ في الحديثِ فقط، لا في غيرِها؛ فالنِّفاقُ نوعانِ: نفاقٌ اعتقاديٌّ يُخرِجُ صاحبَه عن الإيمانِ، وهو إظهارُ الإسلامِ وإخفاءُ الكفرِ، ونفاقٌ عمَليٌّ، وهو التَّشبُّهُ بالمنافقين في أخلاقِهم، وهذا لا يُخرِجُ صاحبَه عن الإيمانِ، إلَّا أنَّه كبيرةٌ.
= الدرر السنية =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق