الثلاثاء، 7 يناير 2020

لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

فقه حديث لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ
قال الإمام مسلم في صحيحه :حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ،قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قال : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " .
صحيح مسلم » كِتَاب التَّوْبَةِ » بَاب سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً ...

شرح الحديث
في هذا الحديثِ يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالَّذي نَفسُه بِيدِه، لَو لم تُذنِبوا، أَيُّها المُؤمنونَ لَذهَبَ اللهُ بِكمْ، ولَجَاءَ بِقومٍ مِن جِنْسِكم أَوْ مِن غَيرِكم، يُذنِبونَ، فيَستَغفِرون اللهَ فيَغفِرُ لَهم؛ لأنَّ العِبادَ لَو لم يُذنِبوا لَخِيفَ عَليهِم ما هُوَ أَكبرُ مِن ذَلك، أَلا وَهُوَ العُجْبُ. ولَجَاءَ بِقَومٍ يُذنِبونَ؛ وذَلكَ لأنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ يُحِبُّ مِن عَبدِه مَقامَ العُبوديَّةِ الَّذي هُو مُنتَهى الذُّلِّ مَع مُنتَهى الحُبِّ، ولَيسَ في الحديثِ مُواساةٌ للمُنهَمِكينَ في الذُّنوبِ، وإنَّما فيه بَيانُ عَفوِ اللهِ تَعالى وتَجاوزِه عنِ الُمذنِبينَ التَّائبينَ، لِيرْغَبوا في التَّوبةِ إِلى اللهِ فَيَتُوبوا، ويُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ سُبحانَه كَما يُجازي المُحسنينَ بإحْسانِهم، فإِنَّه يَعفو ويَصفَحُ عنِ الُمذنِبينَ.
وفي الحديثِ: بَيانُ رَحمَةِ اللهِ بعِبادِه ومَغفِرتِه لذُنوبِهم،
وتَجاوزُه سبحانَه عنِ المُسيءِ.- الدرر -

وقال الشيخ الفوزان:
والحديث معناه ظاهر أن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه وأن يغفر لهم ليظهر بذلك فضله سبحانه وتعالى وآثار صفته الغفار والغفور، وهذا كما في قوله تعالى‏"‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ‏"‏سورة الزمر‏:‏ الآيتين 53، 54‏.
الحديث يدل على مسألتين عظيمتين‏:‏
أولًا ـ المسألة الأولى‏:‏ أن الله سبحانه وتعالى عفو يحب العفو، غفور يحب المغفرة‏.‏
ثانيًا ـ والمسألة الثانية‏:‏ فيه بشارة للتائبين بقبول توبتهم ومغفرة ذنوبهم وألا يقنطوا من رحمة الله ويبقوا على معاصيهم ويصروا عليها، بل عليهم أن يتوبوا ويستغفروا الله سبحانه وتعالى، لأن الله فتح لهم باب الاستغفار وباب التوبة، هذا معنى الحديث‏.‏ ثم أيضًا فيه - في الحديث أيضًا - كسر العُجْب من الإنسان، وأن الإنسان لا يعجب بنفسه وبعمله؛ لأنه محل للخطأ ومحل للزلل ومحل للنقص، فعليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار من تقصيره ومن خطئه ومن زَلَله، ولا يظن أنه استكمل العبادة أو أنه ليس بحاجة إلى الاستغفار، فهذا فيه الحث على الاستغفار، وأن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه ويتوبوا إليه وفي الحديث ‏"‏كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"‏ ‏ ‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‏- الدرر، وليس معناه أن الله يحب من عباده أن يذنبوا أو يحب المعاصي، فالله سبحانه وتعالى لا يحب الكفر ولا يرضاه ولا يحب المعاصي، ولكنه يحب من عباده إذا أذنبوا وعصوا أن يتوبوا إليه سبحانه وتعالى وأن يستغفروه، هذا معنى الحديث‏
.


الشيخ :صالح بن فوزان الفوزان صالح بن فوزان الفوزان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق