الثلاثاء، 7 يناير 2020

لِلهِ أبوك

قال الإمام مسلم في صحيحه :
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ ، قال:حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ،قال: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ ، قال:حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ :
" غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ ، أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا ، ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ ، فَوَرَدَ الْمَاءَ ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ ، وَسَبَى ، وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ ، فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا ، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ : الْقَشْعُ : النِّطْعُ - مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ ، فَقَالَ : يَا سَلَمَةُ ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا ، ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ فِي السُّوقِ ، فَقَالَ لِي : يَا سَلَمَةُ ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ ، فَقُلْتُ : هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَوَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا ، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ"

  • صحيح مسلم = هنا=
  • كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ
  • بَابُ التَّنْفِيلِ ، وَفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسَارَى
  • حديث رقم 3402



الشرح
يَحكي سلَمةُ بنُ الأكوعِ أنَّهم غزَوْا فَزارةَ، وكان قائدُ السَّريَّةِ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رضِي اللهُ عنه، فلمَّا كان بيننا وبين الماءِ ساعةٌ، أي: الماءِ الَّذي كان عليه العدوُّ، أمَرَنا أبو بكرٍ "فعرَّسْنا"، أي: نزَلْنا آخرَ اللَّيلِ، ثمَّ شنَّ الغارةَ، أي: أغار عليهم مِن كلِّ وجهٍ، فورَد الماءَ، فقتَل مَن قتَل عليه وسبَى، وأَنظَر إلى عُنقٍ مِن النَّاسِ، أي: جماعةٍ منهم، فيهم الذَّراريُّ، أي: الأولادُ والنِّساءُ، فخشِيتُ أن يَسبقوني إلى الجبلِ فينفلتوا منِّي، فرميتُ بسَهمٍ بينهم وبين الجبلِ، فلمَّا رأَوُا السَّهمَ وقَفوا، فجئتُ بهم أسوقُهم، وفيهم امرأةٌ مِن بني فَزارةَ، وهي أم قِرفةَ، عليها "قِشعٌ مِن أَدَمٍ" وهي الجُلودُ اليابسةُ، والقِشعُ: النِّطَعُ، أي: عليها كساءٌ مِن جلدٍ مدبوغٍ، معها ابنةٌ لها مِن أحسَنِ العرَبِ، فسُقْتُهم حتَّى أتيتُ بهم أبا بكرٍ، فنفَّلني أبو بكرٍ ابنتَها، أي: أعطانيها نافلةً، أي: زيادةً مِن الخُمُسِ على سهمِه مِن الغنيمةِ، فقدِمْنا المدينةَ وما كشفتُ لها ثوبًا، فلقِيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّوقِ، فقال: يا سلَمةُ، هَبْ لي المرأةَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، واللهِ لقد أعجبَتْني، "وما كشَفْتُ لها ثوبًا"، كنايةً عن عدمِ الجِماعِ، ثمَّ لقِيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الغَدِ في السُّوقِ، فقال لي: يا سلَمةُ، هَبْ لي المرأةَ "للهِ أبوكَ"، وهي كلمةُ مدحٍ؛ أنَّ أباكَ أتى بمِثلِك، فقلتُ: هي لك يا رسولَ اللهِ، فواللهِ ما كشَفْتُ لها ثوبًا، فبعَث بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أهلِ مكَّةَ، ففدَى بها ناسًا مِن المُسلِمين كانوا أُسِرُوا بمكَّةَ.
في الحديثِ: أنَّ مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُفاداةَ، وفِداءَ الرِّجالِ بالنِّساءِ الكافِراتِ.
وفيه: التَّفريقُ بين الأمِّ وولدِها البالغِ.
وفيه: استيهابُ الإمامِ أهلَ جيشِه بعضَ ما غَنِموه؛ ليُفاديَ به مُسلِمًا، أو يصرِفَه في مصالحِ المُسلِمين، أو يتألَّفَ به مَن في تألُّفِه مصلحةٌ.
وفيه: قولُ الإنسانِ للآخَرِ: للهِ أبوكَ، وللهِ دَرُّكَ .

=الدرر السنية =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق