الاثنين، 6 يناير 2020

الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ

الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ

لَمَّا أفَاءَ اللَّهُ علَى رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ في النَّاسِ في المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، ولَمْ يُعْطِ الأنْصَارَ شيئًا، فَكَأنَّهُمْ وجَدُوا إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ ما أصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقالَ: يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بي، وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمُ اللَّهُ بي، وعَالَةً فأغْنَاكُمُ اللَّهُ بي كُلَّما قالَ شيئًا قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أمَنُّ، قالَ: ما يَمْنَعُكُمْ أنْ تُجِيبُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالَ: كُلَّما قالَ شيئًا، قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أمَنُّ، قالَ: لو شِئْتُمْ قُلتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وكَذَا، أتَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ، وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى رِحَالِكُمْ، لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصَارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا وشِعْبًا لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ وشِعْبَهَا، الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ، إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي علَى الحَوْضِ "الراوي : عبدالله بن زيد - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4330 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -

الشرح:
المؤلَّفةُ قلوبُهُمْ هُم ممَّن أَسْلَموا بعدَ فَتحِ مكَّةَ، وفي إِسلامِهم ضَعفٌ، فأعْطاهمُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم العَطايا ليُرغِّبَهم في الإسلامِ، كما يُوضِّح هذا الحديث، وفيه أنَّه لَمَّا أفاءَ اللهُ على رسولِهِ يومَ حُنينٍ، أي: أَعطاهُ غنائمَ الذينَ حاربَهمْ يومَ حُنَينٍ، فقَسَمَ الغَنائِمَ في النَّاسِ فأعطى المؤَلَّفةَ قلوبُهم، ولم يُعطِ الأنصارَ شيئًا؛ فكأنَّهمْ وَجدوا، أي: حزِنوا؛ إذْ لم يُصِبْهمْ ما أَصابَ الناسَ، حيثُ لم يَقسِمْ لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فخَطبَهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ"يا مَعشرَ الأَنصارِ، ألَمْ أجِدْكمْ ضُلَّالًا فهَداكمُ اللهُ بي؟!" أي: كنتُم في ضلالةِ الشِّركِ، فهَداكمُ اللهُ بالإيمانِ"وكُنتمْ مُتفرِّقينَ فألَّفكُم اللهُ بي؟!" حيثُ كانوا مُتناحِرينَ مُتقاطِعينَ، يُحارِبُ بعضُهم بَعضًا كما في حربِ بُعاثٍ، فجَمَعهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وألَّفَ اللهُ بينَ قلوبِهمْ، "وكُنتمْ عَالةً"، أي: فُقراءَ، "فأَغناكُم اللهُ بِي؟!"، فكانَ مِن أدَبِ الأنصارِ أنَّهم كلَّما قالَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا، قالوا لَهُ: (اللهُ ورَسولُهُ أمَنُّ)، أي: لهما الفَضلُ والمِنَّةُ على الحقيقةِ.
فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"ما يَمنعُكمْ أن تُجيبوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟" أي: تَردُّوا عليه وتذكُروا ما صَنعتُم معَه من مُساندةٍ، فلمَّا سَكتُوا، تَكلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلِسانِهم فقالَ"لو شِئتُمْ قُلتُمْ: جِئتَنا كذا وكذا"، أيْ: أَتيْتَنا مُكذَّبًا فصدَّقناكَ، ومُخذَّلًا فنصَرْناكَ وطريدًا فآوْيناكَ، وعائِلًا فواسَيْناكَ، وهذا مِن تواضُعِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنصافِهِ، فلولا هِجرتُهُ إليهِم لكانوا كسائِرِ الناسِ، ثمَّ طيَّبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خواطِرَهم وهوَّنَ عليهمْ فقْدَهُم المالَ بقولِه"أتَرضَوْنَ أنْ يذهبَ الناسُ بالشَّاةِ والبَعيرِ" وغيرِها من الأموالِ ومتاعِ الدُّنيا" وتذهَبونَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رِحالِكمْ؟"، أي: بُيوتِكمْ ومنازِلِكمْ، قالَ لهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"لولا الهِجرةُ لكنتُ امرأً من الأَنصارِ"، أيْ: لولا أنِّي هاجرْتُ، وصِرتُ مَنسوبًا إلى الهِجرةِ، ولا يسعُني تركُها، لانتَسبْتُ إلى الأنصارِ، وكنتُ واحدًا مِنهم"ولوْ سلكَ الناسُ واديًا وشِعْبًا" أي: طريقًا في الجبلِ "لَسلَكْتُ واديَ الأنصارِ وشِعْبَها"؛ وذلكَ لفَضلِ الأنصارِ، "الأَنصارُ شِعارٌ" "الشِّعارُ" هو الثَّوبُ الذي على الجِلد"والناسُ دِثارٌ" "الدِّثارُ" هوَ الثوبُ الذي فوقَ الشِّعارِ، فأرادَ أنَّهمْ أقربُ الناسِ إليه، ثمَّ قالَ"إنَّكُمْ ستَلقَوْنَ بَعدي أَثَرةً"، أيْ: إنَّهُ سيُفضَّلُ غيرُكمْ علَيْكمْ في الأموالِ المُشترَكةِ العامَّةِ، وأرشدَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ما يَصنعونَ فقالَ: "فاصبِروا حتى تلقَوْني على الحوْضِ"، فتَنالوا الثوابَ الكبيرَ والأجرَ الجَزيلَ ما يُعوِّضُكمْ عن هذِه الأَثَرةِ.
وفي هذا الحديثِ: إِشارةٌ إلى جَلالَةِ رُتبةِ الهِجرةِ، ومَنزِلةِ الأَنصارِ.
وفيه: أنَّ مَن فازَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم واتِّباعِه، فقدْ فازَ بكلِّ شيءٍ. .

- الدرر -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق