اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا
"كانَ
رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ
طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ
علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ". الراوي
: أبو موسى الأشعري - المحدث :
البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1432 .
اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب، أي: أن ما قدره الله كائن، ويمكن أن يستنبط منه ومن الحديث الذي بعده أن قبول الشفاعة ليس بلازم إذا شفعوا، فليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يوافقهم على ما قالوا ويعطيهم ما سألوا وما شفعوا فيه؛ لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم: تؤجروا ويحصل ما شفعتم به مثلًا، وإنما قال: ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء، أي: أنه لا يلزم أن يتحقق هذا الأمر الذي طلبتم، ولكن أنتم تقومون بهذا العمل الطيب وتتربوْن عليه وتنفعون إخوانكم وتحصلون على الأجر، وبذلك يحصل التواصل في المجتمع، ويتحقق ذلك الوصف المطلوب فيهم، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقول الله "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" الحجرات:10. فهذا من مقتضى الأخوة الإيمانية، أما أن يبقى الإنسان لا يعيش إلا لنفسه فقط، ولا يسعى إلا لمصالحها، ولا يلتفت إلى إخوانه المسلمين فهذا أمر لا يليق بحال من الأحوال، فهذه أنانية مَقِيتة، والواجب على الإنسان أن يتخلى عن ذلك.
كثير من النَّاس أُوتِي جاه فَيَأْتِيهِ المُحتاج لِيَشفع لهُ عنْد فُلان وعَلاَّن، ويقول والله يا أخي عَجِزْنَا عنهُ هذا كِتَبْنا لهُ مِرَارًا ما اسْتَفَدْنا.
يا أخي اكتب! ألا تريد الأجر؟ يَقْضِي الله على لسان مَخْلُوقِهِ ما شاء، طَلَبْ ولاّ ما أَجَاب قُبِل ولاّ مَا قُبل هذا ليس لك، النَّتَائِج ليس بيدك، أنْتَ مَأْمُور بالشَّفَاعة"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا"النِّساء / 85؛ فالشَّفاعة لا تُكَلِّفُ شيئًا هي مُجَرَّد كلمة، والآنْ بعد ما يحتاج إلى أنْ تَلْبَس حِذَائِك وبِشْتِك وتُرُوح تِشْفَع، لا إمَّا تِلِفُون أو وَرَقَة اكْتُب وأنْت جالس وتُرُوح يَثْبُت لك هذا الأجر، ونَعْرِف من سَادَ الأُمَّة لا بِقُوَّتِهِ ولا بِمَالِهِ ولا بشيء - ولكن - بمثل هذه الشَّفَاعَات؛ لأنّ بعض النَّاس يتصور أنَّهُ كُل ما كتب تهبط قيمتُهُ، ينزل مُسْتَواه وما أشبه ذلك، لا لا أبدًا العكس، الذِّي يَتَولَّى الشَّفاعة للنَّاس لا شكَّ أنَّ الله -جلَّ وعلا- يَرْفَعُهُ في الدُّنيا والآخرة.
النَّووي -رحمهُ الله- كان صاحب شَفَاعَات من جاءَهُ كَلَّم عنهُ الوُلاة وكَتَب، ويَسْمَع أَحيانًا ما يَسُرُّهُ وأحيانًا ما يَسُوءُهُ، يَضِيرُهُ شيء؟! يحصل له الأجر ، بعث له الوالي مرَّة من المرَّات، قال: لا تَشْفَع لِأَحَد، فَجَاءَهُ شخص شفع لهُ، ثاني شفع لهُ، لمَّا نَظَر الوالي وين المَسْأَلة؟ اعْتَرَفْ بِأَنَّ أَمْرَهُ لله، ولاّ بعض النَّاس إذا جَاءَهُ مثل هذا الكلام الخَشِن تَأْخُذُهُ العِزَّةُ بِالإِثْم ويَيْأَس وخلاص انتهى كُل شيء بالنِّسْبَةِ لهُ؛ لكنّ النَّووي أَعَادَ الشَّفَاعة، أعاد الشَّفاعة، ثُمّ قال الوالي: أَشْهَدُ أنَّهُ يَشْفَعُ لله، فَأَجَاب طلبهُ، وصار لا يَرُدُّ لهُ طَلَب.
وَأَدْرَكْنَا من الشُّيُوخ مَن يَشْفَع للصَّغِير والكَبِير عِنْدَ الكَبِير والصَّغِير، ورَفَعَ الله -جَلَّ وعلا- مَنْزِلَتَهُ فِي الدُّنيا والآخرة، والآخرة اللهُ أعلمُ بِها؛ لكنْ هذا الذِّي يَغْلِبْ على الظَّن، امْتِثَالًا لهذا الحديث"اشفعوا تُؤجروا" يعني ما الذِّي يَضِيرُك أنْ تُكَلِّم فُلان أو عَلان مِنْ أَجل فُلان؟ وإذا كانت هذه الشَّفاعة أيضًا فيما يُقَرِّبُ إلى الله -جَلَّ وعلا- كُنتَ مِمَّن دلَّ عليه، ولك نصيبٌ من هذا الأَجر، شَرِكْتْ صَاحب هذا الأجر "يَقْضِي اللَّهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ". النَّتَائِج ليست بيد الشَّافع ولا المَشْفُوع لهُ ولا المَشْفُوع عنده، الله -جلَّ وعلا- هو المُعْطِي وهو المَانِع"و إنما أنا قاسمٌ ، و اللهُ يُعطى"اشْفَع لفُلان يُعْطَ من بيت المَال كَذا أو يُعْطَ من مَال فُلان التَّاجِر كذا، الله المُعطِي -جَلَّ وعلا-، المَسْأَلَة لَيْسَت مُلْزِمَة؛ لكنْ أَنْتْ احْصَلْ عَلَى الأَجْر المُرَتَّبْ على الشَّفَاعة في هذا الحَدِيث الصَّحِيح، وعَادْ كُوْنُهُ يُجَابْ أو لا يُجَابْ تَمَنَّ أنْ يُجَابْ طَلَبْك تَمَنَّ وتَرْجُو ذلك، إِذَا لمْ يُجَبْ حَصَلَ لكَ الأَجْر وتَحْقِيقُهُ والمُسَبِّب هو الله -جَلَّ وعَلا- هو الذِّي يُرَتِّبْ المُسَبِّبَات على أَسْبَابِها، والله المُسْتعان.
هنا-الشيخ عبد الكريم عبد الله الخضير.
إنما أنا مُبلِّغٌ ، و اللهُ يَهدي ، و إنما أنا قاسمٌ ، و اللهُ يُعطى"الراوي : معاوية بن أبي سفيان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 2347 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
*وتكلمنا على مثل هذه المعاني في مناسبات شتى، وأسوأ من ذلك أن يكون الإنسان عنده حاجة أخيه وهو يستطيع أن يمضيها أو يمنعها، ومع ذلك يمتنع -من غير ضرر- حتى لا يخرج من تحت يده شيء، مع أنه لا يخسر ولا يحصل من هذا ضرر، أما إذا كان يحصل من ذلك ضرر فهنا لا إشكال، لأنه مؤتمن على ما تحت يده، لكن أحيانًا لا يحصل ضرر إطلاقًا ومع ذلك يمتنع فهذا لا يجوز، وأسوأ من ذلك أن يحبس حاجات الناس ومصالحهم حتى يعطى رشوة، فهذا من أكبر الكبائر، والناس في الشر يتفاوتون، كما أنهم في الخير يتفاوتون.
"أنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كانَ عَبْدًا يُقَالُ له مُغِيثٌ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ودُمُوعُهُ تَسِيلُ علَى لِحْيَتِهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبَّاسٍ: يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَاجَعْتِهِ قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قالَ: إنَّما أنَا أشْفَعُ ،قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ".الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5283 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وبريرة -رضي الله عنها- كانت مملوكة، قيل: لبني المغيرة، وقيل غير ذلك، وزوجها مغيث، وهو أيضًا مملوك، فأعتقت بريرة، وإذا أعتقت المرأة فإنها تخير في البقاء مع زوجها المملوك أو في تركه؛ لأن الكفاءة هنا منتفية، فبطبيعة الحال بريرة مخيرة، فاختارت أن تفارق زوجها، وكان يحبها حبًّا شديدًا، كما جاء في بعض الروايات أنه كان يتبعها ويكفكف دموعه يبكي على فراقها، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق له، فقال"لو رَاجَعْتِهِ" ، وهذا أسلوب فيه تحضيض وعرض، وفيه مقدر محذوف، أي: لو راجعته لكان أجرًا، لكان ثوابًا، لكان حسناً، ولكنه لا يدل على الإلزام، هي عبارة تحتمل، وتنبئ عن رغبة بحصول هذا الأمر، لكن ليس بأمر واضح صريح مؤكد، فقال لها: "لو رَاجَعْتِهِ" من باب الإشارة عليها، فقالت: يا رسول الله، أتأمرني بمراجعته، وفي بعض الروايات أنها سألته أآمرٌ أم شافع؟، فقال لها النبي "إنَّما أنَا أشْفَعُ".إذا كان أمرًا فإنه يجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، كما قال الله " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا "النور:51، وقوله تعالى" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "الحشر:7، وقوله" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ" هذا يشمل قبول الأمرين: قبول العطاء من المال، وقبول الأحكام والأوامر والنواهي، كما قال تعالى" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "النساء:65. "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ "النور:64.
الشيخ خالد عثمان السبت- هنا -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق